الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
21 - باب فِي الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ
4732 -
حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَمحَمَّد بْنُ العَلاءِ أَنَّ أَبا أُسامَةَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ قالَ: قالَ سَالِمٌ: أَخْبَرَني عَبْدُ اللَّهِ بْن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَطْوي اللَّهُ السَّمَواتِ يَوْمَ القِيامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ اليُمْنَى ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ أَيْنَ الجَبّارُونَ؟ أَيْنَ المُتَكَبِّرُون؟ ثُمَّ يَطْوي الأَرَضِينَ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ". قالَ ابن العَلاءِ: "بِيَدِهِ الأُخْرى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ أَيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ المُتَكَبِّرُونَ؟ "(1).
4733 -
حَدَّثَنَا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَنْ أَبي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ ! مَنْ يَسْأَلُني فَأُعْطِيَهُ؟ ! مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ "(2).
* * *
[4732]
(ثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء أن أبا أسامة) حماد ابن أسامة الكوفي (أخبرهم عن عمر بن حمزة) بن عبد اللَّه بن عمر أخرج له مسلم في هذا الحديث وغيره.
(قال: قال) عمي (سالم) بن عبد اللَّه (أخبرنى عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يطوي اللَّه تعالى السموات) وفي الصحيحين زيادة، وهو:"يقبض اللَّه الأرض"(يوم القيامة)"ويطوي السماء بيمينه"(3) وفي وصف الأرض بالقبض والسماء بالطي إشارة إلى سعة
(1) رواه البخاري (7412)، ومسلم (2788).
(2)
سبق برقم (1315).
(3)
البخاري (7412)، مسلم (2788).
السماء على الأرض؛ لأن الطي لا يستعمل إلا في الشيء الطويل بخلاف قبض الشيء باليد، لكن هذا مخالف لما قاله القاضي عياض: أن (يطوي) و (يقبض) و (يأخذ)(1) كلها (2) بمعنى الجمع؛ لأن السموات مبسوطة والأرض مدحوة، فعاد كله إلى ضم بعضها إلى بعض. انتهى (3).
وقال اللَّه تعالى: ({يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُابِ}) وفي قراءة: {لِلْكُتُبِ} (4) قيل: السجل الكاتب، تقديره: كطي الكاتب الورقة المكتوبة لأجل ما كتب فيها (5)، لكن رواية المصنف الآتية:"ثم (6) يطوي الأرضين" يؤيد ما قاله القاضي "يوم القيامة"(ثم يأخذهن) بعد كمال الطي والقبض (بيده اليمنى) وإطلاق اليد على اللَّه تعالى متأول على القدرة (7)، وكنى عن ذلك باليد؛ لأن أفعالنا تقع باليدين فخوطبنا بما نفهمه؛ ليكون أوضح وأوكد في النفوس، وذكر اليمين ليتم المثال؛ لأنا نتناول باليمين ما كان للإكرام وهو موافق لقوله تعالى:{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (8).
(1) ساقطة من (م).
(2)
في (ل)، (م): كلمة. والمثبت من "إكمال المعلم".
(3)
"إكمال المعلم" 8/ 319.
(4)
الأنبياء: 104، وهي قراءة حمزة والكسائي وحفص. انظر:"حجة القراءات"(ص 471).
(5)
ساقطة من (م).
(6)
في (ل)، (م): يوم. والمثبت من "سنن أبي داود".
(7)
سبق وأن نقضنا هذا المذهب، وذكرنا أنه مخالف لمذهب الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، ونسأل اللَّه أن يوفقنا للصواب.
(8)
الزمر: 67.
(ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ) فيه تهديد عظيم لملوك الأرض والمتكبرين في الدنيا على الناس بغير حق والمتجبرين على عباده، (ثم يطوي) اللَّه (الأرضين) بفتح الراء جمع أرض، وجمع السلامة في الأرض شاذ في العربية؛ لأنه لم يستوف الشروط لكونه غير علم ولا صفه بل هو نكرة لاسم جنس مؤنث، وجمع الأرضين يرجح أن الأرض سبع كالسموات، وقد صرح بذلك الحديث الصحيح:"طوق به إلى سبع أرضين"(1)(ثم يأخذهن) بعد الطي (قال) محمد (ابن العلاء) يأخذهن (بيده الأخرى) يعني: الشمال، كما في رواية مسلم (2).
قال النووي: معلوم أن السماوات أعظم من الأرض، فأضافها إلى اليمين، والأرضين إلى الشمال، ليظهر التقريب في الاستعارة، وإن كان اللَّه سبحانه وتعالى لا يوصف بأن شيئًا أخف عليه من شيء، ولا أثقل من شيء (3) (ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ) والجبروت والكبرياء لا يكونان إلا للَّه تعالى، من نازعه فيهما قصمه، كما في الحديث (4).
[4733]
(ثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وعن أبي عبد اللَّه) سلمان (الأغر) فالزهري روى عن أبي سلمة وأبي عبد اللَّه الأغر وهما
(1) رواه البخاري (2452)، ومسلم (1610) من حديث سعيد بن زيد.
ورواه أيضًا (2453)، ومسلم (1612) من حديث عائشة.
(2)
مسلم (2788): (بشماله).
(3)
"مسلم بشرح النووي" 17/ 132.
(4)
سلف برقم (4090) وانظر تخريجه هناك.
رويا (عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا) هذا مما يوهم التشبيه إذ ذكر الرب بما لا يليق به ظاهره من الانتقال والحركة، ويجب تأويله على الوجه الذي يليق بصفاته، وهو أن يريد إقباله على أهل الأرض بالرحمة والاستعطاف بما يجري في قلوب أهل الخير منهم، بالتنبيه والتذكير لما سبق لهم في الأزل من التوفيق للطاعة، حتى يحملهم على الإقبال على الطاعة، كما قد مدح اللَّه المستغفرين بالأسحار.
فيحتمل أن يراد بالنزول ظهور أمره المضاف إليه في سماء الدنيا، كما يقال: ضرب الأمير اللص، ونادى الأمير في البلد، وإنما أمر بذلك، فأضيف إليه الفعل على أنه عن أمره ظهر، وبأمره حصل، وإذا كان محتملًا في اللغة لم ينكر أن يكون للَّه تعالى ملائكة يأمرهم بالنزول إلى سماء الدنيا في ذلك الوقت، ذكر هذا أبو بكر ابن فورك ثم قال: وقد روى لنا بعض أهل النقل ما يؤيد هذا وهو ضم الياء من "ينزل". وذكر أنه ضبطه عمن سمعه من الثقات الضابطين، وإذا كان كذلك مضبوطًا، فوجهه ظاهر (1).
(1)"مشكل الحديث وبيانه"(ص 205)، وكل ما ذكره المصنف عن ابن فورك وغيره لا يقوي حجة في مدافعة النص الواضح الظاهر، إذ من أوَّل صفة النزول هذا التأويل الهزيل الضعيف قاصر الفهم حيث قاس صفات الخالق على المخلوق، ونرد عليه فنقول: النزول صفة حقيقية ثابتة للَّه تعالى على الوجه اللائق به ولا تشبه صفات المخلوقين. وإذا كان ثَمَّ فرق بين أنواع المخلوقات وتباين بين الكائنات، فإنه ولا شك قطعًا أن التباين بين الخالق والمخلوق أولى حتى وإن اشتركا في اسم الصفة، واللَّه أعلم.
قال: وقد سئل عن هذا الخبر الأوزاعي. فقال: يفعل اللَّه ما يشاء. وهذا إشارة منه إلى ما تقدم، وكذا قال مالك (1) في هذا الخبر: ينزل أمره في كل سحر فأما ما هو فهو دائم لا يزول، ولسنا ننكر تسمية اللَّه بأسماء أفعاله إذا ورد التوقيف بها، كما في قوله تعالى:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} (2) وقوله تعالى: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} (3).
(حين يبقى ثلث الليل الآخر) فيه حجة لمن قال: أفضل التهجد الثلث الآخر من الليل؛ لما رواه المصنف عن عمرو بن عبسة قلت: يا رسول اللَّه، أي الليل أسمع؟ قال:"جوف الليل الآخر، فصل ما شئت"(4)(فيقول: من يدعوني فأستجيب؟ ) بالنصب وكذا ما بعده؛ لأنه جواب الاستفهام (له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ) والفرق بين المعاني الثلاثة من وجهين:
أحدهما: أن المراد ما جلب التلاؤم أو دفع غير الملائم، فأتى أولا بالدعاء الشامل لهما، وهو الدعاء ثم عقبه بطلب ما يلائم ثم يدفع ما
(1) قال ابن عبد البر في "الاستذكار" 8/ 152: وقد قال قوم: إنه ينزل أمره وتنزل رحمته ونعمته، وهذا ليس بشيء. . . ولو صح هذا عن مالك كان معناه أن الأغلب من استجابة دعاء من دعاه من عباده في رحمته وعفوه يكون ذلك الوقت.
وقال في "التمهيد" 7/ 145: أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك ولا يجدون فيه صفة محصورة. . . والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب اللَّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهم أئمة الجماعة، والحمد للَّه. ا. هـ.
(2)
الذاريات: 47.
(3)
الشمس: 14، "مشكل الحديث وبيانه"(ص 205 - 206).
(4)
تقدم برقم (1277).
يلائم وهو ستر الذنب الذي وقع منه، وعدم المؤاخذة به.
والثاني: أن المقصود واحد، واختلاف العبارات لتحقيق القصة وتأكيدها، وفي الحديث الحث على الدعاء، والسؤال بتذلل، والاستغفار من الذنوب في الثلث الأخير، وأن الصلاة فيه والدعاء وطلب التوبة أفضل من غيره.
* * *