الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الرِّيحِ
•---------------------------------•
مقصود الترجمة: أن سب الريح وشتمها ولعنها منهي عنه في الشرع الإسلامي؛ لأنها تتحرك بأمر الله وقضائه وقدره، ولا تصريف لها بنفسها (1).
قوله: «بَابُ النَّهْيِ» : أطلق المؤلف رحمه الله النهي في الباب ولم يفصح: هل المراد به التحريم أو الكراهة (2). وحقيقة النهي أنه للتحريم (3).
«سَبِّ الرِّيحِ» : قوله: «الريح» : مفرد رياح، وهو الهواء الذي يصرفه الله عز وجل، وسب الريح يكون بشتمها أو بلعنها (4).
وعلاقة الباب بكتاب التوحيد: أَنَّ سب الريح من جنس سب الدهر، وسب الدهر والأيام والليالي والريح والأمطار هو سبٌّ لله تعالى؛ لأنه هو الذي خلقها وهو الذي صرفها وحركها بهذا الشكل الذي نراه ونحسه ونشاهده. فسب الريح يؤول إلى سب حكمة الله وقضائه وقدره وقدرته وتدبيره الذي يرجع هو الآخر إلى سب ذات الله تعالى، وهذا بلا شك ينافي التوحيد أيَّما منافاة، ويناقضه أيَّما مناقضه (5).
(1) تيسير العزيز الحميد ص (581)، وحاشية كتاب التوحيد ص (356).
(2)
القول المفيد (2/ 378).
(3)
التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (535).
(4)
القول المفيد (2/ 378)، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (535).
(5)
ينظر: فتح المجيد ص (466)، والقول السديد ص (173)، حاشية كتاب التوحيد ص (356)، والملخص في شرح كتاب التوحيد ص (382).
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللهمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شر هَذِهِ الرِّيحِ وَشر مَا فِيهَا وَشر مَا أُمِرَتْ بِهِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِي.
•---------------------------------•
ويظهر أن الباب «من جنس الأبواب السابقة التي فيها النهي عن سب الدهر، والنهي عن قول: (لو) وغير ذلك، والنهي عن التنجيم، وكل ما فيه إضافة الأشياء إلى غير الله عز وجل فإنه منهي عنه» (1).
وعلى وجه الخصوص نجد أن هذا الباب «نظير ما سبق في سب الدهر، إلا أن ذلك الباب عام في سب جميع حوادث الدهر، وهذا خاص بالريح» (2).
«عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ
…
» الحديث رواه الترمذي وغيره (3)، وقد جاء مرفوعًا وموقوفًا، والوقف أصح.
(1) إعانة المستفيد (2/ 236).
(2)
القول السديد ص (173).
(3)
هذا الحديث مداره على حبيب بن أبي ثابت، وقد اختلف فيه على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: حبيب بن أبي ثابت، عن ذر بن عبد الله المرهبي، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب مرفوعًا.
وأخرجه من هذا الوجه عبد الله بن أحمد في المسند (35/ 75) رقم (21139)، وفي السنة (2/ 510) رقم (1196)، والترمذي في جامعه (4/ 521) رقم (2252) والنسائي في السنن الكبرى (9/ 342) رقم (10704)، وعمل اليوم والليلة ص (521) رقم (934)، (936)، وابن أبي الدنيا في المطر والرعد والبرق ص (133) رقم (128)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 380) رقم (918)، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (3/ 424) رقم (1224)، و (1225) من طريق الأعمش،
وعبد بن حميد في مسنده (المنتخب) ص (86) رقم (167)، والنسائي في السنن الكبرى (9/ 343) رقم (10707)، (10709)، وفي عمل اليوم والليلة ص (522) رقم (937)، و (938) من طريق شعبة،
وله شاهد مرفوع عن أبي هريرة رضي الله عنه (1).
كلاهما (الأعمش، وشعبة) عن حبيب بن أبي ثابت، به.
الوجه الثاني: حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب مرفوعًا.
وأخرجه من هذا الوجه عبد الله بن أحمد في المسند (35/ 75) رقم (21138)، والنسائي في السنن الكبرى (9/ 341) رقم (10703)، وعمل اليوم والليلة ص (520) رقم (933) ص (521) رقم (935)، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص (258) رقم (298)، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (3/ 423) رقم (1223) من طريق الأعمش،
وابن سمعون في أماليه ص (222) رقم (220) من طريق شعبة،
كلاهما (الأعمش، وشعبة) عن حبيب بن أبي ثابت، به.
الوجه الثالث: حبيب بن أبي ثابت عن ذر بن عبد الله المرهبي، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب (موقوفًا).
وأخرجه من هذا الوجه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 27) رقم (29219)، والبخاري في الأدب المفرد ص (251) رقم (719)، والنسائي في السنن الكبرى (9/ 342) رقم (10705)، و (9/ 343) رقم (10706)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 380)، والحاكم في المستدرك (2/ 298) رقم (3075)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 392) رقم (969) من طريق الأعمش،
والنسائي في السنن الكبرى (9/ 343) رقم (10708)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 380) من طريق شعبة،
والخرائطي في مكارم الأخلاق ص (327) رقم (1000) من طريق يحيى بن سعيد،
ثلاثتهم (الأعمش، وشعبة، ويحيى بن سعيد) عن حبيب بن أبي ثابت، عن ذر بن عبد الله المرهبي، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب موقوفًا.
وعند ابن أبي شيبة في المصنف والبخاري في الأدب المفرد لم يذكر ذر بين حبيب وسعيد.
والراجح الوجه الثالث: رواية الوقف كما بين ذلك الإمام النسائي وصحح وقفه.
(1)
أخرجه أبو داود (5097)، والبخاري في الأدب المفرد (720)، وابن ماجه (3727) وعبد الرزاق (11/ 89)، وحسنه النووي في الأذكار ص (152).
«لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ» أي: لا تشتموها ولا تلعنوها للحوق ضرر فيها؛ فإنها مأمورة مقهورة، فلا يجوز سبها، بل تجب التوبة عند التضرر بها وهو تأديب من الله تعالى لعباده، وتأديبه رحمة للعباد (1).
«فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ» أي: من الريح: إما شدة حرها، أو بردها، أو قوتها (2).
«فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح» قالت عائشة: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ، قَالَ: اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ. قَالَتْ: وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِى وَجْهِهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24]» (3).
ونستفيد من هذا الحديث مشروعية هذا الدعاء عند الريح، وأن الذي ينبغي عند رؤية الخيال التخوف أن يكون عقوبة وأن الفرح المطلق غير مشروع كما عليه الكثير من الناس عندما تتخيل السماء.
قوله: «وَخَيْرِ مَا فِيهَا» ، أي: من منافعها كلها؛ لأنها قد تحمل خيرًا، كتلقيح الثمار، وقد تحمل رائحة طيبة الشم، وقد تحمل شرًّا، كإزالة لقاح الثمار والأمراض التي تضر الإنسان والبهائم.
(1) تيسير العزيز الحميد ص (581).
(2)
تيسير العزيز الحميد ص (582).
(3)
أخرجه مسلم 2/ 616 رقم (899)، وأصله في البخاري 3/ 1172 رقم (3034).
قوله: «وخير ما أمرت به» مثل: إثارة السحاب وسوقه، ومن خيرها النصر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» (1).
قوله: «ونعوذ بك» ، أي: نعتصم ونلجأ.
قوله: «من شر هذه الريح» كقلع الأشجار، ودفن الزروع، وهدم البيوت ونحو ذلك.
قوله: «وشر ما فيها» ما تحمله من الأشياء الضارة.
قوله: «وشر ما أمرت به» كالإهلاك والتدمير، قال تعالى في ريح عاد:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25].
قوله: «ما أمرت به» هذا الأمر حقيقي، أي: يأمرها الله أن تهب ويأمرها أن تتوقف، وكل شيء من المخلوقات فيه إدراك بالنسبة إلى أمر الله، قال الله تعالى للأرض والسماء:{ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]، «وقَالَ للقَلم: اكْتُبْ، قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» (2).
وأما حديث: «اللهم اجعلها رياحًا، ولا تجعلها ريحًا» (3)، فلا يصح.
(1) أخرجه البخاري 1/ 350 رقم (988)، ومسلم 2/ 617 رقم (900).
(2)
أخرجه أبو داود 4/ 225 رقم (4700)، والترمذي 4/ 457 رقم (2155)، و 5/ 424 رقم (3319)، وقال:«حديث غريب من هذا الوجه» .
(3)
أخرجه أبو يعلى في مسنده 4/ 341 رقم (2456)، والطبراني في الكبير 11/ 213 رقم (11533). في سنده حسين بن قيس الملقب بحنش وهو متروك. فلا يصح الحديث.