المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حكم التبرك بالأحجار والأشجار ونحوها - غاية المريد شرح كتاب التوحيد

[عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌منهجية التميز

- ‌ترجمة موجزةللإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده ونشأته وطلبه للعلم:

- ‌ حال الناس قبل دعوته:

- ‌ ظهور دعوته:

- ‌ الافتراءات والشبهات حول دعوته:

- ‌ شيوخه:

- ‌ تلاميذه:

- ‌ مؤلفاته وآثاره العلمية:

- ‌ مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه:

- ‌ عقيدته ومذهبه:

- ‌ وفاته:

- ‌نبذة تعريفيةبكتاب التوحيد

- ‌ اسم الكتاب:

- ‌ نسبة الكتاب إلى مؤلفه:

- ‌ تاريخ تأليفه ومكانه:

- ‌ سبب تأليفه:

- ‌ أهميته:

- ‌ ثناء العلماء على الكتاب:

- ‌ موضوع الكتاب:

- ‌ منهج المؤلف في كتابه:

- ‌ عناية العلماء بالكتاب:

- ‌أولًا: الشروح والتعليقات والحواشي:

- ‌ثانيًا: الكتب التي خدمت الكتاب:

- ‌ثالثًا: مختصرات كتاب التوحيد:

- ‌كتاب التوحيد

- ‌ العلاقة بين أقسام التوحيد

- ‌بابُ فَضْلِ التَّوْحِيدِ وَمَا يُكفِّرُ مِنَ الذُّنُوبِ

- ‌ شروط (لا إله إلا الله)

- ‌بابُ مَنْ حَقَّقَ التَّوْحِيدَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ

- ‌ الاسترقاء والكي ليسا بمذمومين

- ‌بَابُ الخَوْفِ مِنَ الشركِ

- ‌بَابُ الدُّعَاءِ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ

- ‌بَابُ تَفْسيرِ التَّوْحِيدِ وَشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ لُبْسُ الحَلْقَةِ وَالخَيْطِ وَنَحْوِهِمَالِرَفْعِ البَلاءِ أَوْ دَفْعِهِ

- ‌ أحكام الأسباب

- ‌ حكم لبس الحلقة والخيط ونحوهما

- ‌ تغيير المنكر باليد

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّقَى وَالتَّمَائِمِ

- ‌الفرق بين الرقى والتمائم

- ‌ سبب النَّهي عن الاستنجاء برجيع الدابة أو العظم

- ‌بَابُ مَنْ تَبَرَّكَ بِشَجَرَةٍ أَوْ حَجَرٍ وَنَحْوِهِمَا

- ‌ حكم التبرك بالأحجار والأشجار ونحوها

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الذَّبْحِ لِغَيْرِ الله

- ‌«الذبح لغير الله ينقسم إلى قسمين:

- ‌بَابٌ لا يُذبَحُ للهِ بمكانٍ يُذبَح فيه لغير الله

- ‌بابٌ مِنَ الشركِ النَّذْرُ لِغَيْرِ الله

- ‌ هل ينعقد نذر المعصية

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ الاسْتِعَاذَةُ بِغَيْرِ الله

- ‌ حكم الاستعاذة بالمخلوق

- ‌ الفرق بين العياذ واللياذ

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِغَيْرِ الله أَوْ يَدْعُوَ غَيْرَهُ

- ‌بابقول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}

- ‌السر في الأمر بإنذار الأقربين أولًا

- ‌باب قول الله تعالى:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ

- ‌ أنواع العلو

- ‌بَابُ الشَّفَاعَةِ

- ‌أقسام الناس في الشفاعة:

- ‌الشفاعة الوارة في القرآن والسنة من حيث الإثبات والنفي نوعان:

- ‌القسم الأول: الشفاعة الخاصة

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية

- ‌بَابُ مَا جَاء أَنَّ سَبَبَ كُفْرِ بَنِي آدَمَوَتَرْكِهِمْ دِينَهُمْ هُوَ الغُلُوُّ فِي الصَّالِحِينَ

- ‌الناس في معاملة الصالحين ثلاثة أقسام:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّغْلِيظِ فِيمَنْ عَبَدَ اللهَعِنْدَ قَبْرِ رَجُلٍ صَالِحٍ فَكَيْفَ إِذَا عَبَدَهُ

- ‌اتخاذ القبور مساجد، يشمل ثلاثة معان:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الغُلُوَّ فِي قُبُورِ الصَّالِحِينَيُصيرُهَا أَوْثَانًا تُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله

- ‌ حكم زيارة النساء للقبور

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي حِمَايِةِ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم جَنَابَ التَّوْحِيدِوَسَدهِ كُلَّ طَرِيقٍ يُوصِلُ إِلَى الشركِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأُمَّةِ يَعْبُدُ الأَوْثَانَ

- ‌الفرق بين الوثن والصنم:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي السِّحْرِ

- ‌هل للسحر حقيقة

- ‌ حكم تعلم السحر:

- ‌بَابُ بَيَانِ شيءٍ مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ

- ‌«ووجه كون العيافة من السحر:

- ‌حكم تعلم النجوم:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الكُهَّانِ وَنَحْوِهِمْ

- ‌سؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:

- ‌كتابة أبي جاد على قسمين:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي النُّشرةِ

- ‌ حل السحر بالسحر

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَيُّرِ

- ‌ الجمع بين حديث: «لَا عَدْوَى» وحديث: «فِرَّ مِن الْمَجْذُومِ»

- ‌الفرق بين الطيرة والفأل:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّنْجِيمِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الاسْتِسْقَاءِ بِالأَنْوَاءِ

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

- ‌أقسام المحبة:

- ‌ بواعث حب الله

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌الخوف من غير الله ينقسم إلى أربعة أقسام:

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [

- ‌بَابٌ مِنَ الإِيمَانِ باللهِ الصَّبْرُ عَلَى أَقْدَارِ الله

- ‌الصبر ثلاثة أنواع:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّيَاءِ

- ‌ حكم العبادة إذا خالطها الرياء

- ‌ الشركُ الخَفِيُّ

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ إِرَادَةُ الإِنْسَانِ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا

- ‌ فعل الإنسان للعمل الصالح بقصد الدنيا هو من الشرك الأصغر

- ‌بَابُ مَنْ أَطَاعَ العُلَمَاءَ وَالأُمَرَاءَ فِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهأَوْ تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَه فَقَدْ اتَّخَذَهُمْ أَرْبَابًا

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ

- ‌بَابُ مَنْ جَحَدَ شيئًا مِنَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ

- ‌ حكم من جحد شيئًا من الأسماء والصفات

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}

- ‌ حكم قول القائل: (لولا فلان لم يكن كذا):

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌ الحلف بصفات الله

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ لَمْ يَقنَعْ بِالْحَلِفِ بالله

- ‌بَابُ قَوْلِ: «مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ»

- ‌بَابُ مَنْ سَبَّ الدَّهْرَ فَقَدْ آذَى اللهَ

- ‌بَابُ التَّسَمِّي بِقَاضي القُضَاةِ وَنَحْوِهِ

- ‌بَابُ احْتِرَامِ أَسْمَاءِ الله تَعَالَى وَتَغْيِيِرِ الاسْمِ لأَجْلِ ذَلِكَ

- ‌بَابُ مَنْ هَزَلَ بِشيءٍ فِيهِ ذِكْرُ الله أَو القُرْآنِ أَو الرَّسُولِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌بَابٌ لا يُقَالُ السَّلامُ عَلَى الله

- ‌بَابُ قَوْلِ: «اللهمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ»

- ‌بَابٌ لا يَقُولُ: «عَبْدِي وَأَمَتِي»

- ‌بَابٌ لا يُرَدُّ مَنْ سَأَلَ باللهِ

- ‌بَابٌ لا يُسْأَلُ بِوَجْهِ الله إِلَاّ الجَنَّةُ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي اللَوْ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الرِّيحِ

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي مُنْكِري القَدَرِ

- ‌تعريف القدر:

- ‌مراتب القدر:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي المُصَوِّرِينَ

- ‌ اقتناء الصور على أقسام:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي كَثْرَةِ الحَلِفِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِمَّةِ الله وَذِمَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الإِقْسَامِ عَلَى الله

- ‌بَابٌ لا يُسْتَشْفَعُ بِاللهِ عَلَى خَلْقِهِ

- ‌ تحريم الاستشفاع بالله على خلقه

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي حِمَايَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَى التَّوْحِيدِوَسَدِّهِ طُرُقَ الشركِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الفصل: ‌ حكم التبرك بالأحجار والأشجار ونحوها

‌بَابُ مَنْ تَبَرَّكَ بِشَجَرَةٍ أَوْ حَجَرٍ وَنَحْوِهِمَا

---------------------------------•

مقصود الترجمة: بيان‌

‌ حكم التبرك بالأحجار والأشجار ونحوها

.

ومناسبة هذا الباب للأبواب السابقة أنه يُعَدُّ تكملةً لها؛ لأنه ذكر لبس الحلقة والخيط، وذكر الرُّقَى ولبس التمائم؛ فناسب هنا أن يذكر النهي عن التبرك بالأشجار والأحجار ونحوها، وأن ذلك من الشرك بالله تعالى. فإن القاسم المشترك بين كل هذه الأبواب أنها تتعلق بالاعتقاد بغير الله تعالى، وأنها من الشرك الأصغر في أصلها، وإن كانت قد ترتقي إلى الأكبر إذا اعتقد الفاعل لذلك استقلال المُعَلَّق أو المُتَبَرَّك به في التأثير.

و(مَنْ) هنا يمكن أن تكون موصولة بمعنى (الذي)، والتقدير:(باب بيان حكم الذي يتبرك بشجرة أو حجر ونحوهما).

ويمكن أن تكون شرطية، والتقدير:(باب من تبرك بشجرةٍ أو حجرٍ ونحوهما فقد أشرك)، والأقرب أنها موصولة.

والمصنف لم يصرح بالحكم في هذه الترجمة؛ لأن الحكم مرتبط باعتقاد المُتبَرِّك وقصده.

فإذا كان يعتقد أن هذا المتبرَّك به ينفع ويضر من دون الله فهو شرك أكبر.

وإذا لم يعتقد ذلك ولم يدل الدليل على أنه مما يُتبرك به، فهذا قد يؤول بالمرء إلى الوقوع في الشرك، وإن لم يكن شركًا أكبر.

«مَنْ تَبَرَّكَ» التبرك في اللغة: طلب البركة، والبركة: النماء والزيادة (1)، وفي الشرع: ثبوت الخير الإلهي في الشيء (2).

(1) ينظر: تهذيب اللغة (10/ 131)، والصحاح (4/ 1575).

(2)

المفردات في غريب القرآن ص (119)، والكليات ص (248).

ص: 125

وهل التبرك كله ممنوع؟

الجواب: التبرك ينقسم إلى قسمين:

الأول: التبرك المشروع وهو أنواع:

النوع الأول: التبرك بذات النبي صلى الله عليه وسلم، وما انفصل من جسده، من شعرٍ، أو عَرَقٍ، أو لباسٍ، وما استعمله من ماءٍ أو إناءٍ، ونحو ذلك. فإِنَّ كل ذلك مباركٌ، يجوز التبرك به. وقد دلت الأدلة على ذلك، ولكن في هذا الباب لا بد من التنبيه على أمور:

أولها: أَنَّ هذا خاصٌّ به لا يَتَعَدَّاه إلى غيره.

والنوع الثاني: عدم إمكانية الحصول على هذه الأشياء المنفصلة عن جسده صلى الله عليه وسلم؛ وخاصةً مع تقادم الزمان، والبعد عن عهده؛ فإن الحصول على ذلك في هذه العهود بات أمرًا نادرًا أو معدومًا، ولو وُجِدَ لَمَا أمكن القطع بذلك على وجه اليقين.

الثاني: التبرك المشروع بالأقوال والأفعال، والأمكنة، والأزمنة، والأطعمة، كما يلي:

أولًا: التبرك المشروع بالأقوال: كقراءة سورة البقرة: «اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ» (1).

ثانيًا: التبرك بالأفعال: كالاجتماع على الطعام.

(1) أخرجه مسلم (1/ 553) رقم (804).

ص: 126

الثالث: من التبرك المشروع: التبرك بالأمكنة.

كالأماكن التي فيها نص كالمساجد؛ فإنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى الله مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلادِ إِلَى الله أَسْوَاقُهَا» (1).

وكيف يكون التبرك بالمساجد؟

الجواب: يكون ذلك بفعل ما دل الشرع على جوازه، فإن كان بيتَ المقدس بشد الرحال إليه وكثرة الصلاة فيه، وكذلك المسجد الحرام، والمسجد النبوي فبشد الرحال إليهما وكثرة الصلاة فيهما.

الرابع: من التبرك المشروع التبرك بالأزمنة:

كليلة القدر: وتلتمس بركتها بقيام ليلها وصيام نهارها، وهكذا يوم الجمعة، وشهر رمضان، ويوم عرفة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، يشرع أن يفعل فيها ما دل عليه الدليل.

الخامس: من التبرك المشروع التبرك بالأطعمة وما في حكمها:

كالزيت المستخرج من شجرة الزيتون لقوله تعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} [النور: 35].

ومن ذلك: اللبن، والحبة السوداء، والعجوة، والكمأة، والعسل، والخيل، والغنم، والنخل.

وأيضًا ماء زمزم: لحديث: «إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ» (2)، وماء المطر:{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} [ق: 9].

(1) أخرجه مسلم 1/ 464 رقم (671).

(2)

أخرجه مسلم 4/ 1919 رقم (2473).

ص: 127

وَقَوْلُ الله تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} الآية [النجم: 19].

---------------------------------•

القسم الثاني: التبرك الممنوع:

وهو كل تبرك بشيء لم يدل الدليل على مشروعية التبرك به، كالتبرك بالأمكنة أو الجمادات أو الأزمنة التي لا دليل على ثبوت بركتها، ويدخل في التبرك الممنوع، التبركُ بالأمكنة المباركة على غير ما ورد به الشرع، كتقبيل أبواب المساجد، والتمسح بأعتابها والاستشفاء بتربتها، ومثل ذلك: التمسح بجدران الكعبة، أو مقام إبراهيم، وغير ذلك من التبرك الممنوع.

ومن ذلك أيضًا: الذهاب إلى القبور لا لقصد الزيارة، وإنما لقصد الدعاء عندها.

ومن ذلك: تخصيص أزمنة معينة بنوع من التعظيم، والاحتفالات، والعبادات؛ كيوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويوم الإسراء والمعراج، ويوم الهجرة، ويوم بدر، وفتح مكة، وغير ذلك؛ فالتبرك بالأزمنة على هذا النحو من البدع.

{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} معناه: أفرأيتم أيها المشركون هذه الآلهة التي تعبدونها: اللات والعزَّى ومناة الثالثة الأخرى هل نفعتكم أو ضرَّتكم حتى تجعلوها شركاء لله؟

و{اللَّاتَ} بتخفيف التاء، على قراءة الجمهور، قيل: إنها مأخوذة من الإله.

وبتشديد التاء (اللاتَّ) على قراءة ابن عباس رضي الله عنه، قيل: إنه رجل بالطائف كان يلت السويق للحجاج، فلما مات؛ عظموه، وعكفوا على قبره.

ص: 128

{وَالْعُزَّى} مأخوذة من اسم العزيز، وقيل: هو اسم شجرة كانت تعبد.

قال ابن كثير: «كانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة بين مكة والطائف كانت قريش يعظمونها» (1).

{وَمَنَاةَ} مأخوذة من اسم المنان (2)، وقيل: سميت بذلك لكثرة ما يُمْنَى -أي: يراق- عندها من دماء.

وقوله: {الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} وصف لمناة، وصفها بأنها ثالثة وبأنها أخرى «إشارة إلى أن التي تعظمونها، وتذبحون عندها، وتكثر إراقة الدماء حولها، أنها أخرى بمعنى متأخرة؛ أي: ذميمة حقيرة» (3).

والأصنام التي كان يعبدها المشركون كثيرة وجاء النص على هذه الثلاثة؛ لأنها كانت الأشهر عند العرب.

ومناسبة الآية للترجمة: أن هذه الأصنام من الحجارة، أو الأشجار، التي كان المشركون يتقربون إليها بالذبائح وغيرها طلبًا للنفع وجلبًا للبركة، ودفعًا للشر، أو رفعه، كل ذلك من الضلال والشرك بالله تعالى.

(1) تفسير القرآن العظيم (7/ 445).

(2)

معالم التنزيل (7/ 407)، والجامع لأحكام القرآن (7/ 328).

(3)

القول المفيد (1/ 198).

ص: 129

عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِي رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى حُنَيْنٍ وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَلِلْمُشركِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَمَرَرْنَا بسِدْرَةٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله? :«الله أَكْبَرُ، إِنَّهَا السَنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسرائِيلَ لِمُوسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» رواهُ التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَه.

---------------------------------•

حديث أبي واقد رواه الترمذي وغيره (1)، وإسناده صحيح.

(1) أخرجه معمر في جامعه (11/ 369) رقم (20763)، ومن طريقه أحمد في مسنده (36/ 231) رقم (21900)، والأزرقي في أخبار مكة (1/ 130)، والمروزي في السنة ص (16) رقم (38)، والنسائي في السنن الكبرى (10/ 100) رقم (11121)، والطبري في تفسيره (13/ 81)، والطبراني في المعجم الكبير (3/ 243) رقم (3290)، وابن بطة في الإبانة (2/ 568) رقم (710)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 759) رقم (2021)،

وأبو داود الطيالسي في مسنده (2/ 682) رقم (1443)، وابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 479) رقم (37375)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 37) رقم (76)، والطبراني في المعجم الكبير (3/ 244) رقم (3294) من طريق إبراهيم بن سعد،

والحميدي في مسنده (2/ 98) رقم (871)، والشافعي في السنن المأثورة ص (338) رقم (400)، والترمذي في جامعه (4/ 45) رقم (2180)، والمروزي في السنة ص (16) رقم (37)، والطبراني في المعجم الكبير (3/ 244) رقم (3292)، وأبو يعلى في مسنده (3/ 30) رقم (1441)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 172)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 139) رقم (204)، ورقم (205)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 759) رقم (2021)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (1/ 186) رقم (329)، وفي دلائل النبوة (5/ 125) ِمن طريق سفيان بن عيينة،

وأحمد في مسنده والمروزي في السنة ص (17) رقم (40) من طريق عقيل بن خالد،

ص: 130

«وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ» أي: جديدون في الإسلام، وقريبو عهد بكفر، وهذا اعتذار عن الزلة العظيمة التي وقعت منهم بسبب ذلك، وفي هذا دليل على أن حديث العهد بالكفر يعذر بجهله.

«وَلِلْمُشركِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا» العكوف: الإقبال على الشيء وملازمته (1)، ومن ذلك قوله تعالى:{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52]. فالمشركون لازموا هذه السدرة وأقبلوا عليها عبادة وتعظيمًا، وطلبًا للبركة.

«وَيَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ» من ناط الشيء ينوطه نوطًا، أي علَّقه (2)، والمعنى: أنهم كانوا يعلقون أسلحتهم على هذه الشجرة طلبًا للبركة.

والمروزي في السنة ص (17) رقم (39)، والطبراني في المعجم الكبير (3/ 244) رقم (3291)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 759) رقم (2021) من طريق مالك بن أنس،

وابن حبان في صحيحه (15/ 94) رقم (6702) من طريق يونس بن يزيد،

ومحمد بن إسحاق كما في (سيرة ابن هشام)(2/ 442)، ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير (3/ 244) رقم (3293)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 759) رقم (2021)، والبيهقي في دلائل النبوة (5/ 124)،

سبعتهم (معمر، وإبراهيم بن سعد، وسفيان بن عيينة، وعقيل بن خالد، ومالك، ويونس بن يزيد، وابن إسحاق) عن ابن شهاب الزهري، عن سنان بن أبي سنان، عن أبي واقد الليثي.

قال الترمذي (4/ 45): «حسن صحيح» ، وصححه ابن حبان.

(1)

مجمل اللغة ص (624).

(2)

الصحاح (3/ 1165)، ولسان العرب (7/ 418).

ص: 131

«يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ» أي: تسمى أو تلقب بذات أنواط، «وإنما سميت بذلك لكثرة ما يناط بها من السلاح» (1).

«فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ» أي: اجعل لنا شجرة نعلق عليها أسلحتنا فتنالها البركة؛ فتصبح أمضى وأقوى، مثل ما يحصل لأسلحة المشركين.

«الله أَكْبَرُ» وفي رواية الترمذي: «سُبْحَانَ الله» والتكبير والتسبيح هنا وقعا موقع التعجب والاستنكار واستعظام الأمر، ومعناهما تعظيم الله تعالى وتنزيهه عن الشرك، وعما لا يليق به.

«إِنَّهَا السَنَنُ» أي: السنن الإلهية الكونية في تتبع اللاحقين للسابقين في طرقهم ومذاهبهم، وهي سنة لا تتغير، ولا تتبدل.

«قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسرائِيلَ لِمُوسى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}» فقاس صلى الله عليه وسلم مقالة صحابته على مقالة بني إسرائيل، فهؤلاء قالوا: اجعل لنا ذات أنواط كما للمشركين، وأولئك قالوا لموسى:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} .

«لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» «يحتمل أن يكون بفتح السين، أي: طريق من كان قبلكم من الأولين، ويحتمل أن يكون بضمها، فيكون المراد بها الطرائق، أي: لتأخذن أو لتأتن ما أتاه من قبلكم من الخلائق» (2).

(1) حاشية كتاب التوحيد ص (93).

(2)

العقد الثمين في شرح أحاديث أصول الدين ص (110).

ص: 132

ومناسبة الحديث للباب واضحة وظاهرة لا تحتاج إلى بيان.

وفيه النهي عن التشبه بأهل الجاهلية من أهل الكتاب والمشركين، وفيه من اللطائف: أن الشرك لا بد أن يقع في هذه الأمة؛ كما وقع فيمن قبلها، ففيه رد على من قال: إن الشرك لا يقع في هذه الأمة، ومن لطائف الحديث: العذر بالجهل وعدم التسرع في إطلاق وصف الشرك على من وقع في فعل أو قول شركي لداعٍ وبالأخص من كان حديث عهد بكفر.

ص: 133