الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا جَاء أَنَّ سَبَبَ كُفْرِ بَنِي آدَمَ
وَتَرْكِهِمْ دِينَهُمْ هُوَ الغُلُوُّ فِي الصَّالِحِينَ
•---------------------------------•
مقصود الترجمة: بيان السبب الذي من أجله وقع الناس في الشرك بالله تعالى وهو الغلو في الصالحين بمجاوزة الحد في حقهم قولًا أو فعلًا أو اعتقادًا، وهذا أصل الشرك قديمًا وحديثًا.
والمؤلف رحمه الله لما انتهى في الأبواب السابقة من أنواع الشرك الأصغر والأكبر، والأدلة على بطلان ذلك، أراد أن يشرع في ذكر الأسباب المؤدية إلى هذا الإشراك بالله، والذرائع المفضية إلى الكفر به سبحانه، وهذا في غاية المناسبة؛ فإنه شروعٌ في الأسباب والذرائع، بعد ذكر الأصول والعقائد (2).
«و
الناس في معاملة الصالحين ثلاثة أقسام:
أهل الجفاء الذين يهضمون حقوقهم ولا يقومون بحقهم من الحب والموالاة لهم.
وأهل الغلو الذين يرفعونهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله بها.
وأهل الحق الذين يحبونهم ويوالونهم ويقومون بحقوقهم الحقيقية ولكنهم يبرؤون من الغلو فيهم وادعاء عصمتهم» (3).
(1) الملخص في شرح كتاب التوحيد ص (158).
(2)
ينظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (237).
(3)
القول السديد ص (78).
وَقَوْلِ الله عز وجل: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} .
•---------------------------------•
وَقَوْلِ الله عز وجل: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ} : هم اليهود والنصارى.
{لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} : الغلو: هو مجاوزة الحد في مدح الشيء أو ذمه، وضابطه تعدي ما أمر الله به. والمعنى: لا تتجاوزوا الحد في دينكم فتقولوا على الله ما لا يليق ولا يحل، ولا تقولوا في عيسى غير الحق (1).
والمعنى المقصود هنا: أي لا ترفعوا المخلوق-وهو المسيح ابن مريم- عن منزلته التي أنزله الله فتنزلوه المنزلة التي لا تنبغي إلا لله؛ لأن باقي الآية: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} .
والخطاب-وإن كان لأهل الكتاب- فإنه عام يتناول جميع الأمة، تحذيرًا لهم أن يفعلوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم فعل النصارى في عيسى، واليهود في عزير، ويدل لذلك قوله عليه الصلاة والسلام:«لَا تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَت النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ (2)» (3).
قال ابن تيمية: «ومن تشبه من هذه الأمة باليهود والنصارى، وغلا في الدين بإفراطٍ فيه أو تفريطٍ، وضاهاهم في ذلك، فقد شابههم كالخوارج المارقين من الإسلام» (4).
(1) ينظر: تفسير الطبري (7/ 700)، وتيسير العزيز الحميد ص (254).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 167) رقم (3445).
(3)
ينظر: فتح المجيد ص (218)، وقرة عيون الموحدين ص (105).
(4)
نقله عنه صاحب تيسير العزيز الحميد ص (254)، ولم أقف عليه في كتب شيخ الإسلام.
فِي الصَّحِيحِ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} قَالَ: هَذِهِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ،
•---------------------------------•
ومناسبة الآية للباب ظاهرة: وهي: أن قوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} نهيٌ لأهل الكتاب عن الغلو في الدين، و (تغلو): فعل مضارع جاء في سياق النهي، والقاعدة: أن الفعل المضارع لاشتماله على نكرة ينزل منزلتها؛ فيفيد العموم في سياق النهي أو النفي. فهو هنا يعم جميع أنواع الغلو في الدين، أي: لا تغلو بأي نوع من أنواع الغلو في الدين؛ فنهوا عن أي نوع من أنواع الغلو. فيدخل في هذا عموم الغلو في الصالحين وغيرهم (1).
«فِي الصَّحِيحِ» : أي في صحيح البخاري (2)، وهذا الحديث قد اختصره المصنف، ولفظه: عن ابن عباس رضي الله عنهما: «صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي العَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدُومَةِ الجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ، عِنْدَ سَبَإٍ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلَاعِ، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ، أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ» .
(1) ينظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (240)، والملخص في شرح كتاب التوحيد ص (159)، والجديد في شرح كتاب التوحيد ص (174).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (6/ 160) رقم (4920) عن إبراهيم بن موسى، عن هشام، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشيطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسِونَ فِيهَا أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، وَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلكَ أُولَئِكَ وَنُسي العِلْمُ، عُبِدَتْ.
•---------------------------------•
قوله: «وَنُسي العِلْمُ» : هكذا نقلها الماتن، والرواية التي بين أيدينا من نسخ البخاري:«وَتَنَسَّخَ العِلْمُ» (1): أي: درست آثاره بذهاب العلماء، وغلب الجهال؛ فوقع الناس في الشرك؛ لعدم تمييزهم بينه وبين التوحيد (2).
«أَوْحَى الشيطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ» : الوحي: إلقاء في خفاء، فأوحى الشيطان إليهم في روعهم ذلك، وهو وحي وسوسة، وليس وحي إلهام (3).
«أَنْصَابًا» : جمع نُصب، وهو ما ينصب لغرض كالعبادة، والمراد به هنا الأصنام المصورة على صور أولئك الصالحين التي نصبوها في مجالسهم، وسموها بأسمائهم (4).
وهذا الأثر يدل على أن هذا الفعل الذي فعله هؤلاء بوحي من الشيطان هو من الغلو في الصالحين، الذي تدَرج بهم وكان سببًا من أسباب عبادتهم لهم من دون الله، وهذا هو عين الشرك بالله تعالى (5).
(1) صحيح البخاري (6/ 160) رقم (4920).
(2)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (258)، وفتح المجيد ص (221).
(3)
ينظر: القول المفيد (1/ 368)، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (244).
(4)
ينظر: الكواكب الدراري للكرماني (18/ 166)، وفتح المجيد ص (221).
(5)
ينظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (244)، والملخص في شرح كتاب التوحيد ص (161)، والجديد في شرح كتاب التوحيد ص (176).
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: «قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: لَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ، ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ،
•---------------------------------•
«وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ» (1): وهو بمثابة تفسير لما قاله ابن عباس رضي الله عنهما في الأثر الذي مَرَّ معنا آنفًا.
«قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ» «الظاهر أن ابن القيم ذكر ذلك بالمعنى لا باللفظ، وقد رُوِيَ عن غير واحد من السلف معنى ذلك، منهم أبو جعفر الباقر، وغيره» (2).
«لما مَاتُوا» : أي لما مات هؤلاء الأولياء والصالحون «عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ» : هذه الخطوة الأولى من خطوات التدرج في الغلو في الصالحين، حيث عكفوا على قبورهم، أي أطالوا البقاء والمكث في مكان قبورهم.
«ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ» : وهذه هي الخطوة الثانية، وكان القصد من ذلك في أول الأمر التأسي بهم، وتذكرهم في عبادتهم (3).
قال القرطبي: وإنما صور أوائلهم الصور؛ ليتأسوا بها، ويتذكروا أفعالهم الصالحة، فيجتهدوا كاجتهادهم، ويعبدوا الله عند قبورهم، ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم، فوسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها (4).
(1) في كتابه إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 184).
(2)
تيسير العزيز الحميد ص (258).
(3)
ينظر: إعانة المستفيد (1/ 267).
(4)
ينظر: المفهم (2/ 127، 128).
ثُمَّ طَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَعَبَدُوهُمْ».
وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ» أَخْرَجَاهُ.
•---------------------------------•
«ثُمَّ طَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَعَبَدُوهُمْ» : وهذه الخطوة الثالثة، والمعنى: فلما طال عليهم الزمان، نسوا المقصد الذي قصده آباؤهم الأولون بتصوير صور هؤلاء الصالحين؛ فعبدوهم من دون الله؛ فوقعوا في الشرك (1).
ومناسبة كلام ابن القيم رحمه الله للترجمة: هو أن هؤلاء غلوا في صالحيهم حتى إذا ماتوا عكفوا على قبورهم، وصوروا تماثيلهم، ونصبوا الأنصاب في أماكنهم؛ ليتذكروهم في عبادتهم ويتأسوا بهم، ثم تدرج بهم الأمر حتى عبدوهم من دون الله؛ فكان الغلو في الصالحين هو السبب الأساسي في عبادة الأولياء والصالحين (2).
حديث عمر قال المصنف: «أَخْرَجَاهُ» : أي البخاري ومسلم، وهو وَهْمٌ من المصنف رحمه الله؛ فإن الحديث قد رواه البخاري وحده دون مسلم (3).
«لَا تُطْرُونِي» : الإطراء: هو مجاوزة الحد في المدح بالكذب فيه، تقول: أطريت فلانًا: أي مدحته فأفرطتُ في مدحه، والمقصود به: المبالغة في المدح والغلو في الثناء (4).
(1) ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (259)، وإعانة المستفيد (1/ 267).
(2)
ينظر: القول المفيد (1/ 369)، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (243، 244).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 167) رقم (3445) من طريق الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمر رضي الله عنه.
(4)
ينظر: عمدة القاري (16/ 37) ومرقاة المفاتيح (7/ 3071).
«كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ» : أي: لا تغلوا في مدحي، ولا تصفوني بما ليس فيَّ من الصفات، تبتغون بذلك مدحي، كما غلت النصارى في عيسى؛ حتى ادعوا فيه الربوبية والألوهية (1).
«وهذا النهي عام
…
؛ فيشمل ما يشابه غلو النصارى في عيسى ابن مريم وما دونه، ويكون قوله:(كما أطرت) لمطلق التشبيه لا للتشبيه المطلق؛ لأن إطراء النصارى عيسى بن مريم سببه الغلو في هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث جعلوه ابنا لله وثالث ثلاثة» (2).
«إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ» : هذا من تواضعه وهضمه نفسه، والمعنى: ليس لي من ملك الربوبية شيءٌ، ولا من حق الألوهية نصيب، ولا أي شيء مما يختص به الله عز وجل.
«فَقُولُوا: عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ» : بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم طريقة مدحه، فقال: صفوني بما وصفني به ربي عز وجل بكوني عبدًا من خاصة عبيده، ونبيًّا ورسولًا من عنده (3).
مناسبة الحديث للباب: أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلو في حقه بإعطائه شيئًا من خصائص الربوبية أو الألوهية؛ لأن ذلك يفضي إلى الشرك الذي يخرج المسلم من الإسلام، كما أخرج النصارى من دينهم؛ لأنهم غلوا في عيسى عليه السلام (4).
(1) ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 254)، وفتح المجيد ص (226).
(2)
القول المفيد (1/ 370).
(3)
ينظر: منار القاري (4/ 208)، والملخص في شرح كتاب التوحيد ص (163).
(4)
الجديد في شرح كتاب التوحيد ص (178)، والملخص في شرح كتاب التوحيد ص (163).
قالَ: وَقَالَ رَسُولُ الله? : «إِيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ، فَإِنمَّا أَهَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الغُلُوُّ» رواه أحمد.
•---------------------------------•
قوله: «إِيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ» : الحديث رواه أحمد وغيره (1)، وإسناده صحيح.
قال شيخ الإسلام: الغلو: مجاوزة الحد بأن يزاد الشيء في حمده أو ذمه على ما يستحق، ونحو ذلك، وهو عام في جميع أنواع الغلو، في الاعتقاد والأعمال (2).
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (3/ 203) رقم (13461)، والنسائي في سننه (5/ 268) رقم (3057)، من طريق إسماعيل ابن علية،
وأحمد في المسند (5/ 298) رقم (3248)، والنسائي في السنن الكبرى (4/ 179) رقم (4051) مختصرًا ولم يسق موضع الشاهد، من طريق يحيى، وقرن أحمد مع يحيى (إسماعيل المعنى)،
وأحمد في المسند (3/ 350) رقم (1851)، وأبو يعلى في مسنده (4/ 357) رقم (2472) من طريق هشيم،
وابن أبي عاصم في السنة (1/ 46) رقم (98) من طريق حماد بن زيد مختصرًا.
وابن ماجه في سننه (2/ 1008) رقم (3029) من طريق أبي أسامة،
والنسائي في السنن الكبرى (4/ 178) رقم (4049) من طريق يعقوب بن إبراهيم الدورقي،
وأبو يعلى في مسنده (4/ 316) رقم (2427)، وابن الجارود في المنتقى ص (127) رقم (473)، من طريق عيسى بن يونس، وقرن أبو يعلى مع عيسى بن يونس (عبد الله بن المبارك)،
وابن خزيمة (4/ 274) رقم (2867) من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد،
وابن حبان في صحيحه (9/ 183) رقم (3871) من طريق عبد الله، والحاكم في المستدرك (1/ 637) رقم (1711) عن أبي النضر هاشم بن القاسم،
كلهم عن عوف، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال الحاكم (1/ 637): (صحيح على شرط الشيخين)، وقال شيخ الإسلام في الاقتضاء (1/ 328):(وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 328) بتصرف يسير.
وَلِمُسْلِمٍ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ» قَالَهَا ثَلَاثًا.
•---------------------------------•
وهل قوله: (فَإِنمَّا أَهَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الغُلُوُّ) على سبيل الحصر؟
الجواب: ليس المراد بذلك حصر سبب هلاك الأمم السابقة في الغلو، إنما ذلك على سبيل التمثيل بالغالب، ويدل على ذلك أن هنالك أحاديث أضاف النبي صلى الله عليه وسلم الهلاك فيها إلى أعمال غير الغلو، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِم الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِم الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ» (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «فَوَالله لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُم الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» (2).
«وَلِمُسْلِمٍ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ
…
» الحديث رواه مسلم كما أشار المؤلف (4).
(1) أخرجه البخاري (3/ 1282) رقم (3288)، ومسلم (3/ 1311) رقم (1688) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
أخرجه البخاري (3/ 1152) رقم (2988)، ومسلم (4/ 2273) رقم (2961).
(3)
الملخص في شرح كتاب التوحيد ص (165، 166).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2055) رقم (2670) من طريق ابن جريج، عن سليمان بن عتيق، عن طلق بن حبيب، عن الأحنف بن قيس، عن عبد الله.
«هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ» : «المتنطع المتعمق في الشيء المتكلف البحث عنه، على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم» (1).
ووجه مناسبة الحديث للباب: أن التنطع من الغلو والزيادة في الدين المنهي عنها، ويدخل في ذلك الغلو في تعظيم الصالحين؛ حتى يؤدي إلى الشرك بالله تعالى (2).
(1) معالم السنن (4/ 300).
(2)
ينظر: قرة عيون الموحدين ص (108)، وحاشية كتاب التوحيد ص (152)، والملخص في شرح كتاب التوحيد ص (167)، والجديد في شرح كتاب التوحيد ص (181).