الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
27 - باب فِي المَسْأَلَةِ في القَبْرِ وَعذابِ القَبْرِ
4750 -
حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنَّ المُسْلِمَ إِذا سُئِلَ في القَبْرِ فَشَهِدَ أَنْ لا إله إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} (1).
4751 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْباري، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ عَطَاءٍ الخَفّافُ أَبُو نَصْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: إِنَّ نَبي اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ نَخْلًا لِبَني النَّجّارِ فَسَمِعَ صَوْتًا فَفَزِعَ فَقالَ: "مَنْ أَصْحابُ هذِه القُبُورِ؟ ". قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ ناسٌ ماتُوا في الجاهِلِيَّةِ. فَقالَ: "تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِنْ عَذابِ النّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجّالِ". قالُوا: وَمِمَّ ذاكَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: "إِنَّ المُؤْمِنَ إِذا وُضِعَ في قَبْرِهِ أَتاهُ مَلَكٌ فَيَقُولُ لَهُ: ما كُنْتَ تَعْبُدُ فَإِنِ اللَّهُ هَداهُ قالَ: كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ. فَيُقالُ لَهُ: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ فَيَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَما يُسْأَلُ عَنْ شَيء غَيْرَها فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى بَيْتٍ كانَ لَهُ في النّارِ فَيُقالُ لَهُ: هذا بَيْتُكَ كانَ لَكَ في النّارِ ولكنَّ اللَّهَ عَصَمَكَ وَرَحِمَكَ فَأَبْدَلَكَ بِهِ بَيْتًا في الجَنَّةِ فَيَقُولُ: دَعُوني حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِّرَ أَهْلَي. فَيُقالُ لَهُ: اسْكُنْ. وَإِنَّ الكافِرَ إِذا وُضِعَ في قَبْرِهِ أَتاهُ مَلَكٌ فيَنْتَهِرُهُ فَيَقُولُ لَهُ: ما كُنْتَ تَعْبُدُ؟ فَيَقُولُ: لا أَدْرَي. فَيُقالُ لَهُ: لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ. فَيُقالُ لَهُ: فَما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ أَقُولُ ما يَقُولُ النّاسُ. فَيَضْرِبُهُ بِمِطْراقٍ مِنْ حَدِيدٍ بَيْنَ أُذُنَيْهِ فيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُها الخَلْقُ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ"(2).
4752 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بِمِثْلِ هذا الإِسْنادِ نَحْوَهُ،
(1) رواه البخاري (1369)، ومسلم (2871).
(2)
رواه البخاري مختصرا (1338)، وأحمد 3/ 233.
قالَ: "إِنَّ العَبْدَ إِذا وُضِعَ في قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعالِهِمْ فَيَأْتِيهِ مَلَكانِ فَيَقُولانِ لَهُ". فَذَكَرَ قَرِيبًا مِنْ حَدِيثِ الأَوَّلِ، قالَ فِيهِ:"وَأَمّا الكافِرُ والمُنافِقُ فَيَقُولانِ لَهُ". زادَ: "المُنافِقُ". وقالَ: "يَسْمَعُها مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ"(1).
4753 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، ح وَحَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّري، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ -وهذا لَفْظُ هَنّادٍ- عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ المِنْهالِ، عَنْ زاذانَ، عَنِ البَراءِ ابْنِ عازِبٍ قالَ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في جَنازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ فانْتَهَيْنا إِلَى القَبْرِ وَلَمّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رِسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْنا حَوْلَهُ كَأَنَّما عَلَى رُءُوسِنا الطَّيْرُ وَفي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ في الأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ: "اسْتَعِيذُوا باللَّهِ مِنْ عَذابِ القَبْرِ". مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا -زادَ في حَدِيثِ جَرِيرٍ ها هُنا- وقالَ: "وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعالِهِمْ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ حِينَ يُقالُ لَهُ: يا هذا مَنْ رَبُّكَ؟ وَما دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ ". قالَ هَنّادٌ قالَ: "وَيَأْتِيهِ مَلَكانِ فَيُجْلِسانِهِ فَيَقُولان لَهُ: مَنْ رَبُّكَ فيَقُولُ: رَبّي اللَّهُ. فَيَقُولانِ لَهُ: ما دِينُكَ فَيَقُولُ: دِيني الإِسْلامُ. فَيَقُولانِ لَهُ: ما هذا الرَّجُلُ الذي بُعِثَ فِيكُمْ قالَ: فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَيَقُولان: وَما يُدْرِيكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتابَ اللَّهِ فَآمنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ". زادَ في حَدِيثِ جَرِير: "فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} ". الآيَةَ. ثُمَّ اتَّفَقا قالَ: "فَيُنادي مُنادٍ مِنَ السَّماءِ: أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الجَنَّةِ وافْتَحُوا لَهُ بابًا إِلَى الجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الجَنَّةِ". قالَ: "فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِها وَطِيبِها". قالَ: "وَيُفْتَحُ لَهُ فِيها مَدَّ بَصَرِهِ". قالَ: "وَإِنَّ الكافِرَ". فَذَكَرَ مَوْتَهُ قالَ: "وَتُعادُ رُوحُهُ في جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكانِ فَيُجْلِسانِهِ فَيَقُولانِ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هاهْ هاهْ هاهْ لا أَدْرَي.
فَيَقُولانِ لَهُ: ما دِينُّكَ؟ فَيَقُول: هاهْ هاهْ لا أَدْرَي. فَيَقُولانِ: ما هذا الرَّجُلُ الذي بُعِثَ فِيكمْ؟ فَيَقُولُ: هاهْ هاهْ لا أَدْرَي. فَيُنادي مُنادٍ مِنَ السَّماءِ: أَنْ كَذَبَ فَأَفْرِشُوهُ
(1) سبق برقم (3231).
مِنَ النّارِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النّارِ وافْتَحُوا لَهُ بابًا إِلَى النّارِ". قالَ: "فيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّها وَسَمُومِها". قالَ: "وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ". زادَ في حَدِيثِ جَرِير قالَ: "ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِها جَبَلٌ لَصارَ تُرابًا". قالَ: "فيَضْرُبهُ بِها ضَرْبَةً يَسْمَعُها ما بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تُرابًا". قالَ: "ثُمَّ تُعادُ فِيهِ الرُّوحُ" (1).
4754 -
حَدَّثَنا هَنّادُ بْن السَّري، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنا المِنْهالُ، عَنْ أَبي عُمَرَ: زاذانَ قالَ: سَمِعْتُ البَراءَ، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ (2).
* * *
باب في المسألة في القبر وعذاب القبر
[4750]
(ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، ثنا شعبة، عن علقمة (3) بن مرثد) الحضرمي الكوفي (عن سعد (4) بن عبيدة) بالتصغير السلمي الكوفي (عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إن المسلم إذا سئل في القبر) لفظ البخاري: "إذا أقعد المؤمن في قبره أُتي"(5) بضم الهمزة، وكسر التاء يعني: أتاه الملكان منكر ونكير فيسألانه، والسؤال وجوابه لا يصحان إلا لحي، فيجب اعتقاد
(1) رواه أحمد 4/ 287، والطيالسي (789).
وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(3558).
(2)
انظر السابق.
(3)
فوقها في (ل): (ع).
(4)
فوقها في (ل): (ع).
(5)
"صحيح البخاري"(1369).
الحياة في تلك الأجساد وسماعهم الكلام، والكلام في جواب السؤال، ولا يمتنع من ذلك كون الميت تفرقت أجزاؤه كما يشاهد في العادة، أو أكلته السباع، أو حيتان البحر، ونحو ذلك، فكما أن اللَّه يعيده للحشر، وهو قادر على ذلك، فكذا يعيد الحياة إلى جزء منه أو أجزاء إذا أكلته السباع.
فإن قيل: فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره، فكيف يسأل ويقعد ويضرب بمطارق ولا يظهر له أثر؟ فالجواب: أن ذلك غير ممتنع، بل له نظير في العادة، وهو النائم، فإنه يجد لذة وآلاما لا [نحس نحن شيئا] (1) منها (فشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه) أو ما في معناه نحو: اللَّه ربي ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي (فذلك قول اللَّه عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}) أي: يلقن اللَّه المؤمن عند السؤال في قبره كلمة الحق الثابتة عليه.
[4751]
(حدثنا محمد بن سليمان الأنباري) بتقديم النون على الباء (ثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف) البصري (أبو نصر) العجلي نزل بغداد، أخرج له مسلم (عن سعيد) بن أبي عروبة.
(عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال: إن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم دخل نخلا لبني النجار) رواية أحمد في ثلاثياته: دخل حائطًا من حيطان المدينة لبني النجار (2). وأفاد أن النخل كانت في المدينة قبيلة من الخزرج وفيها بطون وأفخاذ قيل له: النجار؛ لأنه اختتن به؛ وقيل: لأنه ضرب رجلا بقدوم فنسب إليه.
(1) مكانها بياض في (م).
(2)
"المسند" 3/ 103.
(فسمع صوتًا) زاد أحمد: من قبر (1). مزعجًا (ففزع) من شدته، لفظ أحمد: فسأله عنه: متى دفن؟ (2).
(فقال: من أصحاب هذِه القبور؟ ) الظاهرة بينا ونحوه، (فقالوا: يا رسول اللَّه) هم (ناس ماتوا في) أيام (الجاهلية) ودفنوا في هذِه القبور.
(فقال: تعوذوا باللَّه من عذاب القبر)(3) يشبه أنه أمرهم بالاستعاذة من النار لما أطلعه اللَّه على أصحاب القبور، يعذبون بالنار. أجارنا اللَّه منها. لفظ رواية أحمد: قالوا: يا رسول اللَّه دفن هذا في الجاهلية. فأعجبه ذلك، وقال:"لولا أن لا تدافنوا لدعوت اللَّه أن يسمعكم عذاب القبر"(4) انتهى. قوله: فأعجبه ذلك. أي: لكون من سمع صوته ليس من المسلمين، ولهذا سأل عن أصحابها ليعلم أعمالهم التي استحقوا بها النار، فيحذر من الوقوع فيه.
(ومن فتنة الدجال) ووجه المناسبة لما تقدم أنه لما أمر بالتعوذ من النار استطرد منه إلى التعوذ من فتنة الدجال في الواديين الذين يخرجان معه أحدهما جنة والآخر نار فناره جنة وجنته نار، ومن فتنته كما ذكر القرطبي وغيره أن معه ملكين (5) يشبهان نبيين من الأنبياء لو شئت سميتهما بأسمائهما فيقول الدجال: ألست بربكم؟ ألست أحيي وأميت؟ ! فيقول أحد الملكين: كذبت. فلا يسمعه أحد من الناس.
(1)"المسند" 3/ 103.
(2)
السابق.
(3)
بعدها في (ل)، (م): النار. وفوقها: خ.
(4)
"المسند" 3/ 103.
(5)
في الأصول: ملكان: والجادة المثبت.
فيقول الآخر: صدقت. فيسمعه الناس، فيظنون أنه صدق الدجال، فذلك فتنته (1) (قالوا: ومم ذلك يا رسول اللَّه؟ ) أي: لأي شيء أمرتنا بالاستعاذة، فأرادوا أن يفهموا المعنى الذي أمروا منه بالتعوذ (قال: إن الميت (2) إذا وضع في قبره) وتولى عنه أصحابه (أتاه ملك) بفتح اللام، وسيأتي في الحديث بعده:"يأتيه ملكان" فأفرد هنا لكونه المتكلم دون غيره، وثنى في الحديث الذي بعده لكونهما اثنين (3)، وإن كان المتكلم واحدًا (فيقول له: ما كنت تعبد؟ ) فيه: أن الناس يفتنون في قبورهم بعد أن يحيوا فيها، ويسألون عمن كانوا يعبدون، وأن الإيمان بهذا واجب (فإن) بكسر النون من الشرطية لالتقاء الساكنين (اللَّه) فيه حذف، تقديره: فإن يكن اللَّه تعالى قد (هداه) الصراط المستقيم وثبته بالقول الثابت (قال) إني (كنت أعبد اللَّه) أي: وأعرفه وأؤمن به، فمن لوازم العبادة تقدم المعرفة؛ لأن عبادة من لا يعرف ممتنعة (فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ ) يعني بالرجل: النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يقوله بهذِه العبارة التي ليس فيها تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم امتحانًا للمسؤول، لئلا يتفكر تعظيمه عن عبارة السائل.
(فيقول: هو عبد اللَّه ورسوله) فيه: أن الشهادة بالوحدانية لا بد معها من الشهادة بالرسالة، وقد يؤخذ منه أنه لو قيل للكافر: ما تقول في محمد صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أنه رسول اللَّه. وقام الضمير
(1)"التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة"(ص 1278).
(2)
كذا في النسخ، وفي "السنن": المؤمن.
(3)
في (ل)، (م): اثنان. والمثبت هو الصواب.
مقام التصريح بمحمد صلى الله عليه وسلم.
(فما يسأل) الميت (عن شيء غيرها) بالجر، لكن في رواية البراء بن عازب الآتية (1) فيقول: -يعني الملك- "وما يدريك؟ فيقول: جاءنا بالبينات من ربنا فآمنت وصدقت"(فينطلق) بفتح الياء وكسر اللام (به) الملك (إلى بيت كان له في النار فيقال له) لعل القائل هذا غير الملك الذي سأل (هذا بيتك) الذي (كان لك) أضيف إليه البيت مجازًا وإن لم يكن دخله (في النار) قد (ولكن) بتشديد النون وتخفيفها (اللَّه) تعالى (عصمك) أي: منعك من دخوله (ورحمك) بفضله (فأبدلك) هذِه الفاء السببية، أي: فبسبب رحمته لك وفضله عليك أبدلك (به بيتا في الجنة) فائدة القول له تعريف قدر نعمة اللَّه عليه العظيمة فيما صرف عنه من عذاب جهنم وفيما أوصل إليه من كرامة الجنة، وناهيك بها كرامة (فيقول) لهم (دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي) فيه: أن لذة الآدمي بما أنعم عليه لا تكمل إلا إذا علم أقاربه بذلك؛ ليدخل السرور عليهم كما دخل عليه، فيكون سرورهم به زيادة في سروره، ويحتمل أن يقال: إنما طلب بشارة أهله ليقتدوا به في إيمانه وعبادته، ويكون علمهم بحاله سببًا لاكتساب مثل عمله لأنفسهم، والوجهان محتملان في قوله تعالى:{يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) مَا غَفَرَ لِي رَبِّي} (2).
(فيقال له: اسكن) في بيتك، فإن الرجوع إليهم مستحيل (وإن الكافر) أو المنافق (إذا وضع في قبره أتاه ملك) قال القرطبي: لا يعارض ما في
(1) في الأصول: الآتي. والجادة المثبت.
(2)
يس: 26 - 27.
هذِه الرواية من سؤال ملك، وما في الرواية الآتية من سؤال ملكين، بل الكل صحيح المعنى بالنسبة إلى الأشخاص، فرب شخص يأتيانه جميعًا ويسألانه في حال واحد عند انصراف الناس؛ ليكون السؤال عليه أهون والفتنة في حقه أشد وأعظم، وذلك بحسب ما اقترف من الآثام واجترح من سيئ الأعمال، وآخر يأتيانه قبل انصراف الناس عنه. قال: ويحتمل وجهًا آخر، وهو أن الملكين يأتيان جميعا، ويكون السائل آخرهما في الإتيان، فيكون الراوي اقتصر على الملك السائل دون غيره، كما تقدم (1).
(فينتهره) أي: يستقبله بما يكره (فيقول له: ما كنت تعبد؟ ) في حياتك (فيقول: لا أدري) وللترمذي من رواية أبي هريرة: وإن كان منافقًا قال (2): سمعت الناس يقولون قولًا فقلت مثله: لا أدري (3).
(فيقال له: لا دريت ولا تليت) قال في "النهاية": هكذا يرويه المحدثون، والصواب: ولا ائتليت (4). أي: ولا استطعت أن تدري. يقال: ما آلوه. أي: ما أستطيعه، وهو افتعلت منه، وقيل: معناه: ولا قرأت. أي: لا تلوت، هكذا أصله بالواو، وإنما قلبت بالإتباع ما دريت ليزدوج الكلام مع دريت، وقد جاء من حديث البراء:"لا دريت ولا تلوت" على الأصل على ما رواه الإمام أحمد بن حنبل (5).
(1)"التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة"(ص 357 - 358).
(2)
في الأصول: فقال. والمثبت من "سنن الترمذي".
(3)
"سنن الترمذي"(1071).
(4)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 195.
(5)
"المسند" 4/ 295.
أي: لم تدر ولم تتل القرآن، فلم تنتفع بدرايتك ولا تلاوتك.
قال الأزهري ويروى: "ولا أتليت". يدعو عليه أن لا تتلو إبله. أي: لا يكون لها أولاد تتلوها (1).
(فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ ) تقدم (فيقول: كنت أقول) فيه مثل (ما يقول الناس. فيضربه) الملك. وفيه دليل على إبطال التقليد في أمر التوحيد وما يتبعه من الشريعة للآباء وغيرهم من الناس وترك اتباع الرسل فيما جاؤوا به كصنيع أهل الأهواء في تقليدهم كبراءهم وتركهم اتباع الرسل في الدين (بمطراق) بكسر الميم لغة في المطرق الذي يضرب به، وجمعه مطارق، وفي الصحيحين:"ويضرب بمطارق"(2)(من حديد بين أذنيه) لكونه من أعظم المقاتل، ولأن ذلك في الرأس الذي هو محل العقل الذي يعقل به عند بعضهم، ومحل السمع الذي يسمع به، والبصر الذي يبصر به، واللسان الذي ينطق به، فلما كان محل المخالفة كانت العقوبة به دون غيره. وزاد البخاري:"ضربة"(3) يعني: واحدة (فيصيح صيحة يسمعها الخلق) بالنصب، كلهم، لفظ البخاري:"يسمعها من يليه"(4)(غير الثقلين) وهما الجن والإنس، فكل نفيس خطير ثقل، فسماهما ثقلين إعظامًا لقدرهما.
[4752]
(ثنا محمد بن سليمان) الأنباري (ثنا عبد الوهاب) الخفاف (بمثل هذا الإسناد نحوه) و (قال) فيه (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه
(1)"تهذيب اللغة" 14/ 320.
(2)
"صحيح البخاري"(1374).
(3)
و (4) السابق.
أصحابه [إنه](1) ليسمع قرع نعالهم) فيه حجة لمن يقول: إن الميت يسمع كلام الأحياء كما يسمع قرع النعال. قال الطبري: وليس في قوله تعالى: {مَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (2) حجة على دفع ما صحت به الأحاديث التي في هذا، ولا في قوله عليه السلام في أهل القليب:"ما أنتم بأسمع منهم"(3)؛ لأن في قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} و {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} (4) محتملان من التأويل، منها أن التقدير أن اللَّه لا يسمع الموتى بطاقتك وقدرتك، أو كان خالق السمع عندي، ولكن اللَّه هو الذي يسمعهم إذا شاء.
والثاني: أن يكون المعنى: فإنك لا تسمع الموتى إسماعًا ينتفعون به، قد انقطعت عنهم الأعمال، وخرجوا من دار العمل إلى دار الجزاء، فلا ينفعهم دعاؤك إياهم إلى الإيمان باللَّه (فيأتيه ملكان فيقولان له. فذكر قريبًا من حديث الأول) فيه أن اللَّه يرد الحياة إلى المكلف، ويجعل له من العقل كما كان ليعقل ما يسأل عنه فيجيب عنه، ولقد قال عمر بن الخطاب: لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الملكين: أيرجع إلي عقلي؟ قال: "نعم" قال: إذًا أكفيكهما (5)، واللَّه لئن
(1) من "السنن".
(2)
فاطر: 22.
(3)
رواه البخاري (1370) من حديث ابن عمر، ورواه مسلم (2873) من حديث أنس.
(4)
النمل: 80.
(5)
إلى هذا الحد رواه الحارث بن أبي أسامة في "المسند" كما في "بغية الباحث"(281)، وكما في "إتحاف الخيرة المهرة" 2/ 492 (1955)، وكما في "المطالب العالية" 18/ 471 (4531)، والآجري في "الشريعة" 3/ 1291 (861)، والبيهقي =
سألاني لأسألهما، فأقول لهما: أنا ربي اللَّه، فمن ربكما أنتما (1)؟
وخرج الحكيم الترمذي بمعناه، و (قال فيه: فأما الكافر والمنافق) فسوى بينهما في الضرب بالمطراق (فيقولان له) ما كنت تقول في هذا الرجل؟ و (زاد) ذكر (المنافق وقال) في هذِه الرواية (يسمعها من يليه غير) بالنصب (الثقلين) لفظ البخاري: "يسمعها من يليه إلا الثقلين"(2) يعني: الجن والإنس، سميا به لثقلهما على الأرض.
[4753]
(ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير، ح. وحدثنا هناد بن السري، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (وهذا لفظ هناد) بن السري (عن الأعمش، عن المنهال) بن عمرو الأسدي، أخرج له البخاري حديثًا واحدًا (3)(عن زاذان) بالزاي والذال المعجمتين الكندي، أخرج له مسلم.
(عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر) الذي يدفن فيه (ولما (4) يلحد) فهي هنا من حروف الجزم، كقوله تعالى: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ
= في "إثبات عذاب القبر"(103) من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عطاء بن يسار قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب. . . الحديث.
قال الحافظ العراقي في "المغني" 2/ 1236، والحافظ البوصيري في "الإتحاف" 2/ 492: مرسل ورجاله ثقات.
وقال الحافظ في "المطالب" 18/ 471: رجاله ثقات مع إرساله.
(1)
هذِه الزيادة ذكرها القرطبي في "التذكرة"(ص 369) ولم أجدها مسندة، واللَّه أعلم.
(2)
"صحيح البخاري"(1338).
(3)
"صحيح البخاري"(2371).
(4)
في الأصول: ولم.
جَاهَدُوا مِنْكُمْ} (1) ومعنى: (لما (2) يلحد): لم يجعل فيه اللحد، وهو الذي يعمل في جانب القبر من جهة اليمين، ليوضع فيه الميت؛ لأنه [قد أميل به](3) عن وسط القبر إلى جانبه.
(فجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله) ظرف، الجهات المحيطة به يمينًا وشمالًا (كأنما على رؤوسنا الطير) وصفهم بالسكون والوقار، تقول: لم يكن فيهم طيش ولا خفة. وذلك لأن الطير لا يكاد يقع إلا على شيء ساكن. قال الجوهري: كأن على رؤوسهم إذا سكنوا من هيبته، وأصله أن الغراب يقع على رأس البعير فيلقط من الحلمة، فلا يحرك البعير رأسه، لئلا ينفر عنه الغراب. انتهى (4).
ويحتمل أن يكون شبههم بمن قعد على رأسه طائر، فهو يبالغ في السكون، لئلا يتحرك فينفر عنه الطائر.
(وفي يده عود ينكت) بالمثناة آخره (به الأرض) أي: يضرب بطرفه الأرض، ليؤثر فيه، وهو فعل المفكر في أمر عظيم يحدث نفسه به، وناهيك بذكر الموت وعظم خطره والتفكر فيه (فرفع رأسه) وفي رواية: فجعل يرفع بصره وينظر إلى السماء ويخفض بصره وينظر إلى الأرض، ثم قال:"أعوذ باللَّه من عذاب القبر"(5) (ثم قال: استعيذوا
(1) آل عمران: 142.
(2)
في الأصول: ولم.
(3)
مكانها بياض في (م).
(4)
"الصحاح" 2/ 728.
(5)
رواه الطيالسي في "المسند" 2/ 114 (789)، ومن طريقه البيهقي في "إثبات عذاب القبر"(20). =
باللَّه من عذاب القبر) قاله (مرتين أو ثلاثًا) و (أو) هنا للشك من الراوي. وفيه إثبات عذاب القبر وفتنته ووجوب الإيمان به، خلافًا للمعتزلة في إنكارهم ذلك، وفيه تكرير الاستعاذة والدعاء بما يخاف منه.
(زاد) ابن أبي شيبة (في حديث جرير هاهنا: وقال: إنه ليسمع خفق نعالهم) كذا رواية البخاري في الحديث قبله، والخفق: الضرب، ولا يستعمل الخفق إلا في الضرب بالشيء العريض، ومنه سميت الدرة مخفقة. يعني: سمع صوت ضربها للأرض (إذا ولوا مدبرين) عنه بعد دفنه (حين يقال له) وفي بعض النسخ: حتى يقال له (يا هذا) الرجل، وأما المرأة فالظاهر أنه يقال لها: يا هذِه (من ربك؟ ) الذي تعبده (وما دينك؟ ) الذي كنت عليه وتعتقده (ومن نبيك؟ ) الذي كنت تتمسك بشريعته.
(قال هناد) بن السري (قال (1): ويأتيه ملكان) وللترمذي: ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: منكر. والآخر: نكير (2)(فيجلسانه) هذا مما أنكرته الملحدة ومن تمذهب من الإسلاميين بمذهب الفلاسفة، وقالوا: هذا يخالف مقتضى العقول، ومن افترسته السباع ونهشته الطيور وتفرقت أجزاؤه في بطون الحيتان ومدارج الرياح، كيف تجتمع أجزاؤه ويتصور جلوسه وسؤاله؟
وجوابهم من أوجه:
= قال البوصيري في "الإتحاف" 2/ 436: رواه أبو داود الطيالسي بسند الصحيح.
(1)
ساقطة من (م).
(2)
"سنن الترمذي"(1071).
أحدها: ما ذكره القاضي أستاذ الأمة، وهو أن المدفونين في القبور يسألون، والذين دفنوا على وجه الأرض، وأن اللَّه يحجب الملكين عما يجري عليهم كما حجبهم عن رؤية الملائكة ورؤية الأنبياء عليهم السلام، ومن أنكر ذلك فلينكر نزول جبريل على الأنبياء، وقد قال تعالى في وصف الشيطان:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} (1). وقال أبو المعالي: المرضي عندنا أن الجلوس والسؤال يقع على أجزاء يحلمها اللَّه من القلب أو غيره فيحييها ويوجه السؤال عليها، وذلك غير مستحيل عقلًا، وليس هذا بأبعد من الذر الذي أخرجه اللَّه من صلب آدم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ .
(فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي اللَّه. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام) الذي رضيه اللَّه لنا دينًا (فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث) أي: بعثه اللَّه (فيكم؟ ) رسولًا (فيقول: هو رسول اللَّه) وإنما كان السؤال عن هذِه الثلاث دون غيرها، لأن من أتى بهذِه الثلاث ورضي بها فقد ذاق طعم الإيمان؛ وتحقق كمال إيمانه، فإن ارتكب المعاصي الكبائر لم يقدح في إيمانه؛ لأن فيها معرفة اللَّه ومعرفة رسوله ومعرفة منة الإسلام، وقد جمع صلى الله عليه وسلم هذِه الثلاث في رواية مسلم:"ذاق طعم الإيمان من رضي باللَّه ربا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا"(2).
(فيقولان) له (ما يدريك؟ ) أنه رسول اللَّه (فيقول: قرأت كتاب اللَّه
(1) الأعراف: 27.
(2)
"صحيح مسلم"(34).
تعالى فآمنت به) قيل: المعنى: قرأت كتاب اللَّه فوجدت فيه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (1) فعرفت اللَّه، ووجدت أن الدين عند اللَّه الإسلام، فرضيت به، ووجدت:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (2) فشهدت برسالته إلى غير ذلك من الآيات، فكأنه آمن بالثلاثة قبل قراءة القرآن إيمانًا اعتقاديًّا مجملًا، فلما قرأ القرآن استدل به على ما تقدم به إيمانه، فوجد حلاوته، وازداد يقينه، فإن قيل: هذا الحديث يدل على أن الرجل يعرف صدق الرسول بالقرآن، وهو لا يستقيم؛ لأنه ما لم يعرف صدق الرسول لا يعلم أن القرآن كلام اللَّه.
وأجيب: أن القرآن أعظم المعجزات فصدق الرسول عليه السلام منه (وصدقت) من لم يفرق بينهما، وجعل الإيمان هو التصديق جعله مما كرر معناه لاختلاف لفظه تأكيدًا واتباعًا للمعنى، كما قال تعالى:{مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} (3) وقوله: {أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} (4).
(زاد في حديث جرير) بن عبد اللَّه (فذلك) الإشارة إلى جريان لسانه بالصدق؛ لأن اللَّه تعالى أخبر أنه يثبت المؤمنين بكلمتي الشهادة في الدنيا وفي القبر (قول اللَّه عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}) الذي تثبت به الحجة والبرهان في قلب صاحبه فاعتقده، واطمأنت إليه نفسه (الآية) إلى آخرها (ثم اتفقا) يعني: أبا معاوية وجريرًا (قال: فينادي
(1) غافر: 62.
(2)
الحشر: 7.
(3)
البقرة: 159.
(4)
الزخرف: 80.
مناد من) جهة (السماء) ينادي عن اللَّه تعالى (أن صدق عبدي)(أن) هنا تفسيرية بمعنى قوله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا} (1)(أن) تكون مصدرية تقدر هي وما بعدها بالمصدر المجرور. أي: بحرف الجر المحذوف الداخل عليها، ويكون حرف الجر وما بعده علة لما بعده، وحرف الجر اللام. أي: لأن صدق عبدي [والتقدير: لأجل صدق عبدي](2) فيما قاله بلسانه وعقد عليه قلبه.
(فأفرشوه) بألف القطع، وكسر الراء، الأصل: أفرشوا له. فحذف حرف الجر. أي: أعجلوا فراشًا من فرش (الجنة) ولو كان من الثلاثي لكان من حقه أن يروى بألف الوصل.
قال النووي: لم نجد الرواية إلا بالقطع (وافتحوا له بابًا إلى الجنة) ليرى منزلته فيها (وألبسوه) بفتح الهمزة، وكسر الباء، من ألبسه [إذا كساه] (3) لباسًا من لباس الجنة (قال: فيأتيه من روحها) بفتح الراء، هو نسيم الريح (وطيبها) أي: طيب رائحتها العطرة (ويفتح) بضم أوله، وفتح المثناة الفوقانية ثالثه، وفي بعض النسخ:(ويفسح) بالسين المهملة بدل التاء، وهو أظهر من جهة المعنى (له فيها) فيه حذف تقديره: يفتح باب إلى الجنة، وينظر في الجنة (مد بصره) الأصوب أن (مد) منصوب على المصدر أي: فسحًا قدر مد بصره. المد: القدر. يريد أنه يفسح له في الجنة قدر ما ينتهي إليه نظره، وهو تمثيل لسعة ما
(1) الأعراف: 43.
(2)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
(3)
ساقطة من (م).
ينظر في الجنة من أنهارها وأشجارها وثمارها وقصورها وغرفها، وغير ذلك (قال: وإن الكافر. فذكر) كذلك (موته، وتعاد روحه في جسده) يجوز في (تعاد) المثناة فوق وتحت، وهو الصريح في أن روح الكافر إذا خرجت عند موته عادت إلى جسده، ولكن من قعود، وقد روى الحافظ أبو نعيم عن أبي جعفر محمد بن علي، عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "فإذا جاء ملك الموت فقبض روحه، فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده"(1)، "يأتيه ملكان أسودان أزرقان" كما للترمذي (2)(فيجلسانه، فيقولان) له: (من ربك؟ فيقول: هاه هاه) بالقصر وسكون الهاء فيهما، وهي كلمة لا معنى لها، ولكنها كلمة تقال عند تحير المتكلم، وعجزه عن الجواب، وندامته على ما سلف (لا أدري) من ربي (فيقولان له) و (ما دينك؟ ) الذي كنت عليه (فيقول: هاه هاه لا أدري) ما أقول؛ لعظم حيرته وشدة دهشته.
(فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ ) تقدم (فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء أن) تفسيرية أو مصدرية كما تقدم (كذب) أي: جحد بما علم؛ لأنهم يعلمون أن ربهم اللَّه، ولم يقل: عبدي كما تقدم في المؤمن؛ لأن الوصف بالعبودية وإضافتها إلى اللَّه نوع تشريف يختص بالمؤمن دون الكافر.
(فأفرشوه) بهمزة قطع كما تقدم. أي: فراشًا (من النار، وألبسوه) لباسًا (من النار وافتحوا له) من قبره (بابًا إلى النار. قال: فيأتيه من
(1)"حلية الأولياء" 3/ 190.
(2)
"سنن الترمذي"(1071).
حرها) أي: حر لهبها (وسمومها) بفتح السين بوزن رسول هو ريح حرها، ويقال للريح التي تهب بالنهار حارة: سموم. وبالليل: حرور.
(قال: ويضيق) بضم أوله، وفتح ثالثه المشدد (عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه) أي: يتحول كل ضلع عن موضعه الذي كان عليه، وينتقل عنه بشدة العصرة.
و(زاد في حديث جرير) بن عبد الحميد (قال: ثم يقيض) بضم أوله، وفتح القاف، وتشديد الياء المفتوحة. أي: يقدر (له) ويسبب، وأصل الكلمة من القيض، وهو القشر الأعلى من البيض، فقوله: قيض اللَّه لي فلانًا. أي: أباحه لي وسخره حتى استولى عليه استيلاء القيض على البيض (أعمى أبكم) ولفظ أبي داود الطيالسي: "أصم أبكم"(1).
والمراد أنه يقدر له ويوكل بعقوبته من هو أعمى لا عين له حتى يرى عجزه وضعفه وجريان دمعه، و (أصم) لا يسمع صوته وبكاءه فيرحمه ويعطف عليه، و (أبكم): أي: أخرس لا يفهم كلامه.
(معه مرزبة) بتخفيف الباء لا غير، والمحدثون يشددونها، والصواب التخفيف، وإنما تشدد الباء إذا أبدلت الهمزة من الميم، فقيل: إرزبة، وهي مدقة تدق بها الحنطة، ومطرقة للحدادين كبيرة (من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابًا) أو قال:"صار رميمًا" كما للطيالسي (2)(فيضربه ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين) وللطيالسي: "يسمعها الخلائق إلا الثقلين"(3).
(1) و (2)"مسند الطيالسي" 2/ 114.
(3)
السابق.
قال أبو محمد عبد الحق: حدثني الفقيه أبو الحكم بن برجان من أهل العلم والعمل رحمه الله أنهم دفنوا ميتًا بقريتهم من شرق إشبيلية، فلما فرغوا من دفنه قعدوا ناحية يتحدثون ودابة ترعى قريبًا منهم، فإذا الدابة قد أقبلت مسرعة إلى القبر فجعلت أذنها عليه، كأنها تسمع، ثم ولت فارة ثم عادت إلى القبر، فجعلت أذنها عليه كأنها تسمع، ثم ولت فارة كذلك، فعلت مرة بعد أخرى، فذكرت الحديث (1).
وقوله: "إنهم ليعذبون عذابًا تسمعه البهائم"(2)(فيصير ترابًا، قال: ثم تعاد فيه الروح) ثم يضرب بالمرزبة ضربة أخرى هكذا.
[4754]
(ثنا هناد بن السري، ثنا عبد اللَّه بن نمير، ثنا الأعمش، حدثنا المنهال، عن أبي عمر زاذان) الكندي (قال: سمعت البراء) بن عازب (عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه) كما تقدم.
* * *
(1)"العاقبة في ذكر الموت"(ص 247).
(2)
رواه البخاري (6366)، ومسلم (586) من حديث عائشة.