الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ مِنَ الشركِ إِرَادَةُ الإِنْسَانِ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا
•---------------------------------•
مقصود الترجمة بيان أَنَّ
فعل الإنسان للعمل الصالح بقصد الدنيا هو من الشرك الأصغر
(1).
وقد يقول قائل: هذا الباب تكرارٌ للباب الذي قبله؛ لأنه داخلٌ في حكم الرياء.
والجواب: أنه ليس هنالك تكرارٌ في الباب؛ لأنه يوجد فرقٌ بين هذه الترجمة والتي تسبقها، ووجه التفريق: هو أن الرياء المطروح في الباب السابق هو أن يعمل الإنسان عملًا ليراه الناس ويعظموه، وأما في هذا الباب فالإنسان يعمل عملًا صالحًا، ولكن يريد به الدنيا، كمن يطلب العلم لتحصيل وظيفةٍ، وكمن يجاهد للمال، ونحو ذلك.
فَبَيْن البابين عمومٌ وخصوصٌ: فيفترقان فيما ذكرنا، ويجتمعان في أَنَّ كلا منهما عملٌ لغير الله، وكلاهما من الشرك الأصغر؛ ومن هنا تظهر مناسبة الترجمة لكتاب التوحيد على وجه العموم، وللباب السابق على وجه الخصوص (3).
(1) ينظر: قرة عيون الموحدين ص (184)، وحاشية كتاب التوحيد ص (268).
(2)
الجواب الكافي ص (94).
(3)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (461)، وفتح المجيد ص (372).
وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} الآيتين [هود: 15، 16].
•---------------------------------•
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} : أي من كان يريد بعمله ثواب الحياة الدنيا (1).
{وَزِينَتَهَا} : هي لذاتها من: الطعام، والشراب، واللباس، والنكاح، والأثاث، والأموال، والأولاد (2).
{نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ} : «أي نجازيهم على أعمالهم في الدنيا» (3)، «وهو ما ينالون من الصحة والكفاف وسائر اللذات والمنافع» (4).
{وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} : لا ينقص من ثواب أعمالهم وحسناتهم التي عملوا شيء في الدنيا (5).
مناسبة الآيتين للباب: أنهما دلتا على أن من أراد الدنيا بعمل الآخرة سيأخذ نصيبه من الدنيا كاملًا غير ناقص، ولكن سيبطل ثوابه في الآخرة، ويدخل النار، وشاهد ذلك قوله:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (6).
(1) تفسير الطبري (12/ 346)، وتفسير البغوي (4/ 165).
(2)
ينظر: تفسير المنار (12/ 41)، وتفسير المراغي (12/ 16).
(3)
معاني القرآن وإعرابه للزجاج (3/ 42).
(4)
فتح القدير للشوكاني (2/ 553).
(5)
تفسير السمرقندي (2/ 141)، وتفسير القرآن العزيز لابن أبي زمنين (2/ 282).
(6)
الجديد في شرح كتاب التوحيد ص (329).
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة َ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله? : «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الخَمِيصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الخَمِيلَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضي وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسْ، وَإِذَا شيكَ فَلَا انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ الله، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ» .
•---------------------------------•
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري (1).
«تَعِسَ» بكسر العين، ويجوز الفتح أي: هلك أو سقط على وجهه إذا عثر وانكب على وجهه، وهو دعاء عليه بالهلاك.
«عَبْدُ الدِّينَارِ» أي طالبه الحريص على جمعه القائم على حفظه، فكأنه لذلك خادمه وعبده (2). وسماه عبدًا له؛ لكونه هو المقصود بعمله فصار عبدًا له؛ لأنه عبده بذلك العمل (3).
«عَبْدُ الخَمِيصَةِ» : -بفتح الخاء وكسر الميم- مفرد (خَمَائِص)، وهي ثوبٌ من الخز أو الصوف أسود مربع له أعلام وخطوط (4).
«عَبْدُ الخَمِيلَةِ» : جمعها خمائل، وهي أكسية فيها لين، ذات خَمْل، وهو الهدب المتعلق بها كالقطيفة، وقيل: هي القطيفة نفسها (5).
(1)(4/ 34) رقم (2887).
(2)
فتح الباري لابن حجر (11/ 254).
(3)
كتاب التوحيد ص (185).
(4)
ينظر: شرح المشكاة للطيبي (10/ 3274)، وفتح الباري (11/ 254).
(5)
ينظر: تفسير غريب ما في الصحيحين ص (559)، ومشارق الأنوار (1/ 240).
«وَانْتَكَسْ» : أي: انتكست عليه الأمور بحيث لا تسير له، فكلما أراد شيئًا انقلبت عليه الأمور خلاف ما يريد، وكلما قام من سقطته عاوده المرض والسقوط، أو خر وانقلب على رأسه بعد أن سقط، وهو دعاء عليه بالخيبة والخسران؛ لأن من انتكس في أمره فقد خاب وخسر (1).
«وَإِذَا شيكَ» : إذا أصابته شوكة.
«فَلَا انْتَقَشَ» : أي إذا دخلت فيه شوكة لا يقدر على إخراجها بالمنقاش (2)، والمقصود بذلك: أنه إذا وقع في الشر والبلاء، فلا خلاص له منه، وضرب بالشوك مثلًا؛ لأنه أهون ما يتصور في ذلك، فإذا نفى عنه عون الله له في الشوكة، فما كان أعظم منها أشد انتكاسًا وخذلانًا.
وهذه الجمل الثلاث يحتمل أن تكون خبرًا منه صلى الله عليه وسلم عن حال هذا الرجل، وأنه في تعاسة وانتكاس وعدم خلاص من الأذى، ويحتمل أن يكون من باب الدعاء على من هذه حاله؛ لأنه لا يهتم إلَّا بالدنيا، فدعا عليه أن يهلك، وأن لا يصيب من الدنيا شيئًا وأن لا يتمكن من إزالة ما يؤذيه (3).
و«مناسبة ذكر الحديث في الباب: أن فيه ذم العمل لأجل الدنيا، ومدح العمل لأجل الآخرة» (4).
(1) ينظر: فتح الباري (11/ 254)، وحاشية السندي على ابن ماجه (2/ 534).
(2)
ينظر: فتح الباري (11/ 254)، وحاشية السندي على ابن ماجه (2/ 535).
(3)
القول المفيد 2/ 143.
(4)
الملخص في شرح كتاب التوحيد ص (294).