الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثاني: رضاه عن المشفوع له:
قال الله سبحانه: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، فالإذن بالشفاعة له بعد الرضا كما في هذه الآية، وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد (1).
والشفاعة المثبتة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الشفاعة الخاصة
بالرسول صلى الله عليه وسلم:
وهي أنواع:
النوع الأول: الشفاعة العظمى:
وهي الشفاعة الخاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من بين سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وهي المقام المحمود:
وأدلة هذه الشفاعة كثيرة في القرآن الكريم والأحاديث المتواترة، فمن القرآن قول الله عز وجل:{عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء: 79]. قال النبي صلى الله عليه وسلم حينما سُئِلَ عن هذه الآية: «هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي أَشْفَعُ لِأُمَّتِي فِيهِ» (2).
ومن الأحاديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديثٌ مشهورٌ طويلٌ، وفيه ذهاب الناس للأنبياء من آدم إلى عيسى عليهم السلام، فيعتذرون بأعذارٍ إلى أن ينتهوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم: «
…
فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ الله وَخَاتِمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا =
(1) ينظر: قرة عيون الموحدين ص (97)، وحاشية كتاب التوحيد ص (133).
(2)
أخرجه الترمذي في سننه (5/ 303) رقم (3137)، وأحمد في مسنده (15/ 428) رقم (9684). قال الترمذي:(حديثٌ حسن).
= إِلَى رَبِّكَ أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عز وجل، ثُمَّ يَفْتَحُ الله عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ» (1).
النوع الثاني: شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة في أن يدخلوا الجنة:
شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوها لأنهم إذا عبروا الصراط ووصلوا إليها وجدوها مغلقة، فيطلبون من يشفع لهم، فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله في فتح أبواب الجنة لأهلها، كما في حديث أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ، لَمْ يُصَدَّقْ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْتُ، وَإِنَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيًّا مَا يُصَدِّقُهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ» (2).
النوع الثالث: شفاعته في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب:
ودليل ذلك ما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر عنده عمه، فقال:«لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ» (3).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6/ 84) رقم (4712)، ومسلم (1/ 185) رقم (194).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 188) رقم (196).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (5/ 52) رقم (3885)، ومسلم (1/ 195) رقم (210).
فإن قيل: هذا النوع من الشفاعة يتعارض مع قوله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدَّثر: 48]، قيل الجواب من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أن المراد بالآية هنا: لا تنفعهم شفاعة الشافعين في الخروج من النار؛ كعصاة الموحدين الذين يخرجون منها ويدخلون الجنة (1).
الوجه الثاني: أن هذه حالة خاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حق أبي طالب خاصة، وهي مستثناة من قوله تعالى:{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدَّثر: 48]، ونحوها من الآيات؛ وذلك لما كان لأبي طالب من نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم ودفاع عنه، وهو مع ذلك لم يخرج من النار.
الوجه الثالث: أن هذه الشفاعة هي شفاعة تخفيف فقط، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يشفع له في دخول الجنة ولا الخروج من النار، وإنما شفع له في تخفيف العذاب (2).
النوع الرابع: الشفاعة في أقوام أن يدخلوا الجنة بغير حساب:
جاء هذا في حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: اللهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ» (3).
(1) ينظر: التذكرة ص (608).
(2)
ينظر: القول المفيد (1/ 333).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 197) رقم (216).
القسم الثاني: الشفاعة العامة له صلى الله عليه وسلم ولجميع المؤمنين وهي أنواع:
النوع الأول: الشفاعة فيمن استحق النار من أهل التوحيد أن لا يدخلها:
عن عبد الله بن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ» (1).
النوع الثاني: الشفاعة فيمن دخل النار من أهل التوحيد أن يخرج منها:
وقد جاء ذلك صريحًا في حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» (3).
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (2/ 655) رقم (948).
(2)
القول المفيد (1/ 334)
(3)
أخرجه أبو داود (4/ 236) رقم (4739)، والترمذي (4/ 625) رقم (2435)، وأحمد (20/ 439) رقم (13222). قال الترمذي:(حديث حسن).
وَقَوْلِ الله عز وجل: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} .
•---------------------------------•
النوع الثالث: شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفعة درجات أهل الجنة:
ودليلها في حق النبي صلى الله عليه وسلم دعاؤه لأبي سلمة حينما قال: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ (1)» (2).
وفي حق أمته قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21].
وَقَوْلِ الله عز وجل: {وَأَنذِرْ} : «الإنذار: هو الإعلام المتضمن للتخويف، أما مجرد الخبر؛ فليس بإنذار، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم» (3).
والضمير في {بِهِ} : يعود للقرآن الكريم (4).
{الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} : هم المؤمنون، «يخافون مما يقع لهم من سوء العذاب في ذلك الحشر» (5).
{لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} : الآية فيها دليل على نفي اتخاذ الشفعاء من المؤمنين، وعلى نفيها بغير إذن الله، وليس في الآية دليل على نفي الشفاعة لأهل الكبائر بإذن الله كما ادعته المعتزلة، وقد سبقت الأدلة في ذلك.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (2/ 634) رقم (920) من حديث أم سلمة.
(2)
ينظر: التذكرة ص (607)، والبداية والنهاية (20/ 186 - 194)، والقول المفيد (1/ 331).
(3)
القول المفيد (1/ 330).
(4)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (230).
(5)
القول المفيد (1/ 330، 331).
وَقَوْلِهِ: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} ، وَقَوْلِهِ:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} .
•---------------------------------•
والمقصود من سياق الآية هنا ما دلت عليه من نفي الشفاعة التي لم تتوفر شروطها، وهي شفاعة المخلوق على سبيل الاستقلال، فيكون طلبها من المخلوق شركًا أكبر، ومن ذلك طلبها من الأوثان التي زعموا أنهم يعبدونها للشفاعة، وفي ذلك ردٌّ على المشركين الذين يدعون الأنبياء والصالحين يطلبون منهم الشفاعة (1).
وَقَوْلِهِ: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} اللام في قوله: {لِّلَّهِ} لام الملك، ولفظ الجلالة خبر مقدم، والشفاعة مبتدأ مؤخر، والقاعدة أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والاختصاص، أي أن الذي يملك الشفاعة هو الله جل وعلا، ومن ثم: فهي تُطلب منه وحده، لا تُطلب من غيره، لأن الذين تُطلب منهم الشفاعة لا يملكون منها شيئًا؛ ولأن ذلك عبادة وتأله وتقرب لا يصلح ولا يكون إلا لله تعالى (2).
وقد دلت هذه الآية على ما دلت عليه الآية السابقة: وهو أن الشفاعة لله سبحانه وحده، إذ إنها لا تقع إلا لأهل التوحيد خاصة، وبشرط إذنه عز وجل ورضاه (3).
وَقَوْلِهِ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} «في هذه الآية رد على المشركين الذين اتخذوا الشفعاء من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام المصورة على صور الصالحين وغيرهم، وظنوا أنهم يشفعون عنده بغير إذنه فأنكر
(1) ينظر: الجديد في شرح كتاب التوحيد ص (155)، والملخص في شرح كتاب التوحيد ص (142).
(2)
ينظر: حاشية كتاب التوحيد ص (134)، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (221).
(3)
ينظر: قرة عيون الموحدين ص (98).
•---------------------------------•
ذلك عليهم، وبين عظيم ملكوته وكبريائه وأن أحدًا لا يتمالك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن له في الكلام كقوله:{لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} [النبأ: 38]» (1).
{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} هذه الآية دلت على ما دلت عليه الآيات السابقات من أن الشفاعة لا يقبلها الله عز وجل إلا لمن يأذن له، ولا يقبلها إلا فيمن رضي عنه.
قال ابن كثير رحمه الله: «فإذا كان هذا في حق الملائكة المقربين، فكيف ترجون أيها الجاهلون شفاعة هذه الأصنام والأنداد عند الله، وهو تعالى لم يشرع عبادتها ولا أذن فيها، بل قد نهى عنها على ألسنة جميع رسله وأنزل بالنهي عن ذلك جميع كتبه؟ » (3).
(1) تيسير العزيز الحميد ص (232).
(2)
تفسير الطبري (22/ 57).
(3)
تفسير ابن كثير (7/ 425).
•---------------------------------•
{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ} : هذا أمر تعجيز والمراد منه التوبيخ، والمعنى:«ادعوا أيها القوم الذين زعمتم أنهم لله شريك من دونه، فسلوهم أن يفعلوا بكم بعض أفعالنا بالذين وصفنا أمرهم من إنعام أو إبآس، فإن لم يقدروا على ذلك فاعلموا أنكم مبطلون؛ لأن الشركة في الربوبية لا تصلح ولا تجوز» (1).
{لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ} : أي لا يملكون شيئًا منفردين بملكه من دون الله: لا استقلالًا، ولا على سبيل الشركة؛ لا من خيرٍ ولا شرٍّ، ولا ضرٍّ ولا نفعٍ (2).
{وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ} : أي ليس لله تعالى معين يعينه - على خلق شيء ولا حفظه - من هذه الآلهة التي يعبدونها ويدعونها من دونه سبحانه؛ لأنها لم يكن لها حظ من الملك لا مشاعًا ولا مقسومًا (3).
{وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} : «أي لعظمته وجلاله وكبريائه لا يجترئ أحد أن يشفع عنده تعالى في شيء إلا بعد إذنه له في الشفاعة» (4).
(1) تفسير الطبري (19/ 272).
(2)
ينظر: تفسير الطبري (19/ 272)، وتفسير ابن كثير (6/ 454).
(3)
ينظر: تفسير الطبري (19/ 272).
(4)
تفسير ابن كثير (6/ 454).
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ: نَفَى اللهُ عَمَّا سِوَاهُ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ المُشركُونَ، فَنَفَى أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ مِلْكٌ أَوْ قِسْطٌ مِنْهُ، أَوْ يَكُونَ عَوْنًا له، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الشَّفَاعَةُ، فَبَيَّنَ أَنَّهَا لا تَنْفَعُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّبُّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} ، فَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ الَّتِي يَظُنُّهَا المُشركُونَ هِيَ مُنْتَفِيَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، كَمَا نَفَاهَا القُرْآنُ. وَأَخْبَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ يَأْتِي فَيَسْجُدُ لِرَبِّهِ وَيَحْمَدُهُ، لا يَبْدَأُ بِالشَّفَاعَةِ أَْوَّلًا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ» .
•---------------------------------•
و«هذه الآية هي التي قال فيها بعض العلماء: إنها تقطع عروق شجرة الشرك من القلب لمن عقلها» (1).
«قَالَ أَبُو العَبَّاسِ» : هو شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
«وَأَخْبَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ يَأْتِي فَيَسْجُدُ لِرَبِّهِ وَيَحْمَدُهُ، لا يَبْدَأُ بِالشَّفَاعَةِ أَْوَّلًا» : هذا هو حديث الشفاعة الطويل في الصحيحين (4).
(1) تيسير العزيز الحميد ص (236).
(2)
تفسير الطبري (19/ 274).
(3)
فتح المجيد ص (210).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (9/ 146) رقم (7510) من طريق سليمان بن حرب،
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ؟ قَالَ: «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ» فَتِلْكَ الشَّفَاعَةُ لأِهْلِ الإِخْلَاصِ بِإِذْنِ الله، وَلَا تَكُونُ لِمَنْ أَشركَ بالله، وَحَقِيقَتُهُ: أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَتَفَضَّلُ عَلَى أَهْلِ الإِخْلَاصِ فَيَغْفِرُ لَهُمْ بِوَاسِطَةِ دُعَاءِ مَنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ، لِيُكْرِمَهُ وَيَنَالَ المَقَامَ المَحْمُودَ. فَالشَّفَاعَةُ الَّتِي نَفَاهَا القُرْآنُ مَا كَانَ فِيهَا شركٌ، وَلِهَذَا أَثْبَتَ الشَّفَاعَةَ بِإِذْنِهِ فِي مَوَاضِعَ، وقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا لأَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالإِخْلَاصِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
•---------------------------------•
«وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ؟ » : هذا الحديث الذي ذكره شيخ الإسلام في صحيح البخاري (1).
«فَتِلْكَ الشَّفَاعَةُ لأِهْلِ الإِخْلَاصِ بِإِذْنِ الله، وَلَا تَكُونُ لِمَنْ أَشركَ بالله
…
» الخ: هذا بيان وتبيين لشروط الشفاعة المعتبرة شرعًا، وقد تكلمنا عنها في بداية الباب؛ بما أغنى عن إعادتها هنا.
قال ابن القيم رحمه الله في معنى حديث أبي هريرة: «تأمَّل هذا الحديث كيف جعل أعظم الأسباب التي تنال بها شفاعته تجريد التوحيد، عكس ما عند المشركين أن الشفاعة تنال باتخاذهم أولياءهم شفعاء وعبادتهم وموالاتهم من دون الله، فقلب النبي صلى الله عليه وسلم ما في زعمهم الكاذب، وأخبر أن سبب الشفاعة تجريد التوحيد، فحينئذ يأذن الله للشافع أن يشفع» (2).
ومسلم في صحيحه (1/ 182) رقم (193) من طريق أبي الربيع الْعَتَكِي، وسعيد بن منصور، ثلاثتهم (سليمان بن حرب، وأبو الربيع الْعَتَكِي، وسعيد بن منصور) عن حماد بن زيد، عن معبد بن هلال العنزي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 31) رقم (99) عن عبد العزيز بن عبد الله، عن سليمان، عن عمرو بن أبي عمرو، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
مدارج السالكين 1/ 341.