الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
21 - باب دِيَةِ الجَنِينِ
4568 -
حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرىِ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كانَتا تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ هُذَيْلِ، فَضَرَبَتْ إِحْداهُما الأُخْرى بِعَمُودٍ فَقَتَلَتْها وَجَنِينَها، فاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: كَيْفَ نَدي مَنْ لا صاحَ وَلا أَكَلَ وَلا شَرِبَ وَلا اسْتَهَلَّ؟ ! .
فَقالَ: "أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الأَعْرابِ؟ ! ". وَقَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ وَجَعَلَهُ عَلَى عاقِلَةِ المَرْأَةِ (1).
4569 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ بإسْنادِهِ وَمَعْناهُ. وَزادَ فَجَعَلَ النَّبي صلى الله عليه وسلم دِيَةَ المَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ القاتِلَةِ وَغُرَّةً لمِا في بَطْنِها (2).
قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ الحَكَمُ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ المُغِيرَةِ.
4570 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ وَهارُونُ بْنُ عَبّادٍ الأَزْدي -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ عُروَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشارَ النّاسَ فِى إِمْلاصِ المَرْأَةِ، فَقالَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِيها بِغرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. فَقالَ: ائْتِني بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ. فَأَتاهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ. زادَ هارُونُ: فَشَهِدَ لَهُ، يَعْني: ضَربَ الرَّجُل بَطْنَ امْرَأَتِهِ (3).
قالَ أَبُو داوُدَ: بَلَغَني عَنْ أَبي عُبَيْدٍ إِنَّما سُمّي إِمْلاصًا لأَنَّ المَرْأَةَ تَزْلِقُهُ قَبْلَ وَقْتِ الوِلادَةِ، وَكَذَلِكَ كلُّ ما زَلَقَ مِنَ اليَدِ وَغَيْرِهِ فَقَدْ مَلِصَ.
4571 -
حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، عَنَ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ المُغِيرَةِ، عَنْ عُمَرَ بِمَعْناهُ.
قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ وَحَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ
(1) رواه مسلم (1682).
(2)
رواه مسلم (1682).
(3)
رواه البخاري (6907)، ومسلم (1683).
أَنَّ عُمَرَ قالَ (1).
4572 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ المِصِّيصي، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قالَ: أَخْبَرَني عَمْرُو بْن دِينارٍ أَنَّهُ سَمِعَ طاوُسًا، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنْ عُمَرَ أنَّهُ سَأَلَ عَنْ قَضِيَّةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم في ذَلِكَ، فَقامَ إِلَيْهِ حَمَل بْنُ مالِكِ بْنِ النّابِغَةِ فَقالَ: كُنْتُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إِحْداهُما الأُخْرى بِمِسْطَحٍ فَقَتَلَتْها وَجَنِينَها، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَنِينِها بِغُرَّةٍ وَأَنْ تُقْتَلَ (2).
قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ النَّضْرُ بْن شُمَيْلٍ: المِسْطَحُ هُوَ الصَّوْبَجُ.
قالَ أَبُو داوُدَ: وقالَ أَبُو عُبَيْدٍ: المِسْطَحُ عُودٌ مِنْ أَعْوادِ الخِباءِ.
4573 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ الزُّهْري، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طاوُسٍ قالَ: قامَ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى المِنْبَرِ فَذَكَرَ مَعْناهُ لَمْ يَذْكر وَأَنْ تُقْتَلَ. زادَ بِغرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. قالَ: فَقالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ لَوْ لَمْ أَسْمَعْ بهذا لَقَضَيْنا بِغَيْرِ هذا (3).
4574 -
حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمّارُ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ طَلْحَةَ حَدَّثَهُمْ قالَ: حَدَّثَنا أَسْباطٌ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ في قِصَّةِ حَمَلِ بْنِ مالِكٍ قالَ: فَأَسْقَطَتْ غُلامًا قَدْ نَبَتَ شَعْرُهُ مَيِّتًا وَماتَتِ المَرْأَةُ، فَقَضَى عَلَى العاقِلَةِ الدِّيَةَ. فَقالَ عَمُّها: إِنَّها قَدْ أَسْقَطَتْ يا نَبي اللَّهِ غُلامًا قَدْ نَبَتَ شَعْرُهُ. فَقالَ أَبُو القاتِلَةِ: إِنَّهُ كاذِبٌ، إِنَّهُ واللَّه ما اسْتَهَلَّ وَلا شَرِبَ وَلا أَكَلَ فَمِثْلُهُ يُطَلُّ؟ فَقالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم:"أَسَجْعَ الجاهِلِيَّةِ وَكَهانَتَها أَدِّ في الصَّبي غُرَّةً". قالَ ابن عَبّاسٍ: كانَ اسْمُ إِحْداهُما مُلَيْكَةَ، والأُخْرى أُمَّ غُطَيفٍ (4).
(1) رواه البخاري (6908، 7317، 7318).
(2)
رواه ابن ماجه (2641)، وأحمد 1/ 364، 4/ 79.
وصححه الألباني.
(3)
رواه البيهقي 8/ 43.
وقال الألباني: ضعيف الإسناد.
(4)
رواه النسائي 8/ 51. وضعفه الألباني.
4575 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ ابْنُ زِيادٍ، حَدَّثَنا مُجالِدٌ قالَ: حَدَّثَنا الشَّعْبي، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ قَتَلَتْ إِحْداهُما الأُخْرى، وَلكُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُما زَوْجٌ وَوَلَدٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِيَةَ المَقْتُولَةِ عَلَى عاقِلَةِ القاتِلَةِ وَبَرَّأَ زَوْجَها وَوَلَدَها. قالَ: فَقالَ عاقِلَةُ المَقْتُولَةِ مِيراثُها لَنا، قالَ: فَقالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا، مِيراثُها لِزَوْجِها وَوَلَدِها"(1).
4576 -
حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَيانٍ وابْنُ السَّرْحِ قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَأَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْداهُما الأُخْرى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْها، فاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِيَةَ جَنِينِها غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَليدَةٌ، وَقَضَى بِدِيَةِ المَرْأَةِ عَلَى عاقِلَتِها وَوَرَّثَها وَلَدَها وَمَنْ مَعَهُمْ، فَقالَ: حَمَلُ بْنُ مالِكِ بْنِ النّابِغَةِ الهُذَلي: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَغْرَمُ دِيَةَ مَنْ لا شَرِبَ وَلا أَكَلَ وَلا نَطَقَ وَلا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّما هذا مِنْ إِخْوانِ الكُهّانِ". مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الذي سَجَعَ (2).
4577 -
حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنِ ابن المسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ في هذِه القِصَّةِ قالَ: ثُمَّ إِنَّ المَرْأَةَ التي قَضَى عَلَيْها بِالغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ مِيراثَها لِبَنِيها وَأَنَّ العَقْلَ عَلَى عَصَبَتِها (3).
4578 -
حَدَّثَنا عَبّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا يُوسُفُ بْن صُهَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً حَذَفَتِ امْرَأَةً فَأَسْقَطَتْ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ في وَلَدِها خَمْسَمِائَةِ شاةٍ، وَنَهَى يَوْمَئِذٍ عَنِ الحَذْفِ.
(1) رواه ابن ماجه (2648).
وصححه الألباني.
(2)
رواه البخاري (5758، 6910)، ومسلم (1681).
(3)
رواه البخاري (6740، 6909)، ومسلم (1681).
قالَ أَبُو داوُدَ: كَذا الحَدِيث: خَمْسَمِائَةِ شاةٍ. والصَّوابُ: مِائَةُ شاةٍ.
قالَ أَبُو داوُدَ: هَكَذا قالَ عَبّاسٌ وَهُوَ وَهَمٌ (1).
4579 -
حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرّازي، حَدَّثَنا عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدٍ -يَعْني: ابن عَمْرٍو-، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الجَنِينِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ (2).
قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى هذا الحَدِيثَ حَمّادُ بْن سَلَمَةَ وَخالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍ ولَمْ يَذْكُرا أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ.
4580 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سِنانٍ العَوَقي، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ وَجابِرٍ، عَنِ الشَّعْبي قالَ: الغُرَّةُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ.
قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ رَبِيعَةُ: الغرَّة خَمْسُونَ دِينارًا (3).
* * *
باب دية الجنين
[4568]
(ثنا حفص بن عمر النمري) بن الحارث بن سخبرة النمري، روى عنه البخاري في غير ما موضع، قال (ثنا شعبة، عن منصور) منصور وما بعده من رجال مسلم.
(عن إبراهيم عن عبيد) بالتصغير (ابن نضيلة) بضم النون وفتح الضاد المعجمة مصغر (عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن امرأتين كانتا) قال القرطبي: وقد ذكر الحديث ابن أبي أسامة، عن أبي المليح مرسلًا قال: إن حمل
(1) رواه النسائي 8/ 46. وضعفه الألباني.
(2)
رواه البخاري (5758، 5759، 6904)، ومسلم (1681).
(3)
رواه ابن أبي شيبة 14/ 146 (27850). قال الألباني: ضعيف الإسناد مقطوع.
بن مالك كانت له امرأتان: مليكة، وأم عفيف، فضربت إحداهما الأخرى، فأصابت قلبها فماتت، وألقت جنينًا ميتًا. انتهى (1).
وفي رواية ابن عباس أن الضاربة أم عفيف (2) بنت سروع (3)، والمضروبة مليكة بنت ساعد.
وقال ابن عبد البر: مليكة بنت عويمر (4)(تحت رجل من هذيل) قيل: هو حمل بن مالك كما سيأتي (فضربت إحداهما الأخرى) أي: في قبلها، كما تقدم (بعمود) رواية مسلم: بعمود فسطاط (5). والفسطاط: الخيمة.
قال القرطبي: لا تباعد فيما بين هذِه الرواية، ورواية: فرمت إحداهما الأخرى بحجر. الآتية، إذ يحتمل أن تكون جمعت ذلك عليها، فأخبر أحدهما بإحدى الآلتين، والثاني بالأخرى (6) (فقتلتها) وما في بطنها (فاختصموا (7) إلى النبي صلى الله عليه وسلم) سيأتي في الرواية الآتية:
(1)"المفهم" 5/ 65. وانظر: "بغية الباحث" (523)، "إتحاف الخيرة المهرة" 4/ 192 (3408)، "المطالب العالية" 9/ 169 (1902).
(2)
كذا في (ل)، وفي (م): عقيق، والصواب: غطيف؛ كما في مصادر التخريج لرواية لابن عباس وكما سيأتي في حديث (4574).
(3)
كذا في (ل، م) والصواب: مسروح. انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 371، "التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة 1/ 389، و"الإصابة" 8/ 438.
(4)
"الاستيعاب" 4/ 467 (3532).
(5)
"صحيح مسلم"(1682).
(6)
"المفهم" 5/ 59 - 60.
(7)
مقابلها في حاشية (ل): فاختصمتا.
فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دية جنينها غرة أو وليدة (1)(فقال أحد الرجلين) هو حمل بن مالك كما سيأتي إن شاء اللَّه (كيف ندي) بفتح النون وكسر الدال، أي: نعطي دية (من لا صاح) والرواية الآتية: من لا استهل (2). ومعناهما: رفع الصوت عند السقوط ببكاء ونحوه (ولا أكل، ولا شرب ولا أستهل) أي: رفع صوته، فمثل هذا يطل.
(فقال: أسَجع) بفتح السين المهملة وسكون الجيم (كسجع الأعراب؟ ! ) والسجع الكلام المقفى، والجمع: أسجاع وأساجيع. قال العلماء: إنما ذم سجعه لوجهين: أحدهما: أنه عارض به حكم الشرع ورام إبطاله.
والثاني: أنه تكلفه في مخاطبته، وهذان الوجهان من السجع مذمومان، وأما السجع الذي كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقوله في بعض الأوقات، وهو مشهور في الحديث، فليس من هذا؛ لأنه لا يعارض به حكم الشرع، ولا تكلفه، فلا نهي فيه، بل هو حسن، ويدل على هذا قوله:"كسجع الأعراب" وأشار إلى أنَّ بعض السجع هو المذموم ([وقضى فيه] (3) غرة) (4) بالنصب: مفعول (قضى) لأنه بمعنى أوجب، وغرة المال خياره.
قال ابن فارس: غرة كل شيء أكرمه وأنفسه (5). وأطلقت هاهنا على
(1) يأتي قريبًا برقم (4576).
(2)
(4576).
(3)
من "السنن".
(4)
كذا قال، وفي المطبوع: بغرة.
(5)
"مجمل اللغة" 1/ 681.
الإنسان؛ لأن اللَّه تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم.
قال ابن عبد البر: معناه الأبيض؛ ولذلك سميت غرة، فلا يوجد فيها الأسود؛ ولهذا اختار مالك أن تكون من الحمر (1)، والذي قاله أبو عمر خلاف ما اتفق عليه الفقهاء أنه يجزئ فيها البيضاء والسوداء، ولا تتعين البيضاء، وإنما المعتبر عندهم أن تكون قيمتها عشر دية الأم، أو نصف عشر دية الأب (وجعله على عاقلة المرأة) أي: على أولياء المرأة الضاربة، وهذا نص على أن الغرة يقوم بها العاقلة، وبه قال الكوفيون (2) والشافعي (3)، وهو أحد قولي مالك، وقيل: إنه على الجاني (4). قال القرطبي: وهو المشهور من مذهب مالك، وقاله أهل البصرة (5).
[4569]
(ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال (ثنا جرير، عن منصور بإسناده ومعناه، وزاد: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة) وقد احتج بظاهر الحديث من رأى أنه لا يستقاد ممن قتل بمثقل، وإنما عليه الدية وهم الحنفية (6)، ولا حجة لهم في ذلك لما تقدم من أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أقاد ممن قتل بحجر، كما تقدم في حديث اليهودي الذي رضَّ رأسها بين
(1)"المدونة" 4/ 634 - 635.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 5/ 175، "المبسوط" 26/ 87، "بدائع الصنائع" 7/ 255.
(3)
"الأم" 7/ 267.
(4)
قال في "المدونة" 4/ 630: لا تحمله العاقلة، وإنما هو في مال الجاني.
(5)
"المفهم" 5/ 63.
(6)
انظر: "المبسوط" 26/ 122.
حجرين (1)، ولقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (2)، والمماثلة بالمثقل ممكنة، وفيه دلالة على أنَّ العاقلة تحمل الدية، وقد أجمع المسلمون على أنها تحمل دية الخطأ، وما زاد على الثلث فاختلفوا في الثلث، فإن قيل: كيف ألزم العاقلة الدية والقتل عمد، والعاقلة لا تحمل عمدًا، ولا صلحًا، ولا اعترافًا؟ فالجواب أنَّ هذا الحديث قد خرجه النسائي من حديث حمل ابن مالك، وقال فيه: فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة، وأن تقتل بها (3). وهو طريق صحيح، وهذا نص في أنه قضى بالقصاص من العاقلة ووجه التعليق، وبه يحصل الجواب على التحقيق أنه صلى الله عليه وسلم قضى بقتل القاتلة أولًا، ثم إن العصبة والأولياء أصطلحوا على أن يلتزم (4) العصبة الدية، ويعفو الأولياء، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدية على العصبة لما التزموها، واللَّه أعلم.
(وغرة لما في بطنها) وهو عبد أو أمة، كما سيأتي (وكذلك رواه الحكم) بن عتيبة (عن مجاهد، عن المغيرة).
[4570]
(ثنا عثمان بن أبي شيبة، وهارون بن عباد الأزدي المعنى، ثنا وكيع، عن هشام) بن عروة (عن) أبيه (عروة) كذا في مسلم (5)(عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما أن عمر) بن الخطاب (استشار
(1) سبق برقم (4527).
(2)
البقرة: 194.
(3)
"المجتبى" 8/ 21، "السنن الكبرى" 4/ 219.
(4)
في (ل، م): التزم. والمثبت هو الصواب.
(5)
"صحيح مسلم"(1683).
الناس) فيه استشارة الكبير ممن هو دونه، ومشاورة القاضي الفقهاء (في إملاص المرأة) كذا وقع هنا بالفٍ قبل الميم، وكذا ذكره الحميدي (1) وغيره، وإملاص مصدر ملصت المرأة الجنين إذا أزلقته قبل وقت الولادة، وكل ما زلق من اليد فهو ملص، والمرأة مجرورة بالإضافة، وهو الفاعل في المعنى والمفعول محذوف وهو الجنين، وحكاه الهروي عن (ابن عمر في إملاص)(2) المرأة الجنين.
(فقال: المغيرة بن شعبة: شهدت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى فيها بغرة عبدٍ أو أمة) روي: (غرةٍ) بالتنوين، و (عبد) بالجر على البدل، وروي بغير تنوين وخفض (عبد) بالإضافة، ومعناهما متقارب، وإن اختلف توجيههما النحوي، وذكر صاحب "المطالع" الوجهين ثم قال: الصواب رواية التنوين (3)، ويوضحه رواية البخاري في "صحيحه" في باب دية جنين المرأة: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالغرة عبد أو أمة (4). وقد فسر الغرة في الحديث بعبد أو أمة (أو)(5) هنا للتقسيم، لا للشك.
(فقال) له عمر (ائتني بمن يشهد لك)(6) على هذا ليس في هذا شك في عدالة المغيرة، وإنما هو استزادة يقين وطمأنينة نفس، ولا حجة فيه لمن يشترط العدد في قبول أخبار الآحاد؛ لأن عمر قد قبل خبر الضحاك
(1)"الجمع بين الصحيحين" 3/ 419 - 420.
(2)
في النسخ: عمر في امرأة. والمثبت كما في "الغريبين" 6/ 1861.
(3)
"مطالع الأنوار" 5/ 137.
(4)
"صحيح البخاري"(6904).
(5)
في (ل)، (م): الواو. والمثبت هو الصواب.
(6)
بعدها في (م): معك. وفوقها: نسخة. وهو ما في المطبوع.
وغيره من غير استظهار (فأتاه محمد (1) بن مسلمة) بفتح الميم، هو: ابن خالد الأوسي (زاد هارون) بن عباد (فشهد له، يعني) أنه (ضرب الرجل بطن امرأته) الرواية المتقدمة هي الموافقة لما في الصحاح وعلى تقدير صحة هذِه الرواية، فليس فيها التصريح بأنها ألقت جنينها.
(قال أبو داود: وبلغني عن أبي عبيد) القاسم (إنما سمي إملاصًا؛ لأن المرأة) الحامل تملصه، أي: تسقطه و (تزلقه) بضم التاء، وكسر اللام، من بطنها (قبل وقت الولادة، وكذلك كل ما زلق) بكسر اللام (من اليد وغيره فقد ملص) بكسر اللام، تقول: ملص الشيء من يدي وانملص، أي: أفلت، وتدغم النون في الميم وتقول في حبل الدلو: رشاء ملص، إذا كانت اليد تزلق عليه، ولا تستمكن من القبض عليه (2).
[4571]
(ثنا موسى بن إسماعيل) قال (ثنا وهيب) بن خالد (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن المغيرة) بن شعبة (عن عمر رضي الله عنه بمعناه، ورواه حماد بن زيد وحماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن (3)[عمر](4) قال) الحديث.
[4572]
(وثنا محمد بن مسعود المصيصي) بكسر الميم، قال (ثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد الشيباني (عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار) أنه (سمع طاوسًا، عن ابن عباس، عن عمر) بن الخطاب،
(1) كذا في النسخ، وفي المطبوع: بمحمد.
(2)
انظر: "الصحاح" 3/ 1057.
(3)
من المطبوع.
(4)
كذا في النسخ، وفي المطبوع: بمحمد.
وللنسائي أن عمر استشار (1) الناس عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في دية الجنين فقام حمل (2). وروى البيهقي عن طاوس أن عمر قال: أُذَّكِّر اللَّه امرأ (3) سمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا في الجنين، فقام حمل (4). وهذا يدل على أنَّ حملا (5) عاش إلى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(أنه سأل عن قضية) بكسر الضاد المعجمة (النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، قال: فقام حمل) بفتح الحاء المهملة والميم (ابن مالك بن النابغة) الذهلي.
(قال: كنت بين امرأتين) من هذيل، وفي رواية: أنَّ امرأتين من بني لحيان. وهما واحد؛ لأن لحيان قبيل من هذيل، وفي رواية: امرأتين لي (6). فدل على أنهما زوجتاه، وهو ظاهر قوله هنا:"كنت بين امرأتين" وفي رواية البيهقي: كانت امرأتان ضرتان بينهما سخب فرمت إحداهما الأخرى بحجر. . الحديث (7). وفيه قال ابن عباس: كان اسم إحداهما مليكة والأخرى أم غطيف (8).
(فضربت إحداهما الأخرى بمسطح) بكسر الميم، وسكون السين المهملة، وسيأتي تفسيره (فقتلتها وجنينها) سمي بذلك لاستتاره في
(1) كلمة غير مقروءة في (ل)، (م)، وأثبتناها من "سنن النسائي".
(2)
"المجتبى" 8/ 21، "السنن الكبرى" 4/ 218 - 219.
(3)
في النسخ: أحد. والمثبت من "سنن البيهقى".
(4)
"سنن البيهقي" 8/ 114.
(5)
في (ل)، (م): حمل. والجادة ما أثبتناه.
(6)
رواها ابن ماجه (2641)، والدارقطني 3/ 115، والبيهقى 8/ 77.
(7)
"السنن الكبرى" 8/ 199.
(8)
السابق.
بطن أمه، وإن خرج حيًّا فهو ولد، وإن خرج ميتًا فهو سقط (فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة) وهي عبد أو أمة (وأن تقتل) المرأة الجانية قصاصًا.
(قال النضر بن شميل: المسطح هو: الضريح)(1) بفتح المعجمة، وآخره حاء مهملة، أصله اسم شجر، فلعل المسطح كان عودًا منه (وقال أبو عبيد: المسطح عود من أعواد الخباء) الذي هو الفسطاط، وعن النضر بن شميل: المسطح عود يرقق به الخبز.
[4573]
(ثنا عبد اللَّه بن محمد) بن المسور (الزهري) قال (ثنا سفيان) ابن عيينة (عن عمرو) بن دينار (عن طاوس) بن كيسان اليماني.
(قال: قام عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه على المنبر، فذكر معناه) و (لم يذكر) فيه (أن تقتل) و (زاد: بغرة عبد أو أمة) فيه التنوين أو الإضافة وجهان كما تقدم (فقال عمر: اللَّه أكبر) فيه التكبير عند التعجب، كما يقال: سبحان اللَّه! للتعجب (لو لم أسمع بهذا) القضاء (لقضينا بغير هذا).
[4574]
(ثنا سليمان بن عبد الرحمن التمار) الكوفي مات (252)(أن عمرو بن) حماد بن (طلحة) القناد، صدوق يرمى بالرفض (حدثهم قال: ثنا أسباط) بن نصر الهمداني (عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة حمل) بفتح الحاء المهملة، والميم (ابن مالك) بن النابغة.
(قال) فيها (فاسقطت) المرأة الحبلى (غلامًا قد نبت شعره ميتًا وماتت المرأة) في هذا نص على تأخر موتها عن الضرب والإسقاط، وفيها أيضًا
(1) بعدها في (ل)، (م): نسخة: الصوبج. وهو ما في المطبوع.
أن الجنين خرج ميتًا، والأولى محتملة لأن يكون خرج، ولئلا يكون خرج، وبينهما فرقان، فإنه إذا مات في بطنها ولم يخرج فلا شيء فيه عند كافة العلماء؛ لأنه لم يتحقق موته، ولأنه كالعضو منها، ولم ينفصل عنها، فلا شيء فيه، وأجمع أهل العلم على أنَّ [في](1) الجنين الذي يسقط من ضرب أمه حيًّا (2) ثم يموت الدية كاملة في الخطأ وفي العمد بعد القسامة.
(فقضى على العاقلة الدية) إن قيل: كيف ألزم العاقلة الدية، والقتل عمد، والعاقلة لا تحمل عمدًا؟ وقد تقدم هذا السؤال، والجواب عنه قريبًا (قال عمها) حاكيًا للقصة (إنها قد أسقطت) بفتح الهمزة والقاف -يعني: الولد- الذي في بطنها (يا نبي اللَّه غلامًا) مفعول (أسقطت)(قد نبت شعره) يريد أنه قد تكامل شعرا وبشرًا.
(فقال أبو القاتلة) واسمه مسروح، كما في رواية الطبراني، وأنَّ ابنته أم عفيف (3)، وكانت تحت حمل بن النابغة، لكن في روايته: فقال أخوها العلاء بن مسروح: يا رسول اللَّه (4)(إنه كاذب، إنه واللَّه ما استهل) قال القاضي عياض: استهل المولود: رفع صوته عند الولادة، وكل شيء رفع صوته فقد استهل، ومنه: أهلَّ للحج؛ لأنه رفع الصوت بالتلبية (5)(ولا شرب، ولا أكل، فمثله) أي: مثل ذلك (يطل)
(1) ليست في النسخ، أثبتناها ليستقيم السياق.
(2)
ساقطة من (م).
(3)
"المعجم الكبير" 17/ 141.
(4)
السابق.
(5)
"مشارق الأنوار" 2/ 269.
قال القرطبي: رويناه باثنتين من تحت، أي: وتشديد اللام، بمعنى: يهدر، ولا يطلب به، ورويناه بباءٍ موحدة من البطلان، أي: هو ممن ينبغي أن يبطل. قال: والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد، أي: هذا لا ينبغي أن يكون فيه شيء. انتهى (1). وهذا يقتضي أنه لم يرضع أيضًا.
(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أسجع) بفتح همزة الاستفهام التي للإنكار، والسين المهملة، مع إسكان الجيم، وهو تواطؤ فواصل الكلام المنثور على حرف واحد، هكذا حده في "شرح المفتاح" (الجاهلية وكهانتها؟ ! ) أي: أسجع كما كانت الكهان يسجعون حين يخبرون عن المغيبات، كما ذكر ابن إسحاق وغيره، من سجع شِق وسطيح وغيرهما، وهي عادة مستمرة. قيل: إنما أنكر عليه السجع؛ لأنه جاء به في مقابلة حكم اللَّه مستبعدًا له، ولم يذمه من حيث السجع؛ لوروده في الكتاب والسنة (أدِّ) بفتح الهمزة، وتشديد الدال، أي: أعط وادفع (في الصبي) الذي سقط ميتًا (غرة) عبد أو أمة (قال ابن عباس: كان اسم إحداهما مليكة) بضم الميم مصغر (والأخرى: أم كطيف) بضم الغين المعجمة مصغر، ورواية الطبراني عن عويمر قال: كانت أختي مليكة، وامرأة منا يقال لها: أم عفيف بنت مسروح تحت حمل بن النابغة، فضربت أم عفيف مليكة بمسطح بيتها وهي حامل (2).
[4575]
(ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا يونس (3) بن محمد) المؤدب
(1)"المفهم" 5/ 64.
(2)
"المعجم الكبير" 17/ 141 (352).
(3)
فوقها في (ل): (ع).
البغدادي الحافظ (ثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري (ثنا المجالد) بن سعيد الهمداني، من رجال مسلم (ثنا الشعبي عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما أنَّ امرأتين من هذيل) ورواية الطبراني عن أبي المليح الهذلي، عن أبيه قال: كان فينا رجل يقال [له](1): حمل بن مالك له امرأتان، إحداهما هذلية والأخرى عامرية، فضربت الهذلية بطن العامرية بعمود خباء أو فسطاط (2).
(قتلت إحداهما الأخرى، ولكل واحدة منهما زوج وولد) أي: بيت (قال: فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على العاقلة (3)، وبرأ زوجها) حمل بن مالك (وولدها) وفي معناه ولد الولد وإن سفل، فإنهم لا يجب عليهم شيء من الدية، واستثنوا من العصبة هم والأصول والآباء والأجداد؛ لأنهم أبعاض الجاني، فكما لا يتحمل الجاني لا تتحمل أبعاضه؛ لأنهم جزء منه (قال: فقال عاقلة المقتولة: ميراثها لنا) لأنا عاقلتها نتحمل عنها الدية (فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا) بل (ميراثها لزوجها وولدها) رواية الترمذي: فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن عقلها على عصبتها (4). كما سيأتي. فيه أنَّ الزوج والأولاد من مستحقي الفرض، والتعصيب مقدم على العاقلة.
[4576]
(ثنا وهب بن بيان) الواسطي (وابن السرح قالا: ثنا) عبد اللَّه
(1) ليست في النسخ.
(2)
"المعجم الكبير" 1/ 193 (514).
(3)
كذا بالنسخ، وفي "السنن": عاقلة القاتلة.
(4)
"سنن الترمذي"(2111).
(ابن وهب) قال (أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اقتتلتا (1) امرأتان من هذيل) وفي رواية لمسلم: من بني لحيان (2). ولا مخالفة؛ لأن لحيان فخذ من هذيل، ولهذا صدق أن يقال على القاتلة أنها هذلية لحيانية (فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها) تقدم أنه لا منافاة بينها وبين الرواية المتقدمة: بمسطح أو بعمود خباء. إذ يحتمل أن تكون جمعت ذلك عليها، فأخبر أحدهما بالحجر، والآخر بالعمود.
(فاختصموا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دية) منصوب بـ (قضى)؛ لأنها بمعنى أوجب -كما تقدم- أو ألزم (جنينها) مضاف إليه (غرة) بدل مما قبله منصوب، ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ، أي: هي غرة، ويجوز التنوين وغيره (عبد) إن قرئ (غرة) بلا تنوين، فـ (عبد) مجرور على الإضافة، ومع التنوين في (عبد) النصب والرفع كما في (غرة)(أو وليدة) معطوف على (عبد) فيجوز فيها الثلاثة الأوجه التي في (عبد) و (أو) فيه للتنويع أو التخيير، لا للشك، يعني بالوليدة: الأمة، كما في الرواية المتقدمة مكان الوليدة (وقضى بدية المرأة) المقتولة (على عاقلتها) هذا يوهم خلاف المراد، والتقدير: قضى بدية المرأة المقتولة على عاقلة القاتلة [ويدل على هذا التقدير الرواية المتقدمة: فجعل دية المقتولة على عصبة القاتلة](3)(وورثها ولدها)
(1) في المطبوع: اقتتلت.
(2)
"صحيح مسلم"(1681/ 35).
(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
أي: أولادها العصبة (ومن معهم) الزوج، ولم يختلف في أن الزوج يرث هنا من دية زوجته فرضه، وإن كانوا قد أختلفوا فيه: هل يرث من دية الجنين أم لا؟ .
(فقال حمل بن مالك بن النابغة الهذلي: يا رسول اللَّه، كيف أغرم دية) فيه دلالة على أنه غارم، وليس بوارث؛ ولهذا قال الليث بن سعد وربيعة: إن الغرة للأم خاصة (من لا شرب ولا أكل) قدم الشرب على الأكل ليحصل السجع بمماثلة اللام التي في (يطل)(ولا نطق ولا استهل) أي: رفع صوته بالبكاء (فمثل ذلك يطل) المعروف في نسخ أبي داود بضم المثناة تحت، وتشديد اللام، ورجحه الخطابي (1)، والأكثر بالموحدة.
(فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنما هذا من إخوان الكهان) جمع كاهن (من أجل سجعه الذي سجع) يعني: أنه تشبه بالكهان، فسجع كما يسجعون حين يخبرون عن المغيبات، كما تقدم.
[4577]
(ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه في هذِه القصة) المذكورة (قال: ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت) قال العلماء: هذا الكلام يوهم خلاف مراده، فالصواب أن المرأة التي ماتت هي المجني عليها، وهي أم الجنين، لا الجانية، كما تقدم، فيحمل المراد على أن المراد بقوله:"التي قضى عليها بالغرة". أي: التي قضى لها بالغرة، فـ (على) بمعنى (اللام)، كما أنَّ (اللام) تأتي بمعنى (على) في قوله تعالى:
(1)"معالم السنن" 4/ 31.
{يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} (1) أي: على الأذقان، وهم يحملون الشيء على نظيره. (فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأنَّ ميراثها لبنيها، وأنَّ العقل على عصبتها) كذا في مسلم (2). قال النووي: أي: على عصبة القاتلة (3).
[4578]
(ثنا عباس) بالباء الموحدة، والسين المهملة (بن عبد العظيم) العنبري من حفاظ البصرة، روى عنه البخاري في الأيمان وغيرها، ومسلم قال (ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن موسى) العبسي، كان عالمًا بالقراءات رأسًا فيه، قال العجلي: ما رأيته رافعًا رأسه ولا ضاحكًا قط (4). (ثنا يوسف بن صهيب، عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب الأسلمي.
(أنَّ امرأة خذفت امرأة فأسقطت) جنينها (فرفع ذلك إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فجعل في ولدها خمسمائة شاة، ونهى يومئذٍ) أي: يوم رفع إليه إسقاط المرأة من الخذف، ثم حذف وعوض التنوين عنه (عن الخذف) وظاهره أن قصة المرأة كانت سببًا للنهي عن الخذف.
قال ابن الأثير: الخذف بالخاء المعجمة أي: تأخذ حصًا أو نوًى فتجعلها بين سبابتيك ترميها، أو تأخذ محذفة من خشب، فترمي بين إبهامك والسبابة (5).
(قال أبو داود: هكذا) قال عباس في (الحديث خمسمائة شاة) وفي
(1) الإسراء: 107.
(2)
"صحيح مسلم"(1681/ 35). وكذا هو في البخاري (6740، 6909).
(3)
"مسلم بشرح النووي" 11/ 177.
(4)
"الثقات" 2/ 114 رواية.
(5)
"جامع الأصول" 7/ 36، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 16.
رواية الطبراني: فيه غرة عبد أو أمة أو خمسمائة. لكن لم يذكر "شاة"، وهو وهم (والصواب: مائة شاة) قال ابن قدامة في "المغني": جاء في حديث أبي هريرة: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل، [وجعل ابن سيرين مكان الفرس مائة شاة، ونحوه قال الشعبي؛ لأنه روي في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل في ولدها مائة شاة (1).
[4579]
(ثنا إبراهيم بن موسى الرازي) قال (ثنا عيسى) بن يونس (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس (2) أو بغل) ذهب عروة وطاوس ومجاهد إلى أن في الجنين غرة عبد أو أمة أو فرس؛ لأن الفرس اسم لذلك، أي: للغرة التي في وجهها.
قال ابن قدامة: وسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قاضية على ما خالفها، وذكر الفرس والبغل في الحديث وهم، انفرد به عيسى بن يونس عن سائر الرواة، والظاهر أنه وهم فيه، وهو متروك في البغل بغير خلاف، فكذلك في الفرس. انتهى (3).
وروى الطبراني عن شيخه المقدام بن داود بإسناده إلى أبي المليح
(1)"المغني" 12/ 64.
(2)
أثر عروة رواه ابن أبي شيبة 14/ 144 (27838)، وأثر طاوس رواه عبد الرزاق 10/ 57 (18340)، وابن أبي شيبة 14/ 145 (27842)، وأثر مجاهد رواه ابن أبي شيبة 14/ 145 (27842)، (27843).
(3)
"المغني" 12/ 64.
عن أبيه: فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المرأة بالعقل، وفي الجنين بغرة عبد أو أمة أو بفرس أو بعشرين من الإبل أو كذا وكذا من الغنم (1).
(قال أبو داود: روى هذا الحديث حماد بن سلمة وخالد بن عبد اللَّه، عن محمد بن عمرو) بن علقمة (ولم يذكرا: أو فرس أو بغل) المذكورين قبله.
[4580]
(ثنا محمد بن سنان العوقي) بفتح الواو، وكسر القاف، الباهلي، والعوقة حي من الأزد نزل فيهم، روى عنه البخاري (2)، آخر من حدث عنه أبو مسلم (3)(عن شريك) بن عبد اللَّه القاضي (عن مغيرة، عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (وجابر، عن الشعبي قال: الغرة) يعني (خمسمائة درهم) حكى القرطبي عن الثوري وأبي حنيفة أنهما قالا: الغرة خمسمائة درهم؛ لأن دية أمة عندهم خمسمائة درهم (4) و (قال ربيعة) بن أبي عبد الرحمن (الغرة خمسون دينارًا) هذا مذهب ربيعة في واجب الغرة، وأما بالتقدير فقدرها جماعة من الصحابة بخمسين دينارًا أو ستمائة درهم، لكن هل هذا مع عدم الإبل أو مع وجودها؟ هذا محل الخلاف.
* * *
(1)"المعجم الكبير" 1/ 193 (513).
(2)
"صحيح البخاري"(335).
(3)
هو إبراهيم بن عبد اللَّه الكجي.
(4)
"المفهم" 5/ 61.