الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} .
•---------------------------------•
وما
حكم من جحد شيئًا من الأسماء والصفات
؟
الجحد: الإنكار، والإنكار قسمان:
أولهما: إنكار تكذيب، وهذا كفر بلا شك، فلو أن أحدًا أنكر اسمًا من أسماء الله أو صفة من صفاته الثابتة في الكتاب والسنة، مثل أن يقول: ليس لله يد، أو أن الله لم يستو على عرشه، أو ليس له عين، فهو مكذب للكتاب والسنة.
وثانيهما: إنكار تأويل، وهو أن لا ينكرها ولكن يتأولها إلى معنى يخالف ظاهرها، وهذا نوعان:
الأول: أن يكون للتأويل مُسَوِّغ في اللغة العربية، فهذا لا يُوجب الكفر، ولا يلزم أن يكون مكذبًا.
الثاني: أن لا يكون له مسوغ في اللغة العربية؛ فهذا تكذيب للكتاب والسنة؛ لأنه إذا لم يكن له مسوغ صار في الحقيقة تكذيبًا (1).
وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} المراد بذلك كفار قريش أو طائفة منهم، وليس المقصود أنهم يجحدون وجود الله أو لا يؤمنون به، بل المعنى يجحدون هذا الاسم المعين عنادًا أو جهلًا.
قال البغوي: «والمعروف أن الآية مكية، وسبب نزولها: أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو: (يا الله يا رحمن)، فرجع إلى المشركين فقال:
(1) ينظر: القول المفيد (2/ 183).
وَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ، قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه:«حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُرِيدُونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ» .
•---------------------------------•
إن محمدًا يدعو إلهين، يدعو الله ويدعو إلها آخر يسمى الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، فنزلت هذه الآية، ونزل قوله تعالى:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110]» (1).
ولذلك رفضوا أن يكتبوه في صلح الحديبية، فقال أحدهم:«أَمَّا الرَّحْمَنُ، فَوَالله مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنِ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ» (2).
ومناسبة الآية للترجمة ظاهرة، لأن الله تعالى سمى جحود اسم من أسمائه كفرًا، فدل على أن جحود شيء من أسماء الله وصفاته كفر، فمن جحد شيئًا من أسماء الله وصفاته، من الفلاسفة والجهمية والمعتزلة ونحوهم، فله نصيب من الكفر بقدر ما جحد من الاسم أو الصفة، فإن الجهمية والمعتزلة ونحوهم، وإن كانوا يقرون بجنس الأسماء والصفات، فعند التحقيق لا يقرون بشيء، لأن الأسماء عندهم أعلام محضة، لا تدل على صفات قائمة بالرب تبارك وتعالى، وهذا نفس كفر الذين جحدوا اسم الرحمن (3).
وأثر علي: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ
…
» رواه البخاري في صحيحه (4).
(1) معالم التنزيل 4/ 318.
(2)
رواه البخاري في صحيحه (3/ 195) رقم (2731).
(3)
تيسير العزيز الحميد ص (498).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 37) رقم (127).
«حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ» أي: بما يفهمون (1).
«أَتُرِيدُونَ» بهمزة الاستفهام الإنكارية (2).
والأثر دليل على منع تحديث الناس بما لا تدركه عقولهم.
وأخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن ص (362) رقم (610)، والخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي (2/ 108) رقم (1318)، والسمعاني في أدب الإملاء والاستملاء ص (59) من طريق عبيد الله بن موسى،
وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 1003) رقم (1911) من طريق أبي بكر بن عياش،
والخطيب البغدادي في موضح أوهام الجمع والتفريق (2/ 481) من طريق عبد الله بن داود،
ثلاثتهم (عبيد الله، وابن عياش، وابن داود) عن معروف بن خَرَّبُوذَ، عن أبي الطفيل، عن عليٍّ رضي الله عنه موقوفًا عليه.
(1)
تيسير العزيز الحميد ص (499).
(2)
تحقيق التجريد (2/ 403).
(3)
التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (439، 440).
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَرٍ، عَن ابْنِ طَاوُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا انْتَفَضَ لَمَّا سَمِعَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصِّفَاتِ، اسْتِنْكَارًا لِذَلِكَ، فَقَالَ: مَا فَرَقُ هَؤُلَاءِ؟ يَجِدُونَ رِقَّةً عِنْدَ مُحْكَمِهِ، وَيَهْلِكُونَ عِنْدَ مُتَشَابِهِهِ. انْتَهَى.
•---------------------------------•
أثر ابن عباس رواه عبد الرزاق وغيره (1)، إسناده صحيح.
«رَأَى رَجُلًا» لم يسم هذا الرجل.
«انْتَفَضَ» أي: ارتعد لما سمع حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم فاستنكره، إما لأن عقله لا يحتمله، أو لكونه اعتقد عدم صحته فأنكره.
«فَقَالَ» أي: ابن عباس رضي الله عنه.
«مَا فَرَقُ هَؤُلَاءِ» يحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون «ما» استفهامية إنكارية. وفرق بفتح الفاء والراء وهو الخوف والفزع، أي: ما فزع هذا وأضرابه من أحاديث الصفات واستنكارهم لها؟ والمراد الإنكار عليهم.
(1) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (3/ 231)، وفي جامع معمر (11/ 423) رقم (20893)،
وابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 556) رقم (37902)، وابن جرير الطبري في تفسيره (5/ 214)، وإسماعيل القاضي في أحكام القرآن كما في (إتحاف المهرة)(7/ 301) من طريق سفيان بن عيينة،
وابن أبي عاصم في السنة (1/ 212) رقم (485) من طريق ابن ثور،
ثلاثتهم (عبد الرزاق، وابن عيينة، وابن ثور) عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنه موقوفًا عليه.
وفي مصنف ابن أبي شيبة زيادة (رِبْعِيٍّ) في الإسناد بين معمر وابن طاوس.
والأثر إسناده صحيح، وصرح بتصحيحه ابن حجر في فتح الباري (12/ 300).
وَلما سَمِعَتْ قُرَيْشٌ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الرَّحْمَنَ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ:{وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} .
•---------------------------------•
والثاني: أن يكون بفتح الفاء وتشديد الراء، ويجوز تخفيفها. و «ما» نافية أي: ما فرَّق هذا وأضرابه بين الحق والباطل، ولا عَرَفوا ذلك (1).
«وَلما سَمِعَتْ قُرَيْشٌ رَسُولَ الله» الحديث أخرجه ابن جرير في تفسيره، وهو ضعيف (2)، ولفظه عن قتادة، قال:«{وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} ذكر لنا أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الحديبية حين صالح قريشًا كتب: هذا ما صالح عليه محمدٌ رسول الله. فقال مشركو قريش: لئن كنت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ثم قاتلناك لقد ظلمناك! ولكن اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعنا يا رسول الله نقاتلهم! فقال: لا ولكن اكتبوا كما يريدون إنِّي محمد بن عبد الله. فلما كتب الكاتب: (بسم الله الرحمن الرحيم)، قالت قريش: أما (الرحمن) فلا نعرفه؛ وكان أهل الجاهلية يكتبون: (باسمك اللهم)، فقال أصحابه: يا رسول الله، دعنا نقاتلهم! قال: لا ولكن اكتبوا كما يريدون» .
ومناسبة الحديث للباب ولكتاب التوحيد أن الأثر يدل على كفر من أنكر شيئًا من أسماء الله وصفاته؛ لأن ذلك ينافي توحيد الأسماء والصفات (3).
(1) تيسير العزيز الحميد ص (501، 502).
(2)
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (13/ 530)، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في الدر المنثور (4/ 650) عن قتادة.
وأخرجه ابن جرير أيضًا في تفسيره (13/ 530) عن ابن جريج عن مجاهد، بلفظ مختصر.
(3)
الجديد في شرح كتاب التوحيد ص (357).