الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني: المحبة الخاصة: التي لا تصلح إلَّا لله، ومتى أحب العبد بها غيره كان شركًا لا يغفره الله.
وهي محبة العبودية، المستلزمة للذل، والخضوع والتعظيم، وكمال الطاعة، وإيثاره على غيره، فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلًا كما حققه ابن القيم رحمه الله (1)؛ وهي التي سوى المشركون بين الله تعالى وبين آلهتهم فيها، كما في قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165].
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله
بواعث حب الله
وأنها تكون في شيئين:
أحدهما: كثرة الذكر للمحبوب؛ لأن كثرة ذكره تعلق القلوب به.
والثاني: مطالعة آلائه ونعمائه
…
فإذا ذكر العبد ما أنعم الله به عليه من تسخير السماء والأرض، وما أسبغ عليه من النعم الباطنة والظاهرة التي لا تعد ولا تحصى.
وكذلك الخوف تحركه مطالعة آيات الوعيد، والزجر، والعرض، والحساب، وكذلك الرجاء يحركه مطالعة الكرم، والحلم، والعفو (2).
{يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا} : الأنداد جمع ند وهو العَدْل والمثيل والنظير، ويشمل كل معبود من دون الله من آلهتهم، أو متبوع من سادتهم وكبرائهم (3).
(1) طريق الهجرتين ص (486) وما بعدها.
(2)
مجموع الفتاوى (1/ 95).
(3)
ينظر: جامع البيان (3/ 16)، وتفسير ابن أبي حاتم (1/ 276).
وَقَوْلِهِ: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} ، إِلَى قَوْلِهِ:{أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} .
•---------------------------------•
والمعنى يتخذون هؤلاء آلهة يصرفون لهم العبادة من دون الله، أو سادة وكبراء جعلوهم أربابًا من دون الله يطيعونهم في التحليل والتحريم (1).
{يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} : أي يساوون بين هذه الأوثان وبين الله عز وجل في المحبة، ويحبون آلهتهم كحبهم لله (2).
{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} : والمعنى أن المخلصين الذين لا يشركون مع الله غيره هم المحبون له حقًّا، ويحبون الله أشد من حب هؤلاء الكفار لأوثانهم (3).
وَقَوْلِهِ: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} {قُلْ} : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم (4).
{إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} : الخطاب موجه إلى المسلمين بمكة المتخلفين عن الهجرة إلى دار الإسلام، المقيمين بدار الشرك: إن كان المقام مع آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم أحب إليكم من الله ورسوله، ولكن الخطاب بعمومه يعم جميع المسلمين إلى يوم القيامة (5).
(1) ينظر: تفسير القرآن العزيز لابن أبي زمنين (1/ 193)، والكشف والبيان للثعلبي (2/ 33)، والكشاف للزمخشري (1/ 211).
(2)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 237).
(3)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 237)، والنكت والعيون للماوردي (1/ 218).
(4)
ينظر: جامع البيان للطبري (11/ 384).
(5)
ينظر: تفسير الطبري (11/ 384)، وفتح القدير للشوكاني (2/ 395).
{وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا} : أي اكتسبتموها وحصلتموها بمكة، وأصل الاقتراف اقتطاع الشيء من مكانه إلى غيره (1).
{وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} : أي تجارةً تخشون فواتها وذهابها؛ لأنكم بهجرتكم وفراقكم لبلدكم ستتركونها (2).
{وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا} : أي منازلكم بمكة التي تحبونها لجمالها وحسنها، وتعجبكم الإقامة فيها (3).
{أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِي} : أي: من الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام.
{فَتَرَبَّصُوا} : هذا وعيد، أي فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم.
{حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} : أي: بعذابه وعقوبته عاجلة أو آجلة.
{وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} : الفاسقين الخارجين عن الطاعة، وهذا تهديدٌ لهؤلاء بحرمان الهداية (4).
ومناسبة الآية للباب: أن فيها وجوب محبة الله ورسوله، ووجوب تقديم محبتهما ومحبة ما يحبانهما، كما دلت على تحريم تقديم حب شيء من متاع الدنيا على حب الله ورسوله؛ لأن الحب من أصل العبادة، وصرفه لغير الله شركٌ (5).
(1) ينظر: تفسير الطبري (11/ 384)، وتفسير القرطبي (8/ 95)، وتفسير ابن كثير (4/ 109).
(2)
ينظر: جامع البيان للطبري (11/ 384)، وتأويلات أهل السنة للماتريدي (5/ 323).
(3)
ينظر: بحر العلوم للسمرقندي (2/ 48)، وتفسير القرطبي (8/ 95).
(4)
ينظر: تفسير البغوي (4/ 25)، والوجيز للواحدي ص (458).
(5)
ينظر: الملخص في شرح كتاب التوحيد ص (250).
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» . أَخْرَجَاهُ.
•---------------------------------•
«عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:
…
» الحديث رواه البخاري ومسلم (1).
«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ» : أي لا يكمل إيمان من يدعي الإيمان، ولا يحصل له الإيمان الذي تبرأ به ذمته، ويستحق به دخول الجنة بلا عذاب، والمراد نفي كمال الإيمان الواجب (2).
«حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ» : المراد بهذه المحبة: المحبة الشرعية، وليس المراد بهذا المحبة الطبيعية؛ فإنه يجب على المسلمين أن يحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أنفسهم وأولادهم (3).
«مِنْ وَلَدِهِ» : «يشمل الذكر والأنثى، وبدأ بمحبة الولد؛ لأن تعلق القلب به أشد من تعلقه بأبيه غالبًا» (4).
«وَوَالِدِهِ» : «يشمل أباه، وجده وإن علا، وأمه، وجدته وإن علت» (5).
«وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» : هو من عطف العام على الخاص (6).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 12) رقم (15)، ومسلم في صحيحه (1/ 67) رقم (44) من طريق شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه.
(2)
ينظر: مرعاة المفاتيح (1/ 49)، وتيسير العزيز الحميد ص (407)، وفتح المجيد ص (336).
(3)
ينظر: كشف المشكل لابن الجوزي (3/ 231).
(4)
القول المفيد (2/ 50).
(5)
القول المفيد (2/ 50).
(6)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (408).
وَلَهُمَا عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله? : «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ:
•---------------------------------•
«ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون لأمور:
الأول: أنه رسول الله، وإذا كان الله أحب إليك من كل شيء؛ فرسوله أحب إليك من كل مخلوق.
الثاني: لما قام به من عبادة الله وتبليغ رسالته.
الثالث: لما آتاه الله من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.
الرابع: أنه سبب هدايتك وتعليمك وتوجيهك» (1).
وخلاصة دلالة الحديث: وجوب محبة الله ورسوله، وتقديم محبتهما على ما سواهما؛ من الولد والوالد والناس أجمعين؛ وحقيقة الإيمان مشروطة بذلك؛ لأن المحبة عبادة، وصرفها لغير الله تعالى شرك أكبر (2).
«وَلَهُمَا عَنْهُ» : أي البخاري ومسلم (3).
«وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ» : هذا بمعنى حديث: ذاق طعم الإيمان (4). «قال العلماء رحمهم الله: معنى حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات، وتحمل المشقات في رضى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإيثار ذلك على عرض الدنيا، ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى بفعل طاعته وترك مخالفته، وكذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم» (5).
(1) القول المفيد 2/ 182 - 183.
(2)
ينظر: القول المفيد (2/ 53)، والملخص في شرح كتاب التوحيد ص (252).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 12) رقم (16)،
ومسلم في صحيحه (1/ 66) رقم (43) من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه.
(4)
ينظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (1/ 278).
(5)
شرح مسلم للنووي (2/ 13).
أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ».
•---------------------------------•
«أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا» : يحبهما محبةً قلبية حقيقية أكثر من أي شيءٍ آخر، ومن محبة الله ومحبة رسوله: الاستقامة على شريعته؛ بالتزام أوامره، واجتناب نواهيه، والوقوف عند حدوده، ومحبة أهل ملته (1).
«وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لله» : المقصود محبة المرء لأخيه لوجه الله، لا يحبه لقرابته، ولا لماله، ولا لجاهه، ولا لشيء من عرض الدنيا (2).
«وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ» : أي يرجع أو يتحول، ومعناه يصير، وقد جاء العود والرجوع بمعنى الصيرورة (3)؛ فيكون الحديث عامًّا في حق من كان كافرًا ثم أسلم، أو المسلم المولود على الإسلام.
«بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ» : أي: أنقذه من الكفر «والإنقاذ أعم من أن يكون بالعصمة منه ابتداءً؛ بأن يولد على الإسلام ويستمر، أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان كما وقع لكثير من الصحابة» (4).
«كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» : يرى أنه لو قُذِفَ في النار أهون عليه من أن يعود كافرًا بعد إسلامه.
(1) ينظر: إكمال المعلم (1/ 279)، والتوضيح لشرح الجامع الصحيح (2/ 528).
(2)
ينظر: شرح رياض الصالحين (3/ 259)
(3)
ينظر: شرح مسلم للنووي (2/ 14)، ومرقاة المفاتيح (1/ 75).
(4)
فتح الباري لابن حجر (1/ 62).
وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَجِدُ أَحَدٌ حَلَاوَةَ الإِيْمَانِ حَتَّى
…
» إِلَى آخِرِهِ.
وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ فِي الله، .......................
•---------------------------------•
«وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَجِدُ أَحَدٌ حَلَاوَةَ الإِيْمَانِ» : هذه الرواية في صحيح البخاري (1).
وخلاصة المقصود من الحديث: وجوب تقديم محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على محبة ما سواهما، ومحبة المؤمنين في الله تعالى، وكراهة العود إلى الكفر (2).
أثر ابن عباس عزاه المصنف لابن جرير، ولم أقف عليه في تفسيره، وهو عند غيره، بلفظ: «أَحِبَّ الله، وَأَبْغِضْ الله، وَعَادِ فِي الله، وَوَالِ فِي الله، فَإِنَّهُ لَا تُنَالُ وِلَايَةُ الله
…
» (3).
«مَنْ أَحَبَّ فِي الله» : أي: أحب المسلمين والمؤمنين في ذات الله عز وجل؛ لإسلامهم وإيمانهم.
(1) أخرجها البخاري في صحيحه (8/ 14) رقم (6041) عن آدم، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس ابن مالك رضي الله عنه.
(2)
ينظر: الملخص في شرح كتاب التوحيد ص (254).
(3)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (1/ 120، 121) رقم (353)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 134) رقم (34770) مختصرًا، والعدني في كتاب الإيمان ص (128)، وابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان ص (69) رقم (22) مختصرًا، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/ 406) رقم (396)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 1006) رقم (1691)، والبيهقي في شعب الإيمان (12/ 77) رقم (9069) مختصرًا.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/ 417) رقم (13537) من كلام ابن عمر،
وأخرجه أبو نُعَيْم في حلية الأولياء (1/ 312) عن ابن عمر مرفوعًا! ، ولم أقف عليه عند ابن جرير في تفسيره، ولم يعزه إليه السيوطي في الدر المنثور (8/ 87).
والأثر فيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف.
وَأَبْغَضَ فِي الله، وَوَالَى فِي الله، وَعَادَى فِي الله، فَإِنَّمَا تُنَالُ وِلَايَةُ الله بِذَلِكَ، وَلَنْ يَجِدَ عَبْدٌ طَعْمَ الإِيْمَانِ، وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ، حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَارَتْ عَامَّةُ مُؤَاخَاةِ النَّاسِ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا، ذَلِكَ لَا يُجْدِي عَلَى أَهْلِهِ شيئًا». رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
•---------------------------------•
«وَأَبْغَضَ فِي الله» : أي: أبغض الكفار والمشركين والمنافقين في الله؛ لكفرهم وشركهم ونفاقهم (1).
«وَوَالَى فِي الله» : أي: أحب وناصر في الله، والموالاة هي لازم من لوازم المحبة في الله.
«وَعَادَى فِي الله» : «هذا بيان للازم البغض في الله وهو المعاداة فيه، أي: إظهار العداوة بالفعل، كالجهاد لأعداء الله والبراءة منهم، والبعد عنهم باطنًا وظاهرًا» (2).
«فَإِنَّمَا تُنَالُ ولَايَةُ الله بِذَلِكَ» : (وَلاية) بفتح الواو من الوَلاية، أي توليه لعبده ومحبته ونصرته، وحكى بعضهم وجه آخر الولاية بكسر الواو من الإمارة (3) والصواب أنها بالفتح (4).
والمعنى: لا يحصل الإنسان على محبة الله ونصرته إلا بهذه الأمور (5).
(1) ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (413)، وقرة عيون الموحدين ص (164).
(2)
تيسير العزيز الحميد ص (413).
(3)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (414).
(4)
ينظر: فتح المجيد ص (340).
(5)
ينظر: إعانة المستفيد (2/ 47).
«وَلَنْ يَجِدَ عَبْدٌ طَعْمَ الإِيْمَانِ، وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ، حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ» : هذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لله، وَأَبْغَضَ لله، وَأَعْطَى لله، وَمَنَعَ لله فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ» (1).
«وَقَدْ صَارَتْ عَامَّةُ مُؤَاخَاةِ النَّاسِ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا» : «وهذا هو الغالب على أكثر الخلق: محبة دنياهم، وإيثار ما يهوونه على ما يحبه الله ورسوله» (2).
«ذَلِكَ لَا يُجْدِي عَلَى أَهْلِهِ شيئًا» : أي ذلك يضرهم ولا ينفعهم في الدار الآخرة، كما قال الله تعالى:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزُّخرُف: 67](3).
ويستفاد من أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أن لله تعالى أولياء، وهذا ثابت بنص القرآن، قال تعالى:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 257]، فلله أولياء يتولون أمره، ويقيمون دينه، وهو يتولاهم بالمعونة والتسديد والحفظ والتوفيق، والميزان لهذه الولاية قوله تعالى:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63].
و«مناسبة الأثر للباب: أن حصول محبة الله لعبده ونصرته له مشروطٌ بأمور، منها:
أولًا: محبة أولياء الله وبغض أعدائه بالقلب.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (4/ 220) رقم (4681)، وإسناده حسن.
(2)
قرة عيون الموحدين ص (165).
(3)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (414).
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} ، قَالَ:(المَوَدَّةُ).
•---------------------------------•
ثانيًا: إظهار محبة أولياء الله وبغض أعدائه بالفعل من مناصرة أوليائه وجهاد أعدائه» (1).
«وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما
…
» كلام ابن عباس هذا (2) يفسره ويوضحه بصورة أكبر كلام لقتادة رحمه الله في تفسير هذه الآية:
قال قتادة: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} : أسباب الندامة يوم القيامة، وأسباب المواصلة التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها، ويتحابون بها، فصارت عليهم عداوة يوم القيامة، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض، ويلعن بعضكم بعضًا، ويتبرأ بعضكم من بعض، قال الله تعالى ذكره:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزُّخرُف: 67]؛ فصارت كل خلة عداوة على أهلها إلا خلة المتقين» (3).
وهذا كلام نفيس من قتادة رحمه الله لا يحتمل المزيد.
(1) الملخص في شرح كتاب التوحيد ص (256).
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 278) رقم (1492)، والطبري في تفسيره (3/ 27) رقم (2423)، والحاكم في المستدرك (2/ 299) رقم (3076)، وقال:(صحيح الإسناد)، ووافقه الذهبي.
(3)
أخرجه الطبري في تفسيره (3/ 27) رقم (2424).
(4)
الجديد في شرح كتاب التوحيد ص (285).