الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
58 - باب فِي إِصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ
4919 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْداءِ، عَنْ أَبي الدَّرْداءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيامِ والصَّلاةِ والصَّدَقَةِ". قالُوا: بَلَى. قَالَ: "إِصْلاحُ ذاتِ البَيْنِ وَفَسادُ ذاتِ البَيْنِ الحالِقَةُ"(1).
4920 -
حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلي، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري ح، وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ ح، وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبُّويَةَ المَرْوَزي، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَمْ يَكْذِبْ مَنْ نَمَى بَيْنَ اثْنَيْنِ لِيُصْلِحَ". وقالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُسَدَّدٌ: "لَيْسَ بِالكاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النّاسِ فَقالَ خَيْرًا أَوْ نَمَى خَيْرًا"(2).
4921 -
حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمانَ الجِيزي، حَدَّثَنا أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ نافِعٍ -يَعْني: ابن يَزِيدَ-، عَنِ ابن الهادِ أَنَّ عَبْدَ الوَهّابِ بْنَ أَبي بَكْرٍ حَدَّثَهُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ حُمَيْدِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ قالَتْ: ما سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرَخِّصُ في شَيء مِنَ الكَذِبِ إِلَّا في ثَلاثٍ، كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"لا أَعُدُّهُ كاذِبًا الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النّاسِ، يَقُولُ القَوْلَ وَلا يُرِيدُ بِهِ إِلَّا الإِصْلاحَ، والرَّجُلُ يَقُولُ في الحَرْبِ، والرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ، والمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَها"(3).
(1) رواه الترمذي (2509)، وأحمد 6/ 444، والبخاري في "الأدب المفرد"(391). وصححه الألباني في "تخريج الحلال والحرام"(408).
(2)
رواه البخاري (2692)، ومسلم (2605).
(3)
رواه أحمد 6/ 403، والبخاري في "الأدب المفرد"(385)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 5/ 479. وصححه الألباني.
ورواه مسلم بعد حديث (2605) وجعله من كلام ابن شهاب.
باب في إصلاح ذات البين
[4919]
(ثنا محمد (1) بن العلاء) بن كريب الهمداني [(ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه](2)(عن الأعمش، عن عمرو بن مرة) الجملي، أحد الأعلام (عن سالم) بن أبي الجعد، رافع الأشجعي (عن أم الدرداء) الصغرى هجيمة (عن) زوجها (أبي الدرداء) عويمر رضي الله عنه.
(قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ ) المستمرات أو الكثيرات (قالوا: بلى) يا رسول اللَّه. (قال: إصلاح ذات البين) أي: إصلاح أحوال البين، يعني: ما بينكم من الأحوال حتى تكون أحوالكم أحوال صحبة وألفة واتفاق. وقيل: إصلاح ذات البين هو إصلاح الفساد والفتنة التي تكون بين القوم، وإسكان الفتنة الثائرة بين القوم أو بين اثنين، فالإصلاح إذ ذاك واجب وجوب كفاية مهما وجد إليه سبيلا.
ويحصل الإصلاح بمواساة الإخوان والمحتاجين ومساعدتهم مما رزقه اللَّه، وضد إصلاح ذات البين (وفساد ذات البين) هي (الحالقة). قال اليزيدي: لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين.
[4920]
(ثنا نصر بن علي) الجهضمي (ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، ح، وثنا مسدد، ثنا إسماعيل) ابن علية (ح، وثنا أحمد بن
(1) فوقها في (ل): (ع).
(2)
كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب:(ثنا أبو معاوية محمد بن خازم) كما في "سنن أبي داود".
محمد بن شبويه) بفتح الشين المعجمة وتشديد الباء الموحدة المشددة (1)(المروزي) بفتح الميم والواو (ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أمه) أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، من المهاجرات، القرشية الأموية.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم يكذب) الكذب المذموم (من نمى) نميت الحديث أنميه: إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير بتخفيف الميم، وإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة.
قلت: نمَّيته بتشديد الميم. هكذا قال أبو عبيد (2) وابن قتيبة وغيرهما من العلماء (3). وقال أبو تميم الحربي: أكثر المحدثين يقول: نمى خيرًا بتخفيف الميم، وإنما هو بتشديد الميم، والتخفيف لا يجوز في النحو، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن، ومن خفف الميم لزمه أن يقول: خير بالرفع (4).
قال المنذري وابن الأثير في "النهاية": وهذا الذي قال خلاف ما قاله الأئمة في ذلك، فذكر القاسم بن سلام والأصمعي والهروي والزمخشري مخفف في الإصلاح مشدد في الإفساد (5)، وما قاله ليس بشيء، فإنه ينتصب نمى كما انتصب بقال، وإنما نمى متعدٍّ (6)، يقال:
(1) كذا في (ل)، (م)، وكلمة:(المشددة) لا وجه لها.
(2)
"غريب الحديث" 1/ 203.
(3)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 121.
(4)
انظر السابق.
(5)
"الترغيب والترهيب" 4/ 267.
(6)
في الأصول: متعدد.
نميت الحديث. إذا رفعته وأبلغته (1).
(بين اثنين ليصلح) بينهما. بل الكاذب في إصلاح ذات البين ونحوه محسن غير مسيء.
(وقال أحمد) بن محمد بن شبويه (ومسدد: ليس بالكاذب) المذموم شرعًا (من أصلح بين الناس، فقال) بينهما (خيرا أو نمى خيرًا)؛ لأن الكذب ليس حرامًا لعينه، بل لما يحصل به من الضرر للمخاطب ولغيره، فإن لم يحصل منه إلا خير (2) لم يكن حرامًا، بل إن همدت الفتنة الثائرة به كان فيه [خير كثير](3)، وربما كان واجبًا.
قال ميمون بن مهران: إن الكذب في بعض المواضع خيرٌ، أرأيت لو أن رجلًا سعى وآخر وراءه بالسيف فدخل دارًا، فانتهى إليك فقال: رأيت فلانًا؟ ألست تقول: لم أرَه؟ وما تصدق، فهذا كذب واجب.
[4921]
(ثنا الربيع بن سليمان الجيزي)[بالجيم والزاي، الأعرج، ثقة (ثنا أبو الأسود) النضر بن عبد الجبار بن نضير المرادي المصري](4) قال أبو حاتم: صدوق عابد، شبهته بالقعنبي (5).
(عن نافع بن يزيد) الكلاعي، ثقة (عن) يزيد بن عبد اللَّه بن أسامة (ابن الهاد)(6) الليثي (أن عبد الوهَّاب بن أبي بكر) رفيع، وثقه أبو
(1)"النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 121.
(2)
في (ل)، (م) خيرًا. ولعل ما أثبت أصوب.
(3)
في (ل)، (م): خيرًا كثيرًا. والجادة ما أثبتناه.
(4)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
(5)
"الجرح والتعديل" 8/ 480 (2197).
(6)
في (ل)، (م):(عبد)، وهو خطأ، والمثبت الصواب.
حاتم (1)(حدثه عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أمه أم كلثوم بنت عقبة) بن أبي معيط، اسمه أبان بن أبي عمرو، ذكوان، وهي أخت عثمان بن عفان لأمه، هاجرت وبايعت، وكانت هجرتها في سنة سبع في الهدنة التي كانت بين قريش وبين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
(قالت: ما سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب) لفظ مسلم: يرخص فيما يقول الناس كذب (2). (إلا في ثلاث) وفي معناها ما إذا ارتبط بالكذب غرض مقصود صحيح له أو لغيره، أما له فمثل أن يأخذه ظالم فيسأله عن ماله، فله أن ينكره، أو يأخذه السلطان فيسأله عن فاحشة بينه وبين اللَّه ارتكبها، فله أن ينكر ويقول: ما زنيت ولا سرقت ولا شربت مسكرًا. لما روى الحاكم عن ابن عمر بلفظ: "اجتنبوا هذِه القاذورات التي نهى اللَّه عنها، فمن ألم بشيء فليستتر بستر اللَّه"(3) وإسناده حسن.
(كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لا أعده) أي: لا أعد الكاذب في هذِه الثلاث، وما في معناها (كاذبًا) قد يؤخذ منه أنه إذا كذب في ذلك بيمين لا حنث عليه، ولم أجده مسطورًا (الرجل يصلح بين الناس) و (يقول القول) الكذب من غير تعريض (ولا يريد به إلا الإصلاح) بين الناس. وظاهر الحصر أنه لو أراد به الإصلاح وغيره من مصلحة له فيه أو لأحد من جهته أن يكون كذبًا، فقد يكون الباعث على الكذب
(1)"الجرح والتعديل" 6/ 71 (367).
(2)
"صحيح مسلم"(2605).
(3)
"المستدرك" 4/ 244، 383 مرفوعًا.
حظه وغرضه الذي هو متشعب عنه في حقيقة الأمر، وإنما يتعلل ظاهرًا بالإصلاح، وهذا يكتب عليه كذبة ويحاسب عليه.
(والرجل يقول) الكذب (في الحرب) لأن الحرب خدعة، وهو من الخديعة (والمرء يحدث امرأته) فيعدها بإعطاء شيء أو كسوة ونحوها، وله أن يصلح بين الضرائر من نسائه، بأن يظهر لكل واحدة أنها أحب إليه، أو كانت امرأته لا تطيعه إلا بوعد ما لا يقدر عليه، فيعدها في الحال تطييبًا لقلبها (والمرأة تحدث زوجها) بالكذب إذا احتاجت إليه، وقد اختلفوا في المراد بالكذب المباح ما هو؟ فقالت طائفة: هو على إطلاقه. وأجازوا قول ما لم يكن للمصلحة، وقالوا: الكذب المذموم ما فيه مضرة، واحتجوا بقول إبراهيم عليه السلام:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} (1)، {إِنِّي سَقِيمٌ} (2)، وقوله: إنها أختي (3). وقول منادي يوسف لأجل المصلحة: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} (4).
وقال الطبري وغيره: لا يجوز الكذب الصريح في شيء من الأشياء لا في هذِه الثلاث، ولا في غيرها، تمسكًا بالقاعدة الكلية في تحريمه، وتأول هذِه الأحاديث على التورية والتعريض، وهو تأويل لا يعضده دليل، ولا تعارض بين العموم والخصوص، كما هو عن العلماء منصوص.
(1) الأنبياء: 63.
(2)
الصافات: 89.
(3)
رواه البخاري (2217)، ومسلم (2371) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
(4)
يوسف: 70.
قال الطبري: والتورية في الكذب أن يعد زوجته أن يحسن (1) إليها، أو يكسوها كذا، وينوي إن قدر اللَّه، وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه: مات إمامكم الأعظم. وينوي إمامهم في الأزمان الماضية، أو غدا يأتينا مدد. أي: طعام ونحوه، وإذا بلغ الرجل عنك شيء، فكرهت أن تكذب فقل: اللَّه يعلم ما قلت من ذلك من شيء. فيكون قولك (ما) حرف النفي عند المستمع، وعندك للإبهام.
ويدل على عموم النهي عن الكذب حديث النواس بن سمعان: "ما لي أراكم تهافتون في الكذب تهافت الفراش في النار، كل الكذب مكتوب" رواه أبو بكر الخرائطي (2) في "مساوئ (3) الأخلاق"(4).
* * *
(1) مكانها في (م) بياض بمقدار كلمة.
(2)
في (ل)، (م): بن لال. وما أثبتناه كما في تخريجنا لهذا الحديث.
(3)
في (ل)، (م): مكارم. وما أثبتناه كما في تخريجنا لهذا الحديث، حيث لم أقف عليه في "مكارم الأخلاق".
(4)
برقم (160)، (185) مرفوعًا.