الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَنْ سَبَّ الدَّهْرَ فَقَدْ آذَى اللهَ
وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} الآية [الجاثية: 24].
•---------------------------------•
مقصود الترجمة: تقرير أَنَّ الذي يسب الدهر واقعٌ في أذى الله تعالى، والأذى الذي يقصده المصنف هنا يحتمل معنيين:
الأول: أَنَّ الذي يسب الدهر هو في الحقيقة سابٌّ لله تعالى؛ لأن فاعل هذه الأمور ومقدرها هو الله وحده؛ فرجع السب إلى الله تعالى.
والثاني: أَنَّ الساب للدهر إِنْ سَبَّهُ باعتبار أنه فاعل مع الله تعالى، فهذا شركٌ بالله تعالى. ومن هنا تظهر مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؛ لأن الساب بالمعنى الأول الذي ذكرناه هو سابٌّ لله تعالى، وسب الله مناقضٌ للتوحيد، ومنافٍ له بكل الوجوه، وإن كان السب للدهر بالمعنى الثاني فهو شركٌ واضحٌ في ربوبية الله تعالى مناقضٌ للتوحيد (1).
قوله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} «يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد» (2)، أنهم قالوا:«ما حياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها لا حياة سواها تكذيبًا منهم بالبعث بعد الممات» (3).
(1) ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (526)، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (468).
(2)
تفسير ابن كثير (7/ 247).
(3)
جامع البيان للطبري (21/ 95).
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قَالَ اللهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» .
•---------------------------------•
{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} : «وما يهلكنا فيفنينا إلا مرُّ الليالي والأيام وطول العمر، إنكارًا منهم أن يكون لهم ربٌّ يفنيهم ويهلكهم» (1).
{وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} : «أي يتوهمون ويتخيلون» (2).
قوله: «وَفِي الصَّحِيحِ» أي: صحيح البخاري ومسلم (4).
«يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ» لا يلزم من الأذية الضرر، فالإنسان يتأذى بسماع القبيح أو مشاهدته، ولكنه لا يتضرر بذلك؛ ولهذا أثبت الله الأذية في القرآن، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: 57].
«يَسُبُّ الدَّهْرَ» الإخبار عن الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللوم، فهذا جائز، مثل أن يقول: تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده، ومنه قول لوط عليه الصلاة والسلام:{هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77] وكقوله تعالى: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [القمر: 19].
(1) جامع البيان للطبري (21/ 96).
(2)
تفسير ابن كثير (7/ 247).
(3)
تيسير العزيز الحميد ص (527).
(4)
صحيح البخاري (6/ 133) رقم (4826)، وصحيح مسلم (4/ 1762) رقم (2246).
وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ» .
•---------------------------------•
الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل، كأن يعتقد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير والشر، فهذا شرك أكبر؛ لأنه اعتقد أن مع الله خالقًا.
الثالث: أن يسب الدهر لا لاعتقاد أنه هو الفاعل، بل يعتقد أن الله هو الفاعل، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده، فهذا محرم، ولا يصل إلى درجة الشرك، وهو من السفه في العقل والضلال في الدين؛ لأن حقيقة سبه تعود إلى الله سبحانه.
قوله: «وَفِي رِوَايَةٍ» هذه الرواية عند مسلم (1).
«فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ» «أي: فإن الله هو مدبر الدهر ومصرفه، وهذا تعليل للنهي، ومن بلاغة كلام الله ورسوله قرن الحكم بالعلة؛ لبيان الحكمة وزيادة الطمأنينة، ولأجل أن تتعدى العلة إلى غيرها فيما إذا كان المعلل حكما; فهذه ثلاث فوائد في قرن العلة بالحكم» (2).
(1) صحيح مسلم (4/ 1763) رقم (2246).
(2)
القول المفيد (2/ 247).