الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:
{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}
الآية.
•---------------------------------•
مقصود المصنف من الترجمة يظهر من وجهين:
الوجه الثاني: «بيان تحريم التعبيد لغير الله، وأنه لا يجوز أن يُعبَّد أحد لغير الله، فلا يقال: عبد النبي أو عبد الكعبة أو عبد الحسين وما أشبه ذلك، بل يكون التعبيد لله وحده، كعبد الرحمن وعبد الله
…
إلخ؛ لأن الله ذم من فعل ذلك بقوله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا} ، وهذا ذم وعيب لمن فعله» (2).
ومناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: بيان أنَّ تعبيد الأولاد وغيرهم لغير الله في التسمية شركٌ في الطاعة وكفرٌ بالنعمة. وهذا منافٍ للتوحيد: إما في أصله، أو في كماله على حسب نوع الشرك المقصود. فإن كان المقصود مجرد التسمية فهذا شرك ينافي كمال التوحيد، أما إن كان المقصود تعبيد التأله لغير الله فإنه شرك أكبر ينافي التوحيد (3).
(1) القول السديد ص (159).
(2)
شرح كتاب التوحيد ص (233)، ووازن بالملخص في شرح كتاب التوحيد ص (361).
(3)
ينظر: الملخص في شرح كتاب التوحيد ص (361)، وإعانة المستفيد (2/ 200).
قوله: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية على قولين: قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: «في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير معروفان عند العلماء، والقرآن يشهد لأحدهما:
الأول: أن حواء كانت لا يعيش لها ولد، فحملت، فجاءها الشيطان، فقال لها: سمي هذا الولد عبد الحارث فإنه يعيش، والحارث من أسماء الشيطان، فسمته عبد الحارث فقال تعالى:{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا} [الأعراف: 90] أي ولدًا إنسانًا ذكرًا، جعلا له شركاء بتسميته عبد الحارث، وقد جاء بنحو هذا حديث مرفوع وهو معلول كما أوضحه ابن كثير في تفسيره.
الوجه الثاني: أن معنى الآية أنه لما آتى آدم وحواء صالحا كفر به بعد ذلك كثير من ذريتهما، وأسند فعل الذرية إلى آدم وحواء؛ لأنهما أصل لذريتهما كما قال:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11]، أي بتصويرنا لأبيكم آدم لأنه أصلهم بدليل قوله بعده:{ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [الأعراف: 11].
ويدل لهذا الوجه الأخير أنه تعالى قال بعده: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف: 190، 191].
وهذا نص قرآني صريح في أن المراد المشركون من بني آدم، لا آدم وحواء، واختار هذا الوجه غير واحد لدلالة القرآن عليه، وممن ذهب إليه الحسن البصري، واختاره ابن كثير، والعلم عند الله تعالى» (1).
والوجه الثاني أقرب للصواب والله أعلم.
(1) أضواء البيان 2/ 254، 255.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ اسْمٍ مُعَبَّدٍ لِغَيْرِ الله، كَعَبْدِ عَمْرٍو، وَعَبْدِ الكَعْبَةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، حَاشَا عَبْدَ المُطَّلِبِ.
•---------------------------------•
«قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ اسْمٍ مُعَبَّدٍ لِغَيْرِ الله» قول ابن حزم هذا في مراتب الإجماع له (1).
قوله: «اتَّفَقُوا» : الظاهر أن المراد أجمعوا، فمقصوده حكاية الإجماع لا حكاية الاتفاق على طريقة المتأخرين (2).
«حَاشَا عَبْدَ المُطَّلِبِ» : الذين استثنوا هذا من عموم النهي استثنوه لسببين:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك ولم يقر غيره.
والثاني: أن تسميته بهذا الاسم لا محذور فيها؛ لأن أصله من عبودية الرق (3).
والصواب: أنه لا وجه لهذا الاستثناء، فلا يجوز أن يسمى أحد الآن عبد المطلب، وإنما يقال عبد المطلب حكاية لشيء مضى وانتهى، وأما بعد الإسلام فلا يجوز أن يسمى أحد بهذه الأسماء (4).
ولو قال قائل: إذا كان ابن حزم قد حكى الإجماع على جواز التسمية بعبد المطلب، فكيف يجوز خلافه؟
الجواب: كلام ابن حزم ليس صريحًا في حكاية الإجماع على جواز ذلك بعبد المطلب فيحتمل أن مراده حكاية الخلاف فيه، ويكون التقدير: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله حاشا عبد المطلب، أي: فإنهم لم يتفقوا على تحريمه، بل اختلفوا.
(1) مراتب الإجماع ص (154).
(2)
تيسير العزيز الحميد ص (547).
(3)
ينظر: فتح المجيد ص (444)، وشرح كتاب التوحيد لابن باز ص (234).
(4)
ينظر: إعانة المستفيد (2/ 202).
«فإن قيل: كيف يتفقون على تحريم الاسم المعبَّد لغير الله وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ» (1)، وصح أنه قال:«أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» (2).
فالجواب: أما قوله: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ» فلم يرد به الاسم، وإنما أراد به الوصف والدعاء على من يعبد قلبه الدينار والدرهم، فرضي بعبوديتها عن عبودية ربه تعالى، وذكر الأثمان والملابس وهما جمال الباطن والظاهر.
أما قوله: «أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» فهذا ليس من باب إنشاء التسمية بذلك، وإنما هو من باب الإخبار بالاسم الذي عُرف به المسمى دون غيره، والإخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم، ولا وجه لتخصيص أبي محمد بن حزم ذلك بعبد المطلب خاصة.
فقد كان الصحابة يسمون بني عبد شمس وبني عبد الدار بأسمائهم ولا ينكر عليهم النبي، فباب الإخبار أوسع من باب الإنشاء، فيجوز فيه ما لا يجوز في الإنشاء» (3).
(1) أخرجه البخاري 3/ 1057 رقم (2730) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري 3/ 1051 رقم (2709)، ومسلم 3/ 1400 رقم (1776).
(3)
تحفة المودود ص (113، 114).
وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي مَعْنَى الآيَةِ. قَالَ: لمَّا تَغَشَّاهَا آدَمُ حَمَلَتْ، فَأَتَاهُمَا إِبْلِيسُ فَقَالَ: إِنِّي صَاحِبُكُمَا الَّذِي أَخْرَجْتُكُمَا مِنَ الجَنَّةِ لَتُطِيعَانِّنِي أَوْ لأَجْعَلَنَّ لَهُ قَرْنَي أَيِّلٍ فَيَخْرُجُ مِنْ بَطْنِكَ فَيَشُقُّهُ، وَلأَفْعَلَنَّ وَلأَفْعَلَنَّ، يُخَوِّفُهُمَا، سَمِّيَاهُ عَبْدَ الحَارِثِ، فَأَبَيَا أَنْ يُطِيعَاهُ، فَخَرَجَ مَيْتًا، ثُمَّ حَمَلَتْ، فَأَتَاهُمَا فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ، فَأَبَيَا أَنْ يُطِيعَاهُ، فَخَرَجَ مَيْتًا، ثُمَ حَمَلَتَ فَأَتَاهُمَا فَذَكَرَ لَهُمَا، فَأَدْرَكَهُمَا حُبُّ الوَلَدِ، فَسَمَّيَاهُ عَبْدَ الحَارِثِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} . رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
•---------------------------------•
«وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي مَعْنَى الآيَةِ» أثر ابن عباس رواه ابن أبي حاتم كما قال المؤلف (1)، وإسناده ضعيف (2).
قال ابن كثير-معلقًا على هذا الأثر ونحوه-: «وهذه الآثار يظهر عليها -والله أعلم -أنها من آثار أهل الكتاب
…
وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله، في هذا والله أعلم، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء، وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته؛ ولهذا قال الله:{فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190]» (3).
(1) أخرجه سعيد بن منصور في تفسيره (5/ 173) رقم (973) من طريق عتاب بن بشير،
وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1634) من طريق شريك،
كلاهما (عتاب، وشريك) عن خُصَيْف بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. رضي الله عنه
(2)
لأن مداره على خصيف، وهو صدوق سيء الحفظ، وقد ضعفه الإمام أحمد.
(3)
تفسير ابن كثير (3/ 528).
والقصة التي ساقها المؤلف هنا عن ابن عباس في هذا الأثر باطلة من وجوه:
الوجه الأول: أنه ليس في ذلك خبر صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من الأخبار التي لا تتلقى إلا بالوحي، وقد قال ابن حزم عن هذه القصة: إنها رواية خرافة مكذوبه موضوعة.
الوجه الثاني: أنه لو كانت هذه القصة في آدم وحواء، لكان حالهما إما أن يتوبا من الشرك أو يموتا عليه، فإن قلنا: ماتا عليه، كان ذلك أعظم من قول بعض الزنادقة:
إذا ما ذكرنا آدما وفعاله
…
وتزويجه بنتيه بابنيه بالخنا
علمنا بأن الخلق من نسل فاجر
…
وأن جميع الناس من عنصر الزنا
فمن جوز موت أحد من الأنبياء على الشرك فقد أعظم الفرية، وإن كانا تابا من الشرك، فحكمة الله ورحمته تقتضي عدم ذكر خطئهما بعدما تابا، فيمتنع غاية الامتناع أن يذكر الله الخطيئة من آدم وحواء وقد تابا، ولم يذكر توبتهما، والله تعالى إذا ذكر خطيئة بعض أنبيائه ورسله ذكر توبتهم منها كما في قصة آدم نفسه حين أكل من الشجرة وزوجه وتابا من ذلك.
الوجه الثالث: أن الأنبياء معصومون من الشرك باتفاق العلماء.
الوجه الرابع: أنه ثبت في حديث الشفاعة أن الناس يأتون إلى آدم يطلبون منه الشفاعة، فيعتذر بأكله من الشجرة، وهو معصية، ولو وقع منه الشرك، لكان اعتذاره به أقوى وأولى وأحرى.
الوجه الخامس: أن في هذه القصة أن الشيطان جاء إليهما وقال: «أنا صاحبكما الذي أخرجكما من الجنة» ، وهذا لا يقوله من يريد الإغواء، وإنما يأتي بشيء يقرب قبول قوله، فإذا قال:«أنا صاحبكما الذي أخرجكما من الجنة» ، فسيعلمان علم اليقين أنه عدو لهما، فلا يقبلان منه صرفًا ولا عدلًا.
الوجه السادس: أن في قوله في هذه القصة: «لأجعلن له قرني أيل» : إما أن يصدقا أن ذلك ممكن في حقه، فهذا شرك في الربوبية؛ لأنه لا يقدر على ذلك إلا الله، أولا يصدقا، فلا يمكن أن يقبلا قوله وهما يعلمان أن ذلك غير ممكن في حقه.
الوجه السابع: قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190] بضمير الجمع، ولو كان آدم وحواء، لقال: عما يشركان.
فهذه الوجوه تدل على أن هذه القصة باطلة من أساسها، وأنه لا يجوز أن يعتقد في آدم وحواء أن يقع منهما شرك بأي حال من الأحوال، والأنبياء منزهون عن الشرك مبرؤون منه باتفاق أهل العلم، وعلى هذا، فيكون تفسير الآية كما أسلفنا أنها عائدة إلى بني آدم الذين أشركوا شركًا حقيقيًا.
وقد ورد في ذلك حديثٌ مرفوعٌ ضعيف عن سَمُرَة بن جُنْدُب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لما حَمَلَتْ حَوَّاءُ طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَقَالَ: سَمِّيهِ عَبْدَ الحَارِثِ، فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الحَارِثِ، فَعَاشَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ وَأَمْرِهِ» (1).
(1) رواه الترمذي في سننه (5/ 267) رقم (3077)، وأحمد في المسند (33/ 305) رقم (20117)، والبزار في مسنده (10/ 428) رقم (4580)، والطبراني في المعجم الكبير (7/ 215) رقم =
وَلَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: شركَاءُ فِي طَاعَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي عِبَادَتِهِ. وَلَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا} ، قَالَ: أَشْفَقَا أَلَّا يَكُونَ إِنْسَانًا. وَذَكَرَ مَعْنَاهُ عَنِ الحَسَنِ وَسَعِيدٍ وَغَيْرِهِمَا.
•---------------------------------•
«وَلَهُ» أي: لابن أبي حاتم، وهو عند الطبري أيضًا (1)، وسنده صحيح.
«وَلَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ» ، عند ابن أبي حاتم (2)، كما أشار المصنف.
«أَشْفَقَا أَلَّا يَكُونَ إِنْسَانًا» أي: خاف آدم وحواء أن يكون حيوانًا أو غيره.
= (6895)، والحاكم في المستدرك (2/ 594) رقم (4003)، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1631)، والطبري في تفسيره (10/ 623) رقم (15513).
وهذا الحديث معلول بعدة علل:
العلة الأولى: أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري، وقد وثقه ابن معين، ولكن قال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به.
العلة الثانية: أنه قد روي من قول سمرة من قوله موقوفًا عليه، وليس مرفوعًا:
فقد رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (10/ 623): بإسنادين من كلام سمرة من قوله.
العلة الثالثة: أن راوي الحديث الحسن البصري قد فسر الآية بخلاف روايته، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعًا، لما عدل عنه. ينظر: تفسير ابن كثير ت سلامة (3/ 526)، ووازن بتعليق محمود شاكر على تفسير الطبري (13/ 309).
العلة الرابعة: الخلاف في سماع الحسن من سمرة:
العلة الخامسة: تدليس الحسن: وهو هنا قد عنعنه ولم يصرح بالسماع من سمرة.
(1)
أخرجه الطبري في تفسيره (10/ 626) من طريق بشر،
وابن أبي حاتم في تفسير (5/ 1634) رقم (8659) من طريق العباس بن الوليد النرسي،
كلاهما (بشر، والعباس) عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة.
وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1633) من طريق سفيان الثوري، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد. وإسناده صحيح.
وخلاصة ما يدل عليه الباب: وجوب نسبة الفضل والعطاء لله تعالى فهو المنعم المتفضل، ومن تمام ذلك تعبيد الأولاد لله تعالى وتحريم تعبيدهم لغيره.