المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌12 - باب في شكر المعروف - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ١٨

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌20 - باب دِياتِ الأَعْضاءِ

- ‌21 - باب دِيَةِ الجَنِينِ

- ‌22 - باب فِي دِيَةِ المُكاتَبِ

- ‌23 - باب فِي دِيَةِ الذِّمّيِّ

- ‌24 - باب في الرَّجُلِ يُقاتِلُ الرَّجُلَ فَيَدْفَعُه عَنْ نفْسِهِ

- ‌25 - باب فِيمَنْ تَطَبَّبَ ولا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَأَعْنَتَ

- ‌26 - باب فِي دِيَةِ الخَطَإِ شِبْهِ العَمْدِ

- ‌27 - باب فِي جِنايَةِ العَبْدِ يَكُونُ لِلْفُقَراءِ

- ‌28 - باب فِيمَنْ قَتَلَ في عِمِّيّا بَيْنَ قَوْمٍ

- ‌29 - باب فِي الدَّابَّةِ تَنْفَحُ بِرِجْلِها

- ‌30 - باب العَجْماءُ والمَعْدِنُ والبِئْرُ جُبارٌ

- ‌31 - باب فِي النّارِ تَعَدَّى

- ‌32 - باب القِصاصِ من السِّنِّ

- ‌كتاب السنة

- ‌1 - باب شَرْحِ السُّنَّةِ

- ‌2 - باب النَّهْي عَنِ الجِدالِ واتِّباعِ مُتَشابِهِ القُرْآنِ

- ‌3 - باب مُجانَبَةِ أَهْلِ الأَهْواءِ وَبُغْضِهِمْ

- ‌4 - باب تَرْكِ السَّلامِ عَلَى أَهْلِ الأَهْواءِ

- ‌5 - باب النَّهْى عَنِ الجِدالِ في القُرْآنِ

- ‌6 - باب في لُزُومِ السُّنَّةِ

- ‌7 - باب لُزُوم السُّنَّةِ

- ‌8 - باب فِي التَّفْضِيلِ

- ‌9 - باب فِي الخُلَفاءِ

- ‌10 - باب فِي فَضْلِ أَصْحاب رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب فِي النَّهْي عَنْ سَبِّ أَصْحابِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب في اسْتِخْلافِ أَبي بكْرٍ رضي الله عنه

- ‌13 - باب ما يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الكَلامِ في الفِتْنَةِ

- ‌14 - باب فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الأَنْبِياءِ علَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ

- ‌15 - باب فِي رَدِّ الإِرْجاءِ

- ‌16 - باب الدَّلِيلِ عَلى زِيادَةِ الإِيمانِ وَنُقْصانِهِ

- ‌17 - باب فِي القَدَرِ

- ‌18 - باب في ذَراري المُشْرِكِينَ

- ‌19 - باب فِي الجَهْمِيَّةِ

- ‌20 - باب فِي الرُّؤْيَةِ

- ‌21 - باب فِي الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ

- ‌22 - باب فِي القُرْآنِ

- ‌23 - باب فِي الشَّفاعَةِ

- ‌24 - باب فِي ذِكْرِ البَعْثِ والصُّورِ

- ‌25 - باب في خَلْقِ الجَنَّة والنّارِ

- ‌26 - باب فِي الحَوْضِ

- ‌27 - باب فِي المَسْأَلَةِ في القَبْرِ وَعذابِ القَبْرِ

- ‌28 - باب فِي ذِكْرِ المِيزانِ

- ‌29 - باب فِي الدَّجّالِ

- ‌30 - باب في قَتْلِ الخَوارِجِ

- ‌31 - باب فِي قِتالِ الخَوارِجِ

- ‌32 - باب فِي قِتالِ اللُّصُوصِ

- ‌كتاب الأدب

- ‌1 - باب فِي الحِلْمِ وأَخْلاقِ النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - باب فِي الوَقارِ

- ‌3 - باب مَنْ كَظَمَ غَيْظًا

- ‌4 - باب ما يُقالُ عِنْدَ الغضَبِ

- ‌5 - باب فِي العَفْو والتَّجاوُزِ في الأَمْرِ

- ‌6 - باب فِي حُسْنِ العِشْرَةِ

- ‌7 - باب فِي الحَياءِ

- ‌8 - باب فِي حُسْنِ الخُلُقِ

- ‌9 - باب فِي كَراهِيَةِ الرِّفْعَةِ في الأُمُورِ

- ‌10 - باب في كَراهِيةِ التَّمادُحِ

- ‌11 - باب في الرِّفْقِ

- ‌12 - باب فِي شُكْرِ المَعْرُوفِ

- ‌13 - باب فِي الجُلُوسِ في الطُّرُقاتِ

- ‌14 - باب فِي سَعَةِ المَجْلِسِ

- ‌15 - باب فِي الجُلُوسِ بينَ الظِّلِّ والشَّمْسِ

- ‌16 - باب في التَّحَلُّقِ

- ‌17 - باب الجُلُوسِ وَسْطَ الحَلْقَةِ

- ‌18 - باب فِي الرَّجُلِ يَقُومُ لِلرَّجُلِ مِنْ مَجْلِسِهِ

- ‌19 - باب مَنْ يُؤْمَرُ أَنْ يُجالَسَ

- ‌20 - باب فِي كَراهيَةِ المِراءِ

- ‌21 - باب الهَدي في الكَلامِ

- ‌22 - باب فِي الخُطْبَةِ

- ‌23 - باب فِي تَنْزيلِ النّاسِ مَنازِلَهُمْ

- ‌24 - باب فِي الرَّجُلِ يَجْلسُ بَينَ الرَّجُلَيْنِ بِغَيْرِ إِذْنِهِما

- ‌25 - باب في جُلُوسِ الرَّجُلِ

- ‌26 - باب فِي الجِلْسَةِ المَكْرُوهَةِ

- ‌27 - باب النَّهْي عَنِ السَّمَرِ بَعْدَ العِشاءِ

- ‌29 - باب فِي التَّناجي

- ‌30 - باب إِذا قامَ مِنْ مَجْلِسٍ ثُمَّ رَجَعَ

- ‌31 - باب كَراهِيَةِ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ولا يَذْكُرُ اللَّه

- ‌28 - باب فِي الرَّجُلِ يَجْلِسُ مُتَرَبِّعًا

- ‌32 - باب فِي كَفّارَةِ المَجْلِسِ

- ‌33 - باب فِي رَفْع الحَدِيثِ مِنَ المَجْلسِ

- ‌34 - باب فِي الحَذَرِ منَ النّاسِ

- ‌35 - باب فِي هَدي الرَّجْلِ

- ‌36 - باب فِي الرَّجُلِ يَضَعُ إحْدى رِجْليْهِ عَلى الأُخْرى

- ‌37 - باب فِي نَقْلِ الحَدِيثِ

- ‌38 - باب فِي القَتّاتِ

- ‌39 - باب في ذي الوَجْهَيْنِ

- ‌40 - باب فِي الغِيبَةِ

- ‌41 - باب منْ رَدَّ عَنْ مُسْلِمٍ غِيبَةً

- ‌42 - باب مَنْ لَيْسَتْ لَهُ غِيبَةٌ

- ‌43 - باب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُحِلُّ الرَّجُلَ قدِ اغْتَابَهُ

- ‌44 - باب في النَّهْي عَنِ التَّجَسُّسِ

- ‌45 - باب فِي السَّتْرِ عَنِ المُسْلِمِ

- ‌46 - باب المُؤاخاةِ

- ‌47 - باب المُسْتَبّانِ

- ‌48 - باب في التَّواضُعِ

- ‌49 - باب فِي الانْتِصارِ

- ‌50 - باب فِي النَّهْي عَنْ سَبِّ المَوْتَى

- ‌51 - باب فِي النَّهْي عَنِ البَغْي

- ‌52 - باب فِي الحَسَدِ

- ‌53 - باب فِي اللَّعْنِ

- ‌54 - باب فِيمَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَ

- ‌55 - باب فِيمَنْ يَهْجُرُ أَخَاهُ المُسْلِمَ

- ‌56 - باب فِي الظَّنِّ

- ‌57 - باب فِي النَّصِيحَةِ والحِياطَةِ

- ‌58 - باب فِي إِصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ

- ‌59 - باب فِي النَّهْي عَنِ الغِناءِ

- ‌60 - باب كَراهِيَةِ الغِناءِ والزَّمْرِ

الفصل: ‌12 - باب في شكر المعروف

‌12 - باب فِي شُكْرِ المَعْرُوفِ

4811 -

حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ:"لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النّاسَ"(1).

4812 -

حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ المُهاجِرِينَ قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَتِ الأَنْصارُ بِالأَجْرِ كُلِّهِ. قالَ:"لا ما دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ"(2).

4813 -

حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرٌ، حَدَّثَنا عُمارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، قالَ: حَدَّثَني رَجُلٌ مِنْ قَوْمي، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أُعْطي عَطاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ فَمَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ يَحْيَى بْن أَيُّوبَ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ، عَنْ جابِرٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ شُرَحْبِيلُ، يَعْني: رَجُلًا مِنْ قَوْمي، كَأَنَّهُمْ كَرِهُوهُ فَلَمْ يُسَمُّوهُ (3).

4814 -

حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الجَرّاحِ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي

(1) رواه الترمذي (1954)، وأحمد 2/ 295، والطيالسي (2613)، والبخاري في "الأدب المفرد"(218)، وابن حبان (3407).

وصححه الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد".

(2)

رواه الترمذي (2487)، وأحمد 3/ 205، وابن أبي شيبة في "الأدب"(232)، والبخاري في "الأدب المفرد"(217).

وصححه الألباني.

(3)

رواه الترمذي (2034)، وعبد بن حميد في "المنتخب"(1147)، والبخاري في "الأدب المفرد"(215)، وأبو يعلى (2137)، والطبري فى "تهذيب الآثار" مسند عمر (102)، وابن حبان (3415).

وصححه الألباني في "الصحيحة"(617).

ص: 488

سُفْيانَ، عَنْ جابِرٍ، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ:"مَنْ أَبْلَى بَلاءً فَذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ"(1).

* * *

باب في شكر المعروف

[4811]

(ثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي، شيخ البخاري (ثنا الربيع بن مسلم) البصري الجمحي، أخرج له مسلم في غير موضع.

(عن محمد (2) بن زياد) القرشي الجمحي، مولى آل عثمان بن مظعون.

(عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يشكر اللَّه من لا يشكر الناس) روي في هذا الحديث أربع إعرابات: رفع اسم اللَّه والناس، ونصبهما، ورفع الأول ونصب الثاني، وعكسه. فرفعهما يلي حذف المفعولين من الأول والثاني، والتقدير: من لا يشكره الناس لا يشكره اللَّه تعالى. ونصبهما على حذف الفاعلين، ومعناه: من لا يشكر الناس بالثناء عليهم لا يشكر اللَّه تعالى، فإن العبد قد أمر بذلك. ورفع الأول ونصب الثاني على معنى: لا يكون من اللَّه شكر إلا من يشكر الناس. والرابع وهو نصب (اللَّه) ورفع (الناس) على معنى لا يشكر اللَّه من لا

(1) رواه الترمذي (2034)، وعبد بن حميد في "المنتخب"(1147)، والبخاري في "الأدب المفرد"(215)، وأبو يعلى (2137)، والطبري في "تهذيب الآثار" مسند عمر (102)، وابن حبان (3415) بنحوه.

صححه الألباني في "الصحيحة"(617).

(2)

فوقها في (ل): (ع).

ص: 489

يشكره الناس، يثنون (1) عليه بالمعروف فإنهم شهداء اللَّه في الأرض، فمن شهدوا عليه وأثنوا عليه خيرًا قبل اللَّه منه عمله وأوجب له الجنة.

قال في "النهاية": معنى الحديث أن اللَّه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس إليه، ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر. وقيل: معناه: أن من كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس (2) وترك الشكر لهم كان من عادته كفر نعمة اللَّه وترك الشكر له. وقيل: معناه أن من لا يشكر الناس كان كمن لا يشكر اللَّه وإن شكره، كما تقول: لا يحبني من لا يحبك، أي: إن محبتك مقرونة بمحبتي، فمن أحبني يحبك، ومن لم يحبك فكأنه لم يحبني (3). انتهى.

قال ذو (4) النون المصري: الشكر من فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإحسان والإفضال (5).

[4812]

(ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن ثابت) البناني (عن أنس) بن مالك.

(أن المهاجرين قالوا: يا رسول اللَّه، ذهب الأنصار بالأجر كله) هذا الأجر هو كثرة البذل والعطاء وحسن المواساة وكثرة الإيثار على

(1) في الأصول: يثنوا. والجادة ما أثبتناه.

(2)

في (م): اللَّه.

(3)

"النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 493.

(4)

في (ل)، (م): ذا. والمثبت هو الصواب.

(5)

انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 340، "الكشف والبيان" 1/ 117.

ص: 490

أنفسهم، ويدل على ذلك رواية النسائي عن أنس: قال المهاجرون: يا رسول اللَّه، ذهبت الأنصار بالأجر كله، ما رأينا أحسن بذلا (1) لكثير ولا أحسن مواساة في قليل منهم، ولقد كفونا المؤنة (2).

(قال: لا) أي: لم يذهبوا بكل الأجر (ما دعوتم اللَّه تعالى لهم وأثنيتم عليهم) خيرًا، فإن الثناء يطلق على الخير والشر، والظاهر أن الدعاء إذا انفرد عن الثناء، وكذا الثناء إذا انفرد، والأولى الجمع بينهما كما في الحديث:"الدعاء والثناء يزيد بزيادة البذل والهدية، وينقص بنقصه".

ويدل على ذلك رواية المصنف والحاكم وابن حبان في صحيحيهما في حديث: "ومن آتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه"(3)، وروى الطبراني في "الكبير" عن أم حكيم بنت وداع بفتح الواو قالت: يا رسول اللَّه، ما جزاء الغني من الفقير؟ قال:"النصيحة والدعاء له"(4).

[4813]

(حدثنا مسدد، ثنا بشر، ثنا عمارة) بضم العين (بن غزية) بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد المثناة تحت، المازني، أخرج له مسلم.

(1) في (ل)، (م): بذل.

(2)

"سنن النسائي الكبرى" 6/ 53 (9938).

(3)

تقدم برقم (1672)، وسيأتي برقم (5109)، "صحيح ابن حبان" 8/ 199 (3408)، "المستدرك" 2/ 64.

(4)

"المعجم الكبير" 25/ 162 (392). وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 176: رواه الطبراني، وفيه من لا يعرف.

ص: 491

(حدثني رجل من قومي) وهو شرحبيل كما سيأتي.

(عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من أعطي) بضم الهمزة (عطاء) من هبة ونحوها (فوجد) عنده شيئًا يكافئه به من المال (فليجز) بفتح الياء وسكون الجيم وكسر الزاي، أي: فليجاز (به) أي: يكافئه بجميع ما صنع إليه أو أعطاه، أو بما يقدر عليه ويدعو له ويثنيه على ما بقي، قال الجوهري: يقال: جزيته بما صنع جزاء، وجازيته بمعنى (1). (فإن لم يجد) ما يكافئ به ولا بعضه (فليثن) بضم المثناة تحت، أي: يثني عليه على معروفه له. وفي هذا رد لما قال بعضهم: المعطي في الحقيقة هو اللَّه، والمعطي لا يمدح؛ لأنه آلة كما لا يمدح السكين إذا قطعت.

ويمكن أن يفرق بينهما أن المعطي مكتسب واللَّه هو الخالق لفعله والمقدر والمدبر له والملهم، بخلاف السكين حيث لا اكتساب لها بل هي محض آلة والفاعل بها مكتسب، ولو قلنا لبطلت الحدود والعقاب والثواب على الأفعال، ويدل على المكافأة قوله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (2) فإن العموم فيها شامل للهدية والعاطس والرد على المشمت والهبة.

قال ابن خويز منداد: يجوز أن تحمل هذِه الآية على الهبة إذا كانت للثواب (3)، فمن وهب له هبة على الثواب فهو بالخيار، إن شاء ردها،

(1)"الصحاح" 6/ 2302.

(2)

النساء: 86.

(3)

انظر: "بدائع الصنائع" 6/ 128.

ص: 492

وإن شاء قبلها وأثاب عليها قيمتها، ونحوه قول أصحاب أبي حنيفة: التحية هنا الهدية (1)، لقوله:{أَوْ رُدُّوهَا} ولا يمكن رد السلام بعينه، وظاهر هذا الكلام يقتضي رد التحية بعينها، ومما يدل على المكافأة ما رواه الطبراني عن شيخه من رواية عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يقول لي: "ما فعلت أبياتك؟ " فأقول: وأي أبياتي تريد، فإنها كثيرة؟ فيقول في الشكر من أبيات:

يجزيك أو يثني عليك وإن من

أثنى عليك بما فعلت فقد جزى

فيقول: "يا عائشة، إذا حشر اللَّه الخلائق يوم القيامة قال لعبد من عباده اصطنع إليه عبد من عباده معروفا: هل شكرته؟ فيقول: يا رب، علمت أن ذلك منك فشكرتك عليه. فيقول: لم تشكرني إن لم تشكر من أجريت ذلك على يديه"(2).

(فمن أثنى به) يقال: أثنيت عليه بخير، وأثنيت عليه خيرًا، وأثنيت عليه شرًّا وبشرٍّ (فقد شكره) لأن الثناء إظهار للنعمة، قال بعضهم: إذا

(1) انظر: "الذخيرة" للقرافي 6/ 272.

(2)

رواه الطبراني في "الأوسط" 4/ 50 (3580)، "الصغير" 1/ 276 (454)، "مسند الشاميين" 1/ 175 (298)(298).

قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 109: رواه الطبراني في "الصغير"، "الأوسط" عن شيخه ذاكر بن شيبة العسقلاني، ضعفه الأزدي. ورواه أيضًا ابن أبي الدنيا في "اصطناع المعروف" ص (53)، والخطابي في "غريب الحديث" 2/ 195، والخرائطي في "فضيلة شكر اللَّه" 1/ 92، والبيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 521 (8138).

ص: 493

قصرت يداك عن المكافأة فليصل لسانك بالشكر، والشكر عند أهل التحقيق الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع.

(ومن كتمه) فلم يذكره وأخفاه (فقد كفره) ورواه ابن حبان في "صحيحه" عن شرحبيل، عن جابر بلفظ:"من أولي معروفًا فلم يجد له خيرًا إلا الثناء فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره، ومن تحلى بباطل فهو كلابس ثوبي زور"(1).

ورواه أحمد عن عائشة بلفظ: "من أتي إليه معروف فليكافئ به، ومن لم يستطع فليذكره، فإن ذكره فقد شكره، ومن تشبع بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور"(2).

وروى عبد اللَّه بن أحمد في زوائده بإسناد لا بأس به عن النعمان بن بشير قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من لم يشكر الناس لم يشكر اللَّه، والتحدث بنعمة اللَّه شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب"(3) وسيأتي معنى كفر النعمة.

(قال) المصنف (رواه يحيى بن أيوب) الغافقي المصري، أخرج له مسلم في مواضع (عن عمارة بن غزية) تقدم.

(عن شرحبيل) بن سعد الأنصاري الخطمي مولاهم المدني، أخرج له البخاري في "الأدب"، وذكره ابن حبان في "الثقات"(4).

(1)"صحيح ابن حبان" 8/ 203 (3415).

(2)

"المسند" 6/ 90.

(3)

"المسند" 4/ 375.

(4)

4/ 365.

ص: 494

(عن جابر) بن عبد اللَّه.

(قال) المصنف (وهو شرحبيل. يعني: رجلًا من قومي، كأنهم كرهوه فلم يسموه) وكذا مالك بن أنس كره الرواية عنه وكنى عنه في حديثين رواهما عنه، أنه بلغه عن جابر بن عبد اللَّه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"من لم يجد ثوبين فليصل في ثوب واحد"(1) وحديث: "إذا عاد الرجل المريض خاض في الرحمة، حتى إذا قعد عنده قرَّت فيه"(2).

[4814]

(ثنا عبد اللَّه بن الجراح) التميمي القهستاني، ثقة (ثنا جرير (3) بن عبد الحميد الضبي (عن الأعمش، عن أبي سفيان) طلحة ابن نافع القرشي (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي الله عنهما.

(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أبلي) بضم الهمزة وكسر اللام (بلاء) أي: أنعم عليه بنعمة، ومنه قول كعب: ما علمت أحدًا أبلاه اللَّه في صدق الحديث (4). أي: أنعم عليه. والبلاء يستعمل في الخير والشر؛ لأن

(1)"الموطأ" 1/ 141.

(2)

رواه البخاري في "الأدب المفرد"(522)، وقال الألباني: صحيح. ورواه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات"(61) من حديث أنس. ورواه أحمد 3/ 260، وابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات"(217)، والطبراني في "الكبير" 19/ 102 (204)، "الأوسط" 1/ 277 (903) من حديث كعب بن مالك، ورواه الطبراني في "الصغير" 1/ 101 (139) من حديث أبي هريرة. ورواه الطبراني في "الكبير" 11/ 197 (11481)، والبيهقي في "الشعب" 11/ 408 (8747) من حديث ابن عباس. ورواه الطبراني في "الكبير" 19/ 159 (353) من حديث كعب بن عجرة. وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 253 من حديث أبي الدرداء.

(3)

فوقها في (ل): (ع).

(4)

رواه البخاري (4418).

ص: 495

أصله الاختبار والمحنة، وأكثر ما يستعمل في الخير، قال اللَّه تعالى:{بَلَاءً حَسَنًا} (1).

(فذكره فقد شكره) من آداب النعمة أن يذكر المعطي، فإذا ذكره فقد شكره، ومع الذكر يدعو له ويثني عليه، ويكون شكره ودعاؤه بحيث لا يخرجه عن كونه واسطة، ولكنه طريق من وصول النعمة إليه، وذلك لا ينافي رواية:"النعمة من اللَّه" وقد أثنى اللَّه على عباده في مواضع على أعمالهم، وهو خالقها وفاطر القدرة عليها كقوله تعالى:{نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (2) ومن تمام الشكر أن يستر عيوب العطاء إن كان فيه عيب ولا يحقره (وإن كتمه فقد كفره) أي: ستر نعمة العطاء وغطاها وجحدها، قال اللَّه تعالى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)} (3)، والكفر في اللغة التغطية، ومنه قوله تعالى:{أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} (4) أي: الزراع، سموا بذلك لأنهم يغطون الحب الذي زرعوه بالتراب.

* * *

(1) الأنفال: 17.

(2)

ص: 30.

(3)

إبراهيم: 7.

(4)

الحديد: 20.

ص: 496