الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُجْرٍ قالا: أَتَيْنا العِرْباضَ بْنَ سارِيةَ وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} فَسَلَّمْنا وَقلْنا: أَتَيْناكَ زائِرِينَ وَعائِدِينَ وَمُقْتَبِسِينَ. فَقالَ العِرْباضُ: صَلَّى بِنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذاتَ يَوْمٍ، ثمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنا فَوَعَظَنا مَوْعِظَةَ بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْها العُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْها القُلُوبُ، فَقالَ قائِلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّ هذِه مَوْعظَةُ مُوَدِّعٍ فَماذا تَعْهَدُ إِلَيْنا؟ فَقالَ:"أُوصِيكُمْ بِتَقْوى اللَّهِ والسَّمْعِ والطّاعَةِ وإنْ عَبْدًا حَبَشِيّا، فَإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدي فَسَيَرى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفاءِ المَهْدِيِّينَ الرّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِها وَعَضُّوا عَلَيْها بِالنَّواجِذِ، وِإيّاكُمْ وَمُحْدَثاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ"(1).
4608 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ، قالَ: حَدَّثَني سُلَيْمانُ -يَعْني: ابن عَتِيقٍ-، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ:"أَلا هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ". ثَلاثَ مَرّاتٍ (2).
7 - باب لُزُوم السُّنَّةِ
4609 -
حَدَّثَنا يَحْيَى بْن أَيُّوبَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ -يَعْني: ابن جَعْفَرٍ- قالَ: أَخْبَرَني العَلاءُ -يَعْني: ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"مَنْ دَعا إِلَى هُدًى كانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شيْئًا، وَمَنْ دَعا إِلَى ضَلالَةٍ كانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثامِهِمْ شيْئًا"(3).
4610 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ في المُسْلِمِينَ
(1) رواه الترمذي (2871)، وابن ماجه (44)، وأحمد 4/ 126.
(2)
مسلم (2670).
(3)
رواه مسلم (2674).
جُرْمًا مَنْ سَأَلَ، عَنْ أَمْرٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ عَلَى النّاسِ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ" (1).
4611 -
حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الهَمْداني، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهابٍ أَنَّ أَبا إِدْرِيسَ الخَوْلاني عائِذَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ عُمَيْرَةَ وَكانَ مِنْ أَصْحابِ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ قالَ: كانَ لا يَجْلِسُ مَجْلِسًا لِلذِّكْرِ حِينَ يَجْلِسُ إِلَّا قالَ: اللَّه حَكَمٌ قِسْطٌ، هَلَكَ المُرْتابُونَ. فَقالَ مُعاذ بْنُ جَبَلٍ يَوْمًا: إِنَّ مِنْ وَرائِكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيها المالُ وَيُفْتَحُ فِيها القُرآنُ حَتَّى يَأْخُذَهُ المُؤْمِنُ والمُنافِقُ والرَّجُلُ والمَرْأَةُ والصَّغِيرُ والكَبِيرُ والعَبْدُ والحُرُّ، فَيُوشِكُ قائِلٌ أَنْ يَقُولَ: ما لِلنّاسِ لا يَتَّبِعُوني وَقَدْ قَرَأْتُ القُرْآنَ، ما هُمْ بِمُتَّبِعيَّ حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ فَإِيّاكُمْ وَما ابْتُدِعَ، فَإنَّ ما ابْتدِعَ ضَلالَةٌ وَأُحَذِّرُكُمْ زَيْغَةَ الحَكِيمِ، فَإِنَّ الشَّيْطانَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلالَةِ عَلَى لِسانِ الحَكِيمِ، وَقَدْ يَقُول المُنافِقُ كَلِمَةَ الحَقِّ. قالَ: قُلْتُ لِمُعاذٍ: ما يُدْرِيني رَحِمَكَ اللَّه أَنَّ الحَكِيمَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلالَةِ وَأَنَّ المُنافِقَ قَدْ يَقُول كَلِمَةَ الحَقِّ؟ قالَ: بَلَى اجْتَنِبْ مِنْ كَلامِ الحَكِيمِ المُشْتَهِراتِ التي يُقالُ لَها: ما هذِه وَلا يُثْنِيَنَّكَ ذَلِكَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُراجِعَ، وَتَلَقَّ الحَقَّ إِذا سَمِعْتَهُ، فَإنَّ عَلَى الحَقِّ نُورًا (2).
قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري في هذا: وَلا يُنْئِيَنَّكَ ذَلِكَ عَنْهُ. مَكانَ: يُثْنِيَنَّكَ. وقالَ صالِحُ بْن كَيْسانَ، عَنِ الزُّهْري في هذا المُشَبَّهاتِ: مَكانَ: المُشْتَهِراتِ. وقالَ: لا يُثْنِيَنَّكَ. كَما قالَ عُقَيْلٌ. وقالَ ابن إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْري قالَ: بَلَى ما تَشابَهَ عَلَيْكَ مِنْ قَوْلِ الحَكِيمِ، حَتَّى تَقُولَ ما أَرادَ بهذِه الكَلِمَةِ.
4612 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ قالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ قالَ: كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنِ القَدَرِ. ح، وَحَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمانَ المُؤَذِّنُ قالَ: حَدَّثَنا أَسَدُ ابْن مُوسَى قالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ دُلَيْلٍ قالَ: سَمِعْتُ سُفْيانَ الثَّوْري يُحَدِّثُنا عَنِ النَّضْرِ ح وَحَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّري، عَنْ قَبِيصَةَ قالَ: حَدَّثَنا أَبُو رَجاءٍ، عَنْ أَبي الصَّلْتِ -وهذا
(1) رواه البخاري (7289)، ومسلم (2358).
(2)
رواه عبد الرزاق 11/ 363، (20750)، والحاكم 4/ 460. وصححه الألباني.
لَفْظُ حَدِيثِ ابن كَثِير وَمَعْناهُمْ قالَ: كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنِ القَدَرِ، فَكَتَبَ أَمّا بَعْدُ أُوصِيكَ بِتَقْوى اللَّهِ والاقْتِصادِ في أَمْرِهِ واتِّباعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَرْكِ ما أَحْدَثَ المُحْدِثُونَ بَعْدَ ما جَرَتْ بِهِ سُنَّتُهُ وَكُفُوا مُؤْنَتَهُ، فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السُّنَّةِ فَإِنَّها لَكَ بإذْنِ اللَّهِ عِصْمَةٌ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ النّاسُ بِدْعَةٌ إِلا قَدْ مَضَى قَبْلَها ما هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْها أَوْ عِبْرَةٌ فِيها فَإنَّ السُّنَّةَ إِنَّما سَنَّها مَنْ قَدْ عَلِمَ ما في خِلافِها وَلَم يَقُلِ ابن كَثِيرٍ مَنْ قَدْ عَلِمَ. مِنَ الخَطَإِ والزَّلَلِ والحُمْقِ والتَّعَمُّقِ فارْضَ لِنَفْسِكَ ما رَضي بِهِ القَوْمُ لأَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نافِذٍ كَفَوْا، وَهُمْ عَلَى كَشْفِ الأُمُورِ كانُوا أَقْوى وَبِفَضْلِ ما كانُوا فِيهِ أَوْلَى، فَإِنْ كانَ الهُدى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ وَلَئِنْ قُلْتُمْ إِنَّما حَدَثَ بَعْدَهُمْ. ما أَحْدَثَهُ إِلا مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِم وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمُ السّابِقُونَ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِما يَكْفي وَوَصَفوا مِنْه ما يَشْفي فَما دُونَهُمْ مِنْ مَقْصَرٍ وَما فَوْقَهُمْ مِنْ مَحْسَرٍ وَقَدْ قَصَّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ عَنْهُمْ أَقْوامٌ فَغَلَوْا، وإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُستَقِيمٍ كَتَبْتَ تَسْأَلُ عَنِ الإِقْرارِ بِالقَدَرِ، فَعَلَى الخَبِيرِ بإِذْنِ اللَّهِ وَقَعْتَ ما أَعْلَمُ ما أَحْدَثَ النّاسُ مِنْ مُحْدَثَةٍ وَلا ابْتَدَعُوا مِنْ بِدْعَةٍ هي أَبْيَنُ أثَرًا وَلا أَثْبَتُ أَمْرًا مِنَ الإِقْرارِ بِالقَدَرِ لَقَدْ كَانَ ذَكَرَهُ في الجاهِلِيَّةِ الجُهَلاءُ يَتَكَلَّمُونَ بِهِ في كَلامِهِمْ وَفي شِعْرِهِمْ يُعَزُّونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ عَلَى ما فاتَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلامُ بَعْدُ إِلا شِدَّةً وَلَقَدْ ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَيْرِ حَدِيثٍ وَلا حَدِيثَيْنِ، وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ المُسْلِمُونَ فَتَكلَّمُوا بِهِ في حَياتِهِ وَبَعْدَ وَفاتِهِ يَقِينًا وَتَسْلِيمًا لِرَبِّهِمْ وَتَضْعِيفًا لأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَكُونَ شَيء لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ وَلم يُحْصِهِ كِتابُهُ وَلم يَمْضِ فِيهِ قَدَرُهُ وِانَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَفي مُحْكَمِ كِتابِهِ مِنْهُ اقْتَبَسُوهُ وَمِنْهُ تَعَلَّموهُ. وَلَئِنْ قُلْتُمْ: لِمَ أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ كَذا، وَلم قالَ كَذا؟ لَقَدْ قَرَءُوْا مِنْهُ ما قَرَأْتُمْ وَعَلِمُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ ما جَهِلْتُمْ وَقالُوا بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِكِتابٍ وَقَدَرٍ وَكُتِبَتِ الشَّقاوَةُ، وَما يُقَدَّرْ يَكُنْ، وَما شاءَ اللَّهُ كانَ وَما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلا نَمْلِكُ لأَنْفُسِنا ضَرّا وَلا نَفْعًا، ثُمَّ رَغَبُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَهِبُوا (1).
(1) رواه الفريابي في "القدر"(446)، وابن وضاح في "البدع"(74)، والآجري في =
4613 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قالَ: حَدَّثَنا سَعِيدٌ -يَعْني: ابن أَبي أَيُّوبَ-، قالَ: أَخْبَرَني أَبُو صَخْرٍ، عَنْ نافِعٍ قالَ: كانَ لابْنِ عُمَرَ صَدِيقٌ مِنْ أَهْلِ الشّامِ يُكاتِبُهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْن عُمَرَ إِنَّهُ بَلَغَني أَنَّكَ تَكَلَّمْتَ في شَيء مِنَ القَدَرِ فَإِيّاكَ أَنْ تَكْتُبَ إِلَي، فَإنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقول:"إِنَّهُ سَيَكُونُ في أُمَّتي أَقْوامٌ يُكَذِّبُونَ بِالقَدَرِ"(1).
4614 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الجَرّاحِ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ قالَ: قلْتُ لِلْحَسَنِ: يا أَبا سَعِيدٍ أَخْبِرْني عَنْ آدَمَ، لِلسَّماءِ خلِقَ أَمْ لِلأَرْضِ؟ قالَ: لا بَلْ لِلأَرْضِ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوِ اعْتَصَمَ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الشَّجَرَةِ؟ قالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ. قلْتُ: أَخْبِرْني عَنْ قَوْلِهِ تَعالَى: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} قالَ: إِنَّ الشَّياطِينَ لا يَفْتِنُونَ بِضَلالَتِهِمْ إِلَّا مَنْ أَوْجَبَ اللَّهَ عَلَيْهِ الجَحِيمَ (2).
4615 -
حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا خالِدٌ الحَذّاءُ، عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ تَعالَى:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} قالَ: خَلَقَ هؤلاء لهذِه وهؤلاء لهذِه (3).
4616 -
حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، حَدَّثَنا خالِدٌ الحَذّاءُ قالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} قالَ: إِلَّا مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعالَى عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصْلَى الجَحِيمَ (4).
4617 -
حَدَّثَنا هِلالُ بْن بِشْرٍ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادٌ، قالَ: أَخْبَرَني حُمَيْدٌ، قالَ: كانَ
= "الشريعة" 2/ 930 (529). وقال الألباني: صحيح مقطوع.
(1)
رواه أحمد 2/ 90، والحاكم 1/ 84، والبيهقي 10/ 205.
وحسنه الألباني.
(2)
رواه الفريابي في "القدر"(319)، والآجري في "الشريعة" 2/ 713 - 714 (529)، والطبري في "التفسير" 23/ 109. وحسن إسناده الألباني.
(3)
رواه عبد اللَّه في "السنة" 2/ 430 (950)، والفريابي في "القدر"(62)، والآجري في "الشريعة" 2/ 719 - 720 (313). وصححه الألباني.
(4)
سبق برقم (4614).
الحَسَنُ يَقُولُ لأَنْ يُسقَطَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَقُولَ الأَمْرُ بِيَدَي (1).
4618 -
حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا حُمَيْدٌ، قالَ: قَدِمَ عَلَيْنا الحَسَنُ مَكَّةَ فَكَلَّمَني فُقَهاءُ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ أُكَلِّمَهُ في أَنْ يَجْلِسَ لَهُمْ يوْمًا يَعِظُهُمْ فِيهِ. فَقالَ: نَعَمْ. فاجْتَمَعُوا فَخَطَبَهُمْ فَما رَأَيْتُ أَخْطَبَ مِنْة فَقالَ رَجُلٌ: يا أَبا سَعِيدٍ: مَنْ خَلَقَ الشَّيْطانَ؟ فَقالَ: سُبْحانَ اللَّهِ! هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ؟ خَلَقَ اللَّهُ الشَّيْطانَ وَخَلَقَ الخَيْرَ وَخَلَقَ الشَّرَّ. قالَ الرَّجُلُ: قاتَلَهُمُ اللَّهُ كَيفَ يَكْذِبُونَ عَلَى هذا الشَّيْخِ (2).
4619 -
حَدَّثَنا ابن كَثِيرٍ، قالَ: أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنِ الحَسَنِ:{كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} قالَ: الشِّرْكُ (3).
4620 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قالَ: أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمّاهُ غَيْرِ ابن كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ عُبَيْدٍ الصِّيدِ، عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل:{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} قالَ: بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الإِيمانِ (4).
4621 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا سُلَيْمٌ، عَنِ ابن عَوْنٍ قالَ: كُنْتُ أَسِيرُ بِالشّامِ فَناداني رَجُلٌ مِنْ خَلْفي، فالتَفَتُّ فَإِذا رَجاءُ بْنُ حَيْوَةَ فَقالَ: يا أَبا عَوْنٍ ما هذا الذي يَذْكُرُونَ عَنِ الحَسَنِ؟ قالَ: قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَى الحَسَنِ كَثِيرًا (5).
(1) رواه البيهقي في "القضاء والقدر"(510) من طريق أبي داود، وابن بطة في "الإبانة" 4/ 179 - 180 (1665).
(2)
البيهقي في "القضاء والقدر"(505) من طريق أبي داود، وابن بطة في "الإبانة" 4/ 181 - 182 (1671).
(3)
رواه عبد الرزاق في "التفسير" 2/ 345 - 346، والبيهقي في "القضاء والقدر"(509).
(4)
عبد الرزاق في "التفسير" 2/ 133، وابن أبي شيبة 19/ 395 (36452).
وقال الألباني: ضعيف الإسناد مقطوع.
(5)
عبد اللَّه في "العلل"(2124)، وابن بطة فى "الإبانة الكبرى" 4/ 187.
وقال الألباني: صحيح الإسناد مقطوع.
4622 -
حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادٌ، قالَ: سَمِعْتُ أَيُّوبَ يَقُولُ: كَذَبَ عَلَى الحَسَنِ ضَرْبانِ مِنَ النّاسِ قَوْمٌ القَدَرُ رَأْيُهُمْ وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُنَفِّقوا بِذَلِكَ رَأْيَهُمْ، وَقَوْمٌ لَهُ في قلُوبِهِمْ شَنَآنٌ وَبُغْضٌ يَقُولُونَ: أَلَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ كَذا أَلَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ كَذا (1).
4623 -
حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى أَنَّ يَحْيَى بْنَ كَثِيرٍ العَنْبَري حَدَّثَهُمْ قالَ: كانَ قُرَّةُ بْنُ خالِدٍ يَقُولُ لَنا: يا فِتْيانُ لا تُغْلَبُوا عَلَى الحَسَنِ فَإنَّه كانَ رَأْيُهُ السُّنَّةَ والصَّوابَ (2).
4624 -
حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى وابْن بَشّارٍ قالا: حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنِ ابن عَوْنٍ قالَ: لَوْ عَلِمْنا أَنَّ كَلِمَةَ الحَسَنِ تَبْلُغُ ما بَلَغَتْ لَكَتَبْنا بِرُجُوعِهِ كِتابًا وَأَشْهَدْنا عَلَيْهِ شُهُودًا وَلَكِنّا قُلْنا كَلِمَةٌ خَرَجَتْ لا تُحْمَلُ (3).
4625 -
حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن حَرْبٍ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ قالَ: قالَ لي الحَسَنُ: ما أَنا بِعائِدٍ إِلَى شَيء مِنْهُ أَبَدًا (4).
4626 -
حَدَّثَنا هِلالُ بْنُ بِشْرٍ، قالَ: حَدَّثنا عُثْمانُ بْنُ عُثْمانَ، عَنْ عُثْمانَ البَتّي قالَ: ما فَسَّرَ الحَسَن آيَةً قَطُّ إِلَّا عَلَى الإِثْباتِ (5).
* * *
باب في لزوم السنة
[4604]
(ثنا عبد الوهاب بن نجدة) الحوطي، وثقه يعقوب بن
(1) رواه ابن بطة في "الإبانة الكبرى" 4/ 185، واللالكائي في "شرح أصول أعتقاد أهل السنة والجماعة" 4/ 754. وقال الألباني: صحيح لغيره.
(2)
ابن بطة في "الإبانة الكبرى" 4/ 183. وصححه الألباني.
(3)
رواه ابن بطة في "الإبانة الكبرى" 4/ 188. وصححه الألباني.
(4)
ابن بطة في "الإبانة الكبرى" 4/ 188. وصححه الألباني.
(5)
ابن بطة في "الإبانة الكبرى" 4/ 187. وصححه الألباني.
شيبة (1)(ثنا أبو عمرو) عثمان بن سعيد (بن كثير بن دينار) القرشي، مولاهم الحمصي، ثقة عابد (عن حريز) بفتح الحاء المهملة (ابن عثمان) الرحبي، ورحبة بطن من حمير، الحمصي، أخرج له البخاري في ذكر بني إسرائيل (2)(عن عبد الرحمن بن أبي عوف) أحد العشرة (3)(عن أبي المقدام (4) بن معدي كرب) غير منصرف.
(عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا) بتحفيف اللام حرف تنبيه (إني أوتيت الكتاب) يعني: القرآن كما في رواية (5)(ومثله) بالنصب (معه) أي: أحكام ومواعظ وأمثال تماثل القرآن في كونها واجبة القبول وفي المقدار، قال البغوي في "شرح السنة": أراد صلى الله عليه وسلم أنه أوتي من الوحي غير المتلو والسنن التي لم ينطق القرآن بنصها، مثل ما أوتي من المتلو، قال اللَّه تعالى:{وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (6) فالكتاب هو القرآن، والحكمة هي السنة، وأوتي مثله من البيان، فإن بيان الكتاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال اللَّه تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (7) انتهى (8).
(1) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 519 (3607).
(2)
"صحيح البخاري"(3546) كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي، وليس كما توهم المصنف أنه الصحابي الجليل المبشر بالجنة، قال الحافظ في "التقريب" (3974): ثقة من الثانية، يُقال أدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
الصواب: المقدام، وليس: أبي المقدام.
(5)
رواها أحمد 4/ 130.
(6)
البقرة: 129.
(7)
النحل: 44.
(8)
"شرح السنة" 1/ 202.
وقوله: "أوتيت" يحتمل أن يكون أوتي ليلة المعراج، أو أوتي بالإلهام أو في المنام، أو نفث جبريل في روعه (ألا) بالتخفيف (يوشك) بكسر الشين (رجل شبعان) غير منصرف للوصف وزيادة الألف والنون، وفيه ذم الشبع لما ينشأ عليه من البطر والبلادة، ومن كثرة الأكل، والشبع يكنى به عن ذلك (على أريكته) متعلق بمحذوف صفة أو حال تقديره متكئ أو متكئا، أي: متكئ عليها؛ لرواية ابن ماجه: "يوشك الرجل متكئًا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب اللَّه، فما وجدناه من حلال استحللناه، وما وجدناه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم اللَّه"(1)، والأريكة السرير في الحجلة من دونه ستر، ولا يسمى منفردًا أريكة، وقيل: هو ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة (2).
(يقول) ليس فيه شاهد على حذف (أن) من خبر (أوشك) فإنه نادر كما في خبر عسى (عليكم بهذا القرآن) أي: الزموه وتمسكوا به دون غيره (فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه) أي: ما وجدتم في القرآن من حلال فاعتقدوا حله وما وجدتم فيه من حرام فاعتقدوا تحريمه دون غيره، وقد تعلق بهذا الحديث الخوارج والروافض، وأخذوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي تضمنت بيان القرآن، وقالوا: ليست هذِه في كتاب اللَّه، فتجبروا على اللَّه وضلوا عن السبيل، كيف وقد قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
(1)"سنن ابن ماجه"(12).
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 40.
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1)، وقد جاء في هذا الحديث بعد قوله:"فحرموه": "ألا وإن ما حرم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم اللَّه" كما تقدم عن رواية ابن ماجه (ألا لا يحل لكم) أكل (لحم الحمار الأهلي) هذا مما حرم بالسنة دون الكتاب، ولهذا فصله عما قبله بقوله:"ألا لا يحل" قال ابن عبد البر: لا خلاف بين علماء المسلمين في تحريم الحمر الأهلية، وعن ابن عباس وعائشة أنهما كانا يقولان بظاهر قوله تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} (2)، وتلاها ابن عباس وقال: ما خلا هذا فهو حرام (3).
(ولا كل ذي ناب من السبع) أي: السباع التي تعدو بنابها فتضرب به وتفترس فتكسر الآدمي وغيره، وأكثر العلماء على تحريمه إلا الضبع (4). وقال الشعبي وسعيد بن جبير وبعض أصحاب مالك: هو مباح لظاهر الآية، لكن حديث أبي ثعلبة الخشني المتفق عليه: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع (5).
فخص عموم الآية، فيدخل فيه الأسد والنمر والفهد والذئب والقرد والنمس (ولا) تحل (لقطة معاهد) بفتح الهاء الذي بينه وبين المسلمين
(1) الحشر: 7.
(2)
الأنعام: 145.
(3)
"التمهيد" 10/ 123.
(4)
لما رواه أبو داود (3801)، والترمذي (851)، والنسائي 5/ 191، وابن ماجه (3236)، أن عبد الرحمن بن أبي عمار قال: سألت جابر بن عبد اللَّه عن الضبع أصيد هو؟ قال: نعم، قلت: آكلها. قال: نعم. قلت: أشيء سمعتَ من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
(5)
البخاري (5527)، مسلم (1936).
عهد (إلا أن يستغني) أي: إلا أن يتركها صاحبها ويبرئ ذمة ملتقطها.
والمراد أن المعاهد لا يحل ما ضاع منه لملتقطه إلا بعد تعريفه سنة (عنها صاحبها) أي: يتركها لمالكها، فهو كقوله تعالى:{فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} (1)، أي: تركهم اللَّه تعالى، والمراد أن المعاهد كالمسلم لا تحل لقطته إلا أن يتركها صاحبها، وذكر المعاهد لئلا يتواهن في لقطته كما قال صلى الله عليه وسلم:"من ظلم ذميًّا"(2)(ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه) بفتح الياء، تقول: قريت الضيف قرًى. مثل قليته قلًى. قيل: كان هذا في أول الإسلام، كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث الجيوش إلى الغزو فيمرون بأحياء العرب، وليس هناك سوق يشترون منه الطعام ولا زاد معهم، فأوجب ضيافتهم؛ لئلا ينقطع الغزو، فلما قوي الإسلام وانتشر أمره نسخ الوجوب. وقيل: هذا في حق المضطر فإطعامه بقدر سد الرمق واجب، فعلى هذا لا يكون منسوخًا.
(فإن لم يقروه) بفتح الياء (فله أن يعقبهم) بضم أوله (بمثل قراه) أي: للضيف أن يأخذ منهم قدر قراه عوضًا عن ذلك حين حرموه، وهذا في المضطر الذي لا يجد طعامًا ويخاف على نفسه التلف، يقال: عقبهم مشددًا ومخففًا، وأعقبهم إذا أخذ بدلًا عما فاته، وقد تقدم في الزكاة والأطعمة.
[4611]
(3)(ثنا يزيد بن عبد اللَّه بن موهب) بفتح الميم والهاء
(1) التغابن: 6.
(2)
انظر ما سلف (3052).
(3)
هكذا تقدم شرح هذا الحديث وبعده شرح حديث (4605).
(الهمداني) بسكون الميم، الرملي، الثقة الزاهد، وهو يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد اللَّه (ثنا الليث عن عقيل)(1) بضم العين المهملة، مصغر، [وهو ابن](2) خالد الأيلي (عن) محمد (ابن شهاب) الزهري.
(أن أبا إدريس الخولاني) بفتح الخاء المعجمة، نسبة إلى خولان قبيلة نزلت الشام، وهو خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، واسمه (عائذ اللَّه) بالذال المعجمة ابن عبد اللَّه، ولد عام حنين، وهو من كبار التابعين.
(أن يزيد بن عميرة) بفتح العين المهملة وكسر الميم، الحمصي الزبيدي أو الكندي، ثقة من كبار التابعين نزل الكوفة (وكان من) كبار (أصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه) قال ابن عبد البر: سماع أبي إدريس من معاذ عندنا صحيح (3).
(أخبره، قال: كان) أبو إدريس الخولاني (لا يجلس مجلسًا [للذكر] (4) حين يجلس) له (إلا قال) قبل أن يتكلم (اللَّه حكم) والحكم هو الحاكم الذي سلم له الحكم كله ورد إليه (قسط) بكسر القاف، كذا الرواية هنا، والمشهور في غيره المقسط، ومعناه: العادل في حكمه.
(هلك المرتابون) من الارتياب، وهو الشك. أي: هلك من ارتاب في شيء مما جاء عن اللَّه على لسان رسوله، والظاهر أنه خبر في معنى الدعاء، والمراد: اللهم أهلكهم، كقوله تعالى: {قَاتَلَهُمُ
(1) فوقها في (ل): (ع).
(2)
ساقطة من (م).
(3)
من "السنن".
(4)
"الاستيعاب" 4/ 157.
اللَّهُ} (1) وغفر اللَّه لفلان.
(فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه يومًا) من الأيام (إن من ورائكم) أي: أمامكم وقدامكم، كقوله تعالى:{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} (2)(فتنا) كثيرة (يكثر فيها المال) حتى لا يجد من يقبله حتى يعطى الفقير المال الكثير فيقول: لا حاجة لي به [لو جئتني](3) بالأمس قبلته (ويفتح) بضم التحتانية أوله وفتح ثالثه، أي: يسهل اللَّه (فيها) حفظ (القرآن) وييسره على من قرأه بعد أن كان صعبًا (4)، ويخفف على من كان يتتعتع فيه مع أن اللَّه يسره للحفظ في أول الإسلام، ولولا ذلك ما طاق العباد أن يتكلموا بكلام اللَّه العظيم، وهذا بخلاف كتب أهل الأديان نحو التوراة والإنجيل، فإنهم إنما يتلونه نظرًا، ولا يكادون يحفظون كتبهم من أولها إلى آخرها كما يحفظ القرآن، ومن ورود الفتح بمعنى التسهيل حديث:"أوتيت مفاتيح خزائن الأرض"(5) فالمراد به ما سهل اللَّه للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته من افتتاح البلاد الذي كان ممتنعًا (حتى يأخذه) أي: يحفظه (المؤمن والمنافق) فلا يختص حفظه بالمتقي الطائع (والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والحر والعبد) هذا علم من أعلام النبوة إذ أخبر بما وقع بعده، ولقد شوهد قديمًا وحديثًا حفظ النساء القرآن، وكذا حفظ الصغار القرآن جميعه مع عدة من كتب غيره، يعرضها عن ظهر قلب يجري في حفظها جري الجواد.
(1) التوبة: 30.
(2)
الكهف: 79.
(3)
و (4) مكانها بياض في (م).
(5)
رواه البخاري (2977)، ومسلم (523) من حديث أبي هريرة.
(فيوشك) أي: يشرع (قائل) من حفاظ القرآن (أن يقول: ما للناس لا يتبعوني) فيما أقول ويعظموني (وقد قرأت القرآن) كله عن ظهر قلب، وقرأت كذا وكذا من كتب الشريعة.
قال أبو بكر محمد الطرسوسي في كتاب "البدع": مما ابتدعه الناس في القرآن الاقتصار على حفظ حروفه دون التفقه فيه. روى مالك في "الموطأ" أن عبد اللَّه بن عمر مكث في سورة البقرة ثمان سنين يتعلمها (1). لأنه كان يتعلم فرائضها وأحكامها، وحلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وناسخها ومنسوخها، وغير ذلك من أحكامها. وعن مالك في "العتبية" قال: كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق يخبرونه أن رجالًا جمعوا كتاب اللَّه، فكتب عمر أن افرض لهم في الديوان، قال: وكثر من يطلب القرآن، فكتب إليه من قابل إنه قد جمع القرآن سبعمائة رجل، فقال: إني لأخشى أن يشرعوا في القرآن قبل أن يتفقهوا في الدين، فكان لا يعطيهم شيئًا.
قال مالك: معناه: مخافة أن يتأولوه غير تأويله. وهذا هو حال المقرئين في هذِه الأعصر، فإنك تجد أحدهم يروي القرآن بمائة رواية وينفق حروفه تنفيق القدح، وهو أجهل الجاهلين بأحكامه، فلو سألته عن حقيقة النية في الوضوء ومحلها وتفريقها على أعضاء الوضوء لم تجد جوابًا، وهو يتلو عمره:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (2) بل لو سألته: ما أمر اللَّه على الوجوب أو
(1)"الموطأ" 1/ 205.
(2)
المائدة: 6.
الندب (1) أو الاستحباب، أم الإباحة؟ لم تجد جوابًا.
وسئل مالك عن صبي ابن سبع سنين جمع القرآن، فقال: ما أرى ما هذا ينبغي لظاهر هذا الحديث. ووجه إنكاره ما تقرر في الصحابة من كراهة الشرع حفظ القرآن دون التفقه فيه، ومن ذلك حديث مالك عن ابن مسعود: إنكم في زمن كثير فقهاؤه، قليل قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه، قليل من يسأل، كثير من يعطي (2).
وقال الحسن: إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان (3). يعني: ونساء لا علم عندهم بتأويله، قال اللَّه تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (4)، وما تدبر آياته إلا اتباعه، أما واللَّه ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: واللَّه لقد قرأت القرآن كله، ما أسقطت منه حرفًا. وقد واللَّه أسقطه كله؛ ما رئي القرآن له في خلق ولا عمل، فمتى كان القراء يقولون مثل هذا، فلا كثرهم اللَّه.
قال الحسن: لقد قرأ القرآن ثلاثة نفر: فرجل قرأ القرآن فأعده بضاعة يطلب بها ما عند الناس، وقوم قرؤوا القرآن فنفقوه كما ينفق القدح، وأقاموا حروفه وضيعوا حدوده، واستدروا به ما عند الولاة، واستطالوا به على أهل بلادهم، وما أكثر هذا في حملة القرآن، لا
(1) مكانها بياض في (م).
(2)
"الموطأ" 1/ 173.
قال الألباني في "الصحيحة" 7/ 575: صحيح معضل.
(3)
رواه سعيد بن منصور في "التفسير" 2/ 422 (135)، ومن طريقه البيهقي في "الشعب" 4/ 209 (2408).
(4)
ص: 29.
كثرهم اللَّه! ورجل قرأ القرآن فجعله على داء قلبه، فهملت عيناه، وسهر ليله وتسربل الحزن، وارتدى الخشوع، فبهم يسقي اللَّه الغيث ويدفع البلاء، وهذا في الناس أقل من الكبريت الأحمر (1).
فمن حفظ القرآن ولم يفهمه ولا عمل بما فيه كان كما قال الشاعر:
زَوَامِلُ للأَشْعارِ لا عِلْمَ عِنْدَهُمُ
…
بِأحَكامِها إِلَّا كعِلْمِ الأَباعِرِ
لَعَمْرُكَ ما يَدْرِي البَعِيرُ إِذا غَدَا
…
بأَسْفَارِه أو رَاحَ ما في الغَرائِرِ
(ما هم بمتبعيَّ) بتشديد ياء النسب آخره (حتى ابتدع لهم غيره) وقد كثرت البدع وفشت في الخلق حتى لا مطمع لأحد في حصرها؛ لأنها خطأ وباطل، والخطأ لا تنحصر سبله، وإنما الذي تنحصر مداركه وتنضبط مآخذه، وهو الحق؛ لأنه أمر واحد.
(وإياكم وما ابتدع) مبني للمفعول، فيه تحذير من البدع المضلة كما سيأتي (فإن) كل (ما ابتدع ضلالة) وأصل البدعة من الاختراع، وهو الشيء يحدث من غير أصل سبق، ولا مثال احتذي، ولا ألف مثله، ومنه قولهم: أبدع اللَّه الخلق. أي خلقهم على غير مثال سبق، ومنه:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (2). ونظير هذا ما رواه المصنف وغيره: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة"(3) فالمراد بهذِه
(1) رواه بنحوه البيهقي في "شعب الإيمان" 2/ 531 (2621).
(2)
البقرة: 117.
(3)
سلف قريبًا برقم (4607).
البدعة ما خالف الشريعة ولم يوافق السنة، فإنه في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب اللَّه إليه وحث عليه أو رسوله فهو في حيز المدح، لقوله عليه السلام:"من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها"(1) ومن هذا النوع [قول عمر](2) في التراويح جماعة: نعمت البدعة هذِه (3). فلما كانت داخلة في أفعال الخير سماها بدعة ومدحها.
وقد قسم ابن عبد السلام البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة كنظم أدلة المتكلمين للرد على الملاحدة، ومندوبة كتصنيف كتب العلم وبناء المدارس والربط، ومباح كالتبسط في أنواع الأطعمة، وحرام، ومكروه، وهما ظاهران، فهو عام، والمراد غالب البدع (4).
(وأحذركم زيغة الحكيم) وهو ما مال فيه عن الحق وعدل عنه، وقد روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة"(5)(فإن الشيطان قد يقول كلمة) من (الضلالة على لسان الحكيم) كأن يتكلم الشيطان بكلمة الضلالة، فيسمعها الناس ويظهر لهم أنها من الحكيم، وذلك محنة من اللَّه يمتحن بها عباده،
(1) رواه مسلم (1017).
(2)
ساقطة من (م).
(3)
رواه مالك في "الموطأ" 1/ 114، والبيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 177 (3269).
(4)
"قواعد الأحكام في مصالح الأنام" 2/ 204، وقد مَثل للبدعة المحرمة بالمذاهب المنحرفة كالقدرية والجهمية والمرجئة. .، ومثل للبدعة المكروهة بزخرفة المسجد وتزويق المصحف.
(5)
"سنن الترمذي"(2033). ورواه أحمد 3/ 8، 69. وصححه الحاكم في "المستدرك" 4/ 293، وابن حبان في "صحيحه" 1/ 421 (193).
ويحتمل أن الشيطان يوسوس للحكيم في قلبه بكلمة الضلالة فيسبق لسانه إليها على سبيل السهو والذهول عما ينطق به لسانه؛ ليضل اللَّه بتلك الكلمة من يشاء، ثم إن الحكيم قد يهتدي إلى ما جرى على لسانه فيرجع إلى الحق، وقد يشتهر عنه فلا يستطيع إبطالها.
(وقد يقول المنافق) أو الكافر (كلمة الحق) والصواب بأن يجريها اللَّه على لسانه وإن لم يكن من أهلها، ولعل هذا هو السر في قوله تعالى:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} (1) ولم يقل: من يتقي اللَّه تعالى. بل يدخل في السنة المؤمن والمنافق، كما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال لرجل خرج من الحمام: طهرت فلا نجست. فلم يجبه، وهناك مجوسي فقال: هلا أجبت أمير المؤمنين؟ ! قال: بأي شيء أجيبه؟ قال: قل له: سعدت فلا شقيت. فقال علي: الحكمة ضالة المؤمن، خذوها ولو من أفواه المشركين (2).
(قال: قلت لمعاذ) بن جبل (ما يدريني) بضم أوله ([رحمك اللَّه] (3) أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ ) أي: بأي شيء أعلم كلمة الحق من الباطل؟ (قال: بلى) إن أردت معرفة الصواب من ذلك.
(اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات) التي اشتهرت بين الناس وظهر
(1) البقرة: 269.
(2)
ذكره النووي في الأذكار 1/ 431، وقال: هذا المحل لم يصح فيه شيء.
وأما المرفوع منه وهو: "الحكمة ضالة المؤمن" فرواه الترمذي (2687) وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإبراهيم بن الفضل المخزومي يضعف في الحديث من قبل حفظه.
(3)
من "السنن".
شنعها في الشريعة وقبحها مع اشتباه حقيقتها فهي (التي يقال) فيها (ما هذِه؟ ) الكلمة (ولا يثنينك)(1) بفتح أوله وسكون المثلثة وتشديد نون التوكيد الثقيلة، أي: لا يصرفنك ويصدنك (ذلك عنه) أي: عن متابعة الحكيم الذي أرجح كلامه الحكمة الصادرة عن العقل الكامل والفهم الثاقب (فإنه لعله أن يراجع) بكسر الجيم، أي: يرجع إلى الحكمة والصواب (وتلق) بفتح المثناة فوق واللام والقاف المشددة (الحق) أي: استقبلته بكليتك وخذه وتفهمه واعمل به، وعلمه للمحتاج إليه (إذا سمعته) من الحكيم أو غيره (فإن على الحق نورًا) أي: كلمة الحق لها نور وضوء كضوء النهار، كما أن كلمة الباطل عليها ظلمة كظلمة الليل ينكرها القلب كما يقبل كلمة الحق.
(قال) المصنف (قال معمر) في روايته (عن الزهري في هذا) الحديث (ولا يثانيك) بضم أوله وتخفيف المثلثة وكسر النون وسكون التحتانية، وروي: ولا ينئينك (2). بضم المثناة تحت وسكون النون بعدها وكسر الهمزة وفتح المثناة الثانية وتشديد نون التوكيد، من النأي، وهو البعد، قال اللَّه تعالى:{وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} (3) أي: لا تطردنك وتبعدنك تلك الكلمة من الضلالة التي تكلم بها الشيطان على لسانه (ذلك عنه) أي: عن اتباعه (مكان يثنينك) ذلك عنه.
و(قال صالح بن كيسان) في روايته (عن الزهري في هذا) الحديث
(1) ورد في صلب (ل)، (م): نسخة: يثنيك.
(2)
هو ما في المطبوع.
(3)
الأنعام: 26.
(المشبهات) بفتح الشين والموحدة المشددة، وفي بعضها: المشتبهات بزيادة المثناة. أي: المشتبهات اللائي أشتبه أمرها على كثير من الناس لترددها بين معان محتملة حتى يقول القائل: ما هذِه؟ (مكان المشتهرات) كما تقدم (وقال) في هذِه (لا يثنيك كما قال عقيل) بالتصغير فيما تقدم.
(وقال) محمد (ابن إسحاق) بن يسار، أخرج له مسلم (عن الزهري قال: بلى ما تشابه) بفتح المثناة فوق وتخفيف الشين (عليك من قول الحكيم) وهو الذي يحتمل أن يكون كلمة حق وكلمة باطل (حتى يقول) السامع للكلمة (ما أراد بهذِه الكلمة) فما كان من هذا المشتبه فاجتنبه حتى يتضح أمره، ولا يصدنك ذلك عن الحكيم.
[4605]
(ثنا أحمد بن محمد بن حنبل وعبد اللَّه بن محمد النفيلي قالا: ثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية (عن عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن أبي رافع، عن أبيه) أبي رافع مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا)(1) بتخفيف اللام (ألفين) بضم الهمزة وكسر الفاء وتشديد النون، أي: لا أجدن. من قوله تعالى: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} (2) ويجوز: (لا ألفين) بفتح الهمزة والقاف، والمعنى متقارب، فقوله:(لا ألفين) نفي في معنى النهي، كقوله تعالى:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} (3).
(1) بعدها في (ل): خـ: لا ألفين، وهو ما في المطبوع.
(2)
البقرة: 17.
(3)
الواقعة: 79.
(أحدكم متكئًا على أريكته) قال الأزهري: كل ما يتكأ عليه فهو أريكة (يأتيه الأمر من أمري) قال البغوي: أريد بهذِه الصفة أصحاب الترف والدعة الذين لزموا البيوت وقعدوا عن طلب العلم (1). يعني: من مظانه (مما أمرت به) هو بدل من "أمري" الذي قلته (أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري) نتبين القرآن (ما وجدناه في كتاب اللَّه) تعالى (اتبعناه) وما لا فلا، وأراد بهذِه الصفة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت والنوم على السرر المرتفعة والعوالي المترفهات الذين غذوا بالنعيم ونشؤوا عليه، فألهاهم ذلك عن طلب الحديث والرحلة في تحصيله والتردد إلى مشايخه والتفهم فيه، والبحث عن معانيه والجمع بين الكتاب والسنة، وفيه النهي عن الاتكاء على الأرائك والمداومة عليه، والإعراض عن الأحاديث النبوية، ورد الأحاديث التي قصر في تحصيلها، فمن لم يقبل الأحاديث ويعمل بها، فكأنه لم يقبل القرآن ولا عمل بقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2).
[4606]
(ثنا محمد بن الصباح البزاز) بزاءين، أبو [جعفر](3) التاجر الدولابي مصنف "السنن"(ثنا إبراهيم بن سعد) سيأتي.
(وثنا محمد بن عيسى) بن سورة (4)(ثنا عبد اللَّه [بن جعفر] (5)
(1)"شرح السنة" 1/ 201.
(2)
الحشر: 7.
(3)
ساقطة من النسخ، والمثبت كما في مصادر ترجمته.
(4)
كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، والصواب:(الطباع)، فابن سورة هو الإمام الترمذي، ولم يرو عنه أبو داود، إنما الثابت العكس.
(5)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
المخرمي) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وتخفيف الراء، نسبة إلى جده، فإنه عبد اللَّه بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة من أهل المدينة، أخرج له مسلم.
(وإبراهيم بن سعد) الزهري المدني (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن (1) بن عوف الزهري (عن القاسم (2) بن محمد) التيمي الفقيه.
(عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد) أي: مردود عليه باطل غير معتد به، وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وهو صريح في رد كل البدع الحادثة المخالفة لقواعد الشرع والمخترعات التي أحدثت بعده، وفي الحديث دليل على ما قاله الأصوليون أن النهي يقتضي الفساد، ومن قال: لا يقتضي الفساد يقول: هذا خبر واحد، فلا يكفي في إثبات هذِه القاعدة العظيمة، قال النووي: وهذا جواب فاسد (3).
(قال) محمد (ابن عيسى) في روايته (قال النبي صلى الله عليه وسلم: من صنع أمرًا على غير أمرنا) أي: على غير أصول شريعتنا وسننا (فهو رد) أي: مردود عليه لا يعمل به ولا يلتفت إليه، وقد اختلف حال المنهيات في الشرع، فبعضها يصح كالطلاق في الحيض، وبعضها لا يصح كبيع الملاقيح والمضامين، وبعضها مختلف فيه كالبيع وقت النداء، وعدة
(1) في (م): اللَّه.
(2)
فوقها في (ل): (ع).
(3)
"مسلم بشرح النووي" 12/ 16.
هذا كتب الأصول.
[4607]
(ثنا أحمد بن حنبل، ثنا الوليد (1) بن مسلم) عالم أهل الشام (ثنا ثور بن يزيد) الحمصي الحافظ، أخرج له البخاري (حدثني خالد بن معدان، حدثني عبد الرحمن بن عمرو) بن عبسة (السلمي) بضم السين من بني سليم، صدوق (وحجر)(2) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم، ثم راء (ابن حجر) بضم الحاء أيضًا الكلاعي بفتح الكاف وتخفيف اللام، الحمصي، مقبول.
(قالا: أتينا العرباض بن سارية) السلمي (وهو ممن نزل فيه) قوله تعالى: ({وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ}) وهم نفر من قبائل شتى ({لِتَحْمِلَهُمْ}) وكانوا سألوه أن يحملهم على الدواب ليغزوا عليها ({قُلْتَ}) لهم ({لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ}) لأن الشقة بعيدة والرجل يحتاج إلى بعيرين بعير يركبه وبعير يحمل ماءه وزاده، وكان العرباض من بني سليم من النفر الذين طلبوا أن يحملهم، وكان من فقهاء أهل الصفة (فسلمنا) على العرباض (وقلنا) له (أتيناك زائرين) مثنى الزائر المتفقد حال صاحبه من محبة لا من سبب طرأ عليه (وعائذين) العائذ بالذال المعجمة المستجير بالشخص المتفقد إذا كان شاكيا من شيء أصابه، فهو فاعل بمعنى المفعول، كقولهم: سر كاتم (ومقتبسين) جمع مقتبس، والمقتبس الذي يطلب نورًا ليستضيء به. والمراد هنا الطالبين علمًا يستضيئون به من ظلمة الجهل، ومنه
(1) فوقها في (ل): (ع)، وقبلها في النسخ زاد: أبو. وهو خطأ.
(2)
فوقها في (ل): (د).
الحديث: "من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر"(1).
(فقال العرباض: صلى بنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات يوم) من الأيام (ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت) بفتح الذال المعجمة والراء، أي: جرت (منها العيون) أي: عيون الحاضرين (ووجلت) بكسر الجيم، أي: خافت؛ لأن الموعظة كانت موعظة تخويف ووعيد (منها القلوب، فقال قائل: يا رسول اللَّه كأن هذِه موعظة مودع) أي: كأنك تودعنا بهذِه الخطبة البليغة (فماذا تعهد إلينا) أي: فماذا الذي توصينا به، لفظ ابن ماجه: فاعهد إلينا (2).
(فقال: أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة) هو ظاهر في وجوب السمع والطاعة للأئمة والأمراء والقضاة، ولا خلاف فيه إذا لم يأمروا بمعصية (وإن) بسكون النون، وروي:"إن عبدًا حبشيًّا" تقديره: وإن كان عبدًا حبشيًّا (عبد حبشي) كذا بالرفع كما في الترمذي (3)، وفي بعض النسخ المعتمدة:"وإن عبدًا حبشيًّا" كما في مسلم، وكلاهما جائز، وتقدير الرفع: وإن تأمر وولي عليكم عبد، كقوله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ} (4) تقديره: وإن استجارك أحد. وتقدير النصب: وإن كان المتأمر
(1) سلف برقم (3905) من حديث ابن عباس.
ورواه ابن ماجه (3726)، وأحمد 1/ 311. وهو حديث صحح إسناده الحافظ العراقي في "المغني" 2/ 1029 (3747)، والشيخ أحمد شاكر في "شرح المسند" 4/ 302 (2841)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (793).
(2)
"سنن ابن ماجه"(42).
(3)
"سنن الترمذي"(2676)، وفي المطبوع: بالنصب.
(4)
التوبة: 6.
الحاكم (1) عبدًا حبشيًّا، فإن حذف (كان) مع اسمها كثير، ومنه قول الشاعر:
قد قيل ما قيل إن صدقًا وإن كذبًا
…
فما اعتذارك في قول إذا قيلا
وزاد مسلم: "مجدع الأطراف"(2)، وهذا مبالغة في وصف هذا العبد بالصفة، وهذا مبالغة على عادة العرب في تمثيلهم المعاني وتأكيدها، كما قال عليه السلام:"من بنى مسجدًا ولو مفحص قطاة"(3)[ومفحص القطاة](4) لا يصلح للمسجد، وإنما تمثيل للصغر، وفيه دليل على جواز تأمير العبد فيما دون الإمامة الكبرى؛ لأن الاتفاق على أن الإمام الأعظم لا بد أن يكون حرًّا، وكذا القاضي؛ لأنها مناصب دينية تتعلق بها أحكام شرعية.
(فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا) هذا علم من أعلام النبوة في وقوع الاختلاف الذي بعده (فعليكم بسنتي) فيه الحث على شدة الملازمة للسنة؛ لأن من أراد أن يأخذ أخذًا شديدًا يمسكه بكلتا يديه (وسنة الخلفاء المهديين) أمره صلى الله عليه وسلم بسنة الخلفاء لأمرين: أحدهما:
(1) في (م): الحكم.
(2)
مسلم (648/ 240، 1837).
(3)
رواه ابن ماجه (738) من حديث جابر.
قال الحافظ العراقي في "المغني" 1/ 106 (402): سنده صحيح، وفي الباب عن أبي ذر وابن عباس وعائشة.
وأصله في البخاري (450)، ومسلم (533) من حديث عثمان بن عفان.
(4)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
التقليد لمن عجز عن النظر.
والثاني: الترجيح عند اختلاف الصحابة، نبه عليه في "الموطأ" المهدي الذي هداه اللَّه تعالى الحق (الراشدين) والمراد بـ "المهديين الراشدين" الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وإن كان اللفظ عامًّا في كل من سار سيرهم من الأئمة (تمسكوا بها) بيديكم (وعضوا عليها بمالنواجذ) أي: احترصوا على ملازمة السنة كما يلزم العاض على الشيء بنواجذه؛ خوفا من ذهابه وتفلته منه، والنواجذ بالجيم والذال المعجمة: هي الأنياب، وقيل: الأضراس التي هي آخر الأسنان. ويسمى ضرس الحلم؛ لأنه نبت بعد البلوغ، أي: أمسكوها وعضوا عليها بجميع الفم والأسنان، ولا تأخذوها بأطراف الأسنان، وقد يكون معناه الصبر على ما يصيبه من المضض في ذات اللَّه تعالى.
(وإياكم ومحدثات) بخفض التاء علامة جمع المؤنث، والمحدثات جمع محدثة (الأمور، فإن كل محدثة) بفتح الدال (بدعة، وكل) بالرفع (بدعة ضلالة) زاد ابن ماجه: "وقد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، ولا يزيغ عنها بعدي إلا هالك"(1)، والمحدث على قسمين: محدث ليس له أصل إلا الشهرة والعمل بشهوة النفس وإرادتها، وهذا باطل، ومحدث على قواعد الأصول وممهد عليها، فليس ذلك ببدعة ولا ضلالة.
[4608]
(ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن) عبد الملك
(1)"سنن ابن ماجه"(43).
(ابن جريج، حدثني سليمان بن عتيق) بفتح المهملة المدني، أخرج له مسلم، ومن قال فيه: عتيك. فقد وهم.
(عن طلق بن حبيب، عن الأحنف بن قيس، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ألا هلك المتنطعون) وهم المتعمقون في الشيء المبالغون في الحرص فيما لا تبلغه عقولهم على مذاهب أهل علم الكلام فيما لا يعنيهم، ومنه المتجاوزون علم الشريعة وحدودها بالوسوسة وتلاعب الشيطان (ثلاث مرات) كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاث مرات؛ لتفهم عنه وتحفظ (1).
* * *
(1) رواه بنحوه البخاري (95).
باب لزوم السنة
[4609]
(ثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي العابد، شيخ مسلم (ثنا إسماعيل بن جعفر) المدني (أخبرني العلاء بن عبد الرحمن) مولى الحرقة، أحد علماء المدينة، أخرج له مسلم (عن أبيه) عبد الرحمن ابن يعقوب، مولى الحرقة الجهني، أخرجه له مسلم (عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص) بفتح الياء، وضم القاف، كما قال:{لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} (1)(ذلك من أجورهم شيئًا) يعني: إذا أعطي المتبوع مثل أجر من تبعه وعمل بما دعاه إليه لا يحصل من ذلك نقص في أجر العامل، لكن الظاهر أنه لا يتساوى من عمل بمن لم يعمل، لكن يقال: إن أجر العامل مضاعف ثوابه، وأجر من دعا إلى العمل ولم يعمل كامل من غير مضاعفة الثواب.
(ومن دعا إلى ضلالة) أي: دل عليها ورغب في فعلها (فإن (2) عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا) وهذا صريح في استحباب سن الأمور الحسنة وتحريم سن الأمور السيئة، وأنه من سن سنة حسنة كان له مثل (3) أجر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة، ومن دعا إلى هدى كان له مثل أجور كل من تبعه، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه مثل آثام كل من تبعه (4)، سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو
(1) التوبة: 4.
(2)
في المطبوع: كان.
(3)
في (ل)، (م): من. والمثبت هو ما يقتضيه السياق.
(4)
ورد في معنى هذا الكلام حديث، رواه مسلم (2674).
الذي ابتدأه، أو كان مسبوقًا إليه، وسواء كان ذلك تعليم علم أو عبادة أو أدب أو تجنب محرم أو مكروه، فإن الهداية كما تكون بالفعل تكون بالترك، وسواء عمل بها التابع في حياة الدال على العمل أو بعد موته.
[4610]
(ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا) قال ابن مالك في "مثلثه": الجرم بضم الجيم: الإثم (1).
وقال القرطبي: الجرم والجريمة: الذنب (2). قال القاضي عياض: المراد بالجرم هنا الحدث على المسلمين لا أنه الجرم الذي هو الإثم المعاقب عليه؛ لأن السؤال كان مباحًا، ولهذا قال عليه السلام:"سلوني"(3).
قال النووي: وهذا الذي قاله القاضي ضعيف، بل باطل، والصواب الذي قاله الخطابي وصاحب "التحرير" وجماهير العلماء في شرح هذا الحديث أن المراد بالجرم هنا الإثم والذنب، قالوا: وهذا الحديث فيمن سأل تكلفًا أو تعنتا فيما لا حاجة به إليه، فأما من سأل لضرورة، [بأن](4) وقعت له مسألة فسأل عنها، فلا إثم عليه ولا عيب؛ لقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} (5).
(1)"الإعلام بمثلث الكلام"(ص 33).
(2)
"المفهم" 6/ 166.
(3)
"إكمال المعلم" 7/ 329، والحديث رواه البخاري (92)، ومسلم (2360) من حديث أبي موسى، وفي الباب عن غيره.
(4)
ليست في (ل)، (م) والمثبت من "شرح النووي".
(5)
النحل: 43. "مسلم بشرح النووي" 15/ 110.
قال القرطبي: أدب اللَّه الصحابة بقوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (1) بترك السؤال عما ليس بمهم، وخصوصًا عما تقدم من أحوال الجاهلية التي عفا عنها، ولما سمعت الصحابة هذا كله انتهت عن سؤال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا في أمر لا يجدون منه بدًّا، ولذلك قال أنس: نهينا أن نسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية، فيسأله ونحن نسمع (2)(3).
(من سأل عن شيء (4) لم يحرم) بضم أوله، وتشديد الراء، أي: لم يحرمه اللَّه تعالى ولا رسوله (فحرم) بضم الحاء وتشديد الراء المكسورة (على الناس من أجل مسألته) أي: عوقب لأجل سؤاله تعنتا وعبثًا بتحريم ما سأل عنه، والتحريم إذا وقع يعم السائل عنه وغيره، وهذا من أعظم الجرائم، وهو تحريم ما كان معفوًّا عنه، إذ فيه التشديد في الشريعة.
قال القرطبي: هذا الحديث (5) صريح في أن السؤال الذي على هذا الوجه ويحصل للمسلمين الحرج منه هو من أعظم الذنوب (6).
من حديث ابن كثير زيادة خمسة عشر حديثًا أو أربعة عشر ليست من رواية الخطيب ولا اللؤلؤي، وهي ثابتة عند ابن داسة وابن الأعرابي.
* * *
(1) المائدة: 101.
(2)
رواه مسلم (12).
(3)
"المفهم" 6/ 165 - 166.
(4)
في المطبوع: أمر.
(5)
ساقطة من (م).
(6)
"المفهم" 6/ 166.