الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية
.
•---------------------------------•
وهذا الباب مقارب لما قبله، فإذا لم يكن أحد يستطيع أن ينفع أحدًا بالشفاعة والخلاص من العذاب، كذلك لا يستطيع أحد أن يهدي أحدًا؛ فيقوم بما أمر الله به.
مسألة: كيف نوفق بين قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} ، وقوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]؟
الجواب: أنَّ الهداية قسمان:
الأول: هداية توفيق وقبول: وهي المنفية، بقوله:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي} .
(1) تيسير العزيز الحميد ص (247) -بتصرف يسير.
(2)
إعانة المستفيد (1/ 254).
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: لما حَضرتْ أَبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ،
•---------------------------------•
والثاني: هداية دلالة وإرشاد: وهي المثبتة، ولا يلزم حصول الهدى بها، كما في قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52](1).
{وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} : أي أن الله وحده هو الذي يملك هداية التوفيق والقبول والتغيير لا أحد سواه.
{وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} : أي: أن الله عز وجل أعلم بالذين يستحقون الهداية من الذين يستحقون الغواية (2).
وهذه فيها دلالة واضحة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك ضرًّا ولا نفعًا ولا عطاءً ولا منعًا، وأن الأمر كله بيد الله، ففيها الرد على الذين ينادونه لتفريج الكربات وقضاء الحاجات.
«وَفِي الصَّحِيحِ» : أي البخاري ومسلم، واللفظ الذي ذكره المصنف لمسلم (3).
«لما حَضرتْ أَبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ» : معناه: حضرت علامات الوفاة وقارب الموت، وليس المراد أنه نزل به الموت؛ لأنه إذا نزل الموت بالمحتضر، وبلغت الروح الغرغرة لا تقبل منه توبة، ولا ينفعه إيمان، ويدل على ذلك ما وقع من المراجعة بينه وبينهم.
(1) ينظر: السراج المنير (3/ 108)، وتفسير السعدي ص (620).
(2)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (249).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (6/ 112، 113) رقم (4772) من طريق شعيب،
ومسلم في صحيحه (1/ 54) رقم (24) من طريق يونس،
كلاهما (يونس وشعيب) عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه رضي الله عنه.
جَاءَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ عَبْدُ الله بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَأَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ لَهُ:«يَا عَمِّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عَنْدَ الله» ، فَقَالَا لَهُ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؟ فَأَعَادَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ? ، فَأَعَادَا، فَكَانَ آخِرَ مَا قَالَ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ? :«لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» . فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية، وَأَنْزَلَ اللهُ فِي أَبِي طَالِبٍ:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} .
•---------------------------------•
«جَاءَهُ رَسُولُ الله? » : «حرصًا على هدايته وشفقة عليه، لما رأى منه النصح والاجتهاد، فيما يصلح أمره، والذب عنه بماله وحاله وولده، وصنع الصنائع التي لم يصنعها أحد من الأقارب والأباعد معه صلى الله عليه وسلم» (1).
«وَعِنْدَهُ عَبْدُ الله بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَأَبُو جَهْلٍ» : «يحتمل أن يكون المسيب حضر هذه القصة، فإن المذكورين من بني مخزوم وهو أيضًا مخزومي، وكانوا يومئذ كفارًا فمات أبو جهل على كفره، وأسلم الآخران» (2).
«يَا عَمِّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله» : أي: قل هذه الكلمة، لأنه يعرف علم أبي طالب بمعناها وهو إخلاص التوحيد ونفي الشرك، ولم يذكر شهادة أن محمدًا رسول الله؛ لأنها تبعٌ لكلمة لا إله إلا الله ولا بد من الإتيان بها (3).
«كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عَنْدَ الله» : (أُحَاجُّ): بتشديد الجيم من (الْمُحَاجَّة) وهي مفاعلة من (الْحُجَّة).
(1) حاشية كتاب التوحيد ص (142).
(2)
تيسير العزيز الحميد ص (250).
(3)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (250)، وفتح المجيد ص (213).
«فَقَالَا لَهُ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؟ » : «القائلان هما: عبد الله بن أبي أمية، وأبو جهل، والاستفهام للإنكار عليه؛ لأنهما عرفا أنه إذا قالها - أي كلمة الإخلاص - كان موحدًا بريئًا من آلهة قومه، وذكرا له ما تَهِيجُ به نُعَرَتُه (1)، وهي ملة عبد المطلب حتى لا يخرج عن ملة آبائه وقد مات أبو جهل على ملة عبد المطلب، أما عبد الله بن أبي أمية والمسيب الذي روى الحديث، فأسلما؛ فأسلم من هؤلاء الثلاثة رجلان، رضي الله عنهما.
«مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ» : أي: دين عبد المطلب، وهو دين أهل الجاهلية القائم على الشرك بالله، وعبادة الأوثان.
ومناسبة هذا الحديث للباب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لأستغفرن لك»
…
فالاستغفار حصل منه صلى الله عليه وسلم لعمه، ولكن: هل نفع استغفار النبي صلى الله عليه وسلم له؟ الجواب: لم ينفعه ذلك. فدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك نفعًا لمن هو أقرب الناس إليه. وهذا يبطل التعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم لجلب النفع أو دفع الضر، وغيره من باب أولى (2).
(1) النُّعَرَة: النخوة والأنفة والكبر. ينظر: مقاييس اللغة (5/ 449)، لسان العرب (5/ 222).
(2)
ينظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (231)، والملخص في شرح كتاب التوحيد ص (157).