الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16 - باب الدَّلِيلِ عَلى زِيادَةِ الإِيمانِ وَنُقْصانِهِ
4679 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنِ ابن الهادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"ما رَأَيْتُ مِنْ ناقِصاتِ عَقْلٍ وَلا دِينٍ أَغْلَبَ لِذي لُبٍّ مِنْكُنَّ". قالَتْ: وَما نُقْصانُ العَقْلِ والدِّينِ؟ قالَ: "أَمّا نُقْصانُ العَقْلِ فَشَهادَةُ امْرَأَتَيْنِ شَهادَةُ رَجُلٍ، وَأَمّا نُقْصانُ الدِّينِ: فَإِنَّ إِحْداكُنَّ تُفْطِرُ رَمَضانَ، وَتُقِيمُ أَيّامًا لا تُصَلِّي"(1).
4680 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْباري وَعُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ المَعْنَى قالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ سِماكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: لَمّا تَوَجَّهَ النَّبي صلى الله عليه وسلم إِلَى الكَعْبَةِ قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الذِينَ ماتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (2).
4681 -
حَدَّثَنا مُؤَمَّل بْن الفَضْلِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شابُورٍ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ الحارِثِ، عَنِ القاسِمِ، عَنْ أَبي أُمامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قالَ:"مَنْ أَحَبَّ للَّه، وَأَبْغَضَ للَّه، وَأَعْطَى للَّه وَمَنَعَ للَّه، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمانَ"(3).
4682 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا"(4).
(1) رواه مسلم (79/ 132).
(2)
رواه الترمذي (2964)، وأحمد 1/ 304، والدارمي (1271). وصححه الألباني.
(3)
رواه الطبراني في "الكبير" 8/ 134 (7613)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(845)، واللالكائي في "شرح أصول أعتقاد أهل السنة والجماعة"(1618).
وصححه الألباني في "الصحيحة"(380).
(4)
رواه الترمذي (1162)، وأحمد 2/ 527، والدارمي (2834).
وحسنه الألباني في "الصحيحة"(284).
4683 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قالَ: وَأَخْبَرَني الزُّهْري، عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قالَ: أَعْطَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رِجالًا وَلَمْ يُعْطِ رَحُلًا مِنْهُمْ شَيْئًا، فَقالَ سَعْدٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطيْتَ فُلانًا وَفُلانًا وَلَمْ تُعْطِ فلانًا شَيْئًا وَهُوَ مُؤْمِنٌ؟ فَقالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم: "أَوْ مُسْلِمٌ". حَتَّى أَعادَها سَعْدٌ ثَلاثًا والنَّبي صلى الله عليه وسلم يَقول: "أَوْ مُسْلِمٌ". ثمَّ قالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم: "إِنّي أُعْطي رِجالًا وَأَدَعُ مَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَي مِنْهُمْ لا أُعْطِيهِ شَيْئًا مَخافَةَ أَنْ يُكَبُّوا في النّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ"(1).
4684 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا ابن ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قالَ: وقالَ الزُّهْري: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} قالَ: نَرى أَنَّ الإِسْلامَ الكَلِمَةُ والإِيمانَ العَمَلُ (2).
4685 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، ح وَحَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ المَعْنَى قالا: حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَسَّمَ بَيْنَ النّاسِ قَسْمًا فَقُلْتُ أَعْطِ فلانًا فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ. قالَ:"أَوْ مُسْلِمٌ، إِنّي لأُعْطي الرَّجُلَ العَطاءَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَي مِنْهُ مَخافَةَ أَنْ يُكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ"(3).
4686 -
حَدَّثَنا أَبُو الوَليدِ الطَّيالِسي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ قالَ: واقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَني عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ ابن عُمَرَ يُحدِّثُ، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قالَ:"لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ"(4).
(1) رواه البخاري (27)، ومسلم (150).
(2)
رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 233، وعبد اللَّه بن أحمد في "السنة"(752)، والخلال في "السنة" 4/ 11، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(1201)، وابن منده في "الإيمان" 1/ 316. وقال الألباني: صحيح الإسناد مقطوع.
(3)
رواه البخاري (27)، ومسلم (150).
(4)
رواه البخاري (6868)، ومسلم (66).
4687 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ فضَيْلِ بْنِ غَزْوانَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّما رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْفَرَ رَجُلًا مُسْلِمًا فَإِنْ كانَ كافِرًا، وَإِلَّا كانَ هُوَ الكافِرَ"(1).
4688 -
حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنافِقٌ خالِصٌ، وَمَنْ كانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كانَ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفاقٍ حَتَّى يَدَعَها إِذا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذا عاهَدَ غَدَرَ، وَإِذا خاصمَ فَجَرَ"(2).
4689 -
حَدَّثَنا أَبُو صالِحٍ الأَنْطاكي، أَخْبَرَنا أَبُو إِسْحاقَ الفَزاري، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَزْني الزّاني حِينَ يَزْني وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُها وَهُوَ مُؤْمِنٌ والتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ"(3).
4690 -
حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْن سُوَيْدٍ الرَّمْلي، حَدَّثَنا ابن أَبي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنا نافِعٌ -يَعْني: ابن يَزِيدَ-، قالَ: حَدَّثَني ابن الهادِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُري حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعِ أَبا هُرَيرَةَ يَقُول: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الإِيمانُ، كان عَلَيْهِ كالظُّلَّةِ، فَإِذا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الإِيمانُ"(4).
* * *
(1) رواه البخاري (6104)، ومسلم (60/ 111).
(2)
رواه البخاري (34)، ومسلم (58).
(3)
رواه البخاري (6810)، ومسلم (57).
(4)
رواه محمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة"(536)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(976)، وابن منده في "الإيمان"(519)، والحاكم 1/ 22.
وصححه الألباني.
باب في رد الإرجاء
بكسر الهمزة من الإرجاء وهو التأخير، والمرجئة فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن اللَّه أرجأ تعذيبهم على المعاصي. أي: أخره عنهم.
[4676]
(ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (أنا سهيل (1) ابن أبي صالح) السمان (عن عبد اللَّه بن دينار، عن أبي صالح) السمان ذكوان (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: الإيمان) الإيمان في هذا الحديث يراد به الأعمال بدليل أنه ذكر فيه أعلى الأعمال وأدناها، وهما عملان فيما بينهما أيضًا من قبيل الأعمال، إذ الوسط من جنس الطرفين، وتسمية الأعمال إيمانًا مجازًا توسعًا، لأنها تكون عن الإيمان غالبًا.
(بضع) من العدد بكسر الباء، وفتحها قليل، والمشهور في استعمال العرب، البضع من الثلاث إلى العشر (وسبعون) هكذا جاء بأنه بضع وسبعون من غير شك، فقد جاء الشك في مسلم وغيره بأنه بضع وسبعون أو بضع وستون (2)، والجزم بالسبعين هنا جاء هنا، فالسند الصحيح أولى بالعمل من المشكوك فيه، ومقصود هذا الحديث أن الأعمال الشرعية تسمى إيمانًا، وأنها منحصرة في هذا العدد غير أن
(1) فوقها في (ل): (ع).
(2)
مسلم (35/ 58).
الشرع لم يعين ذلك العدد لنا ولا فصله، وقد تكلف بعض المتأخرين فتصفح خصال الشريعة وعدها حتى انتهى بها إلى هذا العدد، ولا يلزم ذلك؛ لإمكان الزيادة والنقصان. وزاد في الصحيحين:"شعبة"(1)، وذكر الترمذي هذا الحديث وسمى الشعبة بابًا، فقال:"الإيمان بضع وسبعون بابًا"(2)، والشعبة الخصلة، فالمراد أن الإيمان ذو خصال محدودة.
(أفضلها) أي: أفضل شعب الإيمان (قول: لا إله إلا اللَّه) وهي أعلاها؛ لأن كلمة التوحيد منها يتشعب الإيمان، وهي قطب أركان الإسلام (وأدناها: إماطة) أي: إزالة (العظم عن الطريق) وفي معناه الحجر والشوك وكل ما يؤذي المسلمين في طريقهم، ولهذا جاء في رواية الصحيحين:"إماطة الأذى عن الطريق"(3) وهو عام في كل ما يؤذي، والعظم فرد من أفراد ما يؤذي، فمن رفع عظمًا أو حجرًا أو شوكة من طريق المسلمين، وقال في حال رفعها [من الطريق] (4): لا إله إلا اللَّه، فقد جمع بين الأعلى والأدنى، وبين فضيلة اللسان واليد.
(والحياء شعبة من الإيمان) كما قال الجنيد: رؤية الآلاء، أي: النعم، ورؤية التقصير يتولد بينهما حالة تسمى الحياء، وإنما جعل من الإيمان، وإن كان غريزة؛ لأنه قد يكون تخلقًا واكتسابًا كسائر أعمال
(1) البخاري (9)، مسلم (35).
(2)
"سنن الترمذي"(2614).
(3)
هي عند مسلم (35/ 58).
(4)
ساقطة من (م).
البر، وقد يكون غريزة، ولكن استعماله على قانون الشريعة يحتاج إلى نية وعمل، وأول الحياء وأولاه من اللَّه تعالى، وهو ألا يراك حيث نهاك، وذلك لا يكون إلا عن معرفة باللَّه ومراقبة، وهي المعبر عنها بقوله:"أن تعبد اللَّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"(1).
[4682]
(2)(ثنا أحمد بن حنبل، ثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أكمل المؤمنين) أي: من أكمل المؤمنين (إيمانًا) كما صرح به في رواية الترمذي والحاكم وقال: صحيح على شرطيهما. لكن من رواية عائشة (3)، ولفظ البخاري:"إن من خيارلم أحسنكم أخلاقًا"(4). (أحسنهم أخلاقا)(5) جمع خلق، وهو عبارة عن أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره ويخالطه، وهي منقسمة إلى محمودة ومذمومة، فالمحمود منها صفات الأنبياء والأولياء والصالحين كالصبر عند المكاره، والحلم عند الجفاء، وتحمل الأذى، والإحسان للناس والتودد لهم، والمسارعة في قضاء حوائجهم، والرحمة بهم، والشفقة عليهم، واللين في القول، والتثبت في الأمور، ومجانبة المفاسد والشرور، والقيام على
(1) رواه البخاري (50، 4777)، ومسلم (9، 10) من حديث أبي هريرة.
(2)
الحديث رقم (4677) سيأتي بعد الحديث (4685).
(3)
"سنن الترمذي"(2612)، "المستدرك" 1/ 53.
(4)
البخاري (3559)، مسلم (2321) من حديث عبد اللَّه بن عمرو.
(5)
في (ل، م): (خلقا) نسخة. وهو ما في المطبوع.
نفسك لغيرك. قال الحسن البصري: حقيقة حسن الخلق بذل المعروف، وكف الأذى وطلاقة الوجه. قال القاضي: إن حسن الخلق منه ما هو غريزة، ومنه ما هو مكتسب بالتخلق والاقتداء بغيره (1).
[4678]
(ثنا أحمد بن حنبل، ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر رضي الله عنه قال: قال (2) رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بين العبد وبين الكفر) لفظ مسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر"(3)(ترك الصلاة) مذهب الشافعي (4) ومالك (5) والجماهير من السلف والخلف (6) أن تارك الصلاة لا يكفر بل يفسق ويستتاب، فإن تاب وإلا قتلناه حدًّا كالزاني المحصن، ولكنه يقتل بالسيف.
فذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر، وهو مروي عن علي وهو إحدى الروايتين، وبه قال عبد اللَّه بن المبارك وإسحاق بن راهويه، وابن حبيب من المالكية، وهو وجه لبعض أصحابنا من الشافعية.
وقال أبو حنيفة والمزني: لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي (7)، وتأول القائلون بأنه لا يكفر وهذا الحديث بأنه يستحق بترك
(1)"إكمال المعلم" 7/ 285.
(2)
جاءت كلمة: قال. في (ل)، (م) قبل كلمة: بين. الآتية.
(3)
مسلم (82).
(4)
"الأم" 2/ 563.
(5)
انظر: "البيان والتحصيل" 1/ 475.
(6)
انظر: "التمهيد" 4/ 225، "المغني" 3/ 351.
(7)
انظر: "النتف في الفتاوى" 2/ 694.
الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل، أو أنه محمول على المستحل، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر، أو أن فعله في الترك كفعل الكفار.
[4679]
(ثنا أحمد بن عمرو بن السرح، ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، عن بكر بن المضر)(1) بن محمد القرشي المصري أخرج له الشيخان (عن) يزيد بن عبد اللَّه بن أسامة (بن الهاد) الليثي.
(عن عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر (2) رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ما رأيت) هذا بعض حديث وأوله في الصحيحين (3) من حديث أبي سعيد الخدري قوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول اللَّه أكثر أهل النار؟ قال: "تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيتُ" وهذا لفظ مسلم (من ناقصات عقل ولا دبن) أصل العقل العلم، ويطلق على الهدوء والوقار في الأمور، وأما العقل المشروط في التكليف فليس هذا موضع ذكره، والدين هنا يراد به العبادات، وليس نقصان ذلك في حقهن ذمًّا لهن، وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من أحوالهن على معنى التعجب من الرجال حين يغلبهم من نقص عن درجتهن ولم يبلغ كمالهم، وذلك هو صريح قوله:"ما رأيت من ناقصات عقل ودين"(أغلب لذي لب) واللب
(1) كذا في (ل)، (م)، والصواب:(مضر) بلا ألف ولام.
(2)
في (م): (عمرو).
(3)
البخاري (304، 1462)، مسلم (80) عن أبي سعيد الخدري، مسلم (79) عن ابن عمر.
العقل سمي بذلك؛ لأنه خلاصة الإنسان ولبه ولبابه، ومنه قلب الحب لبا ولبابا، وقيل: سمي عقلًا، لأنه يعقل صاحبه، أي: يمنعه من التورط في المهالك، والمراد باللب هنا العقل الكامل.
(منكن قلن)(1) لفظ مسلم (2): فقالت، يعني: المرأة الجزلة: يا رسول اللَّه (وما نقصان العقل والدين؟ ) أي: وما المراد بنقص العقل والدين؟ .
(قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين) تعدل بـ (شهادة رجل) واحد، قال المنذري: نبه صلى الله عليه وسلم بهذا على ما رواه، وهو ما نبه اللَّه عليه في كتابه بقوله تعالى:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (3) أي: أنهن قليلات الضبط. انتهى.
وكذا هن كثيرات الغلط؛ لأن الغالب على طبع النساء النسيان، ولعل هذا هو السر في تسميتهن نساءً؛ لغلبة النسيان على طبعهن، وذلك لكثرة البرد والرطوبة على مزاجهن، واجتماع المرأتين في الشهادة أبعد في الغفلة من صدوره من الواحدة، فلهذا أقيمت المرأتان مقام الرجل الواحد؛ لقلة نسيانه، إذ الغالب على طبعه الحرارة الغريزية واليبس، واللَّه أعلم.
(وأما) علامة (نقصان الدين فإن إحداكن تفطر) في شهر (رمضان) أي: يحرم عليها الصوم ويجب عليها الفطر مع نية القضاء (وتقيم
(1) في المطبوع: قالت.
(2)
مسلم (79).
(3)
البقرة: 282.
أيامًا) في بيتها (لا) يجوز لها أن (تصلي) وقد استشكل بعضهم وصف النساء بنقصان الدين لتركهن الصلاة والصوم المحرم عليهن فعله حالة الحيض، وليس بمشكل بل هو ظاهر فإن الطاعات تسمى إيمانًا ودينًا، فإذا ثبت بهذا علمنا أن من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه ومن نقصت عبادته نقص دينه، ثم نقص الدين قد يكون على وجه يأثم به كمن ترك الصلاة والصوم ونحوهما من الواجبات بغير عذر، وقد يكون على وجه هو مكلف فيه كترك الحائض الصلاة والصوم.
[4680]
(ثنا محمد بن سليمان الأنباري) بتقديم النون على الباء (وعثمان بن أبي شيبة [المعنى] (1) قالا: [ثنا](2) وكيع، عن سفيان) الثوري (عن سماك) ابن حرب (عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم) في صلاته من جهة بيت المقدس (إلى الكعبة، قالوا: يا رسول اللَّه، فكيف) زاد الترمذي: بإخواننا (3)(الذين ماتوا وهم) كانوا (يصلون إلى) جهة (بيت المقدس؟ ) ستة أو سبعة عشر شهرًا (فأنزل اللَّه تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}) أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانًا، وفي هذا إبطال قول المرجئة أن الصلاة ليست من الإيمان بل الإيمان التصديق بالقلب فقط.
[4683]
(4)(ثنا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري البصري شيخ
(1) و (2) من "السنن".
(3)
"سنن الترمذي"(2964).
(4)
الحديث (4681) سيأتي بعد الحديث (4685)، والحديث (4682) سبق بعد الحديث (4676).
مسلم (ثنا محمد بن ثور) الغساني العابد، وثقه ابن معين والنسائي (1)(عن معمر قال) أبو (2) ثور (وأخبرني) معمر (عن الزهري، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص) أخرج له مسلم (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص.
(قال: أعطى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجالًا) لفظ البخاري: أعطى رهطًا وسعد جالس فترك (3)(ولم يعط رجلًا منهم شيئًا) وهو أعجبهم إليَّ (فقال [سعد] (4): يا رسول اللَّه، أعطيت فلانًا وفلانًا [ولم تعط فلانًا](5) شيئًا وهو مؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو مسلم) قال القرطبي: الرواية بسكون الواو، وقد غلط من فتحها وأحال المعنى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد استفهامه، وإنما أشار له إلى القسم الآخر المختص بالظاهر الذي يمكن أن يُدرك، فجاء بـ (أو) التي للتقسيم والتنويع (6).
(حتى أعادها سعد ثلاثًا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول) في كل كلمة (أو مسلم) وفي قوله: "أو" التي للتقسيم دليل على صحة الفرق بين حقيقتي الإيمان والإسلام، وإنما هما قسمان، فالإيمان من أعمال الباطن، والإسلام من أعمال الجوارح الظاهرة، وفيه رد على غلاة المرجئة والكرامية حيث حكموا بصحة الإيمان لمن نطق بالشهادتين ولم يعتقد بقلبه، وهو قول باطل قطعًا؛ لأنه توسيع للنفاق.
(1) انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 561 (5108).
(2)
كذا في (ل)، (م)، والصواب:(ابن).
(3)
البخاري (27)، مسلم (150/ 237).
(4)
من "السنن".
(5)
ساقطة من (م).
(6)
"المفهم" 1/ 366.
(ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعطي رجالًا وأدع من هو أحب إليَّ منهم، لا أعطيه) من هذا المال (شيئًا مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم) المراد: إني لأعطي رجالًا أخاف عليهم من ضعف إيمانهم أن يكفروا ويرتدوا، وأترك عطاء من هو أحب إلي (1) منه لما أعلمه من طمأنينة قلبه وصلابة إيمانه.
قال النووي: وفي الحديث (2): الشفاعة إلى ولاة الأمور فيما ليس بمحرم، وفيه مراجعة المسؤول في الأمر الواحد، وفيه تنبيه المفضول الفاضل على ما يرى المصلحة، وفيه الأمر بالتثبت وترك القطع بما لا يعلم القطع به، وفيه أن الإمام يصرف المال في مصالح المسلمين الأهم فالأهم، وفيه أنه لا يقطع لأحد بالجنة إلا من ثبت فيه نص كالعشرة. انتهى (3). وفيه خوف الراعي على رعيته في وقوعهم بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
[4684]
(ثنا محمد بن عبيد، ثنا أبو (4) ثور، عن معمر قال: وقال الزهري) في روايته هذِه الآية ({قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا}) أي: لم تصدقوا بقلوبكم ({وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}) بألسنتنا وانقدنا واستسلمنا مخافة القتل والسبي.
(قال: نُرى) بضم النون وفتح الراء، أي: نظن ونعتقد التفريق بين
(1) في (م): إليه.
(2)
في (ل)، (م): حديث. والمثبت هو ما يقتضيه السياق.
(3)
"مسلم بشرح النووي" 2/ 181.
(4)
كذا في (ل)، (م)، والصواب:(ابن) كما في "السنن".
الإيمان والإسلام، وذلك (أن الإسلام) هو (الكلمة) النطق بكلمة التوحيد وهي أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه (و) أن (الإيمان) هو (العمل) بالجوارح كالصلاة والزكاة والحج، ونحو ذلك.
[4685]
(ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الرزاق، ح، وثنا) أيضًا (إبراهيم بن بشار) بالموحدة والمعجمة، الرمادي البصري، قال النسائي، وغيره [ليس بالقوي (1)](2)(ثنا سفيان) بن عيينة (المعنى، قال (3): ثنا معمر، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم بين الناس) يحتمل أن يكون قسَّم بنفسه أو أمر من قسم من مال بين مال المسلمين (قسمًا) بفتح القاف، قدَّره وجزأه أجزاءً وأعطاه للمستحقين.
(فقلت) يا رسول اللَّه (أعط فلانًا فإنه مؤمن) إن شاء اللَّه (قال: أو) هو (مسلم) واللَّه (إني لأعطي الرجل العطاء) الكثير من المال (وغيره أحب إلي) وأفضل عندي (منه) وذلك لأجل (مخافة) بالنصب مفعول له (أن يكب على وجهه) أي: أعطيه لأتألف قلبه بالإعطاء؛ خوفًا من أن يكفر إذا لم يعط، فيكبه اللَّه في النار على وجهه يوم القيامة.
[4677]
(ثنا أحمد بن محمد [بن حنبل] (4)، ثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن شعبة) قال (حدثني أبو جمرة) بالجيم والراء، واسمه نصر
(1) انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 56 (155).
(2)
ساقطة من (م).
(3)
كذا في (ل)، (م)، والصواب:(قالا) كما في "السنن".
(4)
ساقطة من (م).
ابن عمران بن عصام.
(قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن وفد) وهم الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقي العظماء والسير إليهم في المهمات، واحدهم وافد، ووفد (عبد القيس) هؤلاء تقدموا قبائل عبد القيس للمهاجرة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكانوا أربعة عشر راكبًا، الأشج العصري رئيسهم.
(لما قدموا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالإيمان باللَّه) تعالى، اعتقادًا بالقلب ونطقًا باللسان، ثم (قال) هل (تدرون ما) هو (الإيمان باللَّه تعالى؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم) فيه: حسن الأدب مع الشيخ والمعلم برد العلم إلى اللَّه ورسوله.
(قال: ) تفسيرًا للمراد بالإيمان الذي أمروا به وهو (شهادة ألا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه) ذكر البخاري هذا الحديث في مواضع كثيرة من "صحيحه"، وقال فيه في بعضها:"شهادة ألا إله [إلا اللَّه] (1) وحده لا شريك له"، وذكره في باب: إجازة خبر الواحد (2).
(وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس) بضم الميم وإسكانها مثل الربُع والثمن (من المغنم) فيه اتخاذ الخمس في المغانم وإن لم يكن الإمام في السرية الغازية، وإنما لم يذكر الحج في أركان الإيمان؛ لأنهم لم يكن لهم إليه سبيل من أجل كفار
(1) ساقطة من (م).
(2)
"صحيح البخاري"(7266) كتاب أخبار الآحاد، باب وصاة النبي صلى الله عليه وسلم وفود العرب أن يبلغوا من وراءهم. والباب الذي ذكره المصنف هو قبل هذا بعدة أبواب.
مضر الذين يحولون بينهم وبين الحج، أو لأن وجوب الحج على التراخي، واللَّه أعلم.
[4681]
(ثنا مؤمل بن الفضل) الحراني، ثقة (ثنا محمد بن شعيب بن شابور) بالشين المعجمة والباء الموحدة، الأموي الدمشقي، صدوق صحيح الكتاب (عن يحيى بن الحارث) الذماري، إمام جامع دمشق، قرأ القرآن على واثلة وابن عامر، وهو ثقة (عن القاسم) بن عبد الرحمن الشامي مولى بني أمية، لم يسمع من صحابي سوى أبي أمامة، صدوق.
[(عن أبي أمامة)](1) صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه (عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من أحب للَّه) أجمعت الأمة على [أن](2) الحب للَّه تعالى ولرسوله فرض، ولا يفسد الحب بالطاعة؛ لأن الطاعة تبع الحب وثمرته، فلا بد أن يتقدم الحب للَّه ثم بعد ذلك يطيع المحبوب، وللترمذي:"أحبوا اللَّه لما يغذيكم (3) به من نعمه، وأحبوني بحب اللَّه تعالى"(4).
(وأبغض للَّه) ليس المراد بالحب هنا حب الطبع، ولا بالبغض بغض الطبع، فإن طبع الإنسان حب نفسه، فكما أن الحب هو ميل الطبع إلى المحبوب، فإذا تأكد ذلك الميل وقوي سُمي عشقًا، فكذلك (5) البغض
(1) ساقطة من (م).
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
(3)
في "سنن الترمذي"(3789): يغذوكم.
(4)
"سنن الترمذي"(3789). وقال: حديث حسن غريب.
وصححه الحاكم في "المستدرك" 3/ 149 - 150، والضياء في "المختارة" 12/ 348 (383).
(5)
في (ل، م): فذلك. والمثبت هو الأنسب للسياق.
هو عبارة عن نفرة الطبع عن المبغوض، فإذا قوي سُمي مقتًا، فكما يجب على الإنسان إذا رأى من هو ملازم على طاعة اللَّه تعالى أن يحبه للَّه، فكذا إذا رآه بعد ذلك مخالفًا للَّه تعالى في أوامره ونواهيه يجب عليه بغضه للَّه تعالى. (وأعطى) شخصًا (للَّه تعالى ومنع) عطاءه (للَّه تعالى فقد استكمل الإيمان) لمن حصلت فيه هذِه الخصال الأربع، فقد زالت منه الخصال النفسانية وظهرت فيه الخصال الرحمانية وخدمة المحبة والإعطاء على ضدهما كثير فيهما، إذ هذِه الصفات علامة على كمال إيمانه؛ لأن المحبة لأجل اللَّه لا تقع إلا بعد محبة اللَّه (1)، فإذا أحبه أحب من يحبه، وإذا أبغضه أبغض من يبغضه، ومن أحب اللَّه تعالى على الحقيقة أطاعه قطعًا، كما قال الشاعر:
لو كان حبك صادقًا لأطعته
…
إن المحب لمن يحب مطيع
[4686]
(ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، ثنا شعبة، قال واقد) بن محمد بن زيد (بن عبد اللَّه) فهو منسوب لجد أبيه (أخبرني عن أبيه)(2) محمد بن زيد بن عبد اللَّه بن عمر العمري المدني (أنه سمع) جده عبد اللَّه (ابن عمر رضي الله عنهما يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا ترجعوا بعدي) قال الطبري: معناه: بعد فراقي من موقفي هذا، وكان هذا يوم النحر بمنى في حجة الوداع. (كفارًا) قال أبو حاتم ابن حبان: لم يرد به الكفر الذي يخرج عن الملة، ولكن معنى هذا الخبر أن الشيء إذا كان له أجزاء يُطلق اسم الكل على بعض تلك الأجزاء، فكما أن الإيمان له شُعب،
(1) لفظ الجلالة ليس في (م).
(2)
فوقها في (ل): (ع).
ويطلق اسم الإسلام على مرتكب شعبة منها لا بالكلية كذلك يطلق اسم الكفر على تارك شعبة من شعب الإسلام لا الكفر كله (1).
(يضرب) قال النووي: الرواية (يضربُ) بالرفع للباء، هكذا هو الصواب، وكذا رواه المتقدمون والمتأخرون، وبه يصح المقصود هنا، ونقل القاضي عياض أن بعض العلماء ضبطه بإسكان الباء، قال القاضي: وهو إحالة للمعنى، والصواب الضم (2). وكذا قال أبو البقاء، أنه يجوز جزم الباء على تقدير شرط مضمر، أي: أن ترجعوا يضرب (3)(بعضكم رقاب بعض) في معناه سبعة أقوال، أظهرها وهو اختيار القاضي عياض أنه فعل كفعل الكفار، والثاني: المراد: كفر النعمة، والثالث: أنه يقرب من الكفر ويؤدي إليه. والرابع: لا يكفر بعضكم بعضًا فتستحلوا قتال بعضكم رقاب بعض (4).
[4687]
(ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير)(5) بفتح الجيم (عن فضيل (6) بن غزوان) بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي الضبي مولاهم (عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أيما رجل مسلم أكفر رجلًا مسلمًا) أي: نسبه إلى الكفر، أو قال له: يا كافر.
(فإن كان كافرًا وإلا) فقد اجتمع في هذا الحديث شاهدان على حذف جملة جواب الشرط، وعلى حذف جملة الشرط، والأول حذف جملة
(1)"صحيح ابن حبان" 13/ 269.
(2)
"مسلم بشرح النووي" 2/ 55.
(3)
"إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث" للعكبري ص 108.
(4)
"إكمال المعلم" 1/ 324.
(5)
في (ل، م): جريج. والمثبت من "السنن".
(6)
فوقها في (ل): (ع).
الجواب، والتقدير: فإن كان كافرًا فهو صادق في دعواه، ومن حذف الجواب قوله تعالى:{فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ} (1) التقدير: فافعل، ومنه قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ} (2) قال الزمخشري: تقديره: ألستم ظالمين (3). والثاني تقديره: وإن لم يكن كافرًا كان هو الكافر، ومنه قول الشاعر:
فطلقها فلست لها بكفء
…
وإلا يعل مفرقك الحسام (4)
(كان هو الكافر) والمراد أن من نسب أخاه المسلم إلى الكفر، أو ناداه: يا كافر. فإما أن يصدق عليه أو يكذب في قوله، فالمنسوب إلى الكفر باق على كفره، وهو صادق، وأما إن كذب عليه عاد عليه الكفر بتكفيره أخاه المسلم.
والكفر صنفان: أحدهما: الكفر بأصل الإيمان، وهو ضده، والآخر الكفر بفرع من فروع الإسلام، فلا يخرج به عن أصل الإيمان.
قال أصحابنا: يحرم تحريمًا مغلظا أن يقول لمسلم: يا كافر. قال المتولي: من قال لمسلم: يا كافر. من غير تأويل صار القائل كافرًا (5).
وروى الطبراني والبزار في حديث: "إذا قال لمسلم: يا كافر؛ فقد كفر أحدهما"(6) وروى البزار بإسناد رجاله ثقات عن عمران بن حصين
(1) الأنعام: 35.
(2)
الأحقاف: 10.
(3)
"الكشاف" 4/ 197.
(4)
نسبه الزجاجي في "الأمالي"(ص 82) إلى الأحوص بن محمد الشاعر.
(5)
انظر: "روضة الطالبين" 10/ 65.
(6)
"المعجم الكبير" 10/ 224 (10544). وانظر: "مجمع الزوائد" 8/ 73.
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فهو كقتله"(1).
[4688]
(ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد (2) اللَّه بن نمير) الهمداني (ثنا الأعمش، عن عبد (3) اللَّه بن مرة) الخارفي (عن مسروق، عن عبد اللَّه ابن عمرو) بن العاص.
(قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أربع) خصال (من كن فيه فهو منافق خالص) أي: شديد الشبه بالمنافقين بسبب ارتكابه هذِه الخصال.
قال بعض العلماء: وهذا فيمن كانت هذِه الخصال غالبة عليه، فأما من ندر ذلك منه فليس داخلًا فيه. قال النووي: هذا هو المختار في معنى هذا الحديث (4).
وحكى الخطابي قولًا آخر أن معناه التحذير للمسلم أن يعتاد هذِه الخصال التي يخاف عليه أن تفضي به إلى حقيقة النفاق.
(ومن كانت فيه خلة) بفتح الخاء، أي: خصلة واحدة (منهن كان فيه خلة من نفاق (5) حتى يدعها) [لفظ البخاري: "ومن كان فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها" (6)](7) يعني: فإذا تركها خرج من
(1)"البحر الزخار" 9/ 17 (3519). ورواه أيضًا أحمد بن منيع في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 6/ 59 (5333)، وكما في "المطالب العالية" 11/ 851 (2715)، والطبراني 18/ 193 - 194 (463).
وصححه الألباني في "الصحيحة"(3385).
(2)
و (3) فوقها في (ل): (ع).
(4)
"مسلم بشرح النووي" 2/ 47.
(5)
ورد بعدها في (ل، م): نسخة: النفاق.
(6)
البخاري (34، 3178).
(7)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
النفاق (إذا حدث كذب) فنفاقه في حق من يحدثه لا أن نفاقه يكون في حق كل المسلمين.
(وإذا وعد) مسلمًا بوعد (أخلف) في وعده ولم يف بما وعد به، فإن العدة دين (وإذا عاهد) مسلمًا بعهد (غدر) أي: نقض عهده (وإذا خاصم) أحدًا (فجر) عليه ومال عن الحق، وأصل الفجور الميل عن الحق، ومن الفجور القول بالباطل والكذب في حق من يخاصمه، وخصال النفاق كثيرة في كتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله.
[4689]
(ثنا أبو صالح) محبوب بن موسى (الأنطاكي) ثقة (ثنا أبو (1) إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحارث (الفزاري) قال ابن السمعاني (2): بفتح الفاء والزاي نسبة إلى فزارة بن ذبيان قبيلة كبيرة من قيس عيلان.
(عن الأعمش، عن أبي صالح) ذكوان السمان.
(عن أبي هريرة، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق) السارق (3)(حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) اختلف العلماء في معنى هذا الحديث، والقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: لا يفعل هذِه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد بها نفي كماله نحو:"لا عيش إلا عيش الآخرة"(4) وإنما تأولنا هذا التأويل لحديث أبي ذر وغيره: "من قال: لا إله إلا اللَّه دخل الجنة
(1) فوقها في (ل): (ع).
(2)
"الأنساب" 10/ 212.
(3)
ساقطة من (ل).
(4)
رواه البخاري (3795)، ومسلم (1805) من حديث أنس بن مالك.
وإن زنى وإن سرق" (1) مع قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} (2)(3).
(والتوبة معروضة) وهذا إرشاد منه صلى الله عليه وسلم لمن وقع في كبيرة أو كبائر إلى الطريق التي يتخلص بها من الكبائر، وهي التوبة التي عرضها اللَّه تعالى على العباد، حيث أمرهم بها وأوجبها عليهم، وأخبر سبحانه عن نفسه أنه يقبلها، كل ذلك فضل من اللَّه ولطف بالعبد لما علم من ضعفه عن مقاومة الحوامل على المخالفات التي هي النفس والهوى والشيطان الإنسي والجني، وأيضًا فإنه أوجب على النصحاء أن يعرضوها على أهل المعاصي ويحثوهم عليها و (بعد) مبني على الضم لقطعه عن الإضافة، والتقدير: والتوبة معروضة بعد ارتكاب الكبائر على العباد.
[4690]
(ثنا إسحاق بن) إبراهيم بن (سويد الرملي) ثقة (ثنا)(يزيد من الزيادة)(4)(ابن أبي مريم) الدمشقي، إمام الجامع زمن الوليد، أخرج له البخاري (أبنا نافع يعني: ابن يزيد) الكلاعي، أخرج له مسلم.
(حدثني) يزيد بن عبد اللَّه بن أسامة (ابن (5) الهاد) الليثي.
(أن سعيد بن أبي سعيد) كيسان (المقبري، حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا زنى الرجل خرج منه) نور (الإيمان) وقيل:
(1) رواه البخاري (5827)، ومسلم (94/ 154).
(2)
النساء: 48.
(3)
انظر: "شرح مسلم" للنووي 2/ 41.
(4)
كذا في النسخ، وهو خطأ مركب عجيب، والصواب:(سعيد)، انظر:"تهذيب الكمال" 10/ 391 (2253).
(5)
فوقها في (ل): (ع).
ينزع منه بصير طاعة اللَّه، وقيل: ينزع منه اسم المدح [الذي](1) يسمى به أولياء اللَّه المؤمنين. وقيل: يخرج منه كمال الإيمان ولم يفارقه، بل وقف فوق رأسه حتى يعود إليه و (كان عليه كالظلة)(2) وهي ما أظل الآدمي من جبل أو سحابة أو غيرهما، {عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} (3) وهي سحابة أظلتهم، فلجؤوا إليها إلى ظلها من شدة الحر، فأطبقت عليهم وأهلكتهم.
(فإذا انقطع) وفي رواية: "فإذا أقلع"(4) أي: خرج، بدليل رواية الترمذي:"فإذا زنى العبد خرج منه الإيمان، فكان فوق رأسه كالظلة، فإذا خرج (5) من ذلك العمل عاد إليه الإيمان"(6)(رجع إليه الإيمان) قيل: معناه: أمن من عذاب اللَّه. وقيل: يصدق حقيقة التصديق بما جاء في ذلك من الوعيد، وإذا رجع إليه الإيمان فيرجع ناقصًا عما كان قبل خروجه منه، فإن الإيمان ينقص بالمعصية كما يزيد بالطاعة.
* * *
(1) زيادة يقتضيها السياق ليست في (ل)، (م).
(2)
بعدها في (ل): نسخة: كان عليه الظلة.
(3)
الشعراء: 189.
(4)
رواه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" 6/ 1088 (1864).
(5)
مكانها بياض في (ل)، (م)، والمثبت من "سنن الترمذي".
(6)
"سنن الترمذي"(2625).