المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌23 - باب في تنزيل الناس منازلهم - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ١٨

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌20 - باب دِياتِ الأَعْضاءِ

- ‌21 - باب دِيَةِ الجَنِينِ

- ‌22 - باب فِي دِيَةِ المُكاتَبِ

- ‌23 - باب فِي دِيَةِ الذِّمّيِّ

- ‌24 - باب في الرَّجُلِ يُقاتِلُ الرَّجُلَ فَيَدْفَعُه عَنْ نفْسِهِ

- ‌25 - باب فِيمَنْ تَطَبَّبَ ولا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَأَعْنَتَ

- ‌26 - باب فِي دِيَةِ الخَطَإِ شِبْهِ العَمْدِ

- ‌27 - باب فِي جِنايَةِ العَبْدِ يَكُونُ لِلْفُقَراءِ

- ‌28 - باب فِيمَنْ قَتَلَ في عِمِّيّا بَيْنَ قَوْمٍ

- ‌29 - باب فِي الدَّابَّةِ تَنْفَحُ بِرِجْلِها

- ‌30 - باب العَجْماءُ والمَعْدِنُ والبِئْرُ جُبارٌ

- ‌31 - باب فِي النّارِ تَعَدَّى

- ‌32 - باب القِصاصِ من السِّنِّ

- ‌كتاب السنة

- ‌1 - باب شَرْحِ السُّنَّةِ

- ‌2 - باب النَّهْي عَنِ الجِدالِ واتِّباعِ مُتَشابِهِ القُرْآنِ

- ‌3 - باب مُجانَبَةِ أَهْلِ الأَهْواءِ وَبُغْضِهِمْ

- ‌4 - باب تَرْكِ السَّلامِ عَلَى أَهْلِ الأَهْواءِ

- ‌5 - باب النَّهْى عَنِ الجِدالِ في القُرْآنِ

- ‌6 - باب في لُزُومِ السُّنَّةِ

- ‌7 - باب لُزُوم السُّنَّةِ

- ‌8 - باب فِي التَّفْضِيلِ

- ‌9 - باب فِي الخُلَفاءِ

- ‌10 - باب فِي فَضْلِ أَصْحاب رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب فِي النَّهْي عَنْ سَبِّ أَصْحابِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب في اسْتِخْلافِ أَبي بكْرٍ رضي الله عنه

- ‌13 - باب ما يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الكَلامِ في الفِتْنَةِ

- ‌14 - باب فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الأَنْبِياءِ علَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ

- ‌15 - باب فِي رَدِّ الإِرْجاءِ

- ‌16 - باب الدَّلِيلِ عَلى زِيادَةِ الإِيمانِ وَنُقْصانِهِ

- ‌17 - باب فِي القَدَرِ

- ‌18 - باب في ذَراري المُشْرِكِينَ

- ‌19 - باب فِي الجَهْمِيَّةِ

- ‌20 - باب فِي الرُّؤْيَةِ

- ‌21 - باب فِي الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ

- ‌22 - باب فِي القُرْآنِ

- ‌23 - باب فِي الشَّفاعَةِ

- ‌24 - باب فِي ذِكْرِ البَعْثِ والصُّورِ

- ‌25 - باب في خَلْقِ الجَنَّة والنّارِ

- ‌26 - باب فِي الحَوْضِ

- ‌27 - باب فِي المَسْأَلَةِ في القَبْرِ وَعذابِ القَبْرِ

- ‌28 - باب فِي ذِكْرِ المِيزانِ

- ‌29 - باب فِي الدَّجّالِ

- ‌30 - باب في قَتْلِ الخَوارِجِ

- ‌31 - باب فِي قِتالِ الخَوارِجِ

- ‌32 - باب فِي قِتالِ اللُّصُوصِ

- ‌كتاب الأدب

- ‌1 - باب فِي الحِلْمِ وأَخْلاقِ النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - باب فِي الوَقارِ

- ‌3 - باب مَنْ كَظَمَ غَيْظًا

- ‌4 - باب ما يُقالُ عِنْدَ الغضَبِ

- ‌5 - باب فِي العَفْو والتَّجاوُزِ في الأَمْرِ

- ‌6 - باب فِي حُسْنِ العِشْرَةِ

- ‌7 - باب فِي الحَياءِ

- ‌8 - باب فِي حُسْنِ الخُلُقِ

- ‌9 - باب فِي كَراهِيَةِ الرِّفْعَةِ في الأُمُورِ

- ‌10 - باب في كَراهِيةِ التَّمادُحِ

- ‌11 - باب في الرِّفْقِ

- ‌12 - باب فِي شُكْرِ المَعْرُوفِ

- ‌13 - باب فِي الجُلُوسِ في الطُّرُقاتِ

- ‌14 - باب فِي سَعَةِ المَجْلِسِ

- ‌15 - باب فِي الجُلُوسِ بينَ الظِّلِّ والشَّمْسِ

- ‌16 - باب في التَّحَلُّقِ

- ‌17 - باب الجُلُوسِ وَسْطَ الحَلْقَةِ

- ‌18 - باب فِي الرَّجُلِ يَقُومُ لِلرَّجُلِ مِنْ مَجْلِسِهِ

- ‌19 - باب مَنْ يُؤْمَرُ أَنْ يُجالَسَ

- ‌20 - باب فِي كَراهيَةِ المِراءِ

- ‌21 - باب الهَدي في الكَلامِ

- ‌22 - باب فِي الخُطْبَةِ

- ‌23 - باب فِي تَنْزيلِ النّاسِ مَنازِلَهُمْ

- ‌24 - باب فِي الرَّجُلِ يَجْلسُ بَينَ الرَّجُلَيْنِ بِغَيْرِ إِذْنِهِما

- ‌25 - باب في جُلُوسِ الرَّجُلِ

- ‌26 - باب فِي الجِلْسَةِ المَكْرُوهَةِ

- ‌27 - باب النَّهْي عَنِ السَّمَرِ بَعْدَ العِشاءِ

- ‌29 - باب فِي التَّناجي

- ‌30 - باب إِذا قامَ مِنْ مَجْلِسٍ ثُمَّ رَجَعَ

- ‌31 - باب كَراهِيَةِ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ولا يَذْكُرُ اللَّه

- ‌28 - باب فِي الرَّجُلِ يَجْلِسُ مُتَرَبِّعًا

- ‌32 - باب فِي كَفّارَةِ المَجْلِسِ

- ‌33 - باب فِي رَفْع الحَدِيثِ مِنَ المَجْلسِ

- ‌34 - باب فِي الحَذَرِ منَ النّاسِ

- ‌35 - باب فِي هَدي الرَّجْلِ

- ‌36 - باب فِي الرَّجُلِ يَضَعُ إحْدى رِجْليْهِ عَلى الأُخْرى

- ‌37 - باب فِي نَقْلِ الحَدِيثِ

- ‌38 - باب فِي القَتّاتِ

- ‌39 - باب في ذي الوَجْهَيْنِ

- ‌40 - باب فِي الغِيبَةِ

- ‌41 - باب منْ رَدَّ عَنْ مُسْلِمٍ غِيبَةً

- ‌42 - باب مَنْ لَيْسَتْ لَهُ غِيبَةٌ

- ‌43 - باب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُحِلُّ الرَّجُلَ قدِ اغْتَابَهُ

- ‌44 - باب في النَّهْي عَنِ التَّجَسُّسِ

- ‌45 - باب فِي السَّتْرِ عَنِ المُسْلِمِ

- ‌46 - باب المُؤاخاةِ

- ‌47 - باب المُسْتَبّانِ

- ‌48 - باب في التَّواضُعِ

- ‌49 - باب فِي الانْتِصارِ

- ‌50 - باب فِي النَّهْي عَنْ سَبِّ المَوْتَى

- ‌51 - باب فِي النَّهْي عَنِ البَغْي

- ‌52 - باب فِي الحَسَدِ

- ‌53 - باب فِي اللَّعْنِ

- ‌54 - باب فِيمَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَ

- ‌55 - باب فِيمَنْ يَهْجُرُ أَخَاهُ المُسْلِمَ

- ‌56 - باب فِي الظَّنِّ

- ‌57 - باب فِي النَّصِيحَةِ والحِياطَةِ

- ‌58 - باب فِي إِصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ

- ‌59 - باب فِي النَّهْي عَنِ الغِناءِ

- ‌60 - باب كَراهِيَةِ الغِناءِ والزَّمْرِ

الفصل: ‌23 - باب في تنزيل الناس منازلهم

‌23 - باب فِي تَنْزيلِ النّاسِ مَنازِلَهُمْ

4842 -

حَدَّثَنا يَحْيَى بْن إِسْماعِيلَ وابْن أَبي خَلَفٍ، أَنَّ يَحْيَى بْنَ اليَمانِ أَخْبَرَهُمْ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبي ثابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبي شَبِيبٍ أَنَّ عائِشَةَ عليها السلام مَرَّ بِها سائِلٌ فَأَعْطتْهُ كِسْرَةً، وَمَرَّ بِها رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيابٌ وَهَيْئَةٌ فَأَقْعَدَتْهُ فَأَكَلَ، فَقِيلَ لَها في ذَلِكَ، فَقالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنْزِلُوا النّاسَ مَنازِلَهُمْ".

قالَ أَبُو داوُدَ: وَحَدِيث يَحْيَى مُخْتَصَرٌ.

قالَ أَبُو داوُدَ: مَيْمُونٌ لَمْ يُدْرِكْ عائِشَةَ (1).

4843 -

حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْن إِبْراهِيمَ الصَّوّافُ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن حُمْرانَ، أَخْبَرَنا عَوْفُ بْن أَبي جَمِيلَةَ، عَنْ زِيادِ بْنِ مِخْراقٍ، عَنْ أَبي كِنانَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَري قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرامَ ذي الشَّيْبَةِ المُسْلِمِ وَحامِلِ القُرْآنِ غَيْرِ الغالي فِيهِ والجافي عَنْهُ، وَإِكْرامَ ذي السُّلْطانِ المُقْسِطِ"(2).

* * *

باب في تنزيل الناس منازلهم

[4842]

(ثنا يحيى بن إسماعيل و) محمد بن أحمد (ابن أبي خلف) محمد البغدادي، شيخ مسلم. (أن يحيى بن اليمان) الكوفي، صدوق (أخبرهم عن سفيان) الثوري (عن حبيب (3) بن أبي ثابت) قيس بن دينار

(1) رواه أبو يعلى في "مسنده"(4826)، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 379، والبيهقي في "شعب الإيمان"(10489).

(2)

رواه البخاري في "الأدب المفرد"(357)، والبزار 8/ 74 (3070)، والبيهقي 8/ 163 من طريق أبي داود. وحسنه الألباني في "المشكاة"(4972).

(3)

فوقها في (ل): (ع).

ص: 541

الأسدي الكاهلي. (عن ميمون بن أبي شبيب) الربعي، أبو نصر الكوفي، صدوق. (أن عائشة رضي الله عنها مر بها سائل) حمل بعضهم السائل على طالب العلم، ولهذا قيل (مر بها سائل)(فأعطته)(1) فيه مشروعية إطعام المار بالطريق وإن لم يسأل، لا سيما إذا كان الممرور به يأكل (كسرة) بكسر الكاف، وهي القطعة المكسورة من الخبز، والجمع كسر بكسر الكاف، مثل سدرة وسدر.

وفيه فضيلة إطعام الفقير وغيره الكسرة من الخبز ولو بغير أدم إذا لم يتيسر غيرها، وكذا التمرة الواحدة والزبيبة والبصلة ونحو ذلك، ولا يمتنع من إعطاء شيء من ذلك احتقارًا له، فقد ورد ذم ذلك وحصول الإثم عليه.

(ومر بها رجل عليه ثياب) فاخرة (وهيئة) بزة في حسن صورته وتنظيف ثيابه وسمته في المشي والحركة ونحو ذلك.

(فأقعدته) فيه أن من سنة الضيافة أن يقعد الضيف للأكل ولا يدعه يأكل قائمًا، وكذا الأفضل إقعاده للأكل دون إعطائه ما يأكله في بيته، فإن الأكل في بيت صاحب الطعام فيه فضيلة وبركة لصاحبه.

(فأكل) فيه طواعية الضيف لصاحب الطعام في جلوسه إذا أمره بالجلوس، وأكله إذا أمره، وقد يؤخذ منه أن وضع الطعام كاف في الإذن، إذ ليس في الحديث أنها أذنت له في الأكل، وفيه أن الضيف يأكل وإن كان ممتلئا من الطعام، وفيه جواز الأكل للرجل من بيت المرأة وإن كان صاحب المنزل غائبًا إذا لم تكن ريبة ولا خوف (2) من

(1) بعدها في (ل)، (م): فأطعمته. وعليها: خـ.

(2)

في (ل)، (م): خوفا. ولعل المثبت هو الصواب.

ص: 542

مفسدة في الدين والدنيا، وفيه الأكل من طعام أهل الخير للتبرك؛ إذ كانت عائشة ممن يتبرك بها. وفيه أكل الرئيس من طعام الفقراء وإن كان دون حقه ودون ما يليق به تواضعًا للَّه تعالى؛ إذ قد مر الحسن بن علي بقوم من المساكين الذين يسألون الناس على قارعة الطريق، وقد نثروا كسرًا على الأرض في الرمل وهم يأكلون، وكان على بغلته فسلم عليهم، فقالوا له: هلم الغداء يا ابن رسول اللَّه. فقال: نعم، إن اللَّه لا يحب المتكبرين. فنزل وقعد معهم على الأرض وأكل، ثم سلم عليهم فركب، وقال: قد أجبتكم فأجيبوني (1).

(فقيل لها في ذلك) أي: في إطعامها الأول كسرة ولم تجلسه، وأكرمت الثاني بالجلوس عندها وتقديم الطعام له، ولم تسو بينهما في الإكرام كما في الخصمين عند الحاكم. (فقالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) فيه أن العالم إذا فعل شيئًا يخفى أمره وسئل عن ذلك أن يستدل بالحديث النبوي؛ إذ هو من أقوى الحجج الشرعية، وهو أبلغ من ذكر الحكم (2) دون دليل. (أنزلوا الناس) هذِه الرواية تدل على أن الأرجح في رواية مسلم: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم (3). أن يقرأ: (نُنْزِل) بضم النون الأولى وسكون الثانية، مضارع أنزل، والرواية المشهورة: نُنَزِّل بضم الأولى وفتح الثانية وتشديد الزاي، ويدل على هذا تبويب المصنف:(باب تنزيل الثاس) فإنه مصدر نزَّل

(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 14/ 181.

(2)

في (م): الحكمة.

(3)

"مقدمة مسلم" ص 5. من رواية عائشة، قال: ذكر عن عائشة. .

ص: 543

بالتشديد، وهما لغتان نزل وأنزل (1) (منازلهم) والمراد بالحديث الحض على مراعاة مقادير الناس ومراتبهم ومناصبهم وتفضيل بعضهم على بعض في الإكرام في المجالس وفي القيام والمخاطبة والمكاتبة وغير ذلك من الحقوق. قال النووي: وهذا في بعض الأحكام أو أكثرها، وقد سوى الشرع بينهم في القصاص والحدود وأسبابها (2). انتهى.

وفي التعازير يعزر كل أحد بما يليق به، وقد ميز الشرع بينهم بقوله:"ليلني منكم ذوو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم"(3) فيقدم في القرب منه الأفضل فالأفضل من البالغين والعقلاء إكرامًا لهم، فيعامل الإمام كل أحد بما يلائم منصبه في الدين والعلم والشرف والمرتبة، فإن اللَّه أعطى (4) كل ذي حق حقه.

قال الإمام مسلم قبل هذا الحديث (5): فلا يقصر بالرجل العالي القدر عن درجته، ولا يرفع متضع القدر في العلم فوق منزلته، ويعطى كل ذي حق حقه، من قول اللَّه تعالى:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (6) وقد أخذ المحدثون من هذا أن عليهم أن يبذلوا وسعهم في تبيين رجال الأسانيد ونقد رجالهم وتمييز صالحهم من طالحهم.

(قال: ) المصنف (وحديث يحيى) بن إسماعيل كذا صوابه، وعند اللؤلؤي: ابن اليمان. (مختصر) كان اقتصر فيها على قوله: (أنزلوا

(1) مكانها بياض في (م).

(2)

"شرح مسلم" 1/ 55.

(3)

رواه مسلم (432، 432 م) من حديث أبي مسعود وعبد اللَّه بن مسعود مرفوعا.

(4)

و (5) ساقطة من (م).

(6)

مقدمة "صحيح مسلم" ص 4 - 5.

ص: 544

الناس منازلهم) دون ما قبله من القصة.

و(قال: ) المصنف (ميمون) بن أبي شبيب (لم يدرك) زمن (عائشة رضي الله عنها وعلى هذا فالحديث منقطع، وقد ظهر للمصنف من هذا الحديث ما لم يظهر لمسلم، ولو ظهر له ذلك لما استدل به، إلا أن يكون يرى العمل بالمراسيل، ولفظ مسلم: ذكر عن عائشة (1)، وهو مشعر بضعفه، ولفظه ليس جازمًا بصحته، وبالنظر إلى أنه أورده إيراد الأصول لا إيراد الشواهد، ومع ذلك فقد حكم الحاكم في كتاب "علوم الحديث" بصحته (2)، ورواه البزار في "مسنده" وقال: هذا الحديث لا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، وقد روي عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفًا.

قال النووي: وقوله (ميمون لم يدرك عائشة) فيه نظر، فإنه كوفي متقدم قد أدرك المغيرة بن شعبة، ومات المغيرة قبل عائشة. وعند التعاصر مع إمكان التلاقي كان في ثبوت الإدراك، فلو ورد عن ميمون أنه قال: لم ألق عائشة استقام لأبي داود الحديث بعدم إدراكه، وهيهات ذلك. هذا كلام ابن الصلاح (3). قال شيخنا ابن حجر (4): مات سنة ثلاث وثمانين في وقعة الجماجم (5).

[4843]

(ثنا إسحاق بن إبراهيم) بن محمد الباهلي (الصواف) شيخ

(1) السابق.

(2)

"معرفة علوم الحديث" ص 95.

(3)

انظر: "الشذا الفياح" 2/ 537.

(4)

ورد في هامش (ل): حش: هو كلام ابن حبان نقله عنه المزي في "تهذيبه" وتبعه.

(5)

"تقريب التهذيب"(7046).

ص: 545

البخاري (حدثنا عبد اللَّه بن حمران) بن عبد اللَّه بن حمران الأموي البصري، أخرج له مسلم.

(ثنا عوف بن أبي جميلة)(1) يقال: اسمه معاوية بن قرة ولم يثبت، بل ثبت أنه القرشي، قال المنذري: ذكر غير واحد أنه سمع من أبي موسى (2)(عن أبي موسى) عبد اللَّه بن قيس الأشعري رضي الله عنه.

(قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن من إجلال اللَّه تعالى) أي: من تعظيمه وتبجيله (إكرام ذي الشيبة) البيضاء (المسلم) أي: تعظيم الشيخ الكبير الذي عمره في الإسلام والإيمان، وطعمه في طفوليته وغذيه واستمر عليه حتى طعن في السن [حتى ابيضت شيبته](3) في الإيمان، فتعظيمه وتوقيره في المجالس وتقديمه في الصلاة على غيره وفي اللحد في القبر والرفق به والشفقة عليه من كمال تعظيم اللَّه لحرمته عند اللَّه تعالى.

(وحامل القرآن) أي: قارئه، سماه حاملًا له لما يحمل عليه (4) في حفظه من الدرس والمشقة، وفي تفهمه وتدبره والعمل بما فيه، فهو حامل لمشاق كثيرة تزيد على الأحمال الثقيلة (غير الغالي فيه) يعني: المتجاوز للحد في التشدد في العمل به وتتبع ما خفي منه واشتبه من معانيه وانكشف عن علله الدقيقة التي لا يصل إليها عقله بما يبتدعه في الدين ليضل ويضل غيره، ويجاوز حدود قراءته ومخارج حروفه ومدوده.

(و) لا (الجافي عنه) والجافي أي: التارك له البعيد عن تلاوته

(1) كذا في النسخ، وبعدها في "سنن أبي داود":(عن زياد بن مخراق، عن أبي كنانة).

(2)

"مختصر سنن أبي داود" 7/ 191.

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

(4)

من (م).

ص: 546

والعمل بما فيه من الجفاء، وهو البعد عن الشيء، فجفاه إذا بعد عنه، وفي الحديث:"اقرؤوا القرآن، ولا تجفوا عنه"(1) أي: تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته حتى تنسوه، لا سيما من أعرض عنه بكثرة النوم والبطالة والإقبال على الدنيا والشهوات، بل ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخوضون، فما أقبح بحامل القرآن أن يتلفظ (2) بأحكامه وهو لا يفهم ما يقول! فما حال مثل هذا إلا كمثل الحمار يحمل أسفارًا.

(وإكرام ذي السلطان المقسط) بضم الميم (3). أي: العادل في حكمه بين رعيته، وروى أبو عبيد بسنده في "فضائل القرآن" عن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه يحب معالي الأخلاق، وإن من إعظام جلال اللَّه إكرام ثلاثة: الإمام المقسط، وذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير المغالي فيه ولا الجافي عنه"(4).

* * *

(1) رواه أحمد 3/ 328 وأبو يعلى 3/ 88 (1518) والطبراني في "الأوسط" 3/ 86 (2574) من حديث عبد الرحمن بن شبل. ورواه الطبراني في "الكبير" 19/ 407 (985) من حديث أبي هريرة. وضعف الدارقطني في "العلل" 9/ 278 حديث أبي هريرة، وصحح حديث عبد الرحمن بن شبل. وقال الهيثمي 4/ 170: رواه أحمد وأبو يعلى باختصار، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" ورجاله ثقات. وصححه الألباني في "الصحيحة"(260).

(2)

في (م): يتغلظ.

(3)

في (م): أوله.

(4)

"فضائل القرآن"(52).

ص: 547