الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ
وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} الآيات [النساء: 60].
•---------------------------------•
مقصود الترجمة بيان «أن الحكم بما أنزل الله فرض، وأن ترك الحكم بما أنزل الله وتحكيم غيره في شؤون المتخاصمين وتنزيل ذلك منزلة القرآن، شركٌ أكبر بالله جل وعلا، وكفر مخرج من ملة الإسلام (1).
(1) ينظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (425).
(2)
القول السديد شرح كتاب التوحيد ط الوزارة ص (153).
(3)
القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 167).
«يَزْعُمُونَ» يدل على أنهم كذبة، فلا يجتمع الإيمان مع إرادة الحكم والتحاكم إلى الطاغوت (2).
«يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا» مَنْ تحاكم إلى الطاغوت قد يكون بإرادته طائعًا مختارًا راغبًا في ذلك غير كاره له، وقد يكون بغير إرادته، بأن يكون مجبرًا لا اختيار له، كارهًا لذلك، فالأول المريد هو الذي ينتفي عنه الإيمان، والإرادة شرط؛ لأن الله جل وعلا ساقها مساق الشرط، فهذا ضابط مهم، وشرط في نفي أصل الإيمان عمن تحاكم إلى الطاغوت (3).
{الطَّاغُوتِ} قال ابن القيم: «والطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبودٍ أو متبوعٍ أو مطاعٍ» (4). وقد سبق شرحه.
{وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} أي بالطاغوت وهو دليل على أن التحاكم إلى الطاغوت مناف للإيمان مضاد له، فلا يصح الإيمان إلا بالكفر به، وترك التحاكم إليه؛ فمن لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن بالله (5).
(1) إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 118).
(2)
التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (426).
(3)
التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (426) بتصرف.
(4)
إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 40).
(5)
تيسير العزيز الحميد ص (481).
وقَوْلِهِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11].
وَقَوْلِهِ: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} الآية.
•---------------------------------•
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} قال الربيع في تفسير هذه الآية:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} يقول: لا تعْصُوا في الأرض.
{قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} فكان فسادُهم ذلك معصيةَ الله جل ثناؤه، لأن من عَصى الله في الأرض أو أمر بمعصيته، فقد أفسدَ في الأرض، لأن إصلاحَ الأرض والسماء بالطاعة (1).
وتظهر دلالة الآية على مقصود الترجمة في قوله: {لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} فالآية في المنافقين، ومن أعمالهم التحاكم إلى غير الشرع، ومن دعا إلى التحاكم إلى غير ما أنزل الله، فقد أتى بأعظم الفساد (3).
قوله: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} الإفساد في الأرض نوعان:
الأول: إفساد حسي مادي: وذلك مثل هدم البيوت وإفساد الطرق وما أشبه ذلك.
(1) هذا التفسير كله رواه الطبري بإسناده في تفسيره (1/ 298) عن الربيع.
(2)
فوائد من شرح كتاب التوحيد ص (106).
(3)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (490، 491)، وفتح المجيد ص (394).
وَقَوْلِهِ: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} الآية.
•---------------------------------•
الثاني: إفساد معنوي، وذلك بالمعاصي، فهي من أكبر الفساد في الأرض، قال تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].
{بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} من قبل المصلحين، ومن ذلك الوقوف ضد دعوة أهل العلم، والوقوف ضد دعوة السلف، وضد من ينادي بأن يكون الحكم بما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى الآية: لا تعملوا فيها بالشرك والمعاصي، وبخس الناس، بعد أن أصلحها الله بالأمر بالعدل، وإرسال الرسل، وإيضاح حججه، والآية عامة تشمل النهي عن كل فساد.
قال القرطبي: «إنه سبحانه نهى عن كل فساد قل أو كثر بعد صلاح قل أو كثر؛ فهو على العموم على الصحيح من الأقوال» (1).
ودلالة الآية على مقصود الترجمة: أن الله تعالى نهى عن كل فساد، والنهي يقتضي التحريم، ومن الفساد المُحَرَّم التحاكم إلى غير الشرع (2).
قوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} الاستفهام للتوبيخ، و «حُكْمَ»: مفعول مقدم لـ «يَبْغُونَ» ، وقُدِّمَ لإفادة الحصر، والمعنى:«أفلا يبغون إِلَّا حكم الجاهلية» ، و «الْجَاهِلِيَّةِ»: المراد ما كان قبل الإسلام (3).
(1) تفسير القرطبي (7/ 226).
(2)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (490)، وفتح المجيد ص (395).
(3)
إعانة المستفيد (2/ 129).
وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ» .
•---------------------------------•
و«يَبْغُونَ» يطلبون. و «حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ» هو: أن يحكم بعضهم على بعض، بأن يسن البشر شريعة فيجعلونها حكمًا (1)، ومن ذلك: التحاكم إلى الكهان، وإلى السحرة، وإلى الطواغيت، وإلى الأعراف القبلية (2).
ومناسبة الآية للباب: أنها دلت على تحريم ترك حكم الله تعالى، والأخذ بحكم غيره كائنًا مَن كان، وأن من ابتغى غير حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأنظمة البشرية والقوانين الوضعية والأعراف التقليدية، فقد ابتغى حكم الجاهلية الباطل (3).
حديث عبد الله بن عمرو في كتاب الحجة وغيره (4).
(1) التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (428).
(2)
إعانة المستفيد (2/ 129).
(3)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (491)، والجديد في شرح كتاب التوحيد ص (346).
(4)
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 12) رقم (15)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 388) رقم (279)، وأبو القاسم الأصبهانى في الحجة في بيان المحجة (1/ 269) رقم (103) من طريق محمد بن مسلم بن واره،
والنسوي في كتاب الأربعين ص (51) رقم (8)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (6/ 20)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام وأهله (2/ 168)، والبغوي في شرح السنة (1/ 213) رقم (104)، وفي الأنوار ص (770، 771) رقم (1234)، وأبو طاهر السلفي في الأربعون البلدانية ص (177)، وفي معجم السفر ص (375) رقم (1265)، وابن الجوزي في ذم الهوى ص (18)، وابن العديم في بغية الطلب فى تاريخ حلب (5/ 2366) من طريق محمد ابن الحسن الأعين،
والبيهقي في المدخل إلى السنن ص (188) رقم (209) من طريق جعفر بن محمد بن فضيل،
وإسناد الحديث ضعيف (1)، وقد صحح الحديث بعضهم (2).
«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ» أي: لا يحصل له الإيمان الواجب.
«حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ» هواه بالقصر، أي: ما يهواه، أي: تحبه نفسه وتميل إليه (3).
وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (2/ 170) من طريق أبي حاتم الرازي، وعثمان بن سعيد،
وأبو القاسم الأصبهانى فى الترغيب والترهيب (1/ 79) رقم (30) من طريق أحمد بن مهدي،
ستتهم (محمد بن مسلم، وابن الأعين، وجعفر بن محمد، وأبو حاتم، وعثمان بن سعيد، وأحمد ابن مهدي) عن نعيم بن حماد، عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
لأن فيه عدة علل ذكرها ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 394)، فقال:«تصحيح هذا الحديث بعيد جدًّا من وجوه» ، ويمكن تلخيص هذه الوجوه فيما يلي:
1)
…
تفرد نعيم بن حماد، وهو وإن كان وثقه جماعة، إلا أنه كثير الخطأ؛ ولذا حكم عليه بالضعف.
2)
…
أنه قد اختلف على نعيم في إسناد الحديث، فروي عنه، عن الثقفي، عن هشام، وروي عنه عن الثقفي، حدثنا بعض مشيختنا هشام أو غيره، وعلى هذه الرواية، يكون الشيخ الثقفي غير معروف عينه، وروي عنه، عن الثقفي، حدثنا بعض مشيختنا، حدثنا هشام أو غيره، فعلى هذه الرواية، فالثقفي رواه عن شيخ مجهول، وشيخه رواه عن غير معين، فتزداد الجهالة في إسناده.
3)
…
أن في إسناده عقبة بن أوس، وثقه بعضهم، وقال ابن عبد البر: هو مجهول.
4)
…
أن رواية عقبة عن عبد الله بن عمرو منقطعة؛ لأنه لم يسمع عبد الله بن عمرو، كما نقل الغلابي في تاريخه عن بعض علماء الحديث.
(2)
قال النووي في الأربعين ص (113): «حسن صحيح» ، وقال ابن حجر في فتح الباري (13/ 289):«ورجاله ثقات» ، وقال السيوطي في إتمام الدراية ص (167):«إسناده حسن» .
(3)
تيسير العزيز الحميد ص (492).
قَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الحُجَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَقاَلَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ المُنَافِقِينَ وَرَجُلٍ مِنَ اليَهُودِ خُصُومَةٌ، ..
•---------------------------------•
قال ابن رجب رحمه الله: «وأما معنى الحديث: فهو أن الإنسان لا يكون مؤمنًا كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته تابعة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي وغيرها فيحب ما أمر به ويكره ما نهى عنه» (1).
ولبعضهم:
تعصي الإله وأنت تزعمُ حبَّه
…
هذا لعمري في القياس شنيعُ
لو كان حُبُّكَ صادقًا لأطعتَهُ
…
إنَّ المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ
«قَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الحُجَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ» . وكتاب الحجة في بيان المحجة لقوام السنة الأصبهاني.
مناسبة الحديث للباب ظاهرة من جهة أن الرجل لا يؤمن حتى يكون هواه تبعًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء حتى في الحكم وغيره. فإذا حكم بحكم أو قضى بقضاء، فهو الحق الذي لا محيد للمؤمن عنه، ولا اختيار له بعده (2).
«وَقاَلَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ المُنَافِقِينَ
…
» أثر الشعبي رواه الطبري وغيره (3)، وهو مرسل.
(1) جامع العلوم والحكم 2/ 684.
(2)
تيسير العزيز الحميد ص (494).
(3)
أخرجه الطبري في تفسيره (7/ 190) رقم (9891) من طريق يعقوب بن إبراهيم،
وابن المنذر في تفسيره (2/ 770) رقم (1945) من طريق عمرو بن علي الفلاس،
كلاهما عن إسماعيل بن علية،
فَقَالَ اليَهُودِيُّ: نَتَحَاكَمُ إِلَى مُحَمَّدٍ، عَرَفَ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الرِّشْوَةَ، وَقَالَ المُنَافِقُ نَتَحَاكَمُ إِلَى اليَهُودِ، لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الرِّشْوَةَ، فَاتَّفَقَا أَنْ يَأْتِيَا كَاهِنًا فِي جُهَيْنَةَ فَيَتَحَاكَمَا إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآيَة.
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: نَتَرَافَعُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ الآخَرُ: إِلَى كَعْبِ بْنِ الأَشرفِ، ثُمَّ تَرَافَعَا إِلَى عُمَرَ، فَذَكَرَ لَهُ أَحَدُهُمَا القِصَّةَ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يَرْضَ بِرَسُولِ الله? : أَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَضربَهُ بِالسيفِ فَقَتَلَهُ.
•---------------------------------•
ودلالة هذا الأثر على مقصود الترجمة واضحة جدًّا؛ إذ إن الأثر يثبت أن هذا المنافق عدل عن التحاكم إلى النبي عليه الصلاة والسلام، إلى التحاكم إلى ذلك الكاهنٍ اليهودي، وهذا هو عين ترك الحكم بما أنزل الله ورسوله، والتحاكم إلى الطاغوت الباطل المحرم.
«وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا
…
إلخ» الحديث علقه الواحدي في أسباب النزول (1)، والبغوي في معالم التنزيل (2) من طريق الكلبي، عن أبي صالح باذام، عن ابن عباس، والكلبي كذاب، وأبو صالح متروك.
وأثر الشعبي السابق رغم إرساله، إلا أنه أقوى من هذا الأثر المروي عن الكلبي الكذاب.
والواحدي في أسباب النزول ص (161) من طريق يزيد بن زريع،
كلاهما (ابن علية، وابن زريع) عن داود بن أبى هند، عن عامر الشعبي، مرسلًا.
وجاء نحو هذا الأثر عن مجاهد كما في تفسيره ص (285).
وأخرجه ابن المنذر في تفسيره (2/ 770)، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 991، 993) من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وهو أيضًا مرسل.
(1)
ص (107، 108).
(2)
1/ 654، 655.