المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - باب في الحلم وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ١٨

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌20 - باب دِياتِ الأَعْضاءِ

- ‌21 - باب دِيَةِ الجَنِينِ

- ‌22 - باب فِي دِيَةِ المُكاتَبِ

- ‌23 - باب فِي دِيَةِ الذِّمّيِّ

- ‌24 - باب في الرَّجُلِ يُقاتِلُ الرَّجُلَ فَيَدْفَعُه عَنْ نفْسِهِ

- ‌25 - باب فِيمَنْ تَطَبَّبَ ولا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَأَعْنَتَ

- ‌26 - باب فِي دِيَةِ الخَطَإِ شِبْهِ العَمْدِ

- ‌27 - باب فِي جِنايَةِ العَبْدِ يَكُونُ لِلْفُقَراءِ

- ‌28 - باب فِيمَنْ قَتَلَ في عِمِّيّا بَيْنَ قَوْمٍ

- ‌29 - باب فِي الدَّابَّةِ تَنْفَحُ بِرِجْلِها

- ‌30 - باب العَجْماءُ والمَعْدِنُ والبِئْرُ جُبارٌ

- ‌31 - باب فِي النّارِ تَعَدَّى

- ‌32 - باب القِصاصِ من السِّنِّ

- ‌كتاب السنة

- ‌1 - باب شَرْحِ السُّنَّةِ

- ‌2 - باب النَّهْي عَنِ الجِدالِ واتِّباعِ مُتَشابِهِ القُرْآنِ

- ‌3 - باب مُجانَبَةِ أَهْلِ الأَهْواءِ وَبُغْضِهِمْ

- ‌4 - باب تَرْكِ السَّلامِ عَلَى أَهْلِ الأَهْواءِ

- ‌5 - باب النَّهْى عَنِ الجِدالِ في القُرْآنِ

- ‌6 - باب في لُزُومِ السُّنَّةِ

- ‌7 - باب لُزُوم السُّنَّةِ

- ‌8 - باب فِي التَّفْضِيلِ

- ‌9 - باب فِي الخُلَفاءِ

- ‌10 - باب فِي فَضْلِ أَصْحاب رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب فِي النَّهْي عَنْ سَبِّ أَصْحابِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب في اسْتِخْلافِ أَبي بكْرٍ رضي الله عنه

- ‌13 - باب ما يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الكَلامِ في الفِتْنَةِ

- ‌14 - باب فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الأَنْبِياءِ علَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ

- ‌15 - باب فِي رَدِّ الإِرْجاءِ

- ‌16 - باب الدَّلِيلِ عَلى زِيادَةِ الإِيمانِ وَنُقْصانِهِ

- ‌17 - باب فِي القَدَرِ

- ‌18 - باب في ذَراري المُشْرِكِينَ

- ‌19 - باب فِي الجَهْمِيَّةِ

- ‌20 - باب فِي الرُّؤْيَةِ

- ‌21 - باب فِي الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ

- ‌22 - باب فِي القُرْآنِ

- ‌23 - باب فِي الشَّفاعَةِ

- ‌24 - باب فِي ذِكْرِ البَعْثِ والصُّورِ

- ‌25 - باب في خَلْقِ الجَنَّة والنّارِ

- ‌26 - باب فِي الحَوْضِ

- ‌27 - باب فِي المَسْأَلَةِ في القَبْرِ وَعذابِ القَبْرِ

- ‌28 - باب فِي ذِكْرِ المِيزانِ

- ‌29 - باب فِي الدَّجّالِ

- ‌30 - باب في قَتْلِ الخَوارِجِ

- ‌31 - باب فِي قِتالِ الخَوارِجِ

- ‌32 - باب فِي قِتالِ اللُّصُوصِ

- ‌كتاب الأدب

- ‌1 - باب فِي الحِلْمِ وأَخْلاقِ النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - باب فِي الوَقارِ

- ‌3 - باب مَنْ كَظَمَ غَيْظًا

- ‌4 - باب ما يُقالُ عِنْدَ الغضَبِ

- ‌5 - باب فِي العَفْو والتَّجاوُزِ في الأَمْرِ

- ‌6 - باب فِي حُسْنِ العِشْرَةِ

- ‌7 - باب فِي الحَياءِ

- ‌8 - باب فِي حُسْنِ الخُلُقِ

- ‌9 - باب فِي كَراهِيَةِ الرِّفْعَةِ في الأُمُورِ

- ‌10 - باب في كَراهِيةِ التَّمادُحِ

- ‌11 - باب في الرِّفْقِ

- ‌12 - باب فِي شُكْرِ المَعْرُوفِ

- ‌13 - باب فِي الجُلُوسِ في الطُّرُقاتِ

- ‌14 - باب فِي سَعَةِ المَجْلِسِ

- ‌15 - باب فِي الجُلُوسِ بينَ الظِّلِّ والشَّمْسِ

- ‌16 - باب في التَّحَلُّقِ

- ‌17 - باب الجُلُوسِ وَسْطَ الحَلْقَةِ

- ‌18 - باب فِي الرَّجُلِ يَقُومُ لِلرَّجُلِ مِنْ مَجْلِسِهِ

- ‌19 - باب مَنْ يُؤْمَرُ أَنْ يُجالَسَ

- ‌20 - باب فِي كَراهيَةِ المِراءِ

- ‌21 - باب الهَدي في الكَلامِ

- ‌22 - باب فِي الخُطْبَةِ

- ‌23 - باب فِي تَنْزيلِ النّاسِ مَنازِلَهُمْ

- ‌24 - باب فِي الرَّجُلِ يَجْلسُ بَينَ الرَّجُلَيْنِ بِغَيْرِ إِذْنِهِما

- ‌25 - باب في جُلُوسِ الرَّجُلِ

- ‌26 - باب فِي الجِلْسَةِ المَكْرُوهَةِ

- ‌27 - باب النَّهْي عَنِ السَّمَرِ بَعْدَ العِشاءِ

- ‌29 - باب فِي التَّناجي

- ‌30 - باب إِذا قامَ مِنْ مَجْلِسٍ ثُمَّ رَجَعَ

- ‌31 - باب كَراهِيَةِ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ولا يَذْكُرُ اللَّه

- ‌28 - باب فِي الرَّجُلِ يَجْلِسُ مُتَرَبِّعًا

- ‌32 - باب فِي كَفّارَةِ المَجْلِسِ

- ‌33 - باب فِي رَفْع الحَدِيثِ مِنَ المَجْلسِ

- ‌34 - باب فِي الحَذَرِ منَ النّاسِ

- ‌35 - باب فِي هَدي الرَّجْلِ

- ‌36 - باب فِي الرَّجُلِ يَضَعُ إحْدى رِجْليْهِ عَلى الأُخْرى

- ‌37 - باب فِي نَقْلِ الحَدِيثِ

- ‌38 - باب فِي القَتّاتِ

- ‌39 - باب في ذي الوَجْهَيْنِ

- ‌40 - باب فِي الغِيبَةِ

- ‌41 - باب منْ رَدَّ عَنْ مُسْلِمٍ غِيبَةً

- ‌42 - باب مَنْ لَيْسَتْ لَهُ غِيبَةٌ

- ‌43 - باب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُحِلُّ الرَّجُلَ قدِ اغْتَابَهُ

- ‌44 - باب في النَّهْي عَنِ التَّجَسُّسِ

- ‌45 - باب فِي السَّتْرِ عَنِ المُسْلِمِ

- ‌46 - باب المُؤاخاةِ

- ‌47 - باب المُسْتَبّانِ

- ‌48 - باب في التَّواضُعِ

- ‌49 - باب فِي الانْتِصارِ

- ‌50 - باب فِي النَّهْي عَنْ سَبِّ المَوْتَى

- ‌51 - باب فِي النَّهْي عَنِ البَغْي

- ‌52 - باب فِي الحَسَدِ

- ‌53 - باب فِي اللَّعْنِ

- ‌54 - باب فِيمَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَ

- ‌55 - باب فِيمَنْ يَهْجُرُ أَخَاهُ المُسْلِمَ

- ‌56 - باب فِي الظَّنِّ

- ‌57 - باب فِي النَّصِيحَةِ والحِياطَةِ

- ‌58 - باب فِي إِصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ

- ‌59 - باب فِي النَّهْي عَنِ الغِناءِ

- ‌60 - باب كَراهِيَةِ الغِناءِ والزَّمْرِ

الفصل: ‌1 - باب في الحلم وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم

42 -

الأدب

‌1 - باب فِي الحِلْمِ وأَخْلاقِ النَّبي صلى الله عليه وسلم

-

4773 -

حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ الشَّعِيري، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ -يَعْني: ابن عَمّارٍ-، قالَ: حَدَّثَني إِسْحاقُ -يَعْني: ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ- قالَ: قالَ أَنَسٌ كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا فَأَرْسَلَني يَوْمًا لحِاجَةٍ فَقُلْتُ واللَّه لا أَذْهَبُ. وَفي نَفْسي أَنْ أَذْهَبَ لما أَمَرَني بِهِ نَبي اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ في السُّوقِ فَإِذا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قابِضٌ بِقَفاي مِنْ وَرائي فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقالَ: "يا أُنَيْسُ اذْهَبْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ". قُلْتُ: نَعَمْ أَنا أَذْهَبُ يا رَسُولَ اللَّهِ.

قالَ أَنَسٌ: واللَّه لَقَدْ خَدَمْتُهُ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ ما عَلِمْتُ قالَ لِشَيء صَنَعْتُ لِمَ فَعَلْتَ كَذا وَكَذا. وَلا لِشَيء تَرَكْتُ هَلَّا فَعَلْتَ كَذا وَكَذا (1).

4774 -

حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ -يَعْني: ابن المُغِيرة- عَنْ

(1) رواه البخاري (2768)، ومسلم (2309).

ص: 409

ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: خَدَمْتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ بِالمَدِينَةِ وَأَنا غُلامٌ لَيْسَ كُلُّ أَمْري كَما يَشْتَهي صاحِبي أَنْ أَكُونَ عَلَيْهِ ما قالَ لي فِيها: أُفٍّ قَطُّ وَما قالَ لي: لِمَ فَعَلْتَ هذا أَوْ أَلا فَعَلْتَ هذا (1).

4775 -

حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا أَبُو عامِرٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ هِلالٍ سَمِعَ أَباهُ يُحَدِّثُ قالَ: قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ يُحَدِّثُنا: كانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يَجلِسُ مَعَنا في المَجْلِسِ يُحَدِّثُنا فَإذا قامَ قُمْنا قِيامًا حَتَّى نَراهُ قَدْ دَخَلَ بَعْضَ بُيُوتِ أَزْواجِهِ فَحَدَّثَنا يَوْمًا فَقُمْنا حِينَ قامَ فَنَظَرْنا إِلَى أَعْرابي قَدْ أَدْرَكَهُ فَجَبَذَهُ بِرِدائِهِ فَحَمَّرَ رَقَبَتَهُ قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَكانَ رِداءً خَشِنًا فالتَفَتَ فَقالَ لَهُ الأَعْرابي: احْمِلْ لي عَلَى بَعِيري هَذَيْنِ فَإِنَّكَ لا تَحْمِل لي مِنْ مالِكَ وَلا مِنْ مالِ أَبِيكَ. فَقالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم: "لا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لا أَحْمِلُ لَكَ حَتَّى تُقِيدَني مِنْ جَبْذَتِكَ التي جَبَذْتَني".

فَكُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ الأَعْرابي واللَّه لا أَقِيدُكَها. فَذَكَرَ الحَدِيثَ قالَ: ثُمَّ دَعا رَجُلًا فَقالَ لَهُ: "احْمِلْ لَهُ عَلَى بَعِيرَيْهِ هَذَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ شَعِيرًا وَعَلَى الآخَرِ تَمْرًا". ثُمَّ التَفَتَ إِلَيْنا فَقالَ: "انْصَرِفُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعالَى"(2).

* * *

بسم الله الرحمن الرحيم

باب في الحلم وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم

[4773]

(ثنا مخلد بن خالد الشعيري) العسقلاني نزيل طرسوس، شيخ مسلم (ثنا عمر بن يونس) اليمامي (ثنا عكرمة بن عمار) اليمامي

(1) رواه البخاري (2768)، ومسلم (2309).

(2)

رواه النسائي 8/ 33، وأحمد 2/ 288، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3529)، والبيهقي في "الآداب"(140). وضعفه الألباني في "المشكاة"(3423).

ص: 410

الحنفي (1)، أخرج له مسلم.

(حدثني إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (قال: قال) عمي (أنس) بن مالك رضي الله عنه (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من (2) أحسن الناس خلقا) بضم الخاء واللام، لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، فما من خلق حسن إلا وقد حاز فيه النهاية وأدرك فيه الغاية، وحسن الترمذي:"أكمل الناس إيمانًا أحسنهم خلقًا، وألطفهم بأهله"(3).

وروى محمد بن نصر المروزي قوله صلى الله عليه وسلم: "حسن الخلق هو أن لا تغضب إن استطعت"(4) وروى الإمام أحمد: "أحسن الناس إسلامًا أحسنهم خلقًا"(5) وللطبراني: "إن أحبكم إليَّ أحاسنكم أخلاقًا الموطؤون اكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون"(6) قال في "النهاية": حقيقته من التوطئة، وهو التمهيد والتذليل، فراش وطيء: لا يؤذي جنب النائم. والأكناف: الجوانب. أراد الذين أجانبهم وطئة يتمكن فيها من صاحبهم ولا يتأذى (7).

(1) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب:(العجلي)، انظر:"تهذيب الكمال" 20/ 256 (4008).

(2)

من "السنن".

(3)

"سنن الترمذي"(1162) من حديث أبي هريرة، وقال: حسن صحيح، (2612) من حديث عائشة، وقال: صحيح.

(4)

"تعظيم قدر الصلاة" 2/ 864 من حديث أبي العلاء بن الشخير.

(5)

"المسند" 5/ 89، وابن أبي شيبة 13/ 29 من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.

(6)

رواه في "الأوسط" 7/ 350، و"الصغير" 2/ 89 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(7)

"النهاية في غريب الحديث" 5/ 201.

ص: 411

(فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت) له (واللَّه لا أذهب) إليها (وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم) هذا صدر من أنس في صغره وعدم كمال تمييزه، إذ لا يصدر مثله ممن كمل تمييزه، وذلك أنه حلف باللَّه على الامتناع من فعل ما يأمره به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مشافهة وهو عازم على فعله، فجمع بين مخالفة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبين الإخبار بامتناعه والحلف باللَّه على نفي ذلك مع العزم على أنه يفعله.

قال القرطبي: وفيه ما فيه، ومع ذلك فلم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم لشيء من ذلك ولا عرج عليه ولا أدبه، بل داعبه ولم يغضب، بل أخذ بقفاه وهو يضحك رفقًا به واستلطافًا له (1).

(قال: فخرجت حتى أمر) بالنصب، ويجوز الرفع كما في قراءة نافع في قوله تعالى:{وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (2) والتقدير: فخرجت حتى مررت (على صبيان) لم يزل الجنس يميل إلى الجنس، فالصغير يحب رؤية الصغار والمرور بهم ويتقصد ذلك بالطبع الجبلي (وهم يلعبون) فاللعب من شأن الصبيان ومن في معناهم من النساء والرجال الضعفاء العقول، الذين يذهبون أعمارهم النفيسة في الباطل الذي لا طائل تحته، لكن في اللعب للصبيان ترويح لأذهانهم في تعليم القرآن ونحوه ونشاط لأبدانهم.

(في السوق) سمي سوقًا، لقيام الناس فيه غالبًا على سوقهم. وقيل: لأن المبيعات تساق إليه، والأسواق محل الغفلة واللهو واللعب إلا لمن

(1)"المفهم" 6/ 104.

(2)

البقرة: 214.

ص: 412

أيقظ اللَّه قلبه من سنة الغفلة، فبدنه في السوق وقلبه مع اللَّه لا يغفل مع من غفل.

(فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) وهو (قابض بقفاي) بفتح الياء مقصور، كقوله تعالى:{قَالَ هِيَ عَصَايَ} (1)(من ورائي) بالمد وسكون الياء، (فنظرت إليه) حين التفت، (وهو يضحك) تبسمًا (فقال: يا أنيس، ) تصغير أنس (اذهب) إلى (حيث أمرتك، قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول اللَّه) إلى حيث أمرتني. ولفظ مسلم: فقال: "يا أنيس ذهبت حيث أمرتك؟ " قال: قلت: نعم (2).

وفي الحديث فوائد وآداب كثيرة، منها:

استعمال المجاز في قوله: (فأرسلني) والمراد: فأمرني أن أذهب له رسولًا في حاجة أرادها. وفيه جواز استخدام الصغير اليتيم لمن يقوم بمصالحه وتعليمه فيما لا يشق عليه. وفيه أن من أرسله شيخه أو معلمه في حاجة فيكتمها ولا يذكرها للناس، إلا إذا كان في إظهارها مصلحة بلا ضرر؛ ولهذا قال:(في حاجة) بالإبهام ولم يصرح بها.

وفي قوله: (أرسلني يومًا) إشارة إلى أن استخدام اليتيم يكون في النهار دون الليل؛ لما في مشي الصبي في الليل من المفاسد.

وفيه: صحة يمين الصبي وانعقادها، وفيه جواز مخالفة الخادم لمخدومه في الظاهر، وعدمه في الباطن امتثال أمره، وذلك استخراجًا لإظهار حكم المخدوم للناس وبيانه في كظم غيظه، ولولا إظهار هذِه

(1) طه: 18.

(2)

"صحيح مسلم"(2310).

ص: 413

المخالفة لما ظهرت محاسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم؛ حيث لم يغضب لمخالفته، بل أظهر له التبسم بالضحك ملاطفة له.

وفيه جواز مرور الصبي على صبيان يلعبون، وإن كان له مندوحة عن ذلك. وفيه قبض الصغير من ورائه [. . .](1) عليه؛ ليجتمع عقله وفهمه الذي بسبب ترويه بلعب الصبيان ويضبط ما يقال له. وفيه التبسم والبشر في وجه الصغير؛ ملاطفة له، وإظهارًا لعدم غضبه عليه في مخالفته، وفيه تصغير اسم المنادى إذا لم يتأذ بذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم لعثمان:"يا عثيم"(2) وللمقدام ابن معدي كرب: "أفلحت يا قديم"(3)، وفيه جواب من قال له: أفعل كذا؟ بنعم، أو بسمع وطاعة.

(قال أنس) لبيان ما جمع في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الخلق الكريم والحلم العظيم ولين الجانب في المخاطبة (واللَّه لقد خدمته سبع سنين أو تسع [سنين])(4) السبع لم يجزم بها الراوي، بل أتى بعدها بـ (أو) التي للشك، وأما التسع فهي مشكوك بها في هذِه الرواية، لكن في رواية مسلم الجزم [بالتسع (5) وكذا في الرواية الآتية، وفي مسلم الجزم](6) بالعشر (7)، وسيأتي الجمع بينهما (ما علمت) فيه حذف الضمير،

(1) كلمة غير واضحة في الأصول.

(2)

رواه أحمد 6/ 250، "السنة" لابن أبي عاصم 2/ 383 (1300) من حديث عائشة.

(3)

تقدم برقم (2933) من حديث المقدام.

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م) ومثبت من "السنن".

(5)

"صحيح مسلم"(2309/ 53).

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

(7)

"صحيح مسلم"(2309/ 51).

ص: 414

والتقدير: ما علمته. كما في مسلم (قال لشيء صنعت: ) أي: صنعته (لم فعلت كذا وكذا؟ ولا) علمته قال (لشيء تركت: هلا فعلت كذا وكذا) فيه منقبة لأنس رضي الله عنه حين لم يقع منه في هذِه المدة الكبيرة ما لا يجوز فعله، إذ لو فعل شيئًا من ذلك لما أقره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقر على باطل.

[4774]

(حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (ثنا سليمان يعني: ابن المغيرة) القيسي أبو سعيد البصري، وثق.

(عن ثابت)(1) بن أسلم البناني كان رأسًا في العلم والعمل، لم يكن في زمانه أعبد منه.

(عن أنس رضي الله عنه قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين) وفي "صحيح مسلم": تسع سنين، بالجزم، وأكثر الروايات: عشر، ووجه الجمع بين الروايتين أنها تسع سنين وأشهر، فإن النبى صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشر سنين تحديدًا، لا تزيد ولا تنقص، وخدمه أنس في أثناء السنة الأولى. ففي رواية التسع لم يحسب الكسر، بل اعتبر السنين الكوامل. وفي رواية الكسر حسبها سنة عاشرة، وكلاهما صحيح. وفي هذا الحديث بيان كمال خلقه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته وحلمه وصفحه.

(بالمدينة) والعشر تحديد. وقد روى الزهري عن أنس: قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، وتوفي وأنا ابن عشرين سنة (2). وتوفي من النهار في مثله من اليوم الذي قدم فيه، يوم الاثنين.

(وأنا غلام، ليس كل أمري) يقع (كما يشتهي صاحبي) -يعني: النبي

(1) فوقها في (ل): (ع).

(2)

"صحيح البخاري"(5166)، "صحيح مسلم"(2029/ 120).

ص: 415

-صلى الله عليه وسلم، فإن الآراء قد تختلف (أن أكون (1) عليه) في صحبة، بل يقع مني ما لا يشتهي صاحبي من النقص في حقه، لكنه غير محرم ولا مكروه، وهذا توطئة لبيان كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته وصفحه عما يقع منه و (ما قال لي [فيها]) (2) كلمة (أف) فيها لغات: بالكسر مع التنوين وعدمه وقرئ بهما في السبع (3)، وأصل الأُفُّ والتُّفُّ وسخ الأظفار، وتستعمل هذِه الكلمة في كل ما يستقذر. قال الهروي: يقال لكل ما يتضجر منه ويستثقل: أفٍّ له (4). وفي لفظة (قط) لغات، أفصحها ضم الطاء المشددة، وهي توكيد نفي الماضي.

(وما قال لي: لِمَ فعلت هذا؟ ) قط (أم ألَّا) بالتشديد بمعني هلا (فعلت هذا) كذا، والمراد أنه لم يعاتبه على فعل شيء أو تركه، وهذا من آداب الصحبة، وهو ترك العتاب على ما وقع من صديقه.

[4775]

(ثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي البزاز، شيخ مسلم (ثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو القيسي العقدي بفتح المهملة والقاف، ثقة (ثنا محمد بن هلال) بن أبي هلال مولى بني كعب، ثقة، ذكره ابن حبان في "الثقات"(5).

(أنه سمع أباه) هلال بن أبي هلال المدني، وثق.

(قال: قال أبو هريرة وهو يحدث: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس معنا في

(1) قبلها في (ل)، (م): يكون. وأعلاها: نسخة.

(2)

من "السنن".

(3)

انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 379، "الحجة" لأبي علي الفارسي 5/ 94.

(4)

"الغريبين" 1/ 81 - 82.

(5)

"الثقات" 7/ 438.

ص: 416

المجلس) في المسجد وغيره و (يحدثنا فإذا قام) من مجلسه (قمنا) كلنا لقيامه (قيامًا) فلم نزل ننظره (حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه).

فيه أن من حق الكبير مع أصحابه إذا قام من مجلسه أن يقوم معه من كان جالسًا معه، كما أن من حقه إذا جاء أن يقوم له من كان جالسًا إكرامًا، فالإكرام بالقيام للكبير عند مفارقته وعند مجيئه، فليس أحدهما بأحق من الآخر. ومن حقوق الكبير إذا فارق من كان معه أن ينظر إليه وهو ماشٍ إلى أن يغيب عنه؛ لاحتمال أن تطرأ له حاجة أو يحدث له حادث فيبادر إليه.

وفيه أن القيام لقيامه عام في كل الأوقات، لأن لفظة (كان) في الحديث تدل على الدوام.

(فحدثنا يومًا) من الأيام (فقمنا) له (حين قام) من المجلس (فنظرنا إلى أعرابي قد أدركه) أي: قد (1) قصده فوصل إليه (فجبذه) مقلوب من جذب، أي: يده (بردائه) إليه، يقال: جذبه وجبذه على القلب، أي: جره بردائه إليه من خلفه (فحمر) بتشديد الميم، أي: احمرت رقبته من شدة جبذته.

(قال أبو هريرة: وكان رداء خشنًا) وفي رواية للنسائي: قمنا معه حتى لما بلغ وسط المسجد أدركه رجل. . إلى آخره (2).

(فالتفت فقال له الأعرابي: احمل لي) من مال اللَّه تعالى (على بعيريَّ) بتشديد الياء آخره للتثنية بفتح الهمزة، من أحمله الحمل إذا أعانه عليه.

(1) من (م).

(2)

"سنن النسائي" 8/ 33.

ص: 417

وفي [رواية](1): حملني بالتشديد، وفي رواية: أحملنى. في رواية: تحملني. (هذين فإنك لا تحمل لي) عليهما (من مالك ولا من مال أبيك) ولا جدك، بل من الخمس الذي تصرف منه لمصالح المسلمين (2).

وقد بوب البخاري على ما في معنى هذا الحديث وأمثاله: باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه (3)، وفي جبذه (4) الرداء الخشن حتى أثر في رقبة النبي صلى الله عليه وسلم دليل على مشروعية صبر السلاطين والعلماء لجهال السؤال، واستعمال الحلم لهم والصبر على أذاهم في المال والنفس ونحوهما.

(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا) أعطيك (وأستغفر) بهمزة قطع (اللَّه) لعله استغفر من رده السائل، وهو القائل:"لا تردوا السائل ولو بظلف محرق"(5) رواه (. . .)(6) ويحتمل أنه استغفر خوفًا على السائل أن تعاجله العقوبة (لا) أحمل لك (وأستغفر اللَّه عز وجل لا وأستغفر اللَّه) كرر ذلك ثلاثًا تأكيدًا للكلام وردعًا للسائل.

(لا أحمل لك) على بعيريك (حتى تقيدني) بضم التاء وكسر القاف،

(1) زيادة يقتضيها السياق.

(2)

ساقطة من (م).

(3)

"صحيح البخاري" قبل حديث (3143).

(4)

في (م): جذبه.

(5)

رواه أحمد 6/ 435 من حديث حواء جدة عمرو بن معاذ الأنصاري. ورواه النسائي 8/ 346، وعبد بن حميد في "مسنده" 1/ 441 (1527) عن ابن نجيد عن جدته عن عائشة.

(6)

بياض في (ل)، (م) بمقدار كلمتين.

ص: 418

أي: تعطيني القصاص من جبذتك (1) الرداء في رقبتي، ولعل المراد القصاص منه، وإن كان جذب الرقبة لا قصاص فيه، أن يتذكر قبيح ما وقع منه ويتوب منه ويعتذر، فإن إثمه عظيم بالنسبة إلى منسب النبوة والرسالة (من [جبذتك التي جبذتني] (2) الآن (فكل) مرة من (ذلك يقول له الأعرابي: واللَّه لا أقيدكها) بضم الهمزة (فذكر الحديث) المذكور، وزاد النسائي: فقال ذلك ثلاث مرات، وكل ذلك يقول: لا واللَّه لا أقيدك، فلما سمعنا قول الأعرابي أقبلنا إليه سراعًا، فالتفت إلينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:"عزمت على من سمع كلامي أن لا يبرح مقامه حتى آذن له"(3).

(قال: دعا) رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (رجلًا فقال احمل (4) له على بعيريه هذين) احمل (على بعير) منهما (شعيرًا و) احمل (على) البعير (الآخر تمرًا) فيه دفع السيئة بالحسنة، كقوله:"وأتبع السيئة الحسنة تمحها"(5) وقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (6) وفيه إعطاء من يتألف قلبه من المسلمين وغيرهم، والعفو عن مرتكب كبيرة لا حدَّ فيها لجهله، وكمال خلقه صلى الله عليه وسلم.

(1) في (م): جذبك.

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

(3)

"سنن النسائي" 8/ 33.

(4)

ساقطة من (م).

(5)

رواه الترمذي (1987)، وأحمد 5/ 153 من حديث أبي ذر. وقال الترمذي: حسن صحيح.

(6)

المؤمنون: 96.

ص: 419

(ثم التفت إلينا فقال: انصرفوا) هذا أمر بعد الحظر المذكور في رواية النسائي: "عزمت على من سمع كلامي أن لا يبرح من مقامه" والمشهور عند الأصوليين أن الحظر بعد الإباحة للإباحة، كما في قوله تعالى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (1).

(على بركة اللَّه تعالى) تقدم أن الاستعلاء هنا ليس هو على حقيقته، وأن المراد انصرفوا مصاحبين البَركة الشاملة.

* * *

(1) المائدة: 2.

ص: 420