الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ» . أَخْرَجَاهُ، زَادَ مُسْلِمٌ:«وَلَا نَوْءَ، وَلَا غُولَ» .
•---------------------------------•
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين (1)، كما أشار المؤلف.
قوله: «لَا عَدْوَى» : هذا حمله العلماء على أحد وجهين:
الأول: أن المقصود بذلك إضافة الأشياء إلى القدر: أي لا يعدي شيءٌ شيئًا بذاته مستقلًا عن قدر الله، بل كل ذلك يجري بقدر الله وقضائه.
والثاني: أن هذا مخصوص، ويراد به شيء دون شيء: أي لا عدوى إلا من الجذام والبرص والجرب، فهذه هي التي تكون فيها العدوى دون سواها.
والصواب القول الأول (2).
كيف
الجمع بين حديث: «لَا عَدْوَى» وحديث: «فِرَّ مِن الْمَجْذُومِ»
؟
قال البيهقي وابن الصلاح، وابن القيم، وابن رجب، وابن مفلح وغيرهم: إن قوله: «لا عَدْوَى» أي: على الوجه الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وأن هذه الأمراض تعدي بطبعها.
وأمَّا حديث: «فِرَّ مِن الْمَجْذُومِ» فهو من قبيل الأخذ بالأسباب الشرعية؛ ولهذا قال: «فِرَّ مِن المجْذُومِ، كَمَا تَفِرُّ مِن الْأَسَدِ» (3).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (7/ 135) رقم (5757) من طريق أبي صالح،
وأخرجه مسلم في صحيحه (4/ 1743) رقم (2220) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن،
كلاهما: (أبو صالح، وأبو سلمة بن عبد الرحمن) عن أبي هريرة مرفوعًا.
(2)
ينظر: معالم السنن للخطابي (4/ 233)، وشرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 410).
(3)
أخرجه البخاري (5/ 2158) رقم (5380).
وقال: «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» (1)، وقال في الطاعون:«فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلَا يَقْدَمَنَّ عَلَيْهِ» (2)، وكل ذلك بتقدير الله تعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم:«فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟ » يشير إلى أن الأول إنما جرِب بقضاء الله وقدره.
فيكون أمره بالفرار من المجذوم ونهيه عن إيراد الممرض على المصح، وعن الدخول إلى موضع الطاعون، من باب اجتناب الأسباب التي خلقها الله تعالى، وجعلها أسبابًا للهلاك والأذى، والعبد مأمور باتقاء أسباب الشر إذا كان في عافية، فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء أو في النار أو تحت الهدم أو نحو ذلك، فكذلك يشرع له اجتناب مقاربة المريض كالمجذوم، وقدوم بلد الطاعون؛ فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف، والله تعالى هو خالق الأسباب ومسبباتها لا خالق غيره.
«وَلَا طِيَرَةَ» : الطيرة من التطير وهي معروفة، وقد مرت معنا سابقًا.
«وَلَا هَامَةَ» : (الهامة): هو طائر كبير يضعف بصره بالنهار، ويطير بالليل، ويصوت فيه، ويقال له: بوم، والعرب يتشاءمون بصوته، ويسمونه:(الصَّدَى)
وكانوا يقولون: إن روح القتيل الذي لا يدرك ثأره يصير هامة، وتقول: اسقوني اسقوني، فإذا أدرك ثأره طارت (3).
(1) أخرجه مسلم (4/ 1743) رقم (2221).
(2)
أخرجه البخاري (6/ 2557) رقم (6573)، ومسلم (4/ 1737) رقم (2218).
(3)
ينظر: الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 190)، وتحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 182).
«وَلَا صَفَرَ» : (صفر): قيل: هو حية في بطن الإنسان تعتقد العرب أنها تعض الإنسان إذا جاع وتؤذيه، وذلك مذكور في أشعارهم، وقيل المقصود بذلك: أنهم كانوا يتشاءمون بدخول صفر؛ فيحلونه عامًا، ويحرمونه عامًا، وهذا أقرب الأقوال (1).
«وَلَا نَوْءَ» : الأنواء هي منازل القمر، وهي ثمانية وعشرون نجمًا، وكانت العرب يعتقدون عند كل نوء حصول أحداث معينة كالمطر والريح ونحو ذلك، فأبطل الإسلام هذا المعتقد (2).
«وَلَا غُولَ» : (الغُول): واحد الغِيلان، وهي جنس من الجن والشياطين، كانت العرب تزعم أنها تظهر للناس في الفَلَوات، فتفزعهم، وتضلهم عن الطريق، وتهلكهم، فنفى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأبطله (3).
إشكال وجوابه:
جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ» (4) فما المراد بذلك؟
الجواب من وجوه:
(1) ينظر: الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 190)، وتحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 182)، وشرح المشكاة للطيبي (9/ 2980).
(2)
ينظر: شرح المشكاة للطيبي (9/ 2980)، وتحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 183).
(3)
ينظر: شرح المشكاة للطيبي (9/ 2981)، وكشف المشكل لابن الجوزي (3/ 93).
(4)
أخرجه البخاري (3/ 1049) رقم (2703)، ومسلم (4/ 1746) رقم (2225).
«وَلَهُمَا عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله? : «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، ..
•---------------------------------•
الوجه الأول: أن معنى الحديث إن كان الشؤم في شيء حقًّا فهو في هذه الثلاث، باعتبار أن النفوس البشرية يقع منها التشاؤم بهذه الأشياء أكثر من غيرها.
وقد جاء ذلك صريحًا في حديث عن ابن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ، وَالمَرْأَةِ، وَالفَرَسِ» (1).
ومناسبة الحديث للباب: أنه جاء في الحديث النهي عن الطيرة، وإبطالها، وبيان أنها معتقد جاهلي، مبني على تعليق القلب بغير الله، وهذا من الشرك بالله عز وجل (3).
«وَلَهُمَا» أي البخاري ومسلم (4):
«لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» : مَرَّ معنا شرح معنى العدوى والطيرة في الحديث السابق.
(1) أخرجه البخاري (7/ 8) رقم (5094)، ومسلم (4/ 1748) رقم (2225).
(2)
مفتاح دار السعادة (2/ 257).
(3)
ينظر: إعانة المستفيد (2/ 10)، والملخص في شرح كتاب التوحيد ص (229).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (7/ 139) رقم (5776)، ومسلم في صحيحه (4/ 1746) رقم (2224) عن محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وقرن البخاري مع محمد بن بشار (محمد بن المثنى).