الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
25 - باب في خَلْقِ الجَنَّة والنّارِ
4744 -
حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَمّا خَلَقَ اللَّهُ الجَنَّةَ قالَ لِجِبْرِيلَ: اذْهَبْ فانْظُرْ إِلَيْها. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْها ثُمَّ جاءَ فَقالَ: أي رَبِّ وَعِزَّتِكَ لا يَسْمَعُ بِها أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَها، ثُمَّ حَفَّها بِالمَكارِهِ ثُمَّ قالَ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فانْظُرْ إِلَيْها. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْها، ثُمَّ جاءَ فَقالَ: أى رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لا يَدْخُلَها أَحَدٌ. قالَ: فَلَمّا خَلَقَ اللَّهُ النّارَ قالَ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فانْظُرْ إِلَيْها. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْها، ثُمَّ جاءَ فَقالَ: أي رَبِّ وَعِزَّتِكَ لا يَسْمَعُ بِها أَحَدٌ فَيَدْخُلُها. فَحَفَّها بِالشَّهَواتِ، ثُمَّ قالَ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فانْظُرْ إِلَيْها. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْها، ثُمَّ جاءَ فَقالَ: أي رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَها (1).
* * *
[4744]
(حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن محمد ابن عمرو) بن علقمة بن وقاص، روى له البخاري مقرونًا بغيره، ومسلم في المتابعات، والأربعة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق اللَّه تعالى الجنة) فيه أن الجنة مخلوقة كما هو مذهب أهل السنة (قال لجبريل، اذهب فانظر إليها) زاد الترمذي: "وإلى ما أعددت لأهلها فيها"(2)(فذهب فنظر إليها) وإلى ما أعد اللَّه لأهلها فيها (ثم جاء فقال: أي رب، وعزتك لا يسمع بها أحد إلا)
(1) رواه الترمذي (2560)، والنسائي في "الكبرى" 7/ 3، وأحمد 2/ 332.
وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(3669).
(2)
"سنن الترمذي"(2560).
اشتاق إليها، واجتهد، في دخولها فـ (دخلها) بإرادتك (ثم حفها بالمكاره) وهو نظير رواية مسلم:"حفت الجنة بالمكاره"(1). وهذا من الكلام البليغ الذي انتهى نهايته، وذلك أنه مثل المكاره بالحفاف، والمكاره جمع مكرهة، وهو ما يكرهه الإنسان ويشق عليه، والحفاف هو الدائر بالشيء المحيط به، الذي لا يتوصل إلى ذلك إلا بعد أن يتخطاه.
وفائدة هذا أن الجنة لا تنال إلا بارتكاب المكاره وقطع مفاوزها، والصبر على مرارة ما تكرهه النفس كما في إسباغ الوضوء على المكاره. رواه مالك ومسلم (2)، وهو أن يتوضأ بالماء الشديد البرودة في زمن البرد، ومع العلل التي يتأذى معها بمس الماء، ومع التعب الشديد في تحصيل الماء الذي يتوضأ به.
(ثم قال: يا جبريل اذهب) إلى الجنة (فانظر إليها) وإلى ما حفها (فذهب فنظر إليها) وإلى ما أعد اللَّه لأهلها فيها وما حفها به من المكاره (ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لقد خشيت) بفتح الخاء (3) من الخشية إذ رأيت المكاره التي حفت به (أن لا) يقتحم أحد هذِه المكاره الشديدة حتى (يدخلها أحد) من خلقك.
(قال: فلما خلق) اللَّه (النار قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها) زاد الترمذي: "وإلى ما أعددت لأهلها فيها"(4)(فذهب فنظر إليها) وإلى
(1)"صحيح مسلم"(2822).
(2)
"الموطأ" 1/ 161، "صحيح مسلم"(251).
(3)
بدلها في (ل): المعجمة.
(4)
"سنن الترمذي"(2560).
ما أعد اللَّه لأهلها (ثم جاء فقال: وعزتك) يا رب (لا يسمع بها أحد فيدخلها) يعني: إلا كره أن يدخلها (فحفها) لفظ الترمذي: "فأمر بها فحفت"(1)(بالشهوات) زاد مسلم: "وحفت النار بالشهوات"(2) أي: جعلها محفوفة ومحجوبة فحجابها أتباع الشهوات كما سيأتي، (ثم قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها) وإلى ما هي محفوفة به (فذهب فنظر إليها فقال: أي رب، وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد) لفظ الترمذي:"ألا ينجو منها"(3)(إلا دخلها) أي: خشيت أن لا يبقى أحد ممن سمع بها إلا غلبته شهوته المحرمة أو المكروهة فيتناولها، واقتحم حجاب النار فدخلها.
قال النووي: وأما الشهوات المباحة فلا مدخل لها في هذا (4).
يعني: لأن ما أباحه اللَّه لا يعاقب بدخول النار فاعله، قال: لكن يكره الإكثار منها، مخافة أن تجر إلى المحرمة، أو تقسي القلب، أو تجر بشغل عن الطاعات، أو تخرج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا، ونحو ذلك، وفيه تنبيه على أنه لا ينجو منها إلا من تجنب الشهوات، ومن عجلت له طيبات شهوات الدنيا اقتحم حجابها فدخل فيها، أعاذنا اللَّه من ذلك.
* * *
(1) السابق.
(2)
"صحيح مسلم"(2822).
(3)
"سنن الترمذي"(2560).
(4)
"مسلم بشرح النووي" 17/ 165.