الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 - باب فِي القَدَرِ
4691 -
حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبي حازِمٍ، قالَ: حَدَّثَني بِمِنًى عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ:"القَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هذِه الأُمَّةِ إِنْ مَرِضُوا فَلا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ ماتُوا فَلا تَشْهَدُوهُمْ"(1).
4692 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى عُفْرَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ، عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسٌ وَمَجُوسُ هَذِه الأُمَّةِ الذِينَ يَقُولُونَ: لا قَدَرَ، مَنْ ماتَ مِنْهُمْ فَلا تَشْهَدُوا جَنازَتَهُ، وَمَنْ مَرِضَ مِنْهُمْ فَلا تَعُودُوهُمْ، وَهُمْ شِيعَةُ الدَّجّالِ، وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُلْحِقَهُمْ بِالدَّجّالِ"(2).
4693 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثاهُمْ، قالا: حَدَّثَنا عَوْفٌ، قالَ: حَدَّثَنا قَسامَةُ بْن زُهَيْرٍ، قالَ: حَدَّثَنا أَبُو مُوسَى الأَشْعَري قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَها مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ، فَجاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ، جاءَ مِنْهُمُ: الأَحْمَرُ والأَبْيَضُ والأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، والسَّهْلُ والحَزْنُ والخَبِيثُ والطَّيِّبُ". زادَ في حَدِيثِ يَحْيَى: "وَبَيْنَ ذَلِكَ". والإِخْبارُ في حَدِيثِ يَزِيدَ (3).
4694 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ، قالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ المُعْتَمِرِ يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ أَي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمي،
(1) رواه ابن ماجه (92)، وأحمد 2/ 86، وابن أبي عاصم في "السنة"(338). وحسنه الألباني في "ظلال الجنة" 1/ 149.
(2)
رواه أحمد 5/ 406، والطيالسي (435)، وابن أبي عاصم في "السنة"(329). وضعفه الألباني في "الضعيفة"(5714)، وفي "ظلال الجنة" 1/ 145.
(3)
رواه الترمذي (2955)، وأحمد 4/ 40.
وصححه الألباني في "الصحيحة"(1630).
عَنْ عَليٍّ رضي الله عنه قالَ: كُنّا في جَنازَةٍ فِيها رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ببَقِيِعِ الغَرْقَدِ، فَجاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَلَسَ وَمَعَهُ مِخْضَرَةٌ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِالمِخْصَرَةِ في الأَرْضِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ:"ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ ما مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا قَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكانَها مِنَ النّارِ أَوْ مِنَ الجَنَّةِ إِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً". قالَ: فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: يا نَبي اللَّهِ، أَفَلا نَمْكُثُ عَلَى كِتابِنا وَنَدَعُ العَمَلَ فَمَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ السَّعادَةِ لَيَكونَنَّ إِلَى السَّعادَةِ، وَمَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الشِّقْوَةِ لَيَكونَنَّ إِلَى الشِّقْوَةِ؟ قالَ:"اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمّا أَهْلُ السَّعادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِلسَّعادَةِ، وَأَمّا أَهْلُ الشِّقْوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِلشِّقْوَةِ". ثمَّ قالَ نَبيُّ اللَّهِ: "فَأَمّا مَنْ أَعْطَى واتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمّا مَنْ بَخِلَ واسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى. فَسَنيسِّرُهُ لِلْعُسْرى"(1).
4695 -
حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا كَهْمَسٌ، عَنِ ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قالَ: كانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ في القَدَرِ بِالبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الجُهَني فانْطَلَقْتُ أَنا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَريُّ حاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ، فَقُلْنا: لَوْ لَقِينا أَحَدًا مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فسَأَلْناهُ عَمّا يَقُولُ هؤلاء في القَدَرِ. فَوَفَّقَ اللَّه لَنا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ داخِلًا في المَسْجِدِ فاكْتَنَفْتُهُ أَنا وَصاحِبي، فَظَنَنْتُ أَنَّ صاحِبي سَيَكِلُ الكَلامَ إِلَي فَقُلْت: أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنا ناسٌ يَقْرَءُونَ القُرْآنَ وَيتَفَقَّرُونَ العِلْمَ يَزْعُمُونَ أَنْ لا قَدَرَ والأَمْرُ أُنُفٌ. فَقالَ: إِذا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنّي بَرَيءٌ مِنْهُمْ وَهُمْ بُرَآءُ مِنّي والَّذي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ ما قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالقَدَرِ، ثُمَّ قالَ: حَدَّثَني عُمَرُ بْن الْخطّابِ، قالَ: بَيْنا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ طَلَع عَلَيْنا رَجُلٌ شَدِيدُ بَياضِ الثِّيابِ، شَدِيدُ سَوادِ الشَّعْرِ لا يُرى عَلَيْهِ أَثرُ السَّفَرِ وَلا نَعْرِفُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وقالَ: يا مُحَمَّدُ أَخْبِرْني عَنِ الإِسْلامِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الإِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إله إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتي
(1) رواه البخاري (1362)، ومسلم (2647).
الزَّكاةَ، وَتَصُومَ رَمَضانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا". قالَ: صَدَقْتَ. قالَ: فَعَجِبْنا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ.
قالَ: فَأَخْبِرْني عَنِ الإِيمانِ. قالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ". قالَ: صَدَقْتَ. قالَ: فَأَخْبِرْني عَنِ الإِحْسانِ قالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَراهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فَإِنَّهُ يَراكَ". قالَ: فَأَخْبِرْني عَنِ السّاعَةِ. قالَ: "ما المَسْؤُولُ عَنْها بِأَعْلَمَ مِنَ السّائِلِ". قالَ: فَأَخْبِرْني عَنْ أَماراتِها. قالَ: "أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَها، وَأَنْ تَرى الحُفاةَ العُراةَ العالَةَ رِعاءَ الشّاءِ يَتَطاوَلُونَ في البُنْيانِ". قالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ ثَلاثًا، ثُمَّ قالَ:"يا عُمَرُ هَلْ تَدْري مَنِ السّائِلُ". قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: "فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"(1).
4696 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ عُثْمانَ بْنِ غِياثٍ، قالَ: حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَ: لَقِينا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرْنا لَهُ القَدَرَ وَما يَقُولُونَ فِيهِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، زادَ قالَ: وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ أَوْ جُهَينَةَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ فِيما نَعْمَل أَفي شَيء قَدْ خَلا أَوْ مَضَى أَوْ شَيء يُسْتَأْنَفُ الآنَ؟ قالَ: "في شَيء قَدْ خَلا وَمَضَى". فَقالَ الرَّجُلُ أَوْ بَعْضُ القَوْمِ: فَفِيمَ العَمَلُ؟ قالَ: "إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنَّ أَهْلَ النّارِ يُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ"(2).
4697 -
حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا الفِرْيابي، عَنْ سُفْيانَ قالَ: حَدَّثَنا عَلْقَمَةُ ابْنُ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ بُريدَةَ، عَنِ ابن يَعْمَرَ بهذا الحَدِيثِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، قالَ: فَما الإِسْلامِ؟ قالَ: "إِقامُ الصَّلاةِ وَإِيتاءُ الزَّكاةِ، وَحَجُّ البَيْتِ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضانَ، والاغْتِسالُ مِنَ الجَنابَةِ". قالَ أَبُو داوُدَ: عَلْقَمَةُ مُرْجِئٌ (3).
(1) رواه مسلم (8).
(2)
رواه مسلم (8/ 3).
(3)
رواه ابن خزيمة (1). وانظر الأحاديث السابقة.
4698 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ أَبي فَرْوَةَ الهَمْدانيِّ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبي ذَرٍّ وَأَبي هُرَيْرَةَ قالا كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْري أَصْحابِهِ، فَيَجِيءُ الغَرِيبُ فَلا يَدْري أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ، فَطَلَبْنا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَجْعَلَ لَهُ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الغَرِيبُ إِذا أَتاهُ قالَ: فَبَنَيْنا لَهُ دُكّانًا مِنْ طِينٍ، فَجَلَسَ عَلَيهِ، وَكُنّا نَجْلِسُ بِجَنْبَتَيهِ، وَذَكَرَ نَحْوَ هذا الخَبَرِ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ فَذَكَرَ هَيْئَتَهُ حَتَّى سَلَّمَ مِنْ طَرْفِ السِّماطِ، فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّد. قالَ: فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم (1).
4699 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي سِنانٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ خالِدٍ الحِمْصي، عَنِ ابن الدَّيْلَمي قالَ: أَتَيْتُ أُبَى بْنَ كَعْبٍ، فَقُلْتُ لَهُ: وَقَعَ في نَفْسي شَيء مِنَ القَدَرِ فَحَدِّثْني بِشَيء لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبَي.
فَقالَ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَواتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمالِهِمْ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهبًا في سَبِيلِ اللَّهِ ما قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ ما أَصابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ ما أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هذا لَدَخَلْتَ النّارَ. قالَ: ثمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قالَ: ثُمَّ أَتَيْت حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمانِ فَقالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثابِتٍ فَحَدَّثَني عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ (2).
4700 -
حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُسافِرٍ الهُذَلي، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ ابْنُ رَباحٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ أَبي عَبْلَةَ، عَنْ أَبي حَفْصَةَ قالَ: قالَ عُبادَةُ بْن الصّامِتِ لابْنِهِ: يا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ ما أَصابَكَ لَمْ يَكنْ
(1) رواه النسائي 8/ 101، وإسحاق بن راهويه (165).
وصححه الألباني في "الإرواء" تحت حديث رقم (3).
(2)
رواه ابن ماجه (77)، وأحمد 5/ 185.
وصححه الألباني في "المشكاة"(115).
لِيُخْطِئَكُ وَما أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِنَّ أَوَّلَ ما خَلَقَ اللَّهُ القَلَمَ فَقالَ لَهُ: اكْتُبْ. قالَ: رَبِّ وَماذا أَكْتُبُ؟ قالَ: اكْتُبْ مَقادِيرَ كُلِّ شَيء حَتَّى تَقُومَ السّاعَةُ". يا بُنَي إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ ماتَ عَلَى غَيْرِ هذا فَلَيْسَ مِنِّي"(1).
4701 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ المَعْنَى، قالَ: حَدَّثَنا سُفْيان بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ سَمِعَ طاوُسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ: "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقالَ مُوسَى يا آدَمُ أَنْتَ أَبُونا خَيَّبْتَنا وَأَخْرَجْتَنا مِنَ الجَنَّةِ. فَقالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى اصْطَفاكَ اللَّهُ بِكَلامِهِ وَخَطَّ لَكَ التَّوْراةَ بِيَدِهِ، تَلُومُني عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ عَليَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَني بِأَرْبَعِينَ سَنَةً. فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى". قالَ أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طاوُسٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ (2).
4702 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، قالَ: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني هِشامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مُوسَى قالَ: يا رَبِّ أَرِنا آدَمَ الذي أَخْرَجَنا وَنَفْسَهُ مِنَ الجَنَّةِ، فَأَراهُ اللَّهُ آدَمَ فَقالَ: أَنْتَ أَبُونا آدَمُ؟ فَقالَ لَهُ آدَمُ: نَعَمْ. قالَ: أَنْتَ الذي نَفَخَ اللَّهُ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَعَلَّمَكَ الأَسْماءَ كُلَّها وَأَمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَما حَمَلَكَ عَلَى أَنْ أَخْرَجْتَنا وَنَفْسَكَ مِنَ الجَنَّةِ؟ فَقالَ لَهُ آدَمُ: وَمَنْ أَنْتَ قالَ: أَنا مُوسَى. قالَ: أَنْتَ نَبي بَني إِسْرائِيلَ الذي كَلَّمَكَ اللَّهُ مِنْ وَراءِ الحِجابِ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ رَسُولًا مِنْ خَلْقِهِ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: أَفَما وَجَدْتَ أَنَّ ذَلِكَ كانَ في كِتابِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَفِيمَ تَلُومُني في شَيء سَبَقَ مِنَ اللَّهِ تَعالَى فِيهِ القَضاءُ قَبْلَي؟ ". قالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1) رواه الترمذي (3319)، وأحمد 5/ 317.
وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(2018).
(2)
رواه البخاري (6614)، ومسلم (2652).
عِنْدَ ذَلِكَ: "فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى"(1).
4703 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ أَنَّ عَبْدَ الحَمِيدِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الخَطّابِ أَخْبَرَهُ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسارٍ الجُهَني أَنَّ عُمَرَ ابْنَ الخَطّابِ سُئِلَ عَنْ هذِه الآيَةِ {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} قالَ: قَرَأَ القَعْنَبي الآيَةَ. فَقالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْها فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ آدَمَ ثمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقالَ: خَلَقْتُ هؤلاء لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقالَ خَلَقْتُ هؤلاء لِلنّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ يَعْمَلُونَ". فَقالَ رَجُلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ العَمَلُ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ عز وجل إِذا خَلَقَ العَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمالِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ الجَنَّةَ وَاذا خَلَقَ العَبْدَ لِلنّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمالِ أَهْلِ النّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النّارَ"(2).
4704 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُصَفَّى، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، قالَ: حَدَّثَني عُمَرُ بْن جُعْثُمَ القُرَشي، قالَ: حَدَّثَني زَيْدُ بْن أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُسْلِمِ ابْنِ يَسارٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ رَبِيعَةَ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ بهذا الحَدِيثِ وَحَدِيثُ مالِكٍ أَتَمُّ (3).
(1) رواه الدارمي في "الرد على الجهمية"(294)، وابن أبي عاصم في "السنة"(137)، وأبو يعلى 1/ 209 (243).
وصححه الألباني في "الصحيحة"(1702).
(2)
رواه الترمذي (3075)، والنسائي في "الكبرى"(11190)، وأحمد 1/ 44، ومالك في "الموطأ" 2/ 898 (2).
وضعفه الألباني في "الضعيفة"(3071)، وقال في تعليقه على "الطحاوية" (ص 240): صحيح لغيره، إلا مسح الظهر فلم أجد له شاهدا.
(3)
انظر ما قبله.
4705 -
حَدَّثَنا القَعْنَبي، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَقَبَةَ بْنِ مَصْقَلَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الغُلامُ الذي قَتَلَهُ الخَضِرُ طُبعَ كافِرًا، وَلَوْ عاشَ لأَرْهَقَ أَبَويْهِ طُغْيانًا وَكُفْرًا"(1).
4706 -
حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا الفِرْيابي، عَنْ إِسْرائِيلَ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: حَدَّثَنا أُبَي بْنُ كَعْبٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ في قَوْلِهِ: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} : "وَكانَ طُبعَ يَوْمَ طُبعَ كافِرًا"(2).
4707 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرانَ الرّازي، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: قالَ ابن عَبّاسٍ: حَدَّثَني أُبَي بْن كَعْبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَبْصَرَ الخَضِرُ غُلامًا يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيانِ فَتَناوَلَ رَأْسَهُ فَقَلَعَهُ فَقالَ مُوسَى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} . الآيَةَ (3).
4708 -
حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَري، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ -المَعْنَى واحِدٌ والإِخْبارُ في حَدِيثِ سُفْيانَ-، عَنِ الأَعْمَشِ قالَ: حَدَّثَنا زَيْدُ بْن وَهْبٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ قالَ: حَدَّثَنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصّادِقُ المَصْدُوقُ: "إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِماتٍ فَيُكْتَبُ رِزْقُهُ وَأَجَلُهُ وَعَمَلُهُ، ثُمَّ يُكْتَبُ شَقي أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى ما يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَها إِلَّا ذِراعٌ، أَوْ قِيدُ ذِراعٍ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ فَيَدْخُلُها،
(1) رواه مسلم (2661).
(2)
انظر ما قبله.
(3)
رواه البخاري (122)، ومسلم (2380).
وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ حَتَّى ما يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَها إِلَّا ذِراعٌ، أَوْ قِيدُ ذِراعٍ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُها" (1).
4709 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ قالَ: حَدَّثَنا مُطَرِّفٌ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ قالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يا رَسُولَ اللَّهِ أَعُلِمَ أَهْلُ الجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النّارِ قالَ: "نَعَمْ". قالَ: فَفِيمَ يَعْمَلُ العامِلُونَ قالَ: "كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ"(2).
4710 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قالَ: حَدَّثَني سَعِيدُ بْنُ أَبي أَيُّوبَ، قالَ: حَدَّثَني عَطاءُ بْنُ دِينارٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ شَرِيكٍ الهُذَلي، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الحَضْرَميِّ، عَنْ رَبِيعَةَ الجُرَشيِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنْ عُمَرَ ابْنِ الخَطّابِ، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ:"لا تُجالِسُوا أَهْلَ القَدَرِ وَلا تُفاتِحُوهُمْ"(3).
* * *
باب في القدر
[4691]
(ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم) المديني.
(قال: حدئني بمنى) أي: في منى، وهي على فرسخ من مكة، والغالب عليه التذكير، فيصرف (عن أبيه)(4) سلمة بن دينار المديني
(1) رواه البخاري (6594)، ومسلم (2643).
(2)
رواه البخاري (6596)، ومسلم (2649).
(3)
رواه أحمد 1/ 30، والفريابي في "القدر"(227)، وأبو يعلى 1/ 212 (245)، وابن حبان (79)، والآجري في "الشريعة"(543).
وضعفه الألباني في "المشكاة"(108).
(4)
فوقها في (ل): (ع).
الأعرج.
(عن ابن عمر رضي الله عنهما والحديث منقطع، لأن أبا حازم لم يسمع من ابن عمر، وقد وصله الفريابي في كتاب "القدر" فرواه من طريق زكريا بن منظور، عن أبي حازم عن نافع، عن ابن عمر به (1). وزكريا قال ابن معين: ليس به بأس (2). وبهذا علم خطأ ابن الجوزي في ذكره في "الموضوعات"(3). وقد أخرجه الحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح على شرط الصحيح إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر (4).
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: القدرية مجوس هذِه الأمة) قيل: إنما جعلهم مجوسًا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين وهما النور والظلمة، يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة، وكذا القدرية يضيفون الخير إلى اللَّه والشر إلى الإنسان والشيطان، ومذهب أهل السنة أن اللَّه تعالى خالقهما معًا، فلا يكون شيء منهما إلا بمشيئته وتقديره، فهما مضافان إلى اللَّه خالقهما إيجادًا وإلى الفاعلين لهما عملًا واكتسابًا.
(إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم) أي: فلا تحضروا غسلهم ولا الصلاة عليهم ولا دفنهم، والصلاة عليهم مبنية على أقوال
(1)"القدر"(218).
(2)
"تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (340)، رواية الدوري (1011).
(3)
"الموضوعات" 1/ 451 - 452 (533 - 534) من حديث أبي هريرة.
(4)
"المستدرك" 1/ 85.
تكفيرهم، فمن كفرهم لم يجوز الصلاة عليهم، ومن لم يكفر جوز الصلاة، بل هي فرض كفاية.
وقيل: إنما قال هذا عليه السلام تقبيحًا لاعتقادهم وزجرهم عن هذا الاعتقاد، وليس بنهي للصلاة عليهم. قيل: الصلاة عليهم كالصلاة على غيرهم من الفساق.
[4692]
(ثنا محمد (1) بن كثير) العبدي (أبنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن عمر بن محمد) بن زيد العمري بعسقلان.
(عن عمر) بن عبد اللَّه المدني (مولى غفرة) بضم الغين المعجمة وسكون الفاء. كذا ضبطه شيخنا ابن حجر (2). يقال: أدرك ابن عباس، عامة حديثه مرسل، وثقه ابن سعد (3).
(عن رجل من الأنصار) مجهول (عن حذيفة) بن اليمان رضي الله عنه.
(قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لكل أمة (4) مجوس) ومجوس كلمة فارسية، والواحد منها مجوسي كيهودي من يهود. قال ابن عطية: روي أنه بحث في المجوس نبي اسمه زرادشت (5).
(ومجوس الأمة) الطائفة (الذين يقولون: لا قدر) أي: لم يقدر اللَّه الأشياء في القدم، ولم يتقدم علمه سبحانه بالأشياء قبل وقوعها، بل هي مستأنفة العلم، أي: إنما يعلمها سبحانه بعد وقوعها، وكذبوا
(1) فوقها في (ل): (ع).
(2)
"تقريب التهذيب"(4934).
(3)
"الطبقات الكبرى" القسم المتمم (252).
(4)
ساقطة من (ل).
(5)
"المحرر الوجيز" 6/ 457.
على اللَّه سبحانه وتعالى وجل عن أقوالهم الباطلة علوًّا كبيرًا، ومذهب أهل الحق إثبات القدر، ومعناه أن اللَّه تعالى قدر الأشياء في القدم قبل أن يخلق الخلق وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع لا محالة على حسب ما قدرها سبحانه.
(من مات منهم لا تشهدوا جنازته ومن مرض منهم فلا تعودوهم) وعلى هذا فهو مخصص لعموم حديث: "عودوا المريض"(1) يعني: إلا القدرية (وهم شيعة) بكسر الشين وسكون التحتانية (الدجال) أي: أولياؤه وأعوانه على فتنته، وأصل الشيعة الفرقة من الناس (وحق على اللَّه) أي: محقق عند اللَّه أن يقع لا محالة (أن يلحقهم) أي: يلحق القدرية (بالدجال) في نزول العذاب بهم كما ينزل به لمشابهتهم له في الكذب على اللَّه تعالى.
[4693]
(ثنا مسدد أن يزيد بن زريع ويحيى بن سعيد) القطان.
(حدثاهم قالا: ثنا عوف) بن أبي جميلة، الأعرابي، ثقة، روى له مسلم.
(ثنا قسامة)[بفتح](2) القاف وتخفيف السين المهملة (ابن زهير) المازني، ثقة.
(ثنا أبو موسى الأشعري، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن اللَّه تعالى خلق آدم عليه السلام من قبضة قبضها من جميع) أجزاء (الأرض) ظاهره أنه خلق من الأرض الأولى، وهو خلاف ما ذهب إليه وهب من أنه خلق رأس آدم
(1) رواه البخاري (3046، 5174، 5373، 5649) من حديث أبي موسى الأشعري.
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
من الأولى، وعنقه من الثانية، وصدره من الثالثة، ويده من الرابعة، وبطنه من الخامسة، وفخذاه ومذاكيره وعجزه من السادسة، وساقاه وقدماه من السابعة.
وقال ابن عباس: خلقه اللَّه من أقاليم الدنيا، فرأسه من تربة الكعبة، وقدماه من تربة الدهناء، وبطنه وظهره من تربة الهند، ويداه من تربة المشرق، ورجلاه من تربة المغرب.
وقال غيره: خلق اللَّه آدم من ستين نوعًا من أنواع الأرض: من التراب الأبيض، والأسود، والأحمر، والأصفر.
(فجاء بنو آدم) لأجل ذلك (على قدر) تكون ألوان (الأرض) أي: لونها وطبعها، فيخلق من الحمراء من لونه أحمر، ومن سهلها سهل الخلق ذو اللين والرفق فـ (جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود) والأصفر (و) ما هو (بين ذلك) من سائر الألوان.
قيل: خلق آدم من ستين نوعًا من أنواع الأرض وطبائعها، فلذلك (1) جاءت أولاده مختلفي (2) الألوان والطباع، قيل: ولهذا المعنى أوجب اللَّه في الكفارة إطعام ستين مسكينًا، ليكون بعدد أنواع بني آدم، ليعم الجميع بالصدقة.
(و) جاء منهم (السهل) الخلق من الأرض السهلة (والحزن) بفتح الحاء المهلمة وسكون الزاي، ضد السهولة. أي: جاء غليظ الطبع خشنه ويابسه، من حزن الأرض، وهو الغليظ الخشن، والحزونة:
(1) في (ل): فذلك.
(2)
في (ل): مختلفين.
الخشونة. وفي حديث ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يغير اسم جده حزن ويسميه سهلًا، فأبى وقال: لا أغير اسمًا سمانى به أبى. قال: فما زالت فينا (1) تلك الحزونة بعد (2).
(و) جاء (الخبيث) من الأرض الخبيثة (و) جاء الرجل (الطيب) من الأرض الطيبة، وقد ضرب اللَّه مثل المؤمن والكافر والطيب والخبيث، فمثل المؤمن مثل البلد الطيب الزاكي يخرج نباته. أي: زرعه بإذن ربه سهلًا، والذي خبث مثل الكافر كمثل الأرض السبخة الخبيثة التي لا يخرج نباتها وغلتها إلا نكدًا. أي: عسرًا قليلًا بعناء ومشقة، وكذا المؤمن يعطي العطاء بسهولة كسهولة طبعه، والبخيل لا يعطي إلا بتكلف وتكلف كثير.
(وزاد في حديث يحيى) بن سعيد (و) لفظ (الإخبار) بكسر الهمزة (في حديث يزيد) بن زريع دون يحيى.
[4694]
(ثنا مسدد بن مسرهد، ثنا المعتمر، سمعت منصور بن المعتمر يحدث عن سعد) بسكون العين (ابن عبيدة) بضم العين وفتح الموحدة مصغر (السلمي) الكوفي.
(عن عبد اللَّه (3) بن حبيب) بن ربيعة (أبي عبد الرحمن (4) السلمى) بضم السين وفتح اللام، مقرئ الكوفة.
(1) ساقطة من (م).
(2)
رواه البخاري (6190، 6193).
(3)
فوقها في (ل): (ع).
(4)
فوقها في (ل): (ع).
(عن علي رضي الله عنه: كنا في جنازة فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ببقيع الغرقد) وهي مقبرة بالمدينة أضيفت إلى الغرقد، وهو ما عظم من العوسج لغرقد [كان فيه](1)، فذهب الشجر وبقي الاسم.
(فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجلس ومعه مخصرة) زاد مسلم: وقعدنا حوله (2). والمخصرة بكسر الميم، وهو ما اختصره الإنسان بيده من عصا أو عكازة أو مقرعة أو قضيب.
قال القتيبي: التخصير إمساك القضيب باليد، وكانت الملوك تتخصر بقضبان لها تشير بها وتصل بها كلامهم. قال الشاعر:
إذا وصلوا أيمانهم بالمخاصر (3)
(فجعل ينكت) بالمثناة آخره (بالمخصرة في الأرض) في هذا الحديث سنة حضور الجنائز، وجواز القعود عند القبر وتعليم العلم، والكلام بالمواعظ عند القبور ونكته بالمخصرة؛ لتؤثر في الأرض.
وفيه إشارة إلى إحضار قلب الحاضر معه للمعاني التي ينطق بها.
قال ابن بطال: نكته عليه السلام بالمخصرة في الأرض هو أصل ما أفتى به أهل العلم من تحريك الأصبع في الصلاة للتشهد (4).
وترجم المصنف (5) على هذا الحديث في الجنائز باب موعظة
(1) في (ل)، (م): فيه كان.
(2)
مسلم (2647).
وكذا عند البخاري (1362، 4948).
(3)
نسبه الزمخشري في "أساس البلاغة" 1/ 249 إلى حسان.
(4)
"شرح ابن بطال" 3/ 348.
(5)
البخاري.
المحدث عند القبر (1).
(ثم رفع رأسه) فيه إطراق الرأس حال الجلوس عند القبر.
(فقال: ما منكم من أحد) أو قال (ما من نفس منفوسة) أي: مولودة، يقال: نفست المرأة، ونفست بفتح (2) النون وضمها إذا ولدت، وإذا حاضت فبفتح النون لا غير (إلا) و (قد كتب مكانها) بضم النون، ولفظ البخاري:"ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده"(3)(من النار أو) من (الجنة) فيه الرد على القدرية وثبوت القدر، وأن أعمال العباد قد كتبت وفرغ منها و (إلا قد كتبت شقية أو سعيدة) بنصب (شقية أو سعيدة) ويجوز رفعهما، وهذا الحديث أصل لأهل السنة في أن الشقاء والسعادة خلق اللَّه تعالى، بخلاف قول القدرية الذين يقولون: إن الشر ليس بخلق اللَّه تعالى.
(قال) علي رضي الله عنه (فقال رجل من القوم: يا نبي اللَّه، أفلا (4) نمكث على كتابنا) لفظ البخاري: أفلا نتكل على كتابنا (5). والمراد: أفلا نعتمد على ما في كتاب ربنا مما قدره اللَّه علينا فيه.
(وندع العمل) بما يرضي اللَّه تعالى أو السعي (6) فيه (فمن كان من
(1)"صحيح البخاري"(1362).
(2)
ساقطة من (م).
(3)
"صحيح البخاري"(4945، 4946، 4949، 6605، 7552).
(4)
بعدها في (ل): خـ: أو لا.
(5)
"صحيح البخاري"(1362، 4948، 4949).
(6)
غير واضحة في (ل)، (م).
أهل السعادة ليكونن) [بفتح اللام](1)(إلى) عمل أهل (السعادة، ومن كان منا من أهل الشقوة) بكسر المعجمة (ليكونن إلى الشقوة) يوضحه لفظ الصحيحين: فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة (2) (قال: اعملوا فكل) أحد (ميسر) زاد في الصحيحين: "لما خلق له"(3).
(أما أهل السعادة فييسرون للسعادة) أي: لعمل أهل السعادة (وأما أهل الشقوة فييسرون للشقوة) كما صرحت به الأحاديث (ثم قال) أي: قرأ كما في "الصحيح"(4)(نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}) ماله في سبيل اللَّه ({وَاتَّقَى}) ربه فاجتنب محارمه ({وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)}) بالخلف من اللَّه تعالى لما ينفقه.
وقال جماعة: صدق بالحسنى، بـ (لا إله إلا اللَّه) وقيل: صدق بالجنة، بدليل قوله تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} (5)({فَسَنُيَسِّرُهُ}) أي: سنهيئه في الدنيا ({لِلْيُسْرَى}) وقيل: للخلة اليسرى. وقيل: للعمل بالنفقة في أفعال الخير ({وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ}) بالنفقة في أفعال الخير ({وَاسْتَغْنَى}) عن ربه، فلم يرغب في ثوابه الذي وعده ({وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)}) كما تقدم ({فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)}) أي: للعمل بما لا يرضي اللَّه حتى يستوجب به النار، فكأنه قال: يخذله ويؤديه إلى الأمر
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
(2)
البخاري (1362، 4948)، مسلم (2647).
(3)
البخاري (4949)، مسلم (2647/ 7).
(4)
البخاري (4945، 4948، 4949، 6605)، مسلم (2647).
(5)
يونس: 26.
العسير، وهو العذاب.
[4695]
(ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن معاذ) بن معاذ، شيخ مسلم وغيره (ثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري.
(ثنا كهمس) بفتح الكاف والميم، أبي الحسن التميمي.
(عن) عبد اللَّه (ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر) بفتح الميم، ويقال بضمها، وهو غير مصروف لوزن الفعل والعلمية، قال:(كان أول من تكلم في القدر بالبصرة معبد) بن خالد (الجهني) وكان يجالس الحسن البصري، فسلك أهل البصرة بعد مسلكه، والمراد أول من قال بنفي القدر، فابتدع ذلك وخالف صواب أهل السنة في إثبات القدر الذي قدره اللَّه في القدم (1).
(فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري) بكسر الحاء البصري، أفقه أهل البصرة (حاجين) بفتح الجيم، وجوز الكسر (أو) كانا (معتمرين) بفتح الراء.
(فقلنا: لو لقينا) بسكون الياء (أحذا من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء) القدرية (في القدر) اسم لما صدر مقدرًا عن فعل القادر (فوفق) بفتح الواو والفاء المشددة أي: جعله (اللَّه) وفقا (لنا) وهو من الموافقة، وفي "مسند أبي يعلى الموصلي": فوافق لنا (2). بزيادة ألف. والموافقة: المصادفة.
(1) انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 28/ 244، "سير أعلام النبلاء" 4/ 185.
(2)
لم أقف عليه في "مسند أبي يعلى"، ورواه ابن منده في "الإيمان" 1/ 133 (8).
(عبد اللَّه بن عمر) بن الخطاب (داخلًا في المسجد) للصلاة (فاكتنفته أنا وصاحبي) بكسر الموحدة أي: صرنا في ناحيته، ثم فسره في رواية مسلم فقال: أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله (1). وكنفا الطائر جناحاه. وفي هذا سنة على أدب الجماعة في مشيهم مع فاضلهم، وهو أنهم يكتنفونه ويحفون به.
(فظننت أن صاحبي سيكل الكلام) معه (إليَّ) ومعناه أنه يسكن ويفوض الكلام إليَّ؛ لجرأتي وإقدامي وبسطة لساني، فقد جاء عنه في رواية: لأني كنت أبسط لسانًا (2).
(فقلت) له: يا (أبا عبد الرحمن (3)، إنه قد ظهر قبلنا) بكسر القاف، وفتح الموحدة.
(ناس (4) يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم) بتقديم القاف على الفاء على المشهور، ومعناه يطلبونه ويتبعونه، يقال: اقتفر أثره إذا تتبعه. وقرأها أبو العلاء ابن ماهان بتقديم الفاء وتأخير القاف. أي: إنهم يخرجون غامضه، ويبحثون عن أسراره.
وروي في غير كتاب مسلم: يتقفون. بواو مكان الراء، من قفوت أثره. أي: تتبعته، ومنه القفا، وكلها واضحة المعنى (يزعمون أن لا
(1) مسلم (8).
(2)
رواه ابن منده في "الإيمان"(11)، واللالكائي في "شرح الأصول" 4/ 645 (1037)، والبيهقي في "القضاء والقدر"(186).
(3)
بعدها في (ل)، (م): نسخة يا أبا عبد الرحمن.
(4)
بعدها في (ل)، (م): نسخة: أناس.
قدر، و) أن (الأمر أنف) بضم الهمزة والنون. أي: مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من اللَّه تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه، وأنف كل شيء أوله، ومنه أنف الوجه؛ لأنه أول الأعضاء في السجود، ومنه قوله تعالى:{مَاذَا قَالَ آنِفًا} (1) أي: هذِه الساعة المستأنفة.
(فقال) ابن عمر (إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم) فيه التبرؤ من أهل البدع والفجور (وهم برآء مني) أي: مما أعتقده.
(والذي يحلف به عبد اللَّه بن عمر) هذِه كناية عن الحلف باسم اللَّه، فإنه هو الذي كان يحلف به غالبًا، ولم يتلفظ به إجلالًا لأسماء اللَّه تعالى عن أن تتخذ عرضة لكثرة الأيمان بها (لو أن لأحدهم مثل) جبل (أحد ذهبًا فأنفقه) في سبيل اللَّه (ما قبل اللَّه (2) تعالى منه) شيئًا، وهذا ظاهر في تكفير القدرية الأولى الذين نفوا تقدم علم اللَّه تعالى بالكائنات، والقائل بهذا كافر بلا خلاف، وهؤلاء الذين ينكرون القدر هم الفلاسفة، ويجوز أنه لم يرد بهذا التكفير المخرج عن الملة، فيكون من قبيل كفران النعم، إلا أن قوله:(ما قبل اللَّه منه) ظاهر في التكفير، وأن إحباط الأعمال إنما يكون بالكفر، إلا أنه يجوز أن يقال في المسلم: لا يقبل عمله بمعصيته وإن كان صحيحًا، كما أن الصلاة في الدار المغصوبة والثوب المغصوب صحيحة غير محوجة إلى القضاء، وهي غير مقبولة ولا ثواب فيها على المختار عن أصحابنا، واللَّه أعلم.
(حتى يؤمن بالقدر) خيره وشره (ثم قال: حدثني) أبي (عمر بن
(1) محمد: 16.
(2)
بعدها في (ل): نسخة: قبله اللَّه.
الخطاب رضي الله عنه قال: بينا (1) نحن عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) بينا هذِه هي (بين) الظرفية زيد عليها الألف؛ لتكفها عن عمل الخفض (إذ طلع علينا رجل) إذ هذِه للمفاجأة، كما أن (إذا) في قوله تعالى:{إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (2) للمفاجأة (شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر) فيه لبس البياض لمن لحيته سوداء، كما يلبس السواد من لحيته بيضاء، فإن الشيء يستملح مع ضده.
وفيه دليل على استحباب تحسين الثياب وحسن الهيئة والنظافة؛ للدخول على العلماء والفضلاء والملوك، فإن جبريل أتى في صورة آدمي ليعلم الناس بكلامه ولبسه وهيئته، (لا يرى عليه) قال النووي: ضبطناه بالياء المثناة تحت المضمومة (3). يعني: ورفع (أثر السفر) وضبطه أبو حازم العبدري بالنون المفتوحة يعني: ونصب (أثر) وكذا هو في "مسند أبي يعلى الموصلي"(4) وكلاهما صحيح (ولا نعرفه) بالنون المفتوحة أوله، وهذا يرجح رواية النون في (نرى)(حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه) وروى النسائي هذا الحديث، وزاد فيه زيادة حسنة فقال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم (5) هو حتى يسأل، فبنينا له دكانا من طين يجلس عليه، وإنا لجلوس عنده ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مجلسه إذ
(1) يعدها في (ل)، (م): نسخة: بينما.
(2)
الروم: 48.
(3)
"مسلم بشرح النووي" 1/ 157.
(4)
رواه أحمد 1/ 51، وأبو نعيم في "المستخرج" 1/ 99 (74).
(5)
في (ل)، (م): أهو. والمثبت من "سنن النسائي".
أقبل رجل أحسن الناس وجهًا، وأطيب الناس ريحًا حتى سلم من طرف السماط (1)، فقال: السلام عليكم يا محمد. فرد عليه السلام، فقال: أدنو يا محمد؟ . قال: "ادن" فما زال (2) يقول: أدنو مرارًا ويقول: "ادن" حتى وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم (3). وذكر نحو ما يأتي.
وفيه من الفقه في قوله: (السلام عليكم) فعم، ثم قال:(يا محمد) فخص. وفيه الاستئذان في القرب من الإمام مرارًا وإن كان الإمام في موضع مأذون فيه، وفيه جواز اختصاص العالم بموضع مرتفع من المسجد إذا دعت إلى ذلك ضرورة تعليم، وقد بين فيه أن جبريل وضع يديه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم، فارتفع الإجمال الذي في قوله:(ووضع كفيه على فخذيه) وإنما فعل جبريل ذلك -واللَّه أعلم- ليبين جواز هذا للسائل وتنبيهًا على ما ينبغي للسائل من قوة النفس عند السؤال، وعدم المبالاة بما يقطع عليه خاطره، وعلى ما ينبغي للمسؤول من الصفح عن السائل وإن تعدى بترك الإذن وبيان الإجمال بما ورد في "السنن" من الروايات أولى من غيره، فإن النووي بين إجمال الحديث بأن الرجل الداخل وضع كفيه على فخذي نفسه وجلس على هيئة المتعلم (4). ولو راجع النووي النسائي لما فسر الحديث بغير الرواية الواردة في "السنن".
(1) في هامش (ل): أي: الجماعة.
(2)
في (ل)، (م): بال. والمثبت من "سنن النسائي".
(3)
"المجتبى" 8/ 101.
(4)
"مسلم بشرح النووي" 1/ 157.
(وقال: يا محمد) على ما يناديه الأعراب من البادية، ولعل هذا قبل نزول الآية في قوله:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (1)(أخبرني عن الإسلام قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه) لفظ ابن ماجه: "الإسلام شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت"(2).
(وتقيم) بالنصب (الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا. قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه) سبب تعجبهم أن هذا خلاف عادة السائل الجاهل، إنما هذا كلام خبير بالمسؤول عنه، ولم يكن في ذلك الوقت يعلم هذا غير النبي صلى الله عليه وسلم (ثم قال: أخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله) قال البغوي: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام اسمًا لما ظهر من الأعمال، وجعل الإيمان اسمًا لما بطن من الاعتقاد (3) (واليوم الآخر) الإيمان باليوم الآخر هو التصديق بيوم القيامة وما اشتملت عليه من الإعادة بعد الموت والنشر والحشر والميزان والصراط والجنة والنار (وتؤمن بالقدر) أي: تصدق (4) بسابق القضاء والقدر (خيره وشره).
قال الخطابي: قد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر
(1) النور: 63.
(2)
"سنن ابن ماجه"(63).
(3)
"شرح السنة" 1/ 10.
(4)
في النسخ: تصديق.
إجبار اللَّه سبحانه وتعالى العبد وقهره على ما قدره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمونه، وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم اللَّه سبحانه عما يكون من اكتساب العباد وصدورها عن تقدير منه وخلق لها خيرها وشرها (1).
(قال: صدقت) زاد ابن ماجه: فعجبنا منه يسأله ويصدقه (2).
(قال: فأخبرني عن الإحسان) الألف واللام فيه للعهد الذي ذكر في كتاب اللَّه تعالى كقوله تعالى: {وَأَحْسَنُوا} لأن الإحسان لما تكرر في القرآن وعظم ثوابه سأل عنه جبريل؛ ليعلم الناس حيث لم يعرفوه.
(قال: أن تعبد اللَّه تعالى كأنك تراه) هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم؛ لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه لم يترك شيئًا مما يقدر عليه من الخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به، ومقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه في إتمام الخشوع وغيره، وقد ندب أهل الحقائق إلى مجالسة الصالحين؛ ليكون ذلك مانعًا من تلبسه بشيء من النقائص احترامًا لهم، فكيف بمن لا يزال اللَّه مطلعًا عليه في سره وعلانيته؟ !
(فإن لم تكن تراه فإنه يراك) وهذِه مرتبة دون ما قبلها، وهو أن يغلب على المتعبد أن الحق سبحانه مطلع عليه ومشاهد له في جميع حركاته على ظاهره وباطنه، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)} (3) وهاتان الحالتان ثمرة معرفة اللَّه تعالى
(1)"معالم السنن" 4/ 297.
(2)
"سنن ابن ماجه"(63).
(3)
الشعراء: 218 - 219.
وخشيته، ولذلك فسر الإحسان في رواية أبي هريرة:"أن تخشى اللَّه كأنك تراه"(1) فعبر عن المسبب باسم السبب.
(قال: فأخبرني عن الساعة) أي: عن يوم القيامة (قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) فيه: أنه ينبغي للعالم والمفتي وغيرهما إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم. وأن ذلك لا ينقصه أن يستبدل به على ورعه وتقواه ووفور علمه. وفي قوله: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) زيادة فائدة ليست في: لا أدري، فإن التقدير لا يعلم بها السائل ولا المسؤول بخلاف: لا أدري، فإن فيه نفي علم المسؤول دون السائل (قال: فأخبرني عن أماراتها) بفتح الهمزة، والأمارة بإثبات الهاء وحذفها هي: العلامة (قال: أن تلد الأمة ربتها) فالأمة السرية، وكثرة السراري من علامة الساعة. وفي رواية لمسلم:"ربها"(2) ومعنى: ربها: سيدها، وربتها: مالكتها.
قال أكثر العلماء: هو إخبار عن كثرة السراري وأولادهن من الأسياد، فإن الولد من سيدها بمنزلة سيدها؛ لأن مال الإنسان صائر إلى ولده، وقد يتصرف فيه في الحال تصرف المالكين إما بتصريف اللَّه له بالإذن، وإما بما يعلمه من قرينة الحال أو عرف الاستعمال، وقيل: معناه أن الإماء يلدن الملوك، فتكون أمه من جملة رعيته وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته، وهذا قول إبراهيم الحربي.
وقيل: معناه: أن تبيع السادة أمهات أولادهم، ويكثر ذلك فيتداول
(1) رواه البخاري (50)، ومسلم (9).
(2)
مسلم (9)، وهو عند البخاري (50).
الإملاك المستولدة، فربما يشتريها ابنها أو ابنتها ولا يشعر بذلك (1)، فيصير ولدها ربها (2).
وعلى هذا فالذي يكون من العلامات غلبة الجهل بتحريم أمهات الأولاد والاستهانة بالأحكام الشرعية، وعلى هذا قول من يرى تحريم بيع أمهات الأولاد، وهم الجمهور، ويصح أن يحمل ذلك على بيعهن في حال حملهن، وهو محرم بالإجماع.
وقيل: معنى الحديث أن يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة والسب (3)، ويكثر ذلك إذا تميز الولد بمال كثير اكتسبه (4) وهي فقيرة، أو تعلم علمًا كثيرًا، أو تولى منصب حكم، والأم ليست بتلك الصفة ولا من أهله، ويشهد لهذا المعنى قوله في حديث أبي هريرة:"المرأة". مكان (الأمة)، وقوله عليه السلام:"حتى يكون الولد غيظا"(5).
(وأن ترى الحفاة) جمع حاف، وهو الذي لا يلبس في رجليه شيئًا (العراة) جمع عار، وهو الذي لا يلبس على جسده شيئًا (العالة)
(1) ساقطة من (م).
(2)
انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي 1/ 159.
(3)
"شرح الأربعين النووية" لابن دقيق (ص 31).
(4)
كلمة غير واضحة في الأصول، ولعل المثبت الصواب.
(5)
رواه الطبراني في "الكبير" 10/ 228 (10556)، "الأوسط" 5/ 127 (4861) من حديث ابن مسعود.
وضعف إسناده الحافظ العراقي في "المغني"(1879). وفي الباب عن غيره.
بتخفيف اللام، جمع عائل، وهو الفقير (1)، والعيلة الفقر، وهذِه الأوصاف هي الغالبة على أهل البادية.
ومقصود الحديث الإخبار عن تبدل الحال وتغيره كما سيأتي (رعاء) بكسر الراء وبالمد جمع راع، ويقال فيهم: رعاة، بضم الراء، وزيادة الهاء بلا مد (الشاء) جمع شاة، وهو من الجمع الذي بينه وبين واحده الهاء، كشجر جمع شجرة، وإنما خص رعاء الشاء بالذكر؛ لأنهم أهل البادية كما تقدم، والمراد أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهوا، و (يتطاولون في) ارتفاع (البنيان) وحسن نقشه وتنميقه وتزيينه (2).
ومقصود الحديث أن أضعف أهل البادية وهم رعاة الشاة ينقلب بهم الحال إلى أن يصيروا ملوكًا مع ضعفهم.
ويؤيد هذا حديث: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع"(3) وقد شوهد هذا عيانًا وصدق إخباره صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على كراهية ما لا تدعو الحاجة إليه من تطويل البناء وتشييده، وفي الحديث:"يوجر ابن آدم في كل شيء إلا ما يضعه في هذا التراب"(4).
(ثم انطلق، فلبثت) كذا في الأصول بزيادة تاء المتكلم. وفي مسلم:
(1) في (م): الصغير.
(2)
كلمة غير واضحة في الأصول، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3)
رواه الترمذي (2209)، وأحمد 5/ 389، ونعيم بن حماد في "الفتن" 1/ 203 (554)، وابن بشران في "الأمالي"(283)، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" 4/ 802 (407) من حديث حذيفة.
(4)
رواه البخاري (5672)، ومسلم (2681).
فلبث. بحذفها (ثلاثا) أي: ثلاث ليال. وفي "شرح السنة" للبغوي: بعد ثالثة (1). وهذا بيان لما أجمل في رواية مسلم وغيره: فلبث مليًّا. لكن ظاهر هذا مخالف لرواية مسلم وغيره: ثم أدبر الرجل فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ردوا عليَّ الرجل" فأخذوا يردوه (2)، فلم يروا شيئًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هذا جبريل"(3) فيحتمل الجمع بينهما أن عمر لم يحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم في الحال، بل كان قد قام من المجلس، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين في الحال، وأخبر عمر بعد ثلاث (4).
(ثم قال: يا عمر، تدري من السائل؟ قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) يعني: قواعد دينكم. وفيه أن الإسلام والإيمان والإحسان تسمى كلها دينًا.
[4696]
(ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عثمان بن غياث) الراسبي البصري أخرج له الشيخان (حدثني عبد اللَّه بن بريدة، عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن) الحميري (قالا: لقينا) في المسجد (عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما فذكرنا له القدر وما يقولون) هؤلاء القدرية (فيه، فذكر نحوه) أي: نحو ما تقدم في الحديث، و (زاد) في هذِه الرواية (قال) يحيى بن يعمر (وسأله رجل من مزينة) قبيلة معروفة، ومزينة بنت كلب بن وبرة بن تغلب أم عثمان، وأوس،
(1)"شرح السنة" 1/ 9.
(2)
كذا في الأصول، والجادة: يردونه.
(3)
مسلم (9).
(4)
في (ل)، (م): بلال.
وهي قبيلة كبيرة منها عبد اللَّه بن مغفل -فاعل ومفعول-، المزني، ومغفل والنعمان وسويد بنو مقرن المزني (أو) من قبيلة (جهينة) قبيلة من قضاعة (فقال: يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فيم) أي: في أي شيء (نعمل؟ ! ) لفظ مسلم: فيم العمل اليوم (1)؟ ! . وفي رواية: أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه (2)؟ ! .
ومقتضى هذا السؤال أن جميع ما يقع ويصدر من أعمال الآدميين من أمر الدنيا والآخرة، وما يترتب عليه الثواب (أفي شيء قد خلا أو) قال: قد (مضى أو) في (شيء يستأنف الأن؟ ! ) يعني: هل سبق في علم اللَّه تعالى بوقوعه ومضى، وخلا ونفذت مشيئته، أو ليست كذلك بل أفعالنا مستأنفة صادرة عنا بقدرتنا ومشيئتنا، والثواب والعقاب مرتب عليها بحسبها، وهذا المذهب الثاني هو مذهب القدرية، وقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذا المذهب حيث (قال) بل (في شيء قد خلا) فيما سبق من علم اللَّه تعالى (ومضى) في أزل الآزال وجرت به المقادير، وجفت به أقلام الكتبة في اللوح المحفوظ فقال (فقال الرجل: أو) قال (بعض القوم) الحاضرين (ففيم العمل؟ ) يا رسول اللَّه (قال: إن) من شؤونهم أنهم (من أهل الجنة) في الآخرة، فإنهم (ييسرون) أي: يهيئ اللَّه لهم (لعمل أهل الجنة) وهي أفعال الخير (وإن أهل النار) الذين سبق في علم اللَّه أنهم من أهلها (ييسرون لعمل أهل النار) فطوبى لمن قضى اللَّه له بالخير ويسره [عليه، وويل لمن قضى عليه بالشر
(1) مسلم (2648).
(2)
مسلم (2650).
ويسره] (1) له، فغيب اللَّه عنا المقادير ومكننا من الفعل والترك دفعًا للمقادير، وخاطبنا بالأمر والنهي خطاب المستقلين ولم يجعل التمسك بسابق القدر حجة للمقصرين، ولا عذرا (2) للمعتذرين.
[4697]
(ثنا محمود بن خالد) السلمي الدمشقي، ثبت (ثنا) محمد ابن يوسف (الفريابي)(3) بكسر الفاء وسكون الراء، وفرياب، ويقال: فارياب: مدينة بالترك (عن سفيان) الثوري (ثنا علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن يحيى بن يعمر بهذا الحديث) المذكور، (يزيد) في بعض هذِه الرواية (وينقص) منها (قالس) الرجل الداخل (فما الإسلام؟ ) الألف واللام للعهد الذكري المتكرر في كتاب اللَّه.
(قال: إقام الصلاة، وإيتاء الزكلاة، وحج البيت، وصوم (4) رمضان، والاغتسال من الجنابة) فيه: أن الإسلام لا يختص بالأركان الخمسة، بل منه أداء الخمس من المغنم، ومنه الاغتسال من الجنابة. يعني: والحيض والنفاس، وكذا سائر الطاعات؛ لكونها من كمال الإسلام. (قال: ) المصنف (علقمة) بن مرثد (مرجئ)[بضم الميم](5) أي: ممن يذهب إلى الإرجاء، فهو من المرجئة، وقد اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج به.
[4698]
(ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير) بفتح الجيم (عن أبي
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
(2)
في (ل)، (م): عذر. والمثبت من "المفهم".
(3)
فوقها في (م): (ع).
(4)
بعدها في (ل)، (م): شهر. وفوقها: نسخة.
(5)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
فروة) الأكبر، واسمه عروة بن الحارث (الهمداني) بسكون الميم، أخرج له الشيخان (عن أبي زرعة) قيل: اسمه هرم. وقيل: عبد اللَّه. وقيل: عبد الرحمن (بن عمرو بن جرير) بفتح الجيم، ابن عبد اللَّه البجلي.
(عن أبي ذر) جندب الغفاري (وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهراني) بفتح الظاء والراء، وسكون الياء قال الأصمعي وغيره: يقال: جلس بين ظهريهم وظهرانيهم، بفتح النون، معناه: جلس بينهم. وقال غيره: العرب تضع الاثنين موضع الجمع كما هنا. (أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم) أي بالرفع متعلق عن العمل (هو) رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (حتى يسأل) عنه (فطلبنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) أي: أسعفناه بما يحتاج إليه، وهو (أن نجعل له مجلسًا) يجلس عليه كي (يعرفه الغريب إذا أتاه) ليسأله (قال: فبنينا له دكانًا) وهي الدكة المبنية للجلوس، والنون مختلف فيها، فمنهم من يجعلها أصلًا، ومنهم من يجعلها زائدة، وذكره الجوهري وغيره في (دكن) يدل على أن نونه أصلية، فقال: الدكان واحد الدكاكين، وهي الحوانيت، فارسي معرب (1). (فجلس عليه) فيه: تمييز الأمير والمدرس والمفتي بشيء يعرف به إذا جلس عليه إذا احتيج إلى ذلك (وكنا نجلس بجنبتيه) بفتح الجيم والنون [الموحدة، أي: إلى جانبيه، وجنبة الوادي جانبه، وفي الحديث: "وعلى جنبتي الصراط" (2)](3)(وذكر نحو هذا الخبر المذكور، فأقبل رجل، فذكر هيئته) أي: هيئة الرجل الداخل،
(1)"الصحاح" 5/ 2114.
(2)
في حديث رواه مسلم (195).
(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
ولفظ النسائي: إذ أقبل رجل أحسن الناس وجهًا، وأطيب الناس ريحًا، كأن ثيابه لم يمسها دنس (1). (حتى سلم من طرف السماط) بكسر السين المهملة الجماعة من الناس والنخل، والمراد به في هذا الحديث الجماعة الذين كانوا جلوسًا على جانبيه (فقال: السلام عليكم يا محمد) فيه من الفقه ابتداء الداخل بالسلام على جميع من دخل عليه وإقباله على رأس القوم، فإنه قال:(السلام عليكم) فعم، ثم قال:(يا محمد) فخص (قال: فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم) السلام. فيه أن من خص في سلام الجماعة واحدًا تعين عليه الرد، وفيه: أن من سلم على جماعة فالكبير فيهم أولى بالرد من غيره، وتقدمت زيادة النسائي.
[4699]
(ثنا محمد بن كثير) العبدي (ثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي سنان) سعيد بن سنان الشيباني الكوفي، نزيل الري، وثقه الدارقطني (2)، ومن قبله ابن معين (3)، روى أبو داود الطيالسي عنه، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: يا رسول اللَّه، الرجل يعمل عملًا يسره، فإن أطلع عليه أعجبه. قال:"له أجران: أجر السر، وأجر العلانية"(4). وروي عن أبي حصين، عن
(1)"المجتبى" 8/ 101.
(2)
"سؤلات السلمي" للدارقطني (ص 181 - 182).
(3)
"تاريخ ابن معين" رواية الدوري 4/ 364.
(4)
"مسند أبي داود الطيالسي" 4/ 176 (2552).
ومن طريق أبي داود رواه الترمذي (2384)، وابن ماجه (4226)، والبزار في "البحر الزخار" 15/ 350 (8921). وصححه ابن حبان 2/ 99 (375)، لكن ضعفه الألباني في "الضعيفة"(4344) وغيره.
شقيق، عن حذيفة قال: كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل (1). وقال ابن عدي: له أفراد (2). (عن وهب بن خالد الحمصي) الحميري، ثقة.
(عن) عبد اللَّه بن فيروز (ابن الديلمي) المقدسي، ثقة.
(قال: أتيت أبي بن كعب) بن قيس، أبو المنذر، أقرأ الأمة (فقلت له) قد (وقع في نفسي شيء من) هذا (القدر) زاد ابن ماجه: فخشيت أن يفسد علي ديني وأمري (3)(فحدثني) من ذلك (بشيء لعل اللَّه أن) ينفعني به و (يذهبه من قلبي. فقال: لو أن اللَّه عذب) جميع (أهل سمواته وأهل أرضه) لكان قد (عذبهم وهو غير ظالم لهم) قد يحتج بهذا المذهب أهل السنة في أن للَّه تعذيب المطيع؛ لأن في السماوات ملائكة مطيعين {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (4)، وفي الأرض أولياء مقربون، فلو عذب ملائكته وأولياءه لكان غير ظالم؛ لأنه تصرف في ملكه.
وأنكر المعتزلة ذلك بناء على أصلهم في التقبيح العقلي؛ لئلا يظلمهم. والظلم على اللَّه محال، ويرد عليهم الحديث، وأنه متصرف في ملكه وخلقه عنه، والمستحيل في ملكه يستحيل وصفه بالظلم سبحانه، ولأن الظلم إنما صار ظلما؛ لأنه منهي عنه، ولا يتصور في أفعاله تعالى ما ينهى عنه.
(ولو رحمهم) أي: رحم أهل السماوات والأرض لـ (كانت رحمته
(1) رواه النسائي 3/ 212، والبزار في "البحر الزخار" 7/ 275 (2860).
وأعله ابن طاهر المقدسي في "ذخيرة الحفاظ" 4/ 1887.
(2)
"الكامل في ضعفاء الرجال" 4/ 405.
(3)
"سنن ابن ماجه"(77).
(4)
التحريم: 6.
إياهم) لهم (خيرًا لهم من أعمالهم) أما كون رحمة اللَّه خيرًا من أعمال طائعي الملائكة والأولياء، فلأن أعمال تعبداتهم التي يفعلونها لا تفي بالنعم المؤثرة عليهم من ربهم ناجزًا (1) بل لا تفي بأقلها، وما كان من النعم رحمة من اللَّه، فهو خير من النعم التي هي ثواب أعمالهم، فمن أضل سبيلًا ممن يوجب على اللَّه ثواب أعمال العباد، وهي عوض بما ينجز من النعم، وأما كون رحمة اللَّه خيرا من أعمال العصاة أولي (2) من ذلك، بل ترك العقوبة خير لهم من أعمال معاصيهم (ولو أنفقت مثل) جبل (أحد ذهبًا في سبيل اللَّه ما قبله اللَّه منك حتى تؤمن بالقدر) خيره وشره، تقدم في الحديث قبله.
(وتعلم أن ما أصابك) في دين أو دنيا من خير أو شر أو فرح أو سرور أو سبب من أسباب ذلك (لم يكن ليخطئك) شيء منه؛ لأنه سبق حكمه في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف عام، فهو كائن لا محالة. (وما أخطأك) من رزق أو غيره (لم يكن) في سابق علم اللَّه المكنون قبل خلق الخلق (ليصيبك) منه شيء، يقال: أن لا شيئا تفعل غيره أو حصل له سواه أخطأ، ويكمل هذا المعنى: لا يؤمن أحدكم أو لا يكمل إيمانه حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ومن فهم سر هذا الحديث لم يحزن لمصيبة جاءته أو مكروه أصابه ولا يفرح بمال أصابه أو عز حصل له؛ لأن عدم وقوع ذلك كان ممتنعًا، فالممتنع لا ينبغي أن يحزن على فواته، والواجب
(1) كلمة غير واضحة بالأصول.
(2)
كذا في الأصول: وولي. ولعل المثبت الصواب.
لا يفرح بحصوله الحزن عليه ولا الفرح به، اللهم إلا أن يتعلق بالحزن والفرح سبب شرعي فيفرح لما يصيبه من عبادة ويحزن، فإنه كان من عبادة كان معتادًا لها (ولو مت على غير هذا) العلم الواجب اعتقاده (لدخلت النار) أجارنا اللَّه تعالى منها.
(قال) عبد اللَّه بن الديلمي (ثم أتيت عبد اللَّه بن مسعود) فسألته (فقال مثل ذلك، ثم أتيت حذيفة بن اليمان) فسألته (فقال مثل ذلك، ثم أتيت زيد بن ثابت) فسألته (فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك) فيه: أن ما كان من واجبات الاعتقاد، فينبغي تكرر البحث فيه والسؤال عنه؛ لتزول عنه ظلمة الشكوك، ويستضيء له نور اليقين الذي هو الدين كله.
[4710]
(ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد (1) اللَّه) بن يزيد (أبو عبد الرحمن) المقرئ. (حدثني سعيد بن أبي أيوب) مقلاص، الخزاعيُّ مولاهم (حدثني عطاء بن دينار) الهذلي، وثقه المصنف (عن حكيم بن شريك) المصري، وثق (عن يحيى بن ميمون الحضرمي) قاضي مصر، صالح (عن ربيعة بن الغاز) الجرشي، وقيل: ربيعة بن عمرو، مختلف في صحبته، وهو جد هشام بن الغاز، وكان يفتي الناس زمن معاوية، وقتل بمرج راهط. (عن أبي هريرة، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تجالسوا أهل القدر) هذا الحديث رواه الحاكم (2) وجعله شاهدًا لحديث: "القدرية مجوس هذِه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم"(3)(ولا تفاتحوهم) أي: لا تحاكموهم. وقيل: لا تبدؤوهم
(1) فوقها في (ل): (ع).
(2)
"المستدرك" 1/ 85.
(3)
"المستدرك" 1/ 85.
بالمجادلة والمناظرة في الاعتقاديات؛ لئلا يقع أحدكم في شك، فإن لهم قدرة على المجادلة بغير الحق، والأول أظهر، لقوله تعالى:{رَبَّنَا افْتَحْ} (1) أي: لا ترفعوا الأمر إلى حاكمهم، وقيل: لا تبدؤوهم بالسلام. قال ابن عباس: ما كنت أدري ما قوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك. أي: أحاكمك (2).
[4700]
(ثنا جعفر بن مسافر الهذلي) التنيسي، صدوق (ثنا يحيى بن حسان) التنيسي، أخرج له الشيخان (ثنا الوليد بن رباح) قال الذهبي وغيره: هذا الاسم مقلوب، والصواب: رباح بن الوليد الذماري، وهو صدوق (عن إبراهيم بن أبي عبلة) العقيلي المقدسي، أخرج له الشيخان. (عن أبي حفصة) ويقال: أبي حفص. الحبشي الشامي، اسمه حبيش ابن شريح.
(قال: قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه لابنه: يا بني إنك لن تجد حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك) تقدم في الحديث قبله: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق اللَّه تعالى القلم" وهو الذي يكتب به الذكر، وهو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض، يقال: لما خلق اللَّه القلم -وهو أول ما خلقه- نظر إليه فانشق نصفين.
(1) الأعراف: 89.
(2)
رواه الطبري في "جامع البيان" 6/ 3، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 5/ 1523 (8733)، 8/ 2790 (15782)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 1/ 164 (107).
(قال له: اكتب. قال: رب، وما أكتب؟ ) ظاهره أن هذا القلم ليس هو جمادًا (1) كسائر الأقلام، بل فيه حياة وعقل ولسان يتكلم به (قال: اكتب مقادير كل شيء) لفظ الترمذي. قال: "اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد"(2).
قال ابن عباس: كتب كل ما يكون قبل أن يكون، وكل ما هو كائن (حتى تقوم الساعة) يعني كتب كل ما يكون إلى يوم القيامة. أي: جرى على اللوح المحفوظ بذلك.
(يا بني، إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: من مات على غير)(3) اعتقاد (هذا) الذي ذكرته (فليس مني) أي: ليس على ملتي؛ لما روى الترمذي وابن ماجه عن ابن عباس قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية"(4).
[4701]
(ثنا مسدد، ثنا سفيان، وحدثنا أحمد بن صالح المعنى قالا (5): ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار) أنه (سمع طاوسًا يقول: سمعت أبا هريرة يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احتج آدم وموسى) عليهما السلام زاد مسلم: "عند ربهما"(6) وظاهر هذا اللقاء وهذِه
(1) في (ل)، (م): جماد. بالرفع، والجادة ما أثبتناه.
(2)
"سنن الترمذي"(2155).
(3)
بعدها في (ل): نسخة: خلاف. وجاءت في (م) بعد كلمة: اعتقاد.
(4)
"سنن الترمذي"(2149)، "سنن ابن ماجه"(62).
(5)
كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، والصواب:(قال) كما في "السنن".
(6)
مسلم (2652/ 15).
المحاجة أنهما التقيا بأشخاصهما، وهذا كما تقرر في الأنبياء من إحيائهم بعد الموت كالشهداء، بل هم أولى بذلك، ويجوز أن يكون ذلك لقاء أرواح، وقد قال بكل قول من هذين طائفة من علمائنا، وروى بعضهم هذا الحديث، وزاد فيه أن هذا اللقاء كان بعد أن سأل موسى "فقال: يا رب، أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة. فأراه اللَّه إياه، فقال له: أنت آدم؟ فقال: نعم. . " وذكر الحديث (1).
(فقال موسى: يا آدم، أنت أبونا) وقد (خنتنا) في أكلك من الشجرة التي نهيت عن أكلها، وحصلت الخيانة لأولاده؛ لأن الضرر وصل إلى أولاده بحرمانهم سكن الجنة، وفي بعض النسخ: خيبتنا. وهي رواية مسلم (2). أي: أوقعتنا في الخيبة وهي الحرمان والخسران، وقد خاب يخيب. ومعناه: كنت سبب خيبتنا.
(وأخرجتنا من الجنة) بأكلك من الشجرة (فقال آدم: أنت موسى) الذي (اصطفاك اللَّه) أي: اختارك على أهل زمانك (بكلامه) والمراد تخصيص اللَّه موسى بكلامه له من غير واسطة، وذلك أن من أخذ العلم عن العالم المعظم من غير واسطة أجل رتبة ممن أخذه عن واحد عنه. وفي هذا دليل على فضيلة علو الإسناد في الحديث بقلة الوسائط، فإن أقرب الأسانيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعز رتبة وأجل منزلة من البعيد (وخط لك التوراة بيده) في اليد المذهبان المذكوران في مواضع: أحدهما: الإيمان بها ولا يتعرض لتأويلها مع أن ظاهرها غير
(1) الحديث الآتي.
(2)
مسلم (2652). وهي عند البخاري (6114).
مراد؛ لأن اللَّه منزه عن الجارحة.
والثاني: تأويلها على القدرة كما تقدم (1).
أ (تلومني على أمر قدره اللَّه تعالى علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة) المراد بالتقدير هنا الكتابة في اللوح المحفوظ أو في صحف التوراة وألواحها. أي: كتبه عليَّ قبل خلقي بأربعين سنة، ولا يصح أن يراد به حقيقة القدر، فإن علم اللَّه وما قدره على عباده وأراده من خلقه أزلي لا أول له ويستحيل تقديره بالزمان، إذ الحق سبحانه بصفاته القديمة موجود ولا زمان ولا مكان، وهذِه (الأربعين) تقديرية، فإن الزمان
(1) ما ذكره المصنف من أن معنى (اليد) فيه مذهبان، نقول: كلاهما خطأ سواء الأول أو الثاني.
أما الأول: فإنه يُقصد به أن التأويل هو ترك التعرض للمعنى، وهو خطأ؛ لأن المعروف من مذهب الصحابة والسلف الصالح وخلفهم ومن بعدهم أنهم يفوضون الكيفية لا المعنى، فيقولون في صفات اللَّه -كصفة اليد مثلًا- نثبتها للَّه عز وجل على ظاهرها مع عدم التعرض لكيفيتها، وتنزيه اللَّه عز وجل من مشابهة الخلق، ولذلك فإن اللَّه عز وجل قد ذى في كتابه ما يُرد به على المعطلة والمشبهة في قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
أما الثاني: فهو مذهب الأشاعرة ومن تبعهم من المبتدعة أمثالهم، وهو باطل، ونقول لهم:(قل ءأنتم أعلم أم اللَّه).
وقد توافرت الأدلة على إثبات صفة اليد للَّه عز وجل، فقد أطال وأفاد وأجاد الإمام الحافظ إمام الأئمة وشيخ الإسلام: ابن خزيمة رحمه الله في كتابه "التوحيد"(ص 53) من إثبات صفة اليد للَّه عز وجل، فانظرها هناك فإنه كاف شاف.
وانظر أيضًا ما كتبه شيخ الحنابلة وإمام المجتهدين ابن قدامة المقدسي في كتيبه -صغير الحجم عظيم النفع- المسمى بـ "لمعة الاعتقاد" فإنه جمع فيه دررًا من عقيدة السلف في الأسماء والصفات، وباللَّه التوفيق.
الذي يعبر عنه بالسنين والأيام إنما هو راجع إلى أعداد حركات الأفلاك وسير الشمس والقمر في المنازل والبروج السماوية.
(فحج آدم) بالرفع موسى عليهما السلام أي: غلبه بالحجة؛ لأنه أعتذر بما سبق له من القدر عما صدر منه من المخالفة، وقبل عذره، وقامت بذلك حجته، لكن لو صح هذا للزم عليه أن يحتج به كل من عصى، يعتذر بذلك فبقي عذره وبقيت حجته، فحينئذ يكون للعصاة على اللَّه الحجة، وهو مناقض لقوله تعالى:{فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} (1) وقد اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، فقيل: إنما غلبه آدم بالحجة؛ لأن آدم أب وموسى ابن [ولا يجوز](2) لوم الابن أباه وعتبه وهو بعيد.
وقيل: إنما كان ذلك لأن موسى كان قد علم من التوراة أن اللَّه تعالى قد جعل تلك الأكلة سبب إهباطه من الجنة وسكناه الأرض ونشر نسله فيها؛ ليكلفهم ويمتحنهم ويريد على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي، وهذا إبداء حكمة تلك الأكلة.
وقيل: إنما توجهت حجته عليه لأنه قد علم من التوراة بأن اللَّه تاب عليه واجتباه وأسقط عنه اللوم والعتب، فلوم موسى وعتبه له مع علمه بأن اللَّه قدر المعصية وقضى بالتوبة وبإسقاط اللوم والمعاتبة حتى صارت المعصية كأن لم تكن وقع في غير محله، فكان هذا من موسى نسبة جفاء مع أبيه في حال صفاء، كما قال بعض أهل الإشارات: ذكر
(1) الأنعام: 149.
(2)
ساقطة من الأصول، والمثبت من "المفهم".
الجفاء في حالة الصفاء جفاء. وهذا أشبه الوجوه.
(قال أحمد بن صالح) شيخ المصنف (عن عمرو) بن دينار (عن طاوس) بأنه (سمع أبا هريرة رضي الله عنه).
[4702]
(ثنا أحمد بن صالح، ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، أخبرني هشام ابن سعد) القرشي المدني مولًى لآل أبي لهب بن عبد المطلب، أخرج له مسلم في مواضع (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب (عن أبيه) أسلم بن (1) خالد، مولى عمر بن الخطاب، كان من سبي عين التمر، ابتاعه عمر بن الخطاب بمكة.
(أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن موسى عليه السلام قال: يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا و) أخرج (نفسه) بالنصب (من الجنة) المراد بهذِه الجنة جنة الخلد وجنة الفردوس التي هي دار الجزاء في الآخرة، وهي موجودة من قبل آدم. هذا مذهب أهل الحق.
(فأراه اللَّه تعالى) إياه (آدم عليه السلام فقال) له (أنت أبونا آدم؟ ! ) فيه: تسمية جد الجد أبًا مجازًا (فقال له آدم: نعم) أنا أبوكم (قال أنت الذي نفخ اللَّه فيك من روحه) يحتمل أن تكون (من) زائدة على المذهب الكوفي و (نفخ) بمعنى: خلق. أي: خلق فيك روحه، وأضاف الروح إليه تخصيصًا وتشريفًا كما قال:{بَيْتِيَ} ويحتمل تأويلًا آخر والتسليم للمتشابهات أسلم وهي طريقة السلف الصالح (وعلمك الأسماء كلها) أي: علمه أسماء الأشياء جميعها جليلها وحقيرها، حتى القصعة والقصيعة، فهو أول من تكلم باللغات، وأول من تكلم بالعربية من الملائكة جبريل،
(1) كذا في النسخ، والصواب:(أبو)، انظر:"تهذيب الكمال" 2/ 529 (407).
ومن أولاد إبراهيم إسماعيل عليه السلام، تكلم بها وهو ابن عشر سنين.
(وأمر الملائكة فسجدوا لك؟ ! ) مستقبلين وجهك بالسجود، فإن السجود لا يكون إلا للَّه تعالى، وإنما أمروا بالسجود له معاقبة لهم على قولهم:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} (1).
(قال: نعم. قال: فما حملك على أن أخرجتنا و) أخرجت (نفسك من الجنة؟ ) أي: كنت السبب في إخراجنا وإخراجك من الجنة التي هي دار النعيم المقيم.
(فقال له آدم: ومن) هو (أنت؟ قال: أنا موسى) بن عمران (قال: أنت نبي بني إسرائيل) وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، سمي بذلك لأنه أسرى ذات ليلة حين هاجر إلى اللَّه، فمعنى إسرائيل: سر إلى اللَّه (الذي كلمك اللَّه تعالى من وراء حجاب) يريد أنه كلمه بكلام يسمعه من حيث لا يراه كما يرى سائر المتكلمين وليس ثم حجاب يفصل موضعًا من موضع، فيدل ذلك على تحديد المحجوب، فهو بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب حيث لم ير المتكلم.
و(لم يجعل بينك وبينه رسولًا من خلقه؟ ) أي: لم يكلمك برسالة ملك من الملائكة بينك وبينه (2) كما في غيرك (قال: نعم. قال: أفما وجدت) هذا استفهام تقرير (أن ذلك) الذي ذكرته (كان) مقدرًا علي (في كتاب اللَّه) يعني: التوراة (قبل أن أخلق؟ ! ) وكان موسى قد علم من التوراة أن اللَّه قد جعل تلك الأكلة سبب إهباطه من الجنة وسكناه
(1) البقرة: 30.
(2)
في (ل، م): وبينك. والصواب ما أثبتناه.
الأرض (قال: نعم) وجدت ذلك.
(قال: فلم (1) تلومني في شيء سبق من اللَّه تعالى فيه القضاء) والتقدير (قبلي)(2). أي: قبل أن أوجد أو يوجد أحد من خلق اللَّه (قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند ذلك: فحج آدم موسى فحج آدم موسى عليهما السلام فيه: إعادة الكلام؛ ليكون أبلغ في الإعلام.
[4703]
(ثنا) عبد اللَّه بن مسلمة بن قعنب (القعنبي، عن مالك، عن زيد بن (3) أبي أنيسة) الرهاوي، شيخ الجزيرة (أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار) وهو مسلم بن أبي مريم المدني، أخرج له الشيخان (4) (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذِه الآية:({وَ}) أذكر ({وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ}){مِنْ ظُهُورِهِمْ} بدل من {بَنِي آدَمَ} المعنى: (5){وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قال سعيد بن جبير: لما خلق اللَّه آدم مسح ظهره فأخرج من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة.
(1) بعدها في (ل، م): نسخة: فيم.
(2)
بعدها في (ل، م): نسخة: قبل.
(3)
فوقها في (ل): (ع).
(4)
كذا قال رحمه الله وهو خطأ؛ فمسلم بن يسار هذا رجل جهني يروي عن عمر، وابن أبي مريم رجل آخر، اسم أبي مريم: يسار المري، مولى الأنصار، وقيل: مولى بني سليم، وقيل: مولى بني أمية، يروي عن سعيد بن المسيب وغيره، وهو الذي أخرجه له الشيخان، لا مسلم بن يسار الجهني المذكور في إسنادنا هذا.
انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 541 (5944)، 27/ 556 (5951).
(5)
ساقطة من (م).
(قال) المصنف (قرأ) عبد اللَّه (القعنبي) هذِه (الآية) وقال (فقال عمر) ابن الخطاب (سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سئل عنها) أي: عن هذِه الآية (فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن اللَّه تعالى خلق آدم عليه السلام ثم مسح ظهره بيمينه) في اليمين المذهبان المتقدمان في اليد (فاستخرج منه) أي: من صلبه بدليل قوله تعالى {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} (1)(ذرية) قال مقاتل: إن اللَّه مسح صفحة ظهر آدم اليمنى، فأخرج منه ذرية بيضاء كهيئة الذر يتحركون.
(فقال: خلقت هؤلاء للجنة) أي: ليكونوا من أهل الجنة (وبعمل أهل الجنة يعملون) أي: ييسرون لعمل أهل الجنة (ثم مسح) صفحة (ظهره) اليسرى (فاستخرج منه ذرية) سوداء كهيئة الذر (فقال: خلقت هؤلاء للنار) ولا أبالي (وبعمل أهل النار) وهي المعاصي (يعملون) لا يجدون عنه محيصًا.
(فقال رجل: يا رسول اللَّه، ففيم العمل؟ ) هذا السؤال هو الذي تضمنه قوله: أفلا نمكث على كتاب ربنا وندع العمل؟ (فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن اللَّه تعالى إذا خلق العبد) السعيد (للجنة) كما سبق في أم الكتاب (استعمله) أي: هيأ له أفعال الخير وخلق له قدرة على الطاعة، فيعمل (بعمل أهل الجنة حتى يموت) وهو (على عمل من أعمال أهل الجنة) فيه: أنه ليس للجنة عمل واحد لا يدخلها إلا من عمل به، بل لها أعمال متعددة من صلاة، وصوم، وحج، وجهاد، وغير ذلك، لكن الظاهر أن للجنة أبوابًا (2) مشتركة وأبوابا (3) مختصة
(1) الطارق: 7.
(2)
في (ل، م): أبواب. والصواب ما أثبتناه.
(3)
في (ل، م): أبواب. والصواب ما أثبتناه.
بأعمال منها: باب يقال له: الريان لا يدخل منه (1) إلا الصائمون، وباب لا يدخل منه إلا التائبون ونحو ذلك (فيدخل به (2) الجنة) برحمته لا بعمله (وإذا خلق) اللَّه (العبد) الشقي (للنار استعمله) في دنياه (بعمل أهل النار) لا يتعدى ما كتب له (حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار) وللنار أعمال كثيرة كما للجنة، ولها أبواب مختصة ومشتركة كما للجنة (فيدخله) بضم الياء ونصب اللام. أي: يدخله بعمله (النار) جزاء له.
[4704]
(ثنا محمد بن المصفى) بن بهلول القرشي الحمصي. قال أبو حاتم: صدوق (3). وقال النسائي: صالح (4).
(ثنا بقية) بن الوليد (حدثني عمر بن حفص (5) القرشي، حدثني زيد بن أبي أنيسة) تقدم، وما بعده (عن عبد الحميد بن عبد الرحمن) بن زيد بن الخطاب (عن مسلم بن يسار، عن نعيم بن ربيعة) الأزدي. قال الحافظ ابن حجر: مقبول. من كبار التابعين (6). انتهى.
وقد وصلت هذِه الرواية الانقطاع الذي في الإسناد الذي قبله بين مسلم بن يسار وبين عمر بن الخطاب، فإنه لم يسمع منه شيئًا (قال: كنت عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهذا الحديث).
قال المصنف: (وحديث مالك أتم) من حديث عمر بن جعثم.
(1) في (م): يدخله.
(2)
بعدها في (ل، م): نسخة: يدخله.
(3)
"الجرح والتعديل" 8/ 104.
(4)
"تهذيب الكمال" 26/ 465 (5613).
(5)
كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، والصواب:(جعثم)، انظر "تهذيب الكمال" 21/ 287 (4209).
(6)
"تقريب التهذيب"(7169).
[4705]
(ثنا) عبد اللَّه (القعنبي، ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي، نزل فيهم بالبصرة، أحد السادة، ومناقبه جمة (عن رقبة) بقاف وموحدة مفتوحتين (ابن مصقلة) العبدي الكوفي، أخرج له الشيخان (عن أبي إسحاق)(1) عمرو بن عبد اللَّه السبيعي الهمداني.
(عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرًا) قال القاضي عياض: هذا حجة بينة لأهل السنة لصحة مذهبهم في الطبع والرين والأكنة والأغشية والحجب، وأشباه هذِه الألفاظ الواردة في الشرع على أفعال اللَّه بقلوب (2) أهل الكفر والضلال، ومعنى ذلك عندهم خلق اللَّه تعالى ضد الإيمان وضد الهدى، هذا على أصل أهل السنة أن العبد لا قدرة له إلا ما أراده اللَّه تعالى، خلافًا للمعتزلة والقدرية القائلين بأن للعبد فعلًا من قبل نفسه وقدرة على الهدى والضلال، والخير والشر (3). وقد يحتج بهذا من يقول: أطفال الكفار في النار، والثاني: يتوقف عن الكلام فيه، والصحيح أنهم في الجنة، ويقولون في جواب هذا الحديث: معناه: علم اللَّه لو بلغ لكان كافرًا.
(ولو عاش لأرهق أبويه) أي: لو عاش حتى أدرك أبويه لأرهقهما (طغيانًا وكفرًا) أي: حملهما عليهما وألحقهما بهما، والمراد بالطغيان هنا الزيادة في الضلال، وهذا الحديث من دلائل أهل الحق في أن اللَّه
(1) فوقها في (ل): (ع).
(2)
مكانها بياض في (م).
(3)
"إكمال المعلم" 7/ 374 - 375.
تعالى عالم بما كان [وبما يكون](1) وبما لا يكون لو كان كيف كان يكون.
[4706]
(ثنا محمود بن خالد) بن يزيد الدمشقي السلمي. قال أبو حاتم: ثقة رضا (2). (ثنا) محمد بن يوسف (الفريابي) بكسر الفاء (عن إسرائيل، ثنا أبو إسحاق) السبيعي (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، ثنا أبي بن كعب رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ}) وكان الولد (طبع يوم طبع) أي: خلق يوم خلق. وفي الحديث: "كل الخلال يطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب"(3) والطباع ما ركب في الإنسان من جميع الأخلاق التي لا يكاد يزاولها من الشر والخير والكفر وغيره (كافرًا) فلو عاش لحمل أبويه على الطغيان وغيره بالعقوق وسوء صنيعه.
[4707]
(ثنا محمد بن مهران) بكسر الميم (الرازي) أبو جعفر شيخ الشيخين (ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو) بن دينار (عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: حدثني أبي بن كعب رضي الله عنهم، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: أبصر الخضر غلاما يلعب مع الصبيان فتناول رأسه فقطعه)(4) ظاهره أنه
(1) ساقطة من (م).
(2)
"الجرح والتعديل" 8/ 292 (1342).
(3)
رواه أحمد 5/ 252، وابن أبي عاصم في "السنة"(114) من حديث أبي أمامة.
وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب"(1748).
ورواه أبو يعلى في "المسند" 2/ 67، وفي "المعجم"(167)، والبيهقي في "السنن" 10/ 197، وفي "الشعب" 4/ 207 (4809)، والضياء في "المختارة" 3/ 258 (1062) من حديث سعد بن أبي وقاص.
وهذا أصح من سابقه؛ قال الحافظ في "الفتح" 10/ 508: إسناده قوي.
(4)
بعدها في (ل)، (م): نسخة: فقلعه.
اقتلعه من جسده بغير حديدة ولا آلة (فقال موسى عليه السلام: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً}) قرئ: {زَكِيَّةً} و (زاكية)، وهي الطاهرة من الذنوب؛ لأنه لم يبلغ الحنث أو لأنه لم يره أذنب (الآية) إلى آخرها.
[4708]
(ثنا حفص بن عمر النمري) بفتح الميم، الحوضي (ثنا شعبة، وثنا محمد بن كثير) العبدي (ثنا سفيان) الثوري (المعنى واحد، والإخبار) بكسر الهمزة (في حديث سفيان عن الأعمش، قال: ثنا زيد ابن وهب) الجهني، هاجر ففاتته رؤية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأيام (ثنا عبد اللَّه ابن مسعود رضي الله عنه، ثنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو الصادق) في قوله (المصدوق) فيما يأتي به من الوحي الكريم.
(إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا) يعني: أن المني يقع في الرحم حين انزعاجه بالقوة الشهوانية الدافعة مبثوثا متفرقا، فيجمعه اللَّه في محل الولادة من الرحم في مدة أربعين يومًا، وقد جاء في حديث ابن مسعود تفسير (يجمع في بطن أمه) أن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد اللَّه أن يخلق منها بشرًا طارت في بشر المرأة تحت كل ذي ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين يومًا، ثم تصير دمًا في الرحم، فذلك جمعها بعد التفرق.
(ثم يكون علقة مثل ذلك) والعلق: الدم الجامد (ثم يكون مضغة) وهو قدر ما يمضغه الماضغ من لحم أو غيره (مثل ذلك) أي: يجتمع حتى يصير مضغة في قدر أربعين يومًا (ثم يبعث) اللَّه (إليه ملك) بفتح اللام، وهو الموكل بالرحم، كما في حديث أنس أن اللَّه قد وكل بالرحم ملكًا (1). (فيؤمر بأربع كلمات) ظاهره أن الملك يؤمر بأن
(1) رواه البخاري (318)، ومسلم (2646).
يكتب الأربع كلمات، ثم الأربع التي يكتبها.
(فيكتب) بفتح التحتانية وضمها مبني للفاعل أو المفعول (رزقه وأجله وعمله) هذِه ثلاثة (ثم يكتب) بفتح التحتانية وضمها مبني للفاعل أو المفعول (شقي أو سعيد) وكتابة هذِه الأربع لا تكون إلا بعد أن يسأل الملك عن ذلك، فيقول: يا رب ما الرزق؟ ما الأجل؟ ما العمر؟ وهل شقي أو سعيد؟ وقد روى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة [عن داود](1)، عن عامر، عن علقمة، عن ابن مسعود، وعن ابن عمر أن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه، فقال: أي رب أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ ما الأجل؟ ما الأثر؟ بأي أرض تموت؟ فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب فإنك تجد قصة هذِه النطفة، فينطلق فيجد قصتها في أم الكتاب، فتلحق فتأكل رزقها، وتطأ أثرها، فإذا جاء (2) أجلها قبضت فدفنت في المكان الذي قدر لها.
(ثم ينفخ فيه الروح) بعد أن تتشكل المضغة بشكل ابن آدم وتتصور بصورته كما قال تعالى: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} (3) فنفخ الروح هو المعني بقوله: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} (فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة) ظاهر الحديث أن عمله هذا يكون صحيحًا يقرب صاحبه إلى الجنة بسبب العمل (حتى يشرف) عليها و (ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو قيد) بكسر القاف. أي؟ قدر (ذراع فيسبق عليه) القدر الذي في (الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) فالأعمال بالسوابق لكن السابقة مستورة عنا والخاتمة ظاهرة.
(1) و (2) ساقطة من (م).
(3)
المؤمنون: 14.
قال القرطبي: هذا العامل المذكور لم يكن عمله صحيحًا في نفسه، وإنما كان رياءً وسمعة، ولهذا جاء في رواية البخاري في غزوة خيبر (1): إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار (2). (حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع أو قيد ذراع) المراد بالذراع التمثيل للقرب من موته ودخول عقبيه إلى تلك الدار، والمراد أن هذا الحديث قد يقع في النادر من الناس لا أنه الغالب فيهم، ومن لطف اللَّه [أن](3) انقلاب الناس من الشر إلى الخير كثير، ومن الخير إلى الشر في غاية الندور، ويستفاد من هذا الحديث الاجتهاد في الإخلاص والتحرز من الرياء، وترك العجب بالأعمال، والركون إليها خوفًا من سوء الخاتمة.
(فيسبق عليه الكتاب) من اللوح المحفوظ (فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) أي: فيموت وهو على عمل أهل النار فيدخلها بعمله الذي ختم له به.
[4709]
(ثنا مسدد، ثنا حماد بن زيد، عن يزيد) بن أبي يزيد الضبعي (الرشك) بكسر الراء هو بالفارسية ومعناه القسام، كان يقسم الدور، ومسح مكة قبل أيام الموسم فبلغ كذا، ومسح أيام الموسم فإذا قد زاد كذا (4)(أبنا مطرف، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يا رسول اللَّه) وفي بعض النسخ بحذف: (يا رسول اللَّه)
(1)"صحيح البخاري"(4202، 4207).
(2)
"المفهم" 6/ 653 - 654.
(3)
زيادة يقتضيها السياق.
(4)
انظر: "الجرح والتعديل" 9/ 297.
(أعلم) بفتح همزة الاستفهام، وضم العين، وكسر اللام، مبني للمجهول؛ لكونه معلومًا للسامع، وفيه حذف تقديره: أعلم اللَّه تعالى من هو من (أهل الجنة) ممن هو (من النار؟ قال: نعم) ولفظ مسلم كلفظ المصنف (1)، ولفظ البخاري: قال رجل: يا رسول اللَّه، أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ وبوب عليه باب جف القلم على علم اللَّه وقوله تعالى:{وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} (2) وقال أبو هريرة: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "جف القلم بما أنت لاق" وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (3) أي: سبقت لهم السعادة (4).
وفي هذا الحديث وما معه من النصوص إدحاض حجة القدرية أنه قد سبق علم اللَّه تعالى بكل ما يعمله الآدميون من أهل الجنة الذين تمسكوا بالطاعة، ومن أهل النار الذين تمسكوا بالكفر والمعصية، وأخبر اللَّه أنه قد فرغ من الحكم على كل نفس، وكتب القلم كل ما يصير إليه العبد من خير أو شر في أم الكتاب، وجف مداده على المقدور من علم اللَّه، فمنهم من هداه اللَّه على علم به، ومنهم من أضله على علم به، وعرف كل ما يصير إليه أمره، وبين اللَّه ذلك في كتابه حيث يقول:{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} (5) فعرفنا أنه كان بنا عالمًا حين خلق آدم من طينة الأرض المختلفة كما تقدم، وأحاط علمًا بما يقع من تلك الطينة لكل شخص من أشخاص أولاده إلى يوم
(1) مسلم (2649).
(2)
الجاثية: 23.
(3)
المؤمنون: 61.
(4)
البخاري (6596) وما قبله.
(5)
النجم: 32.
القيامة.
(قال: ففيم) ولفظ البخاري: فلم (1). ولمسلم قال: قيل: ففيم (2)(يعمل العاملون؟ ) أي: لأي شيء يعمل العاملون؛ ولأي شيء يجتهد المجتهدون؟ ولم لا يدعون العمل ويتكلون على ما سبق لهم؟ فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم هذا و (قال: ) بل يعمل (كل) أحد، فكل امرئ (ميسر لما خلق له) من خير أو شر.
قال المهلب: فيه حجة لأهل السنة على المجبرة من أهل القدر، وذلك قوله:"اعملوا فكل ميسر لما خلق له" من عمله الخير أو الشر (3).
* * *
(1) البخاري (6596).
(2)
مسلم (2648).
(3)
انظر: "شرح ابن بطال" 10/ 300.