الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
55 - باب فِيمَنْ يَهْجُرُ أَخَاهُ المُسْلِمَ
4910 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"لا تَباغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا وَلا تَدابَرُوا، وَكُوُنوا عِبادَ اللَّهِ إِخْوانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ"(1).
4911 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثي، عَنْ أَبي أَيُّوبَ الأَنْصَاري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيّامٍ، يَلْتَقِيانِ فَيُعْرِضُ هذا وَيُعْرِضُ هذا، وَخَيْرُهُمَا الذي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ"(2).
4912 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ السَّرْخَسي أَنَّ أَبا عامِرٍ أَخْبَرَهُمْ قالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلالٍ، قالَ: حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ:"لا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلاثٍ فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلاثٌ فَلْيَلْقَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ عليه السلام فَقَدِ اشْتَرَكا في الأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ باءَ بِالإِثْمِ".
زادَ أَحْمَدُ: "وَخَرَجَ المُسَلِّمُ مِنَ الهِجْرَةِ"(3).
4913 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن خالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن المُنِيبِ -يَعْني: المَدَني- قالَ: أَخْبَرَنَا هِشامٌ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يَكُونُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا
(1) رواه البخاري (6065)، ومسلم (2559).
(2)
رواه البخاري (6237)، ومسلم (2560).
(3)
رواه البخاري في "الأدب المفرد"(414)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(528)، والبيهقي في "الشعب"(6195).
وحسنه الألباني لغيره في "صحيح الترغيب" بعد حديث (2757).
فَوْقَ ثَلاثَةٍ، فَإِذا لَقِيَهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ ثَلاثَ مِرارٍ، كُلُّ ذَلِكَ لا يَرُدُّ عَلَيْهِ، فَقَدْ باءَ بِإِثْمِهِ" (1).
4914 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن هارُونَ أَخْبَرَنَا سُفْيانُ الثَّوْري، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي حازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلاثٍ فَماتَ دَخَلَ النَّارَ"(2).
4115 -
حَدَّثَنَا ابن السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمانَ الوَلِيدِ ابْنِ أَبِي الوَلِيدِ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ أَبِي خِراشٍ السُّلَمي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ"(3).
4116 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"تُفْتَحُ أَبْوابُ الجَنَّةِ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، فَيُغْفَرُ في ذَلِكَ اليَوْمَيْنِ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْناءُ، فَيُقالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا". قالَ أَبُو داوُدَ: النَّبي صلى الله عليه وسلم هَجَرَ بَعْضَ نِسائِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وابْنُ عُمَرَ هَجَرَ ابنا لَهُ إِلَى أَنْ ماتَ. قالَ أَبُو داوُدَ: إِذا كانَتِ الهِجْرَةُ للَّه فَلَيْسَ مِنْ هذا بِشَيء وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ غَطَّى وَجْهَهُ عَنْ رَجُلٍ (4).
* * *
(1) رواه أبو يعلى (4583). وحسنه الألباني في "الإرواء" 7/ 94.
(2)
رواه أحمد 2/ 392، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 126.
وصححه الألباني في "صحيح الترغيب"(2757).
(3)
رواه أحمد 4/ 220، والبخاري في "الأدب المفرد"(404)، والطبراني 22/ 308 (779)، والحاكم 4/ 163.
وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(2762).
(4)
رواه مسلم (2565).
باب فيمن هجر أخاه المسلم
[4910]
(حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا) أي: تتعاطوا أسباب البغض، وهو الزهو على الغير، والفخر، وكثرة المدح، والتعيير، والمماراة، والمماحكة الكثيرة في المعالجة، ونحو ذلك مما يكثر، وإن الحب والبغض معانٍ قلبية لا قدرة للإنسان على اكتسابها، ولا يملك التصرف فيها، كما قال صلى الله عليه وسلم:"اللهم [هذا] (1) قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"(2) يعني: الحب والبغض.
ومما يوجب التباغض كثرة المخالفة، قال بعضهم: في النهي عن التباغض إشارة إلى الأسباب الموجبة للتباغض كما تقدم.
(ولا تحاسدوا) أي: لا يحسد بعضكم بعضًا، والحسد بمعنى زوال النعمة، وهو حرام، وكله مذموم بخلاف الغبطة. (ولا تدابروا) التدابر: المعاداة. وقيل: المقاطعة، لأن كل واحد يولي صاحبه دبره كما يفعل المبغض.
(وكونوا عباد اللَّه إخوانا) أي: كونوا كإخوان النسب المتحابين في الشفقة والرحمة والتوادد والمواساة والمعاونة والنصيحة.
(1) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من مصادر التخريج.
(2)
سبق برقم (2134)، ورواه أيضًا الترمذي (1140)، والنسائي 7/ 63 - 64، وابن ماجه (1971) كلهم من حديث عائشة مرفوعًا.
(ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ) مفهوم دليل خطابه أن الهجرة دون الثلاث معفو عنها؛ لأن البشر لا بد له غالبًا من سوء الخلق وغضب، فسامحه الشرع فيه في هذِه المدة؛ لأن الغضب فيها لا يكاد الإنسان ينفك عنه، ولأنه لا يمكنه رد الغضب في هذِه المدة غالبًا، وظاهر الحديث تحريم الهجرة فوق ثلاث، وأكد هذا المعنى قوله:"لا هجرة بعد ثلاث"(1).
وقيل: إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجرة ثلاثًا (2)، وهذا عند من لا يحتج بدليل الخطاب، قال أصحابنا: لو كاتبه أو راسله عند غيبته عنه هل يزول إثم الهجرة؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يزول؛ لأنه لم يكلمه. وأصحهما: يزول؛ لزوال الوحشة (3).
[4911]
(ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب) خالد بن زيد (الأنصاري رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه) المسلم (فوق ثلاثة أيام) لما تقدم. والثلاث أقل مراتب العدد.
(يلتقيان) في الطريق (فيعرض هذا) عن صاحبه (ويعرض هذا) عنه (وخيرهما الذي) يكسر نفسه (يبدأ بالسلام) أي: أفضلهما وأكثرهما ثوابًا عند اللَّه.
وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام باللفظ
(1) رواه مسلم (2562) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
(2)
في (ل)، (م): ثلاث. والمثبت هو الصواب.
(3)
انظر: "الحاوي الكبير" 15/ 447، "المهذب" 2/ 137.
يقطع الهجرة ويرفع الإثم (1) فيها ويزيله (2).
وقال أحمد وابن القاسم المالكي: إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجرته. يعني: مع استمرار الأذى (3).
[4912]
(ثنا عبيد اللَّه بن عمر بن ميسرة) القواريري، شيخ الشيخين (وأحمد بن سعيد) بن صخر (السرخسي) بفتح الراء وسكونها، رواه الدارمي، شيخ الشيخين (أن أبا عامر) عبد الملك العقدي أخبرهم (حدثهم قال: ثنا محمد بن هلال) المدني، قال أبو حاتم: صالح (4)(حدثني أبي) هلال بن أبي هلال المدني، مقبول.
(عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمؤمن) قد يحتج به من يقول: إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، والأصح أنهم مخاطبون بها، وإنما قيد بالمؤمن؛ لأنه الذي يقبل خطاب الشرع وينتفع به (أن يهجر مؤمنًا فوق ثلاث) ذكر بعضهم أن هجرة أهل البدع والأهواء دائمة على ممر الأوقات والأزمان ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق، وقد هجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نساءه شهرًا (5)، ولما خاف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على كعب بن مالك وأصحابه أمر بهجرانهم نحو
(1) بعدها في (ل) كلمة تشبه الرباطي، وفي (م) بياض بمقدار كلمة.
(2)
انظر: "التمهيد" 6/ 127، "المنتقى" 7/ 215، "الأوسط" 12/ 254، "شرح مسلم" 16/ 117.
(3)
انظر: "المنتقى" 7/ 215، "الآداب الشرعية" لابن مفلح 1/ 244.
(4)
"الجرح والتعديل" 8/ 116 (513).
(5)
رواه البخاري (5191) من حديث ابن عباس مطولًا، ورواه مسلم (1084) من حديث جابر.
خمسين يومًا (1)، وقد هجرت عائشة ابن الزبير مدة (2).
(فإن مرت به ثلاث) أي: ثلاثة أيام (فليلقه) وفي بعض النسخ: "فلقيه"(فليسلم عليه) باللفظ الذي يسمعه، لا بالإشارة باليد ونحوها (وإن) سلم عليه و (رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر) وأكثرهما أجرًا الذي يبدأ بالسلام (وإن) سلم عليه و (لم يرد) عليه السلام (فقد باء بالإثم) أي: رجع عليه الإثم جميعه.
ورواية الحاكم والطبراني تزيده إيضاحًا، وهو عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يحل الهجر فوق ثلاثة أيام، فإن التقيا فسلم أحدهما فرد الآخر اشتركا في الأجر، وإن لم يرد برئ هذا من الإثم وباء به الآخر" وأحسبه قال: "وإن ماتا وهما متهاجران لا يجتمعان في الجنة"(3).
وللطبراني: "من هجر أخاه فوق ثلاث فهو في النار إلا أن يتداركه اللَّه برحمته"(4) ورواته رواة "الصحيح".
(زاد أحمد) بن سعيد السرخسي في روايته (وخرج المسلم) على أخيه بالسلام (من) إثم (الهجرة) وباء الآخر بالإثم.
[4913]
(ثنا محمد بن المثنى، ثنا محمد بن خالد بن عثمة) بمثلثة ساكنة قبلها فتحة، ويقال: إنها أمه. وهو حنفي بصري صدوق.
(1) رواه البخاري (4418)، ومسلم (2769) من حديث كعب بن مالك.
(2)
رواه البخاري (6073).
(3)
"المستدرك" 4/ 163.
(4)
"المعجم الكبير" 18/ 315 (815) بلفظ: "بكرمه" بدل لفظ: "برحمته".
(ثنا عبد اللَّه بن المنيب) بضم الميم وكسر النون، وآخره موحدة (يعني: المدني) الأنصاري الحارثي، صدوق (قال: أخبرني هشام بن عروة) بن الزبير (عن) أبيه (عروة) بن الزبير.
(عن عائشة) رضي الله عنها (أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لا) ينبغي (يكون (1) لمسلم أن يهجر مسلمًا فوق ثلاثة) أيام (فإذا لقيه) بعد ثلاث (سلم عليه ثلاث مرارٍ) يحتمل أن يُراد أن يأتي بثلاث تسليمات، كل تسليمة عن يوم، فكما أن الهجر ثلاث يكون السلام بعدد أيام الهجر، فإن فعل (كل ذلك) و (لا يرد عليه، فقد باء بإثمه) جميعه دون المسلم ثلاثًا فليس عليه شيء، بل على من لم يرد إثم تركه رد السلام الواجب.
[4914]
(ثنا محمد بن الصباح البزاز) بزاءين معجمتين. أي: التاجر (ثنا يزيد بن هارون)(2) السلمي الواسطي (ثنا سفيان) بن سعيد (الثوري، عن منصور) بن المعتمر (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي.
(عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات) على هجره (دخل النار) يعني: إذا لم يتداركه اللَّه برحمته كما رواه الطبراني برجال الصحيح، ولفظه:"من هجر أخاه فوق ثلاث فهو في النار، إلا أن يتداركه اللَّه برحمته"(3) والمراد: من مات مصرًّا على هجر أخيه استحق النار (4)
(1) بعدها في (ل)، (م): يحل وفوقها: خـ.
(2)
فوقها في (ل): (ع).
(3)
سبق تخريجه قريبًا.
(4)
ساقطة من (م).
إلا أن يتغمده اللَّه برحمته.
[4915]
(ثنا) أحمد بن عبد اللَّه بن عمرو (ابن السرح) شيخ مسلم (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، عن حيوة) بن شريح (عن أبي عثمان الوليد ابن أبي الوليد) عثمان، أخرج له مسلم.
(عن عمران بن أبي أنس) العامري المصري أخرج له مسلم.
(عن أبي خراش) بكسر الخاء المعجمة، وتخفيف الراء المهملة بعد الألف شين معجمة، اسمه حدرد بن أبي حدرد الأسلمي (السُّلمي)(1) بضم المهملة.
(أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه) المسلم (سنة) يعني: من هجر أخاه سنة ولم يرد عليه السلام فهو حرام، كما أن سفك الدم حرام، لا أن إثم سفك الدم وإثم المهاجرة سواء، بل إثم سفك الدم أكثر، بل المراد اشتراكهما في الإثم لا في قدره، ولا يلزم التساوي بين المشبه والمشبه به، فقد بالغ في الهجر إلى أن أكثره (فهو كسفك دمه) لأن المهجور كالميت في أنه لا يُنتفع به ولا يُكلم الهاجر، ويحتمل أن يراد أن إثم من هجر أخاه سنة كإثم من قتله، وهو الأظهر، كما في حديث الصحيح:"لعن المسلم كقتله"(2) واللَّه أعلم.
[4916]
(ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه الحافظ (عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان.
(1) فوقها في (ل): د.
(2)
رواه البخاري (6105)، ومسلم (110) من حديث ثابت بن الضحاك مرفوعًا بلفظ:"المؤمن" بدل لفظ: "المسلم".
(عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب الجنة) قال الباجي: معنى فتحها كثرة الصفح والغفران، ورفع المنازل وإعطاء الثواب الجزيل (1). قال القاضي: ويحتمل أن يكون على ظاهره، وأن فتح أبوابها علامة لذلك (2).
قلت: ويحتمل أن الذي يفتح أبواب الجنة التي لا يدخل منها إلا المتحابون في اللَّه، ويحتمل أن يفتح جميع الأبواب، وهي تزيد على العشرة، ولا تختص بالثمانية. وفي الحديث حجة لأهل السنة على قولهم: إن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان. خلافا للمبتدعة القائلين أنهما لم يخلقا بعد، ولمسلم:"تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين"(3) ولا منافاة بين عرض الأعمال وفتح أبواب الجنة؛ إذ قد يجمع بينهما بأن الأعمال تعرض أولًا، ثم تفتح أبواب الجنة؛ ليدخل فيها الأعمال المقبولة، وهي أعمال المصطلحين.
(كل يوم اثنين وخميس) وقد خص اللَّه هذين اليومين بفتح أبواب الجنة فيهما وعرض الأعمال على اللَّه لحقيقة يعلمها سبحانه ومن اختاره.
وروى الإمام أحمد: "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم"(4).
(فيغفر في ذلك) أي: في هذين اليومين (لكل عبد لا يشرك باللَّه شيئًا)
(1) انظر: "إكمال المعلم" 8/ 33.
(2)
السابق.
(3)
"صحيح مسلم"(2565)(36) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
(4)
"مسند أحمد" 5/ 201 من حديث أسامة بن زيد مرفوعًا.
هذِه الذنوب التي تغفر في هذين اليومين هي الصغائر، فإن لم توجد صغائر، بل كفرتها:"رمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن، والجمعة إلى الجمعة مكفرات لما بينهن"(1) فيرجى من فضل اللَّه أن يكفر من الكبائر.
(إلا من) كان (بينه وبين أخيه شحناء) أي: بغضاء، فالتشاحن: التباغض والعداوة، كأنه شحن قلبه بغضًا، أي: ملأه.
(فيقال: أنظروا) بفتح الهمزة وكسر الظاء، أي: أَخِّروا (هذين) المتباغضين (حتى يصطلحا.
قال أبو داود: النبي صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين يومًا، وابن عمر هجر ابنا له إلى أن مات) ويتواددان فإن كانا متباعدين فتراسلا بالسلام والمواددة قام مقام الصلح، والظاهر أن أحدهما لو صالح الآخر وسلم عليه فلم يرد عليه ولم يصالحه فيغفر للمصالح ويؤخر من لم يصالح.
(قال) المصنف (إذا كانت الهجرة) أي: إذا كان هجران الأخ (للَّه) أي: لأجل ارتكاب معاصي اللَّه أو بدعة قبيحة (فليس (2) من هذا) التقدير بالثلاث (بشيء) يلي استصحابه الهجران إلى أن يتوب من معصيته أو بدعته أو نحو ذلك، ولا يختلف في هذا. فإن لم يكن للَّه، بل الهجر عن غضب لأمر جائز لا تعلق له بالدين فيقدر بالثلاث.
(1) رواه مسلم (233)(16) من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر".
(2)
بعدها في (ل)، (م): في شيء. وفوقها: رواية.
(وإن (1) عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه غطى وجهه عن رجل)؛ لئلا ينظر إليه، وقد كان أحمد بن حنبل يترك الأكابر في أدنى كلمة، حتى هجر يحيى بن معين في قوله: إني لا أسأل أحدًا شيئًا، ولو حمل السلطان إليّ شيئًا لأخذته. وهجر الحارث المحاسبي في تصنيفه الكتاب المعروف في الرد على المعتزلة، وقال: إنك تورد أولًا شبهتهم، وتحمل الناس على التفكر فيها، ثمَّ ترد عليهم (2).
* * *
(1) في (ل)، (م): وقد غطى. والمثبت من "سنن أبي داود".
(2)
انظر: "تاريخ بغداد" 9/ 104، ونقل هذا القول ابن تيمية في "درء تعارض العقل والنقل" 7/ 147 عن الغزالي في "الإحياء" ورد عليه قائلًا: هجران أحمد للحارث لم يكن لهذا السبب الذي ذكره أبو حامد، وإنما هجره لأنه كان على قول ابن كلاب الذي وافق المعتزلة. . . إلخ.