الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: (يَقُولُونَ هَذَا بِشَفَاعَةِ آلِهَتِنَا).
•---------------------------------•
وما
حكم قول القائل: (لولا فلان لم يكن كذا):
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: «وهذا القول من قائله فيه تفصيل:
إن أراد به الخبر، وكان الخبر صدقًا مطابقًا للواقع; فهذا لا بأس به، وإن أراد به السبب؛ فلذلك ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون سببًا خفيًّا لا تأثير له إطلاقًا، كأن يقول: لولا الولي الفلاني ما حصل كذا وكذا، فهذا شرك أكبر؛ لأنه يعتقد بهذا القول أن لهذا الولي تصرفًا في الكون مع أنه ميت، فهو تصرف سري خفي.
الثانية: أن يضيفه إلى سببٍ صحيحٍ ثابت شرعًا أو حسًّا؛ فهذا جائز بشرط أن لا يعتقد أن السبب مؤثر بنفسه، وأن لا يتناسى المنعم بذلك.
الثالثة: أن يضيفه إلى سببٍ ظاهرٍ، لكن لم يثبت كونه سببًا: لا شرعًا ولا حِسًّا؛ فهذا نوعٌ من الشرك الأصغر، وذلك مثل: التولة، والقلائد التي يقال: إنها تمنع العين، وما أشبه ذلك؛ لأنه أثبت سببًا لم يجعله الله سببًا، فكان مشاركًا لله في إثبات الأسباب» (1).
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: (يَقُولُونَ هَذَا بِشَفَاعَةِ آلِهَتِنَا) نص كلام ابن قتيبة: «{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ}: أي يعلمون أن هذا كله من عنده، ثم ينكرون ذلك، بأن يقولوا: هو شفاعة آلهتنا» (2).
(1) القول المفيد (2/ 203، 204).
(2)
غريب القرآن ص (210).
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ بَعْدَ حدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الَّذِي فِيهِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ» الحَدِيثَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ: «وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، يَذُمُّ سُبْحَانَهُ مَنْ يُضيفُ إِنْعَامَهُ إِلَى غَيْرِهِ وَيُشركُ بِهِ» .
•---------------------------------•
قال ابن القيم رحمه الله: «هذا يتضمن الشرك مع إضافة النعمة إلى غير وليها» (1).
و«هؤلاء أخبث ممن سبقهم؛ لأنهم مشركون يعبدون غير الله، ثم يقولون: إن هذه النعم حصلت بشفاعة آلهتهم، فالعُزَّى مثلا شفعت عند الله أن ينزل المطر؛ فهؤلاء أثبتوا سببا من أبطل الأسباب لأن الله عز وجل لا يقبل شفاعة آلهتهم، لأن الشفاعة لا تنفع إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا، والله عز وجل لا يأذن لهذه الأصنام بالشفاعة؛ فهذا أبطل من الذي قبله لأن فيه محذورين:
1 -
الشرك بهذه الأصنام.
2 -
إثبات سبب غير صحيح» (2).
وفي هذا الأثر أن ابن قتيبة يرى أن إضافة النعمة إلى شفاعة الأصنام كفر.
«وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ» هو: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ونص كلامه موجود في فتاويه (3).
(1) شفاء العليل ص (37).
(2)
القول المفيد (2/ 205).
(3)
مجموع الفتاوى (8/ 33).
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: «هُوَ كَقَوْلِهِمْ: كَانَتِ الرِّيحُ طَيِّبَةً، وَالمَلَّاحُ حَاذِقًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ جَارٍ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ» .
•---------------------------------•
«قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ» لم أقف فيما وقع لدي من الكتب على تسمية هذا البعض.
«كَانَتِ الرِّيحُ طَيِّبَةً، وَالمَلَّاحُ حَاذِقًا» الملَّاح -بفتح الميم وتشديد اللام-: هو صاحب السفينة: قائدها، أو العامل فيها (1).
والمعنى أن السفن إذا جرين بريح طيبة بأمر الله جريًا حسنًا نسبوا ذلك إلى طيب الريح، وحذق الملاح في سياسة السفينة، ونسوا ربهم الذي أجرى لهم الفلك في البحر رحمة بهم كما قال تعالى:{رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [الإسراء: 66]. فيكون نسبة ذلك إلى طيب الريح وحذق الملَّاح من جنس نسبة المطر إلى الأنواء.
ووجه إيراد هذا الكلام: أن هذا التعبير فيه محذور شرعي، إذ إن فيه كفرًا بنعمة الله تعالى، حيث أُسْنِد الفضل لغيره سبحانه، مع أن الفضل له أولًا وآخرًا، كما قال سبحانه:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الروم: 46](2).
(1) ينظر: مختار الصحاح ص (298)، والمعجم الوسيط (2/ 883).
(2)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (507، 508)، وحاشية كتاب التوحيد ص (298).