الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - باب في كَراهِيةِ التَّمادُحِ
4804 -
حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَن إِبْراهِيمَ، عَنْ هَمّامٍ قالَ: جاءَ رَجُلٌ فَأَثْنَى عَلَى عُثْمانَ في وَجْهِهِ فَأَخَذَ المِقْدادُ بْنُ الأَسْوَدِ تُرابًا فَحَثا في وَجْهِهِ وقالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذا لَقِيتُمُ المَدّاحِينَ فاحْثُوا في وُجُوهِهِمُ التُّرابَ"(1).
4805 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا أَبُو شِهابٍ، عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَثْنَى عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقالَ لَهُ:"قَطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِكَ". ثَلاثَ مَرّاتٍ ثُمَّ قالَ: "إِذا مَدَحَ أَحَدُكُمْ صاحِبَهُ لا مَحالَةَ فَلْيَقُلْ: إِنّي أَحْسِبُهُ كَما يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ وَلا أُزَكِّيهِ عَلَى اللَّهِ"(2).
4806 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرٌ -يَعْني: ابن المُفَضَّلِ- حَدَّثَنا أَبُو مَسْلَمَةَ سَعِيدُ بْن يَزِيدَ، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ مطَرِّفٍ قالَ: قالَ أَبي: انْطَلَقْتُ في وَفْدِ بَني عامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنا: أَنْتَ سَيِّدُنا. فَقالَ: "السَّيِّدُ اللَّهُ تبارك وتعالى". قُلْنا: وَأَفْضَلُنا فَضْلًا وَأَعْظَمُنا طَوْلًا. فَقالَ: "قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ وَلا يَسْتَجْرِيَنَكُمُ الشَّيْطانُ"(3).
* * *
باب في كراهية التمادح
[4804]
(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان)
(1) رواه مسلم (3002).
(2)
رواه البخاري (2662)، ومسلم (3000).
(3)
رواه أحمد 4/ 24، والبخاري في "الأدب المفرد"(211)، والنسائي في "الكبرى"(10076).
وصححه الألباني.
الثوري (عن منصور) بن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن همام) بن الحارث النخعي.
(قال: جاء رجل فأثنى على عثمان في وجهه) لفظ مسلم: أن رجلًا جعل يمدح عثمان فعمد المقداد فجثا على ركبتيه، وكان رجلًا ضخمًا، فجعل يحثو في وجهه الحصباء. فقال له عثمان: ما شأنك؟ (1).
(فأخذ المقداد بن) عمرو (الأسود) الكندي، وكان من السابقين (ترابًا فحثا في وجهه) قال القرطبي: كان هذا الرجل أكثر من المدح حتى صدق عليه أنه مداح، ولذلك عمل المقداد بظاهر هذا الحديث فحثا في وجهه التراب، ولعل هذا الرجل كان ممن اتخذ المدح عادة وحرفة، فصدق عليه مداح، وإلا فلا يصدق ذلك على من مدح مرة أو مرتين، وقد بين الصحابي بفعله أن مراد الشرع من هذا الحديث حمله على ظاهره، فعاقب المداح برمي التراب في وجهه، وهم أقعد بالحال وأعلم بالمقال (2).
(وقال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا لقيتم) هو أعم من رواية مسلم: "إذا رأيتم" فإن الرؤية لا تحصل للأعمى بخلاف اللقي، فإنه يشمل الأعمى وغيره (المداحين) من أبنية المبالغة، فإنها لا تحصل إلا من كثر منه المدح حتى صار عادة له، بخلاف المادح، فإنه يطلق على من مدح ولو مرة.
(فاحثوا في وجوههم التراب) تأول هذا غير الصحابي؛ لأنه رأى أن
(1)"صحيح مسلم"(3002/ 69).
(2)
"المفهم" 6/ 628 - 629.
ظاهره جفاء، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بالجفاء، فقيل: معناه خيبوهم ولا تعطوهم شيئًا؛ لأن من أعطى التراب لم يعط شيئًا كما جاء في الحديث الآخر: "إذا جاء صاحب الكلب يطلب ثمنه فاملأ كفه ترابًا"(1) أي: خيبه ولا تعطه شيئًا. وقريب منه: "وللعاهر الحجر"(2).
وقيل: إن معناه أعطه ولا تبخل عليه، فإن مآل كل ما يعطى إلى التراب، كما قال:
وكل الذي فوق التراب تراب
وقيل: معناه التنبيه للممدوح على أن يتذكر أن المبتدأ والمنتهى التراب، فليعرضه على نفسه؛ لئلا يعجب الممدوح بالمدح، وقد أثنى رجل على علي فقال: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرًا مما يظنون (3). ولئلا يفرط المداح في مدحه ويطري فيه، وربما انتهى إلى الكذب، لا سيما المداح بالشعر، فإن الشعراء في كل واد يهيمون، وإنهم يقولون ما لا يفعلون.
[4805]
(حدثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (حدثنا أبو شهاب) عبد ربه، الحناط (عن) خالد (الحذاء، عن عبد الرحمن بن أبي
(1) تقدم برقم (3482) من حديث ابن عباس.
(2)
تقدم برقم (2273) من حديث عائشة.
(3)
أورده الغزالي في "الإحياء" 3/ 161، ولم أقف عليه مسندا عن علي رضي الله عنه، لكنه ورد مسندا عن عدي بن أرطأة قال: كان الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا زُكي قال، فذكره، رواه البخاري في "الأدب المفرد"(761) وصححه الألباني.
وروي أيضًا مسندا عن بعض السلف: رواه البيهقي في "الشعب"(4534).
وعزاه في "كنز العمال" للعسكري في "المواعظ" من قول أبي بكر رضي الله عنه.
بكرة، عن أبيه) نفيع بن الحارث بن كلدة.
(أن رجلًا أثنى) لفظ مسلم: مدح (على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم) ولمسلم أنه ذكر عنده رجل فقال: يا رسول اللَّه، ما من رجل بعد رسول اللَّه أفضل منه في كذا وكذا (1). (فقال له) زاد في الصحيحين:"ويحك"(2)(قطعت عنق صاحبك) وفي رواية: "قطعتم ظهر الرجل"(3) ومعناه: أهلكتموه، وهذِه استعارة من قطع العنق الذي هو القتل؛ لاشتراكهما في الهلاك، لكن هلاك هذا الممدوح في دينه.
وقد جاء عنه عليه السلام: "إياكم والمدح فإنه الذبح"(4) ويعني بذلك أن الممدوح إذا كثر عليه من ذلك يخاف عليه من العجب بنفسه والكبر على غيره فيهلك دينه، وإذًا المدح مظنة الهلاك الديني عند كثير من الناس فيحرم، لكن هذِه المظنة لا تتحقق إلا عند الإكثار منه لا مع الندرة (ثلاث مرات) فيه: إعادة الكلام ثلاث مرات تأكيدًا وتحريضًا على العمل به (ثم قال: إذا مدح أحدكم صاحبه) ولمسلم: "أخاه"(لا محالة) بفتح الميم، أي: لا تحول عنه (فليقل: إني أحسبه) كذا (كما تريد أن تقول) وظاهر هذا أنه لا ينبغي للإنسان أن يمدح أحدًا ما
(1)"صحيح مسلم"(3000/ 66).
(2)
"صحيح البخاري"(6061)، "صحيح مسلم"(3000).
(3)
رواها البخاري (2663)، ومسلم (3001) من حديث أبي موسى الأشعري.
(4)
رواه ابن الزفتي في "جزء حديث هشام بن عمار"(56)، وأحمد 4/ 98، والطبري في "تهذيب الآثار" 1/ 83 (136)، والديلمي في "الفردوس" 1/ 384 (1543)، والقضاعي 2/ 94 (953)، والبيهقي في "الشعب" 6/ 501 (4528) من حديث معاوية.
وجد من ذلك مندوحة، فإن لم يجد بدًّا من ذلك مدح بما يعلمه من أوصافه وبما يظنه، ويحترز من الجزم والقطع بشيء من ذلك (ولا أزكيه (1) على اللَّه) لفظ الصحيحين:"ولا أزكي أحدًا على اللَّه"(2) أي: لا أقطع بأنه كذلك عند اللَّه؛ فإن اللَّه تعالى هو المطلع على السرائر، العالم بعواقب الأمور وخفيات الضمائر.
[4806]
(ثنا مسدد، ثنا بشر -يعني: ابن المفضل- ثنا أبو مسلمة (3) سعيد بن يزيد) بن مسلمة الأزدي البصري القصير (عن أبي نضرة) المنذر ابن مالك العبدي، أخرج له مسلم (عن مطرف) بن عبد اللَّه (قال: قال أبي) عبد اللَّه بن الشخير الحرشي.
(انطلقت (4) في وفد بني عامر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) وهي قبيلة معروفة (فقلت: أنت سيدنا) وفي رواية عند المصنف: أنت سيد قريش (فقال: السيد اللَّه) أي: السؤدد في الحقيقة هو للَّه تعالى، فهو الذي يستحق السيادة، وإنما منعهم مع قوله:"أنا سيد ولد آدم"(5) لأنهم حديثو (6) عهد بالإسلام، وكانوا يحسبون أن السيادة بالنبوة فأرشدهم إلى الأدب، فقال: ادعوني نبيًّا ولا تسموني سيدًا. فكأنه كره أن يحمد في وجهه وأحب التواضع للَّه تعالى، ومنه الحديث لما قالوا له: أنت
(1) بعدها في (ل)، (م): يزكه. وعليها: خـ.
(2)
"صحيح البخاري"(2662)، "صحيح مسلم"(3000).
(3)
فوقها في (ل): (ع).
(4)
بعدها في (ل)، (م): انطلقنا، وفوقها: خـ.
(5)
تقدم برقم (4673) من حديث أبي هريرة.
(6)
في (ل)، (م): حديث. ولعل المثبت أصوب لغة.
سيدنا. فقال: "قولوا بقولكم" أي: ادعوني نبيًّا ورسولًا كما سماني اللَّه تعالى، ولا تسموني سيدًا كما تسمون رؤساءكم، فإني لست كأحدكم ممن يسودكم في أسباب الدنيا، ولهذا قال في الحديث:"أنا سيد ولد آدم ولا فخر"(1) وقال لبني قريظة "قوموا إلى سيدكم"(2).
وفي قوله تعالى: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} (3) دليل على جواز إطلاق السيد من يسود قومه كما يجوز أن يسمى عزيزًا وكريمًا.
(قلنا: و) أنت (أفضلنا فضلا) أي: أكثرنا فضيلة وعلمًا (و) أنت (أعظمنا طولًا) أي: قدرة على العطاء والبذل (فقال: قولوا بقولكم) أي: بقول أهل دينكم وشريعتكم وادعوني نبيًّا ورسولًا كما سماني اللَّه تعالى، ولا تسموني سيدًا كما تسموا أكابركم ورؤساءكم (أو) قال: قولوا: (بعض قولكم) فيه حذف واختصار، والتقدير: دعوا بعض قولكم واتركوه فحذف الفعل وبقي المفعول كقوله تعالى: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} (4) أي: وأتوا خيرًا لكم، أو المراد الاقتصار في المقال من غير إفراط.
(ولا يستجرينكم) بفتح الياء والتاء وسكون الجيم وكسر الراء وتشديد نون التوكيد (الشيطان) يستفعل من الجري بفتح الجيم وتشديد ياء النسب، والجري: الرسول والوكيل، ومنه حديث أم إسماعيل:
(1) السابق دون قوله: "ولا فخر"، وهذِه الزيادة رواها الترمذي (3148، 3615)، وابن ماجه (4308) من حديث أبي سعيد.
(2)
يأتي برقم (5215) من حديث أبي سعيد الخدري.
(3)
آل عمران: 39.
(4)
النساء: 171.
فأرسلوا جريًّا (1). أي: رسولًا، والمعنى: لا يستغلبنكم الشيطان ويستتبعنكم فيتخذ كلا منكم جريًّا له، وذلك أنهم كانوا مدحوا النبي صلى الله عليه وسلم وبالغوا وأطروا (2) في مدحه، فكره لهم المبالغة في النهي ونهاهم، يريد بما يحضركم من القول بما فيه الاقتصار، ولا تتكلفوا فيه كأنكم وكلاء الشيطان ورسله تنطقون على لسانه، وسمي الجري جريًّا؛ لأنه يجري مجرى موكله.
* * *
(1) رواه البخاري (3364) من حديث ابن عباس.
(2)
في (م): وأفرطوا.