الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى:
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} الآية.
•---------------------------------•
مقصود الترجمة: بيان أن الناس مِن ظلمهم وجهلهم ما قدروا الله حق قدره الذي هو أهله ويستحقه، بل إنهم فعلوا به تعالى نقيض ما هو لازم عليهم، عقلًا، ونقلًا، وأصلًا، وفرعًا (1).
ومناسبة الباب للأبواب قبله: أن «هذا الباب ختم به المؤلف رحمه الله أبواب (كتاب التوحيد)، لأنه يشتمل على الأسماء والصفات، لأن (كتاب التوحيد) كله يدور على توحيد الألوهية، ومكملاته ومنقصاته ومناقضاته.
(1) فتح الله الحميد ص (487).
(2)
القول السديد ص (194).
(3)
التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (584، 589).
وفي هذا الباب ذكر الأسماء والصفات من أجل أن يتكامل هذا الكتاب فيحتوي على جميع أنواع التوحيد، لأن توحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية، ومن جملة توحيد الربوبية: الإيمان بالأسماء والصفات، ولكن فصلت الأسماء والصفات بقسم خاص لوجود المخالفين فيها؛ من فرق الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ومن أخذ بمذهبهم
…
؛ ولذلك عقد المصنف رحمه الله هذا الباب في آخر (كتاب التوحيد) من أجل تكامل الكلام على التوحيد» (1).
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِي} : الضمير يعود على المشركين، و (قدروا): عظموا؛ أي: ما عظموا الله حق تعظيمه حيث أشركوا به ما كان من مخلوقاته (2).
وقد جاءت أحاديث كثيرة فيها بيان عظمة الجبار سبحانه منها:
- عن عبيد الله بن مقْسَمٍ، أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «يَأْخُذُ الجَبَّارُ سَمَوَاتِه وأرْضَهُ بِيَدَيْه» وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، وجعل يقبضهما ويبسطهما، قال: ثمَّ يَقُولُ: «أنا الرَّحْمَنُ أنا المَلِك، أيْنَ الجَبَّارُونَ، أيْنَ المُتَكَبِّرُونَ» وتمايل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وعن شماله، حتى نظرت إلى المنبر يتحرَّك من أسفل شيء منه، حتى إني
(1) إعانة المستفيد (2/ 315).
(2)
القول المفيد (2/ 523)، وينظر: تفسير ابن كثير (7/ 113).
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم
…
•---------------------------------•
لأقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
- وعن أبي هريرة أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَقْبِضُ الله عز وجل الأرْضَ يَوْمَ القِيامَةِ وَيَطْوِي السموات بيَمينهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أنا المَلِكُ أيْنَ مُلُوكُ الأرْضِ؟ » (2).
وهذا يشمل كل من تنقص الله تعالى فإنه ما قدره حق قدره، فيدخل في ذلك الجاحدون المعطلون الذين ينفون وجود الله تعالى.
«{عَمَّا يُشْرِكُونَ}» : أي: عن كل شرك يشركونه به، سواء جعلوا الخالق كالمخلوق أو العكس (3).
حديث ابن مسعود أخرجه البخاري ومسلم (4) كما أشار المؤلف.
«جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ» : والحبر: -بفتح الحاء وكسرها- واحد أحبار اليهود، هو العالم بتحبير الكلام وتحسينه، وسمي حبرًا لما يبقى من أثر علومه في قلوب الناس، وآثار أفعاله الحسنة المقتدى بها (5).
(1) أخرجه ابن جرير في تفسيره (20/ 249).
(2)
أخرجه ابن جرير في تفسيره (20/ 249).
(3)
ينظر: إعانة المستفيد (2/ 316)، القول المفيد (2/ 524).
(4)
صحيح البخاري (6/ 126) رقم (4811)، ومسلم (4/ 2147) رقم (2786).
(5)
حاشية كتاب التوحيد ص (397).
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ِإنَّا نَجِدُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَواتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذَهُ، تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «وَالجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا اللهُ» .
•---------------------------------•
قوله: (إصبع) واحدة الأصابع، وهي مثلثة الأول والثالث، ففيها تسع لغات، والعاشر أصبوع، وفي هذا يقول الناظم:
وهمز أنملة ثلث وثالثه
…
التسع في إصبع واختم بأصبوع
قوله: (فيقول: أنا الملك) فملك الله تعالى متضمن لكمال السلطان والتدبير والملك، بخلاف غيره، فإن من ملوك الدنيا من يكون ملكًا لا يملك التصرف، ومنهم المالك وليس بملك.
قوله: (حتى بدت نواجذه) أي: ظهرت، ونواجذ: جمع ناجذ، وهو أقصى الأضراس.
وهذا الضحك من النبي صلى الله عليه وسلم تقرير لقول الحبر، ولهذا قال ابن مسعود:«تصديقًا لقول الحبر» .
ومن فوائد الحديث: إثبات الأصابع لله عز وجل لإقراره صلى الله عليه وسلم هذا الحبر على ما قال. والإصبع إصبع حقيقي يليق بالله عز وجل، من غير تشبيه أو تمثيل، وغير تأويل أو تعطيل.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَع، وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ» . أَخْرَجَاهُ
وَلِمُسْلِمٍ عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا: «يَطْوِي الله السَّمَوَاتِ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ اليُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، .............................
•---------------------------------•
وقوله: (على إصبع) فيه إثبات صفة الأصابع لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته، من غير تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل.
قوله: «وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «وَالجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ
…
» (1): فيه زيادة على الحديث الأصل: وهي زيادة وضع الجبال مع الشجر.
«يَهُزُّهُنَّ» : يحركهن سبحانه وتعالى.
«وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى
…
» (2): فيه مخالفة لحديث الباب الأصل، الذي فيه:«وَالمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ» ، بينما هنا: الماء والثرى على إصبعٍ واحدٍ.
والجواب: يُقال: المراد بالماء والثرى: الأرض، والمراد بالإصبع هنا الجنس، أو يقال: إن الماء والثرى على إصبع، وسكت عن الباقي الذي في الحديث السابق.
«ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ» : يقول ذلك ثناء على نفسه سبحانه، وتنبيها على عظمته الكاملة وعلى ملكه الكامل، وهو السلطان، فهو مالك ذو سلطان
…
أي: أنا الذي لي الملكية المطلقة والسلطان التام لا ينازعني فيهما أحد (3).
(1) صحيح مسلم (4/ 2147) رقم (2786).
(2)
صحيح البخاري (6/ 126) رقم (4811).
(3)
القول المفيد (2/ 533).
أَيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ المُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الأَرَضينَ السَبْعَ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ المُتَكَبِّرُونَ؟ ».
•---------------------------------•
«أَيْنَ الجَبَّارُونَ؟ » : الاستفهام للتحدي، فيقول: أين الملوك الذين كانوا في الدنيا لهم السلطة والتجبر والتكبر على عباد الله؟ (1).
«ثُمَّ يَطْوِي الأَرَضينَ السَبْعَ» : قال النووي رحمه الله: «قال القاضي: وفي هذا الحديث ثلاثة ألفاظ: يقبض، ويطوي، ويأخذ، كله بمعنى الجمع؛ لأن السموات مبسوطة، والأرضين مدحوة وممدودة» (2).
وقد أشار الله في القرآن إلى أن الأرضين سبع، ولم يرد العدد صريحا في القرآن، قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12]، والمماثلة هنا لا تصح إلا في العدد، لأن الكيفية تتعذر المماثلة فيها، وأما السنة، فقد صرحت في عدة أحاديث بأنها سبع (3).
«ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِشِمَالِهِ» : أجمع العلماء على إثبات اليدين لله تعالى، ولكنهم اختلفوا في إثبات الشمال له سبحانه: فمنهم مَن قال: ليس لله يد شمال، بل كلتا يديه يمين، واستدل بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا:«إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عز وجل، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ» (4)، وحكم على رواية الباب بالشذوذ، وعضد ذلك بأن الشمال في المخلوق أضعف من اليمين، ويد الله تتنزه عن النقص.
(1) القول المفيد (2/ 533).
(2)
شرح مسلم 9/ 146.
(3)
القول المفيد (2/ 533).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (3/ 1458) رقم (5379).
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «مَا السَّمَواتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ إِلَّا كَخَرْدَلَةٍ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ» .
•---------------------------------•
وقال آخرون من أهل التحقيق: بل لله تعالى يدٌ شمالٌ، وقد صح الحديث بذلك فيجب المصير إليه، ولا ينبغي تضعيف رواية الثقات الأثبات، وجمعوا بين حديث الشمال ورواية:«وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ» بأن اليد اليمنى والشمال لله تعالى على درجة واحدة من القوة ولا ضعف في الشمال كما هو عند المخلوقين تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. وهذا هو الأقرب والله أعلم (1).
«أَيْنَ الجَبَّارُونَ؟ » : الجبارون: جمع جبار، وهو المتعالي على الناس بالقهر والغلبة والظلم والبطش بغير حق. أما الجبار من أسمائه سبحانه، فمعناه: المتعالي بحق.
«أَيْنَ المُتَكَبِّرُونَ؟ » : جمع متكبر، والمتكبر من الخلق هو: المتعالي، الذي يتعالى على الناس بالظلم والبطش، وكذلك يتعالى على الحق فلا يقبله. والمتكبر من أسماء الله الحسنى الكاملة يدل على العظمة والجلال والتنزه عن النقائص (2).
«وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ
…
» الأثر عند عبد الله بن أحمد في السنة (3)، وهو موقوف على ابن عباس، وإسناده ضعيف (4).
(1) القول المفيد (2/ 534).
(2)
إعانة المستفيد (2/ 323).
(3)
أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (2/ 476) رقم (1090) عن أبيه،
والطبري في تفسيره (20/ 246) عن محمد بن بشار،
كلاهما (أحمد بن حنبل، ومحمد بن بشار) عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، موقوفًا عليه.
(4)
لأن في إسناده عمرو بن مالك، وهو صدوق له أوهام، قال ابن حبان في الثقات (8/ 487):«يغرب ويخطئ» .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله? : «مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ فِي الكُرْسي إِلَّا كَدَرَاهِمَ سَبْعَةٍ أُلْقِيَتْ فِي تُرْسٍ» .
•---------------------------------•
«إِلَّا كَخَرْدَلَةٍ» : هي حبة نبات صغيرة جدًّا، يضرب بها المثل في الصغر والقلة، وهذا يدل على عظمته سبحانه، وأنه سبحانه لا يحيط به شيء، والأمر أعظم من هذا التمثيل التقريبي، لأنه تعالى لا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفهام (1).
«وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ
…
» الحديث رواه ابن جرير في تفسيره (2)، وإسناده ضعيف جدًّا (3).
«سَبْعَةٍ أُلْقِيَتْ فِي تُرْسٍ» : (تُرْس) -بضم التاء- القاع المستدير المتسع الأطلس (4)، أو شيء من جلد أو خشب أو فولاذ يحمل عند القتال يتقى به السيف والرمح ونحوهما (5).
(1) القول المفيد (2/ 535).
(2)
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 539) عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله ابن وهب، عن عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم، عن أبيه، مرفوعًا.
وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (2/ 587) من طريق أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم، عن أبيه، مرفوعًا.
(3)
لأن فيه علتين:
العلة الأولى: مدار الحديث على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف جدًّا.
العلة الثانية: الإرسال، فزيد بن أسلم من التابعين، وكان معروفًا بالإرسال.
(4)
ذكره عبد الرحمن بن قاسم في حاشية كتاب التوحيد ص (400).
(5)
ذكره ابن عثيمين في القول المفيد (2/ 536).
قَالَ: وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا الكُرْسي فِي العَرْشِ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِيَتْ بَيْنَ ظَهْرَيْ فَلَاةٍ مِنَ الأَرْضِ» .
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالَّتِي تَلِيهَا خَمْسُ مِئَةِ عَامٍ،
•---------------------------------•
«قَالَ: وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه» حديث أبي ذر رواه ابن جرير في تفسيره (1)، وإسناده ضعيف جدًّا (2).
«بَيْنَ ظَهْرَيْ فَلَاةٍ مِنَ الأَرْضِ» : الفلاة الصحراء الواسعة، أو المفازة لا ماء فيها، أو القفر (3).
«وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ
…
» الأثر موقوف على ابن مسعود، وقد رواه عدد من الأئمة (4)، وإسناده حسن، وهو في حكم المرفوع؛ لأنه مما لا يقال بالرأي.
(1) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 539) من طريق عبد الله بن وهب،
وأبو الشيخ في العظمة (2/ 587) من طريق أصبغ بن الفرج،
كلاهما عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبي ذر، مرفوعًا.
(2)
لأن فيه علتين:
الأولى: الانقطاع فعبد الرحمن بن زيد من أتباع التابعين ولم يسمع أبا ذر.
الثانية: عبد الرحمن هذا ضعيف.
(3)
حاشية كتاب التوحيد ص (400).
(4)
أخرجه الدارمي الرد على الجهمية ص (55) رقم (81)، والرد على المريسي (1/ 422)، و (1/ 471)، و (1/ 519) عن موسى بن إسماعيل،
وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/ 242) من طريق يزيد بن هارون،
وابن خزيمة أيضًا في كتاب التوحيد (1/ 244)، وابن أبي زمنين في أصول السنة ص (104) من طريق أسد بن موسى،
والطبراني في المعجم الكبير (9/ 202) رقم (8986)، و (8987) من طريق هدبة بن خالد،
وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ خَمْسُ مِئَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالكُرْسي خَمْسُ مِئَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ الكُرْسي وَالمَاءِ خَمْسُ مِئَةِ عَامٍ، وَالعَرْشُ فَوْقَ المَاءِ، واللهُ فَوْقَ العَرْشِ،
•---------------------------------•
«واللهُ فَوْقَ العَرْشِ» : فيه إثبات علو الله تعالى على خلقه واستوائه على عرشه. وعلو الله ينقسم إلى قسمين:
أ) علو الصفة، وهذا لا ينكره أحد ينتسب للإسلام، والمراد به كمال صفات الله، كما قال تعالى:{لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: 60].
وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (6/ 406) رقم (2830)، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (2/ 688) من طريق حجاج بن منهال،
والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 290) رقم (851) من طريق عبد الرحمن بن مهدي،
ستتهم (موسى، ويزيد، وأسد، وهدبة، وحجاج، وابن مهدي) عن حماد بن سلمة،
وابن خزيمة في كتاب التوحيد (2/ 885)، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (2/ 565)، و (3/ 1047)، وابن بطة في الإبانة (7/ 171)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 291) رقم (852) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي،
واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (3/ 438) وابن قدامة في إثبات صفة العلو ص (151، 152) رقم (60) من طريق الحسن بن أبي جعفر،
ثلاثتهم (حماد بن سلمة، والمسعودي، والحسن بن أبي جعفر) عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، موقوفًا عليه.
وقرن أبو الشيخ في الموضع الأخير بزر بن حبيش أبا وائل، ورواية الطبراني في الموضع الأول مختصرة.
وأخرجه الخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (2/ 18) من طريق أبي عمر حفص بن سليمان، عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود.
وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/ 243)، والطبراني في المعجم الكبير (9/ 202) رقم (8986) من طريق حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن المسيب بن رافع، عن وائل ابن ربيعة، عن عبد الله بن مسعود، قال:«بين كل سماء مسيرة خمسمائة عام» .
والحديث حسن؛ لأن مداره على عاصم بن بهدلة، وهو صدوق له أوهام.
لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شيءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ». أَخْرَجَهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ الله.
وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ المَسْعُودِِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ الله. قَالَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- قَالَ: وَلَهُ طُرُقٌ.
•---------------------------------•
ب) علو الذات، وهذا أنكره بعض المنتسبين للإسلام، فيقولون: كل العلو الوارد المضاف إلى الله المراد به علو الصفة، فيقولون في قوله صلى الله عليه وسلم:«وَالله فَوْق الْعَرْش» ، أي: في القوة والسيطرة والسلطان، وليس فوقه بذاته.
ولا شك أن هذا تحريف في النصوص وتعطيل في الصفات.
والذين أنكروا علو الله بذاته انقسموا إلى قسمين:
أ) من قال: إن الله بذاته في كل مكان، وهذا لا شك ضلال مقتض للكفر.
ب) من قال: إنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا متصل بالخلق ولا منفصل عن الخلق، وهذا إنكار محض لوجود الله والعياذ بالله، ولهذا قال بعض العلماء: لو قيل لنا: صفوا العدم، ما وجدنا أبلغ من هذا الوصف.
ففروا من شيء دلت عليه النصوص والعقول والفطر إلى شيء تنكره النصوص والعقول والفطر.
«لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شيءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ» «يشمل أعمال القلوب وأعمال الجوارح المرئي منها والمسموع، وذلك لعموم علمه وسعته، وإنما أتى بذلك بعد ذكر علوه ليبين أن علوه لا يمنع علمه بأعمالنا، وهو إشارة واضحة إلى علو ذاته تبارك وتعالى» (1).
(1) القول المفيد (2/ 540).
وَعَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله? : «هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: بَيْنَهُمَا مَسيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ، وَمِنْ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ مَسيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ، وَكِثَفُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالعَرْشِ بَحْرٌ، بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، واللهُ تَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ شيءٌ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ.
•---------------------------------•
حديث العباس عند أبي داود وغيره (1).
(1) أخرجه إبراهيم بن طهمان في مشيخته ص (70) رقم (18) ومن طريقه أبو داود في سننه (4/ 232) رقم (4725)، والآجري في الشريعة (3/ 1089)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 316) رقم (882)، والجورقاني في الأباطيل والمناكير (1/ 209)،
وأحمد في مسنده (3/ 292) رقم (1770)، ومحمد بن أبي شيبة في العرش ص (325، 326)، وأبو يعلى في مسنده (12/ 76) رقم (6713)، وابن عدي في الكامل (9/ 27)، والحاكم في المستدرك (2/ 316) رقم (3137)، و (2/ 410) رقم (3428)، و (2/ 447) رقم (3547)، و (2/ 543) رقم (3849)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 8)، والذهبي في العلو ص (58) من طريق شعيب بن خالد،
وأبو داود في سننه (4/ 231) رقم (4723)، وابن ماجه في سننه (1/ 69) رقم (193)، والدارمي في الرد على الجهمية ص (50)، والرد على المريسي (1/ 473)، وابن أبي الدنيا في المطر والرعد والبرق ص (50) رقم (2)، والبزار في مسنده (4/ 135) رقم (1310)، ومحمد بن أبي شيبة في العرش ص (319)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 284) من طريق الوليد بن أبي ثور،
وأبو داود في سننه (4/ 231) رقم (4724)، والترمذي في جامعه (5/ 425) رقم (3320)، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 77) وابن أبي عاصم في السنة (1/ 253) رقم (577)، والبزار في مسنده (4/ 134) رقم (1309)، والروياني في مسنده (2/ 348) رقم (1329) وابن خزيمة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وإسناده ضعيف جدًّا (1).
في كتاب التوحيد (1/ 234)، وابن منده في التوحيد (1/ 114)، و (1/ 163)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (3/ 432) من طريق عمرو بن أبي قيس،
وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 426) من طريق عمرو بن ثابت،
خمستهم (ابن طهمان، وشعيب بن خالد، والوليد، وعمرو بن أبي قيس، وعمرو بن ثابت) عن سماك ابن حرب، عن عبد الله بن عميرة، عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب، مرفوعًا.
وسقط الأحنف بن قيس في طريق شعيب بن خالد إلا عند الحاكم في الموضع الأخير (2/ 543) رقم (3849) فقد أُثبت فيه.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 543) رقم (3848) من طريق شريك بن عبد الله عن سماك بن حرب، عن عبد الله بن عميرة، عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب، موقوفًا عليه.
وأخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (2/ 569) من طريق يزيد أبي خالد الدالاني، عن سماك بن حرب، عن عبد الله بن عميرة، عن الأحنف بن قيس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
لأن فيه عللًا كثيرة:
العلة الأولى: أن مداره على سماك بن حرب، وهو صدوق، وقد تفرد به، واختلف عليه في سنده، كما في التخريج.
العلة الثانية: الاختلاف في رفعه ووقفه كما سبق بيانه.
العلة الثالثة: أنَّ الذين رووا عن سماك لم يكونوا ممن سمع منه قديمًا مثل شعبة وسفيان.
العلة الرابعة: جهالة عبد الله بن عميرة، وعدم سماعه الأحنف، قال الذهبي في ديوان الضعفاء ص (224):«مجهول» ، وقال في المغني (1/ 350):«لا يعرف» ، وقال البخاري في التاريخ الكبير (5/ 159):«لا نعلم له سماعًا من الأحنف» .
وخلاصة دلالات الأحاديث السابقة:
1.
أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام.
2.
أن ما بين كل سماء إلى سماء خمسمائة عام.
3.
أن كِثَف (غِلَظ) كل سماء خمسمائة عام.
4.
أن بين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام.
5.
أن بين الكرسي والماء خمسمائة عام.
6.
أن البحر الذي فوق السموات بين أسلفه وأعلاه خمسمائة عام.
7.
أن العرش فوق الماء.
8.
أن الله تعالى فوق العرش، وأنه تعالى مطلع على عباده، يعلم ما هم عاملون ولا يخفى عليه شيء من ذلك.
9.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: «فيه الدلالة على ارتفاع هذه المخلوقات وسعة ما بينها من المسافات العظيمة، وربك الخلاق جلَّ وعلا فهو أعظم منها وأكبر سبحانه وتعالى» (1).
(1) التعليق المفيد ص (285).
والله سبحانه وتعالى أعلم.
وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالِمَينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سيدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
•---------------------------------•
وإلى هنا انتهى شرح كتاب التوحيد، شرحته شرحًا موجزًا مقتضبًا؛ لأن ذلك أجدر في سُلم التأصيل العلمي الممنهج، الذي ينتظم أمهات المسائل وأصولها، ويدع الحواشي وفروعها، سائلًا واهب النعم، عظيم العطاء؛ أن ينفع بهذا الشرح قائله وقارئه وسامعه، وكاتبه، وأن يهبنا من لدنه علمًا وفقهًا، وأن يورثنا جنات النعيم.
وصلى الله وسلم على النبي الأمي الكريم