الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّغْلِيظِ فِيمَنْ عَبَدَ اللهَ
عِنْدَ قَبْرِ رَجُلٍ صَالِحٍ فَكَيْفَ إِذَا عَبَدَهُ
فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ....................................
•---------------------------------•
مقصود الترجمة: بيان أَنَّ العبادة عند قبور الصالحين سببٌ من أسباب الوقوع في الشرك بالله تعالى؛ ولذلك فهي محرمةٌ أشد التحريم، وقد ورد فيها من النصوص التي هددت من ذلك، وغَلَّظَت في الأمر، وجاءت بالوعيد الشديد فيه؛ فإذا كان هذا فيما يتعلق بالعبادة عند هذه القبور، فكيف بمن يعبد صاحب القبر نفسه، ويصرف له ألوان العبادات التي لا يستحقها إلا الله؟ (1).
ومناسبة الباب لكتاب التوحيد: أن عبادة الله تعالى عند قبور الأولياء والصالحين وسيلةٌ إلى الشرك بالله الذي ينافي التوحيد ويناقضه (2).
«فِي الصَّحِيحِ» أي البخاري ومسلم (3).
«عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ» : أغلب الروايات في الصحيحين عن أم سلمة وأم حبيبة، وعلى هذا رواية مسلم، وغالب روايات البخاري، ما عدا التي نقلها الماتن هنا؛ جاءت أم سلمة دون أم حبيبة، وعليها اقتصر المصنف.
(1) ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (266، 267)، وحاشية كتاب التوحيد ص (153).
(2)
ينظر: الملخص في شرح كتاب التوحيد ص (168).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 94، 95) رقم (434) من طريق عبدة،
ومسلم في صحيحه (1/ 375) رقم (528) من طريق يحيى بن سعيد،
كلاهما (عبدة، ويحيى بن سعيد) عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن أم سلمة، وأم حبيبة رضي الله عنهما.
ذَكَرَتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الحَبَشَةِ، وَمَا فِيهَا مِنَ الصُّوَرِ، فَقَالَ: «أُولَئِكِ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، أَو العَبْدُ الصَّالِحُ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ ...................
•---------------------------------•
«ذَكَرَتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم» : وجاء في روايات عند البخاري ورواية مسلم أن الرائي أم حبيبة وأم سلمة: «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ» (1).
«كَنِيسَةً» : بفتح الكاف وكسر النون: وهي معبد النصارى، وجاء في نفس رواية الحديث: أن الكنيسة يقال لها (مارية)(2).
«إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، أَو العَبْدُ الصَّالِحُ» : «هذا والله أعلم شك من بعض رواة الحديث؛ هل قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أو هذا، ففيه التحري في الرواية، وجواز رواية الحديث بالمعنى» (3).
«بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا» : أي: موضعًا للعبادة، وإن لم يسم مسجدًا كالكنائس والمشاهد (4).
«وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ» : أشار النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام إلى ما ذكرته أم سلمة وأم حبيبة من التصاوير التي في الكنيسة، كما في بعض ألفاظ الحديث «فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا (5)» (6).
(1) صحيح البخاري (1/ 93) رقم (427)، وصحيح مسلم (1/ 375) رقم (528).
(2)
ينظر: الكواكب الدراري للكرماني (4/ 88)، وتيسير العزيز الحميد ص (267).
(3)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (267).
(4)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (267).
(5)
صحيح البخاري (2/ 91) رقم (1341).
(6)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (267، 268).
أُوْلَئِكِ شرارُ الخَلْقِ عِنْدَ الله». فَهَؤُلَاءِ جَمَعُوا بَيْنَ الفِتْنَتَيْنِ: فِتْنَةِ القُبُورِ، وَفِتْنَةِ التَّمَاثِيلِ.
•---------------------------------•
«أُوْلَئِكِ شرارُ الخَلْقِ عِنْدَ الله» : ذم النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء وجعلهم شرار الخلق؛ لأنهم كانوا يتعبدون عند تلك القبور، وعملهم هذا وسيلة إلى الشرك والكفر بالله (1).
وهذا الحديث يقتضي تحريم بناء المساجد على القبور، لا سيما وقد ثبت اللعن عليه (2).
وقال ابن رجب رحمه الله: «هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين، وتصوير صورهم فيها كما يفعله النصارى، ولا ريب أن كل واحد منهما محرم على انفراد، فتصوير صور الآدميين محرم، وبناء القبور على المساجد بانفراده محرم كما دلت عليه النصوص» (3).
قوله: «فَهَؤُلَاءِ جَمَعُوا بَيْنَ الفِتْنَتَيْنِ: فِتْنَةِ القُبُورِ، وَفِتْنَةِ التَّمَاثِيلِ» : هذا من كلام ابن القيم (4)، ذكره المصنف رحمه الله كالتوضيح لمعنى الحديث، وأتى به غير منسوب؛ لأنه معلوم عند غالب من يقرأ هذا الكتاب (5).
(1) ينظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح (10/ 52)، والقول المفيد (1/ 395).
(2)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (268)، وفتح المجيد ص (231).
(3)
فتح الباري (3/ 202، 203).
(4)
في كتابه: إغاثة اللهفان (1/ 184).
(5)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (268)، وفتح المجيد ص (231)، وحاشية كتاب التوحيد ص (155)، والملخص في شرح كتاب التوحيد ص (169).
وَلَهُمَا عَنْهَا قَالَتْ: لمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ.
•---------------------------------•
«فِتْنَةِ القُبُورِ» : لأنهم بنوا المساجد عليها، وعظموها تعظيمًا مبتدعًا؛ فهي الفتنة العظمى والأولى (1).
«وَفِتْنَةِ التَّمَاثِيلِ» : لأنهم صوروا الصور في قبور الصالحين بعد أن بنوا عليها؛ فآل أمرهم إلى عبادتها بعد ذلك، وهذه الفتنة الثانية (2).
والشاهد من الحديث: قوله: «أولئك شرار الخلق عند الله، ووجه الدلالة من الحديث: أن هذا الكلام فيه التغليظ فيمن عبد الله في الكنيسة، التي فيها القبور والصور، وتعظيم القبور وعبادة الله عندها وتعليق الصور ونصبها من وسائل الشرك بالله جل وعلا المنافي للتوحيد (3).
«وَلَهُمَا عَنْهَا» : أي: للبخاري ومسلم (4) عن عائشة.
«لَمَّا نُزِلَ» : هو بضم النون وكسر الزاي. أي نزل به ملك الموت والملائكة الكرام عليهم السلام، وفي رواية (نَزَلَت) أي حضرت الوفاة والموت (5).
«طَفِقَ» -بكسر الفاء وفتحها، والكسر أفصح وبه جاء القرآن-: ومعناه جعل يفعل، يقال: طفق يفعل كذا؛ أي جعل يفعل كذا (6).
(1) ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (268)، والقول المفيد (1/ 395).
(2)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (268)، والقول المفيد (1/ 395).
(3)
ينظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (257)، والملخص في شرح كتاب التوحيد ص (168).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 95) رقم (435) من طريق شعيب،
ومسلم في صحيحه (1/ 377) رقم (531) من طريق يونس،
كلاهما (شعيب، ويونس) عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، وعبد الله ابن عباس رضي الله عنهما.
(5)
ينظر: الكواكب الدراري (4/ 96)، وشرح مسلم للنووي (5/ 12، 13).
(6)
ينظر: كتاب العين (5/ 106)، والصحاح (4/ 1517)، وشرح مسلم للنووي (5/ 13).