الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - باب فِي النَّهْي عَنْ سَبِّ أَصْحابِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم
-
4658 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا أَصْحابي، فَوالَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ"(1).
4659 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زائِدَةُ بْنُ قُدامَةَ الثَّقَفي، حَدَّثَنا عُمَرْ بْنُ قَيْسٍ الماصِرُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبي قُرَّةَ قالَ: كانَ حُذَيْفَةُ بِالمَدائِنِ، فَكانَ يَذْكرُ أَشْياءَ قالَها رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأُناسٍ مِنْ أَصْحابِهِ في الغَضَبِ، فَيَنْطَلِقُ ناسٌ مِمَّنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ حُذَّيْفَةَ فَيَأْتُونَ سَلْمانَ فَيَذْكُرُونَ لَهُ قَوْلَ حُذَيْفَةَ فَيَقُولُ سَلْمانُ: حُذَيْفَةُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُ. فَيَرْجِعُونَ إِلَى حُذَيْفَةَ فَيَقُولُونَ لَهُ: قَدْ ذَكَرْنا قَوْلَكَ لِسَلْمانَ فَما صَدَّقَكَ وَلا كَذَّبَكَ. فَأَتَى حُذَيْفَةُ سَلْمانَ وَهُوَ في مَبْقَلَةٍ فَقالَ: يا سَلْمانُ، ما يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَدِّقَني بِما سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقالَ سَلْمانُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يَغْضَبُ فَيَقُولُ في الغَضَبِ لِناسٍ مِنْ أَصْحابِهِ. وَيَرْضَى فَيَقُولُ في الرِّضا لِناسٍ مِنْ أَصْحابِهِ، أَما تَنْتَهي حَتَّى تُوَرِّثَ رِجالًا حُبَّ رِجالٍ، وَرِجالًا بُغْضَ رِجالٍ وَحَتَّى تُوقِعَ اخْتِلافًا وَفُرْقَةً، وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ فَقالَ:"أَيُّما رَجُلٍ مِنْ أُمَّتي سَبَبْتُهُ سَبَّةً، أَوْ لَعَنْتُهُ لَعْنَةً في غَضَبي، فَإِنَّما أَنا مِنْ وَلَدِ آدَمَ أَغْضَبُ كَما يَغْضَبُونَ، وَإِنَّما بَعَثَني رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ، فاجْعَلْها عَلَيْهِمْ صَلاةً يَوْمَ القِيامَةِ". واللَّه لَتَنْتَهِيَنَّ أَوْ لأَكْتُبَنَّ إِلَى عُمَرَ (2).
* * *
(1) رواه البخاري (3673)، ومسلم (2541).
(2)
رواه البخاري في "الأدب المفرد"(234)، وأحمد 5/ 437.
وصححه الألباني.
باب النهي عن سب أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
[4658]
(ثنا مسدد، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش، عن أبي صالح) السمان (عن أبي سعيد) الخدري (قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي) سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات، سواء من لابس الفتن منهم وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون.
قال القاضي: سب أحدهم من المعاصي الكبائر (1)، ومذهبنا (2) ومذهب الجمهور (3) أنه يعزر ولا يقتل، وقال بعض المالكية: يقتل، ولا يختلف في أن من قال: إنهم كانوا على كفر أو ضلال. كافر يقتل؛ لأنه أنكر معلومَّا ضروريًّا من الشرع، فقد كذب اللَّه ورسوله فيما أخبرا عنهم، وكذلك الحكم فيمن كفر أحد الخلفاء الأربعة، أو ضللهم ومن سبهم بغير قذف فيجلد الجلد الموجع، وينكل التنكيل الشديد، قال ابن حبيب: ويخلد سجنه إلى أن يموت (4).
(فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) بفتح النون وكسر الصاد وسكون المثناة تحت، وهو لغة في النصيف، والمعنى: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أحد أصحابي ولا نصف مد أحدهم، وهذا يؤيد تفضيل
(1)"إكمال المعلم" 7/ 580 - 581.
(2)
انظر: "الحاوي الكبير" 17/ 173.
(3)
انظر: "شرح مسلم" للنووي 16/ 93، "المغني" 14/ 148.
(4)
انظر: "المفهم" 6/ 494.
الصحابة كلهم على من بعدهم جميعهم، وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال في أول الإسلام وضعفه دون من بعدهم، وهذا مع ما كان في قلوبهم من النور والخشوع والتواضع والإيثار والجهاد في اللَّه حق جهاده، وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل والفضائل لا تؤخذ بقياس.
[4659]
(ثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا زائدة بن قدامة) أبو الصلت (الثقفي) الكوفي (ثنا عمرو (1) بن قيس الماصر) بكسر الصاد المهملة وتخفيف الراء، سمي بذلك؛ لأنه أول من مصر الفرات، ثقة رمي بالإرجاء (عن عمرو بن أبي قرة) بالقاف والراء المشددة، سلمة بن معاوية بن وهب الكندي الكوفي، ثقة مخضرم.
(قال: كان حذيفة) بن اليمان، اسم أبيه: حسيل، وهو صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (بالمدائن) مدينة قديمة على دجلة تحت بغداد، بينهما سبعة فراسخ، ولاه عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(فكان يذكر) لمن عنده (أشياء قالها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأناس من أصحابه في) حالة (الغضب، فينطلق ناس ممن سمع ذلك من حذيفة) بن اليمان (فيأتون سلمان) الفارسي رضي الله عنه (فيذكرون له قول حذيفة رضي الله عنه، فيقول سلمان: حذيفة أعلم) منا (بما يقول) عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
(فيرجعون إلى حذيفة) بن اليمان (فيقولون [له] (2): قد ذكرنا قولك [لسلمان]) (3) الذي قلته لنا (فما صدقك) فيما قلت (ولا كذبك، فأتى
(1) كذا في (ل)، (م)، والصواب:(عمر).
(2)
و (3) من "السنن".
حذيفة) إلى (سلمان، وهو في مبقلة) بفتح الميم، وهو الموضع ينبت فيه البقل، وهو كل نبات اخضر به الأرض، قاله ابن فارس (1)، يقال: أبقلت الأرض، إذا خرج بقلها فهي باقل، ولا يقال: مبقل، كما قالوا: أدرس الشجر فهو دارس، ولم يقولوا: مدرس، وهو من النوادر. والباقلاء: الفول.
(فقال: يا سلمان) الخير، وكان سلمان بالمدائن أيضًا، وقد روى شعبة، عن سماك بن حرب، سمعت النعمان بن حميد يقول: دخلت مع خالي على سلمان بالمدائن وهو يعمل الخوص، فسمعته يقول: أشتري خوصًا بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهمًا فيه وأنفق درهمًا على عيالي، وأتصدق بدرهم، ولو أرسل إلي عمر فثهاني عنه ما انتهيت (2) (ما يمنعك أن تصدقني بما سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقال سلمان: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يغضب، فيقول في الغضب لناس من أصحابه) أي: كان يحصل له الغضب، فيقول في حال غضبه لأناس من أصحابه بما يحصل به الزجر والردع على سبيل التأديب لهم، وليس فيه ضرر لهم، كقوله ليتيمة أم سليم (3):"لا كبر سنك" أي: لا كبر سنك كبرة تعودي بها إلى أرذل العمر، كما كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من أن يرد إلى أرذل العمر (4).
(1)"مجمل اللغة" 1/ 130.
(2)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 4/ 89، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 21/ 433 - 434.
(3)
في (ل)، (م): أم سلمة. والصواب ما أثبتناه، والحديث رواه مسلم (2603).
(4)
ورد في حديث رواه البخاري (2822)، و"مسلم"(2706).
وقوله: "عقرى حلقى"(1)، و"تربت يمينك"(2) مما هو جارٍ على اللسان حال الغضب من غير قصد الوقوع للمخاطب به.
(ويرضى فيقول في) حال (الرضا لناس من أصحابه) ممن وقع منه فسق قاصر بينه وبين اللَّه: لا تلعنوه، ونحوه، كقوله (3) لشارب الخمر المضروب: لعنه اللَّه ما أكثر ما يشرب: "لا تكن عونًا للشيطان على أخيك"(4)، وما في معناه إشارة إلى أن الرفق في حقه أولى من العنف والتغليظ، ثم قال لحذيفة (أما تنتهي) عن هذا الكلام (حتى تورث رجالًا) من أصحابك (حب رجال) ليسوا بمرضيين، (و) تورث (رجالًا) من أصحابك (بغض رجال) مرضيين (وحتى توقع) بين أصحابك (اختلافًا) بينهم (وفرقة) بضم الفاء، من اختلاف كلمتهم، وتشعب أهويتهم (وقد علمت) يا حذيفة (أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خطب) يومًا (فقال: أيما رجل) بالجر (من أمتي سببته سبة) واحدة (أو لعنته لعنة) واحدة (في) حال (غضبي) عليه (فإنما أنا) رجل (من بني آدم)(5) مجبول على جبلتهم (أغضب كما يغضبون) وأرضى كما يرضون. ولفظ مسلم: "اللهم إني بشر أغضب كما يغضب البشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته أو جلدته، فاجعل ذلك له كفارة ورحمة"(6).
(1) رواه البخاري (1561)، ومسلم (1211) من حديث عائشة.
(2)
رواه البخاري (130)، ومسلم (313) من حديث أم سليم.
(3)
بعدها في (ل) بياض بمقدار كلمة.
(4)
رواه البخاري (6781) من حديث أبي هريرة.
(5)
بعدها في (ل)، (م): نسخة: ولد آدم.
(6)
"صحيح مسلم"(2601/ 91).
(وإنما بعثني (1) رحمة للعالمين) هو موافق لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} (2).
(فاجعلهما (3) عليهم صلاة يوم القيامة) والصلاة هنا بمعنى الرحمة كقوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} (4)، فإن قيل: كيف يجوز أن يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم سب أو لعن لغير مستحقه وهو معصوم من مثل ذلك في الغضب والرضا، فالجواب: أن هذا أشكل على العلماء وراموا التخلص من ذلك بأوجه، أصحها وجه واحد، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يغضب لما يرى من المغضوب عليه من مخالفة الشرع، فغضبه للَّه تعالى، لا لنفسه ولا ينتقم لها، وقد تقرر عند أهل الأصول أن الظاهر من غضبه تحريم الفعل المغضوب من أجله، وعلى هذا فيجوز له أن يؤدب المخالف بالسب واللعن والدعاء عليه بالمكروه، وذلك بحسب مخالفة المخالف، غير أن ذلك المخالف قد يكون ما صدر منه فلتة أوجبتها غفلة أو غلبة نفس أو شيطان، وله فيما بينه وبين اللَّه عمل خالص وحال صادق، يرفع اللَّه بسبب ذلك أثر ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من القول أو الفعل، وعبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه بقوله:"فأيما رجل من أمتي سببته أو لعنته أو دعوت عليه بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورًا"(5).
(1) بعدها في (ل)، (م): نسخة: بعثتني.
(2)
الأنبياء: 107.
(3)
بعدها في (ل): نسخة: فاجعلها.
(4)
البقرة: 157.
(5)
رواه مسلم (2603).
(واللَّه لتنتهين) بكسر الهاء وفتح التاء وتشديد نون التوكيد (أو لأكتبن إلى عمر) بن الخطاب الذي ولاك.
(قال)(1) المصنف (فيحمل عليه برجال) من أصحابه (فكفر) سلمان رضي الله عنه (عن يمينه) التي حلفها (ولم يكتب) بذلك (إلى عمر) بن الخطاب (وكفر) عن يمينه (قبل الحنث) فإنه انتهى عما كان يقوله، فلم يقع اليمين عليه، فأخرج سلمان الكفارة قبل أن تقع عليه اليمين.
(قال) المصنف: التكفير (قبل) الحنث (وبعد) الحنث (جائز) لكن التكفير قبل الحنث إنما يجوز إذا كانت الكفارة لغير الصوم، وأما بالصيام فلا يجوز التكفير به قبل الحنث، لأنه عبادة بدنية فلم يجز تقديمها على وقت وجوبها كالصلاة وصوم رمضان، وهذا هو الصحيح، وقيل: يجوز لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا مثها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير"(2) وعلى الصحيح وهو جواز التقديم في غير الصيام، فالأولى أن لا يقدم بل يؤخر حتى يحنث، للخروج من خلاف أبي حنيفة رضي الله عنه (3).
* * *
(1) من هنا إلى نهاية الشرح ليس في نسخ المطبوع.
(2)
رواه البخاري (6622)، ومسلم (1652) من حديث عبد الرحمن بن سمرة.
(3)
"الأصل" 3/ 242، قال السرخسي في "المبسوط" 8/ 147: ولا يجوز التكفير بعد اليمين قبل الحنث عندنا، واستدل بما رواه البخاري (2622) ومسلم (1652) من حديث عبد الرحمن بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير".