الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب ما يُقالُ عِنْدَ الغضَبِ
4780 -
حَدَّثَنا يُوسُفُ بْن مُوسَى، حَدَّثَنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ قالَ: اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ أَحَدُهُما غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى خُيِّلَ إِلَى أَنَّ أَنْفَهُ يَتَمَزَّعُ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ فَقالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم: "إِنّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قالَها لَذَهَبَ عَنْهُ ما يَجِدُهُ مِنَ الغَضَبِ". فَقالَ: ما هي يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: "يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ". قالَ: فَجَعَلَ مُعاذٌ يَأْمُرُهُ فَأَبَى وَمَحِكَ وَجَعَلَ يَزْدادُ غَضَبًا (1).
4781 -
حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدي بْنِ ثابِتٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ صُرَدَ قالَ: اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبي صلى الله عليه وسلم جعَلَ أَحَدُهُما تَحْمَرُّ عَيْناهُ وَتَنْتَفِخ أَوْداجُهُ فَقالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّي لأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قالَها هذا لَذَهَبَ عَنْهُ الذي يَجِدُ أَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ". فَقالَ الرَّجُلُ: هَلْ تَرى بي مِنْ جُنُونٍ (2).
4782 -
حَدَّثَناِ أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا أَبو مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا داوُدُ بْن أَبي هِنْدٍ، عَنْ أَبي حَرْبِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبي ذَرٍّ قالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ لَنا: "إِذا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الغَضَبُ، وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ"(3).
(1) رواه الترمذي (3452)، وأحمد 5/ 240، والطيالسي (571)، وعبد بن حميد (111)، والنسائي فى "الكبرى"(10149).
وضعفه الألباني.
(2)
رواه البخاري (3282)، ومسلم (2610).
(3)
رواه أحمد 5/ 152، وأبو يعلى في "مسنده الكبير" كما في "إتحاف الخيرة"(7158)، وابن حبان (5688)، والبيهقي في "الشعب"(8284) والبغوي في "شرح السنة"(3584).
وصححه الألباني.
4783 -
حَدَّثَنا وَهْبُ بْن بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ داوُدَ، عَنْ بَكْرٍ أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبا ذَرٍّ بهذا الحَدِيثِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا أَصَحُّ الحَدِيثَيْنِ (1).
4784 -
حَدَّثَنا بَكْز بْنُ خَلَفٍ والحَسَن بْن عَلي -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ ابْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا أَبُو وائِلٍ القاصُّ، قالَ: دَخَلْنا عَلَى عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّعْدي فَكَلَّمَهُ رَجُلٌ فَأَغْضَبَهُ فَقامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ تَوَضَّأَ فَقالَ: حَدَّثَني أَبِي، عَنْ جَدّي عَطِيَّةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطانِ وَإِنَّ الشَّيْطانَ خُلِقَ مِنَ النّارِ، وَإِنَّما تُطْفَأُ النّارُ بِالماءِ فَإِذا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ"(2).
* * *
[4780]
(حدثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي، نجراني، وحدث (عن جرير (3) بن عبد الحميد) الضبي القاضي (عن عبد الملك بن عمير) الكوفي، رأى عليًّا (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري، عالم الكوفة.
(عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم) أي: تسابا، وسب كل واحد منهما الآخر، والسب: الشتم (فغضب أحدهما غضبًا شديدًا) ولفظ الترمذي: حتى عرف الغضب في وجه
(1) رواه ابن أبي شيبة في "مسنده" كما في "الإتحاف"(7157).
وصححه الألباني.
(2)
رواه أحمد 4/ 226، والبخاري في "التاريخ الكبير" 7/ 8، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1267)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(336) وابن حبان في "المجروحين" 2/ 25، والطبراني في "الكبير" 17/ 167 (443) والبيهقي في "شعب الإيمان"(8291).
وضعفه الألباني في "الضعيفة"(582).
(3)
فوقها في (ل): (ع).
أحدهما. وقال في آخر الحديث: هذا حديث مرسل، وعبد الرحمن (1) بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل؛ مات معاذ في خلافة عمر بن الخطاب. وقتل عمر وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام ابن ست سنين. قال: وأبو ليلى اسمه يسار (2)(حتى خُيِّل) بضم الخاء المعجمة، مبني للمفعول من الوهم والظن (إليَّ أن أنفه يتمزع) بفتح الميم والزاي المشددة والعين المهملة، أي: يتشقق ويتقطع غضبًا.
(من شدة غضبه) والمزعة بفتح الميم: القطعة من اللحم وغيره، وذكر أبو عبيد أن الصواب يتزمع بفتح الزاء، والميم المشددة، وهو الذي تراه كأنه يرعد من الغضب، والمشهور في الرواية، كما قال الأزهري وغيره: يتمزع كما تقدم، من قولهم: مزعت الشيء إذا قسمته (3)، وفيه حديث جابر: فقال لهم: "تمزعوا" أي: تقاسموه وفرقوه بينكم.
(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني) واللَّه (لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجده)(من الغضب) الشديد (فقال: ما هي) الكلمة (يا رسول اللَّه؟ قال) هي أن (يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم) أي: إني أستجير بك، وألتجئ إليك من الشيطان الرجيم أن تنجيني (4) منه، فإنه استولى علي وتمكن مني حيث اشتد غضبي.
(1) في الأصول: عبد اللَّه. وهو خطأ، والمثبت الصواب كما مر.
(2)
"سنن الترمذي"(3452).
(3)
"تهذيب اللغة" 2/ 393.
(4)
في (م): تنجدني.
وفي الحديث دليل على أن الشيطان له تأثير في تهييج الغضب وزيادته حتى يحمله على البطش بالمغضوب عليه أو إتلافه، فإذا تعوذ الغضبان باللَّه من الشيطان الرجيم وصح قصده بذلك، وعلم اللَّه صدق نيته، فهو أكرم من أن يخذل من استجار به.
(قال) الراوي (فجعل معاذ) بن جبل (يأمره) بذلك (فأبى) أن يستعيذ من الشيطان؛ لعدم توفيقه (ومحك) بفتح الميم والحاء المهملة والكاف، ومضارعه يمحك بفتح الحاء كذا في "ديوان الأدب" والمحك: اللجاج (1). وقد محك يمحك وأمحكه غيره، ومنه حديث علي رضي الله عنه: لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم.
(وجعل يزداد غضبًا) لجهله فهم معنى الاستعاذة، وفائدة التلفظ بها، فامتنع منه؛ لأنه من جفاة الأعراب الذين قلوبهم من الفقه والفهم خراب، ولهذا جاء في رواية الصحيحين والرواية الآتية. فقال الرجل: أمجنونًا تراني؟ (2) ظنًّا منه أن الذي يحتاج إلى التعوذ إنما هو المجنون.
[4781]
(ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم (عن الأعمش، عن عدي بن ثابت) الأنصاري (عن سليمان بن صرد) بن الجون الخزاعي، كان اسمه في الجاهلية يسارًا، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سليمان، وكان خيِّرا، عابدًا.
(قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما) يغضب و (تحمر عيناه) لفظ البخاري: احمر وجهه (3). وسبب احمرار العينين والوجه
(1)"ديوان الأدب" ص 179.
(2)
"صحيح مسلم"(2610/ 110).
(3)
"صحيح البخاري"(6115).
أن الغضب هو غليان دم القلب، لإرادة الانتقام ممن أغضبه، فإذا غلى الدم ظهر أثر حمرته في الوجه والعينين وظاهر البدن (وتنتفخ أوداجه) هو من إطلاق صيغة الجمع على الاثنين مجازًا؛ لأنه ليس للإنسان غير ودجين فقط، وهما عرقان يحيطان بالحلقوم أو بالمريء.
(فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف كلمة لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد)؛ لأن الشيطان هو الذي يزين للناس الغضب ويحثهم على سرعة الانتقام، فالاستعاذة باللَّه مع صدق الالتجاء من أقوى السلاح على رفع كيده (أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم) تقدم (فقال الرجل) و (هل ترى بي من جنون؟ ! ) ظنا منه أنه لا يستعاذ إلا من الجنون، لأنه جاهل لم يفقه في دين اللَّه، وهو من جفاة الأعراب المنافقين الذين لم يخلص إيمانهم.
[4782]
(ثنا أحمد بن حنبل، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم (ثنا داود (1) بن أبي هند) دينار البصري، رأى أنسًا، وله نحو مائتي حديث، وكان صائم الدهر (عن أبي حرب) ذكره ابن عبد البر فيمن لم يذكر له اسم سوى كنيته (2)(ابن) أبي (الأسود) ظالم الديلي أخرج له مسلم (عن أبي ذر) جندب بن جنادة رضي الله عنه.
(قال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لنا: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس) لأن القائم متهيئ للحركة بالبطش ممن أغضبه، والقاعد دونه في هذا المعنى (فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع) لأن المضطجع
(1) فوقها في (ل): (ع).
(2)
"الاستغنا في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى" 2/ 1131.
أقل حركة من الجالس. ويشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع؛ لئلا يبدو منه في حال قيامه وقعوده بادرة بالانتقام من عدوِّه، فيندم عليها فيما بعد، واللَّه أعلم.
[4783]
(ثنا وهب بن بقية) الواسطي، شيخ مسلم (عن خالد) بن عبد اللَّه الواسطي اشترى نفسه من اللَّه ثلاث مرات، بوزنه فضة (عن داود) بن أبي هند روى (عن بكر) بن عبد اللَّه المزني أبي عبد اللَّه البصري، تابعي، ثقة ثبت جليل (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا ذر رضي الله عنه بهذا الحديث) المذكور.
(قال [أبو داود])(1) المصنف (وهذا) السند (أصح الحديثين) يريد المرسل أصح من غيره. وقال غيره: إنما يروي أبو حرب بن أبي الأسود، عن عمه، عن أبي ذر، ولا يحفظ سماعه من أبي ذر (2).
[4784]
(ثنا بكر بن خلف) البصري ختن أبي عبد الرحمن المقرئ، قال أبو حاتم: ثقة (3). وابن معين: صدوق (4).
(والحسن بن علي، المعنى، قالا: ثنا إبراهيم بن خالد) الصنعاني المؤذن، ثقة (ثنا أبو وائل) عبد اللَّه بن بجير بفتح الموحدة، وكسر الجيم، المرادي الصنعاني، وثق (القاص) بتشديد الصاد المهملة، نسبة إلى القصص والمواعظ.
(1) من "السنن".
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 33/ 231.
(3)
"الجرح والتعديل" 2/ 385.
(4)
"تهذيب الكمال" 4/ 201.
(قال: دخلنا على عروة بن محمد بن) عطية (السعدي) والي اليمن، عامل عمر بن عبد العزيز عليها، وعزل، فخرج وما معه إلا مصحفه ورمحه وسيفه، وهو مقبول (فكلمه رجل) في أمر (فأغضبه، فقام فتوضأ [ثم رجع وقد توضأ])(1) وضوءه للصلاة (فقال: حدثني أبي) محمد (عن جدي عطية) بن سعد، ويقال: عطية بن عروة السعدي سعد بن بكر بن هوازن، نزل الشام، وكان مولده بالبلقاء، وهو صحابي، قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في أناس من بني سعد بن بكر، وكان أصغر القوم، فخلفوه في رحالهم، ثم أتوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقضى حوائجهم، ثم قال:"هل بقي منكم أحد؟ " قالوا: يا رسول اللَّه، غلام منا خلفناه في رحالنا، فأمرهم أن يبعثوا به إليه، فأتوه فقالوا: أجب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فأتاه، فلما رآه قال له:"ما أغناك اللَّه فلا تسأل الناس، فإن اليد العليا هي المنطية وإن اليد السفلى هي المنطاة، وإن مال اللَّه لمسوول ومنطى" قال عطية: فكلمني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بلغتي (2). انتهى. وكان يكلم كل أحد بلغته.
([قال: قال رسول اللَّه: ] (3) إن الغضب من الشيطان) وروي في غير هذا الحديث الأمر بالاغتسال مكان الوضوء، فيحمل أمر الاغتسال على الحالة الشديدة التي يكون الغضب فيها أقوى وأغلب من حالة
(1) من "السنن".
(2)
رواه الطبري في "تهذيب الآثار" السفر الأول (51)، والطبراني في "مسند الشاميين" 1/ 347 (603).
(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من النسخ الخطية، والمثبت من "السنن".
من أمره بالوضوء، فالأقوى للإثم الأكمل، والوضوء للأضعف، ويشبه أن يكون أمر الاغتسال من كان عليه حدث أكبر، كالجنابة ونحوها، وأمر الوضوء من به حدث أصغر، ويحتمل غير ذلك، وإنما كان الغضب من الشيطان؛ لأنه السبب المحرك له بوسوسته في القلب.
(وإن الشيطان خلق) مبني للمفعول (من النار) لأنه من الجان الذين قال اللَّه فيهم: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)} (1) وكانوا سكان الأرض قبل آدم عليه السلام، وكان إبليس أعبدهم، فلما عصى اللَّه تعالى في ترك السجود لآدم لعنه اللَّه وجعله شيطانًا (وإنما تطفأ) بهمزة آخره (النار) أي: تخمد (بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) وضوءه للصلاة، وإن كان على وضوء.
ويشبه أن يحصل له فضيلة تجديد الوضوء الذي رواه الترمذي مرفوعًا: "من توضأ على طهر كتب اللَّه له عشر حسنات"(2) وخرجه ابن السكن في "صحاحه" لكن يفرق بينهما بأن تجديد الوضوء إنما يشرع من صلى بالأول فرضًا أو نفلًا، ووضوء الغضبان يجدده وإن لم يكن صلى به، وهل يقوم التيمم مقام الوضوء عند فقد الماء عند الغضب، أو في التجديد؟ لم أجده مسطورًا.
* * *
(1) الرحمن: 15.
(2)
"سنن الترمذي" بعد حديث (61) من حديث ابن عمر.