المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قول الله تعالى:{ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به - غاية المريد شرح كتاب التوحيد

[عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌منهجية التميز

- ‌ترجمة موجزةللإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده ونشأته وطلبه للعلم:

- ‌ حال الناس قبل دعوته:

- ‌ ظهور دعوته:

- ‌ الافتراءات والشبهات حول دعوته:

- ‌ شيوخه:

- ‌ تلاميذه:

- ‌ مؤلفاته وآثاره العلمية:

- ‌ مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه:

- ‌ عقيدته ومذهبه:

- ‌ وفاته:

- ‌نبذة تعريفيةبكتاب التوحيد

- ‌ اسم الكتاب:

- ‌ نسبة الكتاب إلى مؤلفه:

- ‌ تاريخ تأليفه ومكانه:

- ‌ سبب تأليفه:

- ‌ أهميته:

- ‌ ثناء العلماء على الكتاب:

- ‌ موضوع الكتاب:

- ‌ منهج المؤلف في كتابه:

- ‌ عناية العلماء بالكتاب:

- ‌أولًا: الشروح والتعليقات والحواشي:

- ‌ثانيًا: الكتب التي خدمت الكتاب:

- ‌ثالثًا: مختصرات كتاب التوحيد:

- ‌كتاب التوحيد

- ‌ العلاقة بين أقسام التوحيد

- ‌بابُ فَضْلِ التَّوْحِيدِ وَمَا يُكفِّرُ مِنَ الذُّنُوبِ

- ‌ شروط (لا إله إلا الله)

- ‌بابُ مَنْ حَقَّقَ التَّوْحِيدَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ

- ‌ الاسترقاء والكي ليسا بمذمومين

- ‌بَابُ الخَوْفِ مِنَ الشركِ

- ‌بَابُ الدُّعَاءِ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ

- ‌بَابُ تَفْسيرِ التَّوْحِيدِ وَشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ لُبْسُ الحَلْقَةِ وَالخَيْطِ وَنَحْوِهِمَالِرَفْعِ البَلاءِ أَوْ دَفْعِهِ

- ‌ أحكام الأسباب

- ‌ حكم لبس الحلقة والخيط ونحوهما

- ‌ تغيير المنكر باليد

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّقَى وَالتَّمَائِمِ

- ‌الفرق بين الرقى والتمائم

- ‌ سبب النَّهي عن الاستنجاء برجيع الدابة أو العظم

- ‌بَابُ مَنْ تَبَرَّكَ بِشَجَرَةٍ أَوْ حَجَرٍ وَنَحْوِهِمَا

- ‌ حكم التبرك بالأحجار والأشجار ونحوها

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الذَّبْحِ لِغَيْرِ الله

- ‌«الذبح لغير الله ينقسم إلى قسمين:

- ‌بَابٌ لا يُذبَحُ للهِ بمكانٍ يُذبَح فيه لغير الله

- ‌بابٌ مِنَ الشركِ النَّذْرُ لِغَيْرِ الله

- ‌ هل ينعقد نذر المعصية

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ الاسْتِعَاذَةُ بِغَيْرِ الله

- ‌ حكم الاستعاذة بالمخلوق

- ‌ الفرق بين العياذ واللياذ

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِغَيْرِ الله أَوْ يَدْعُوَ غَيْرَهُ

- ‌بابقول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}

- ‌السر في الأمر بإنذار الأقربين أولًا

- ‌باب قول الله تعالى:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ

- ‌ أنواع العلو

- ‌بَابُ الشَّفَاعَةِ

- ‌أقسام الناس في الشفاعة:

- ‌الشفاعة الوارة في القرآن والسنة من حيث الإثبات والنفي نوعان:

- ‌القسم الأول: الشفاعة الخاصة

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية

- ‌بَابُ مَا جَاء أَنَّ سَبَبَ كُفْرِ بَنِي آدَمَوَتَرْكِهِمْ دِينَهُمْ هُوَ الغُلُوُّ فِي الصَّالِحِينَ

- ‌الناس في معاملة الصالحين ثلاثة أقسام:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّغْلِيظِ فِيمَنْ عَبَدَ اللهَعِنْدَ قَبْرِ رَجُلٍ صَالِحٍ فَكَيْفَ إِذَا عَبَدَهُ

- ‌اتخاذ القبور مساجد، يشمل ثلاثة معان:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الغُلُوَّ فِي قُبُورِ الصَّالِحِينَيُصيرُهَا أَوْثَانًا تُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله

- ‌ حكم زيارة النساء للقبور

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي حِمَايِةِ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم جَنَابَ التَّوْحِيدِوَسَدهِ كُلَّ طَرِيقٍ يُوصِلُ إِلَى الشركِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأُمَّةِ يَعْبُدُ الأَوْثَانَ

- ‌الفرق بين الوثن والصنم:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي السِّحْرِ

- ‌هل للسحر حقيقة

- ‌ حكم تعلم السحر:

- ‌بَابُ بَيَانِ شيءٍ مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ

- ‌«ووجه كون العيافة من السحر:

- ‌حكم تعلم النجوم:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الكُهَّانِ وَنَحْوِهِمْ

- ‌سؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:

- ‌كتابة أبي جاد على قسمين:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي النُّشرةِ

- ‌ حل السحر بالسحر

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَيُّرِ

- ‌ الجمع بين حديث: «لَا عَدْوَى» وحديث: «فِرَّ مِن الْمَجْذُومِ»

- ‌الفرق بين الطيرة والفأل:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّنْجِيمِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الاسْتِسْقَاءِ بِالأَنْوَاءِ

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

- ‌أقسام المحبة:

- ‌ بواعث حب الله

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌الخوف من غير الله ينقسم إلى أربعة أقسام:

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [

- ‌بَابٌ مِنَ الإِيمَانِ باللهِ الصَّبْرُ عَلَى أَقْدَارِ الله

- ‌الصبر ثلاثة أنواع:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّيَاءِ

- ‌ حكم العبادة إذا خالطها الرياء

- ‌ الشركُ الخَفِيُّ

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ إِرَادَةُ الإِنْسَانِ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا

- ‌ فعل الإنسان للعمل الصالح بقصد الدنيا هو من الشرك الأصغر

- ‌بَابُ مَنْ أَطَاعَ العُلَمَاءَ وَالأُمَرَاءَ فِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهأَوْ تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَه فَقَدْ اتَّخَذَهُمْ أَرْبَابًا

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ

- ‌بَابُ مَنْ جَحَدَ شيئًا مِنَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ

- ‌ حكم من جحد شيئًا من الأسماء والصفات

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}

- ‌ حكم قول القائل: (لولا فلان لم يكن كذا):

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌ الحلف بصفات الله

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ لَمْ يَقنَعْ بِالْحَلِفِ بالله

- ‌بَابُ قَوْلِ: «مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ»

- ‌بَابُ مَنْ سَبَّ الدَّهْرَ فَقَدْ آذَى اللهَ

- ‌بَابُ التَّسَمِّي بِقَاضي القُضَاةِ وَنَحْوِهِ

- ‌بَابُ احْتِرَامِ أَسْمَاءِ الله تَعَالَى وَتَغْيِيِرِ الاسْمِ لأَجْلِ ذَلِكَ

- ‌بَابُ مَنْ هَزَلَ بِشيءٍ فِيهِ ذِكْرُ الله أَو القُرْآنِ أَو الرَّسُولِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌بَابٌ لا يُقَالُ السَّلامُ عَلَى الله

- ‌بَابُ قَوْلِ: «اللهمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ»

- ‌بَابٌ لا يَقُولُ: «عَبْدِي وَأَمَتِي»

- ‌بَابٌ لا يُرَدُّ مَنْ سَأَلَ باللهِ

- ‌بَابٌ لا يُسْأَلُ بِوَجْهِ الله إِلَاّ الجَنَّةُ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي اللَوْ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الرِّيحِ

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي مُنْكِري القَدَرِ

- ‌تعريف القدر:

- ‌مراتب القدر:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي المُصَوِّرِينَ

- ‌ اقتناء الصور على أقسام:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي كَثْرَةِ الحَلِفِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِمَّةِ الله وَذِمَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الإِقْسَامِ عَلَى الله

- ‌بَابٌ لا يُسْتَشْفَعُ بِاللهِ عَلَى خَلْقِهِ

- ‌ تحريم الاستشفاع بالله على خلقه

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي حِمَايَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَى التَّوْحِيدِوَسَدِّهِ طُرُقَ الشركِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الفصل: ‌باب قول الله تعالى:{ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به

‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ

وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} الآيات [النساء: 60].

---------------------------------•

مقصود الترجمة بيان «أن الحكم بما أنزل الله فرض، وأن ترك الحكم بما أنزل الله وتحكيم غيره في شؤون المتخاصمين وتنزيل ذلك منزلة القرآن، شركٌ أكبر بالله جل وعلا، وكفر مخرج من ملة الإسلام (1).

«ووجه ما ذكره المصنف ظاهر، فإن الرب والإله هو الذي له الحكم القدري، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، وهو الذي يُؤله ويعبد وحده لا شريك له، ويطاع طاعةً مطلقة فلا يُعصى، بحيث تكون الطاعات كلها تبعا لطاعته، فإذا اتخذ العبدُ العلماءَ والأمراءَ على هذا الوجه، وجعل طاعتهم هي الأصل، وطاعة الله ورسوله تبعا لها فقد اتخذهم أربابا من دون الله يتألههم ويتحاكم إليهم، ويقدم حكمهم على حكم الله ورسوله، فهذا هو الكفر بعينه، فإن الحكم كله لله، كما أن العبادة كلها لله» (2).

و«هذا الباب له صلة قوية بما قبله؛ لأن ما قبله فيه حكم من أطاع العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله، وهذا فيه الإنكار على من أراد التحاكم إلى غير الله ورسوله» (3).

(1) ينظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (425).

(2)

القول السديد شرح كتاب التوحيد ط الوزارة ص (153).

(3)

القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 167).

ص: 389

إذن «فهذا الباب من جنس الباب الذي قبله، فكلاهما في تغيير شرع الله، لكن هذا الباب يخص التحاكم في الخصومات خاصة والباب الذي قبله في التحليل والتحريم عمومًا» (1).

«يَزْعُمُونَ» يدل على أنهم كذبة، فلا يجتمع الإيمان مع إرادة الحكم والتحاكم إلى الطاغوت (2).

«يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا» مَنْ تحاكم إلى الطاغوت قد يكون بإرادته طائعًا مختارًا راغبًا في ذلك غير كاره له، وقد يكون بغير إرادته، بأن يكون مجبرًا لا اختيار له، كارهًا لذلك، فالأول المريد هو الذي ينتفي عنه الإيمان، والإرادة شرط؛ لأن الله جل وعلا ساقها مساق الشرط، فهذا ضابط مهم، وشرط في نفي أصل الإيمان عمن تحاكم إلى الطاغوت (3).

{الطَّاغُوتِ} قال ابن القيم: «والطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبودٍ أو متبوعٍ أو مطاعٍ» (4). وقد سبق شرحه.

{وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} أي بالطاغوت وهو دليل على أن التحاكم إلى الطاغوت مناف للإيمان مضاد له، فلا يصح الإيمان إلا بالكفر به، وترك التحاكم إليه؛ فمن لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن بالله (5).

(1) إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 118).

(2)

التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (426).

(3)

التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (426) بتصرف.

(4)

إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 40).

(5)

تيسير العزيز الحميد ص (481).

ص: 390

وقَوْلِهِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11].

وَقَوْلِهِ: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} الآية.

---------------------------------•

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} قال الربيع في تفسير هذه الآية:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} يقول: لا تعْصُوا في الأرض.

{قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} فكان فسادُهم ذلك معصيةَ الله جل ثناؤه، لأن من عَصى الله في الأرض أو أمر بمعصيته، فقد أفسدَ في الأرض، لأن إصلاحَ الأرض والسماء بالطاعة (1).

فـ «إن قيل ليس في الآية شيءٌ يتعلق بالحكم بغير ما أنزل الله، فالجواب: أن فيها مقالة المنافقين: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} وهم مفسدون، ومن جملة إفسادهم الحكم بغير ما أنزل الله» (2).

وتظهر دلالة الآية على مقصود الترجمة في قوله: {لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} فالآية في المنافقين، ومن أعمالهم التحاكم إلى غير الشرع، ومن دعا إلى التحاكم إلى غير ما أنزل الله، فقد أتى بأعظم الفساد (3).

قوله: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} الإفساد في الأرض نوعان:

الأول: إفساد حسي مادي: وذلك مثل هدم البيوت وإفساد الطرق وما أشبه ذلك.

(1) هذا التفسير كله رواه الطبري بإسناده في تفسيره (1/ 298) عن الربيع.

(2)

فوائد من شرح كتاب التوحيد ص (106).

(3)

ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (490، 491)، وفتح المجيد ص (394).

ص: 391

وَقَوْلِهِ: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} الآية.

---------------------------------•

الثاني: إفساد معنوي، وذلك بالمعاصي، فهي من أكبر الفساد في الأرض، قال تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].

{بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} من قبل المصلحين، ومن ذلك الوقوف ضد دعوة أهل العلم، والوقوف ضد دعوة السلف، وضد من ينادي بأن يكون الحكم بما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومعنى الآية: لا تعملوا فيها بالشرك والمعاصي، وبخس الناس، بعد أن أصلحها الله بالأمر بالعدل، وإرسال الرسل، وإيضاح حججه، والآية عامة تشمل النهي عن كل فساد.

قال القرطبي: «إنه سبحانه نهى عن كل فساد قل أو كثر بعد صلاح قل أو كثر؛ فهو على العموم على الصحيح من الأقوال» (1).

ودلالة الآية على مقصود الترجمة: أن الله تعالى نهى عن كل فساد، والنهي يقتضي التحريم، ومن الفساد المُحَرَّم التحاكم إلى غير الشرع (2).

قوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} الاستفهام للتوبيخ، و «حُكْمَ»: مفعول مقدم لـ «يَبْغُونَ» ، وقُدِّمَ لإفادة الحصر، والمعنى:«أفلا يبغون إِلَّا حكم الجاهلية» ، و «الْجَاهِلِيَّةِ»: المراد ما كان قبل الإسلام (3).

(1) تفسير القرطبي (7/ 226).

(2)

ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (490)، وفتح المجيد ص (395).

(3)

إعانة المستفيد (2/ 129).

ص: 392

وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ» .

---------------------------------•

و«يَبْغُونَ» يطلبون. و «حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ» هو: أن يحكم بعضهم على بعض، بأن يسن البشر شريعة فيجعلونها حكمًا (1)، ومن ذلك: التحاكم إلى الكهان، وإلى السحرة، وإلى الطواغيت، وإلى الأعراف القبلية (2).

ومناسبة الآية للباب: أنها دلت على تحريم ترك حكم الله تعالى، والأخذ بحكم غيره كائنًا مَن كان، وأن من ابتغى غير حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأنظمة البشرية والقوانين الوضعية والأعراف التقليدية، فقد ابتغى حكم الجاهلية الباطل (3).

حديث عبد الله بن عمرو في كتاب الحجة وغيره (4).

(1) التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (428).

(2)

إعانة المستفيد (2/ 129).

(3)

ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (491)، والجديد في شرح كتاب التوحيد ص (346).

(4)

أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 12) رقم (15)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 388) رقم (279)، وأبو القاسم الأصبهانى في الحجة في بيان المحجة (1/ 269) رقم (103) من طريق محمد بن مسلم بن واره،

والنسوي في كتاب الأربعين ص (51) رقم (8)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (6/ 20)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام وأهله (2/ 168)، والبغوي في شرح السنة (1/ 213) رقم (104)، وفي الأنوار ص (770، 771) رقم (1234)، وأبو طاهر السلفي في الأربعون البلدانية ص (177)، وفي معجم السفر ص (375) رقم (1265)، وابن الجوزي في ذم الهوى ص (18)، وابن العديم في بغية الطلب فى تاريخ حلب (5/ 2366) من طريق محمد ابن الحسن الأعين،

والبيهقي في المدخل إلى السنن ص (188) رقم (209) من طريق جعفر بن محمد بن فضيل،

ص: 393

وإسناد الحديث ضعيف (1)، وقد صحح الحديث بعضهم (2).

«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ» أي: لا يحصل له الإيمان الواجب.

«حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ» هواه بالقصر، أي: ما يهواه، أي: تحبه نفسه وتميل إليه (3).

وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (2/ 170) من طريق أبي حاتم الرازي، وعثمان بن سعيد،

وأبو القاسم الأصبهانى فى الترغيب والترهيب (1/ 79) رقم (30) من طريق أحمد بن مهدي،

ستتهم (محمد بن مسلم، وابن الأعين، وجعفر بن محمد، وأبو حاتم، وعثمان بن سعيد، وأحمد ابن مهدي) عن نعيم بن حماد، عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

لأن فيه عدة علل ذكرها ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 394)، فقال:«تصحيح هذا الحديث بعيد جدًّا من وجوه» ، ويمكن تلخيص هذه الوجوه فيما يلي:

1)

تفرد نعيم بن حماد، وهو وإن كان وثقه جماعة، إلا أنه كثير الخطأ؛ ولذا حكم عليه بالضعف.

2)

أنه قد اختلف على نعيم في إسناد الحديث، فروي عنه، عن الثقفي، عن هشام، وروي عنه عن الثقفي، حدثنا بعض مشيختنا هشام أو غيره، وعلى هذه الرواية، يكون الشيخ الثقفي غير معروف عينه، وروي عنه، عن الثقفي، حدثنا بعض مشيختنا، حدثنا هشام أو غيره، فعلى هذه الرواية، فالثقفي رواه عن شيخ مجهول، وشيخه رواه عن غير معين، فتزداد الجهالة في إسناده.

3)

أن في إسناده عقبة بن أوس، وثقه بعضهم، وقال ابن عبد البر: هو مجهول.

4)

أن رواية عقبة عن عبد الله بن عمرو منقطعة؛ لأنه لم يسمع عبد الله بن عمرو، كما نقل الغلابي في تاريخه عن بعض علماء الحديث.

(2)

قال النووي في الأربعين ص (113): «حسن صحيح» ، وقال ابن حجر في فتح الباري (13/ 289):«ورجاله ثقات» ، وقال السيوطي في إتمام الدراية ص (167):«إسناده حسن» .

(3)

تيسير العزيز الحميد ص (492).

ص: 394

قَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الحُجَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَقاَلَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ المُنَافِقِينَ وَرَجُلٍ مِنَ اليَهُودِ خُصُومَةٌ، ..

---------------------------------•

قال ابن رجب رحمه الله: «وأما معنى الحديث: فهو أن الإنسان لا يكون مؤمنًا كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته تابعة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي وغيرها فيحب ما أمر به ويكره ما نهى عنه» (1).

ولبعضهم:

تعصي الإله وأنت تزعمُ حبَّه

هذا لعمري في القياس شنيعُ

لو كان حُبُّكَ صادقًا لأطعتَهُ

إنَّ المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ

«قَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الحُجَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ» . وكتاب الحجة في بيان المحجة لقوام السنة الأصبهاني.

مناسبة الحديث للباب ظاهرة من جهة أن الرجل لا يؤمن حتى يكون هواه تبعًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء حتى في الحكم وغيره. فإذا حكم بحكم أو قضى بقضاء، فهو الحق الذي لا محيد للمؤمن عنه، ولا اختيار له بعده (2).

«وَقاَلَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ المُنَافِقِينَ

» أثر الشعبي رواه الطبري وغيره (3)، وهو مرسل.

(1) جامع العلوم والحكم 2/ 684.

(2)

تيسير العزيز الحميد ص (494).

(3)

أخرجه الطبري في تفسيره (7/ 190) رقم (9891) من طريق يعقوب بن إبراهيم،

وابن المنذر في تفسيره (2/ 770) رقم (1945) من طريق عمرو بن علي الفلاس،

كلاهما عن إسماعيل بن علية،

ص: 395

فَقَالَ اليَهُودِيُّ: نَتَحَاكَمُ إِلَى مُحَمَّدٍ، عَرَفَ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الرِّشْوَةَ، وَقَالَ المُنَافِقُ نَتَحَاكَمُ إِلَى اليَهُودِ، لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الرِّشْوَةَ، فَاتَّفَقَا أَنْ يَأْتِيَا كَاهِنًا فِي جُهَيْنَةَ فَيَتَحَاكَمَا إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآيَة.

وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: نَتَرَافَعُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ الآخَرُ: إِلَى كَعْبِ بْنِ الأَشرفِ، ثُمَّ تَرَافَعَا إِلَى عُمَرَ، فَذَكَرَ لَهُ أَحَدُهُمَا القِصَّةَ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يَرْضَ بِرَسُولِ الله? : أَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَضربَهُ بِالسيفِ فَقَتَلَهُ.

---------------------------------•

ودلالة هذا الأثر على مقصود الترجمة واضحة جدًّا؛ إذ إن الأثر يثبت أن هذا المنافق عدل عن التحاكم إلى النبي عليه الصلاة والسلام، إلى التحاكم إلى ذلك الكاهنٍ اليهودي، وهذا هو عين ترك الحكم بما أنزل الله ورسوله، والتحاكم إلى الطاغوت الباطل المحرم.

«وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا

إلخ» الحديث علقه الواحدي في أسباب النزول (1)، والبغوي في معالم التنزيل (2) من طريق الكلبي، عن أبي صالح باذام، عن ابن عباس، والكلبي كذاب، وأبو صالح متروك.

وأثر الشعبي السابق رغم إرساله، إلا أنه أقوى من هذا الأثر المروي عن الكلبي الكذاب.

والواحدي في أسباب النزول ص (161) من طريق يزيد بن زريع،

كلاهما (ابن علية، وابن زريع) عن داود بن أبى هند، عن عامر الشعبي، مرسلًا.

وجاء نحو هذا الأثر عن مجاهد كما في تفسيره ص (285).

وأخرجه ابن المنذر في تفسيره (2/ 770)، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 991، 993) من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وهو أيضًا مرسل.

(1)

ص (107، 108).

(2)

1/ 654، 655.

ص: 396