الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَائِرَاتِ القُبُورِ» : «لأنهن مأمورات بالقرار في بيوتهن؛ فأي امرأة خالفت ذلك منهن، وكانت حيث يُخْشَى منها، أو عليها الفتنة، فقد استحقت اللعن، أي الإبعاد عن منازل الأبرار» (1).
ما
حكم زيارة النساء للقبور
؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أربعة أقوال:
القول الأول: تحريم زيارة النساء للقبور.
وهذا قول أكثر أهل الحديث، وهو رواية عن أحمد (2).
وابن ماجه (1/ 502) رقم (1575)، والترمذي (2/ 136، 137) رقم (320)، والنسائي (4/ 94) رقم (2043)، وفي السنن الكبرى (2/ 469) رقم (2181)، دون موضع الشاهد، وابن حبان في صحيحه (7/ 452) رقم (3179)، و (7/ 453) رقم (3180)، والطَّحَاوي في شرح مشكل الآثار (12/ 179) رقم (4742)، وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه ص (273) رقم (307) من طريق عبد الوارث بن سعيد،
ستتهم (شعبة بن الحجاج، والحسن بن أبي جعفر الجفري، والحسن بن دينار، وأبو الربيع السمان، ومحمد بن طلحة بن مصرف، وعبد الوارث بن سعيد) عن محمد بن جحادة، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وفي سنده أبو صالح مولى أم هانئ وهو ضعيف.
قال الترمذي (2/ 137): (حديث حسن)، وقال الحاكم في المستدرك (1/ 530):«أبو صالح هذا ليس بالسمان المحتج به، إنما هو باذان، ولم يحتج به الشيخان، لكنه حديث متداول فيما بين الأئمة، ووجدت له متابعًا من حديث سفيان الثوري في متن الحديث؛ فخرجته» .
(1)
فيض القدير (5/ 274).
(2)
ينظر: الإنصاف للمرداوي (2/ 562).
وهو اختيار شيخ الإسلام (1)، ومحمد بن عبد الوهاب (2)، ورجحه شيخنا ابن باز، وابن عثيمين رحمهما الله.
ولم يعرف عن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم زيارة القبور، قال ابن تيمية رحمه الله:«ما علمنا أحدًا من الأئمة استحب لهن زيارة القبور، ولا كان النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين يخرجن إلى زيارة القبور» (3).
وهؤلاء استدلوا بحديث الباب.
قال شيخنا ابن باز رحمه الله معلقًا على حديث ابن عباس: «فيه حرمة زيارة القبور على النساء على الصحيح للأدلة
…
فزيارة القبور مختصة بالرجال .... لا يجوز زيارة النساء حتى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح؛ لأن الحديث عام، وورد لفظ (زَوَّارَات) لكن ورد أيضًا (زَائِرَاتِ)» (4).
وقال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: «وفي الحديث ما يدل على تحريم زيارة النساء للقبور، وأنها من كبائر الذنوب» (5).
القول الثاني: كراهة زيارة النساء للقبور كراهة لا تصل إلى التحريم: وهذا هو قول الجمهور (6)، وهو المشهور من مذهب أحمد وأصحابه (7).
(1) الفتاوى الكبرى (5/ 364).
(2)
آداب المشي إلى الصلاة ص (40).
(3)
مجموع الفتاوى (24/ 345).
(4)
شرح كتاب التوحيد ص (110، 111).
(5)
القول المفيد (1/ 430).
(6)
ينظر: المجموع للنووي (5/ 310).
(7)
ينظر: الإنصاف للمرداوي (2/ 561)، والشرح الممتع لابن عثيمين (5/ 380).
واستدل أصحاب هذا القول بحديث أم عطية: «نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» (1).
القول الثالث: جواز زيارة النساء للقبور من غير كراهة:
وهو رواية عن الإمام أحمد (2).
وحجتهم حديث المرأة التي مر النبي صلى الله عليه وسلم بها وهي تبكي عند قبر، فقال لها:«اتَّقِي الله وَاصْبِرِي» . فقالت له: إليك عني؛ فإنك لم تصب بمثل مصيبتي. فانصرف رسول صلى الله عليه وسلم عنها، فقيل لها: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاءت إليه تعتذر؛ فلم يقبل عذرها (3).
فالنبي صلى الله عليه وسلم شاهدها عند القبر ولم ينهها عن الزيارة، وإنما أمرها أن تتقي الله وتصبر.
ولما ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة الطويل، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أهل البقيع في الليل، واستغفر لهم ودعا لهم، وأنَّ جبريل أتاه في الليل وأمره، فخرج صلى الله عليه وسلم مستخفيًا عن عائشة، وزار ودعا، ورجع، ثم أخبرها الخبر؛ فقالت: ما أقول لهم يا رسول الله؟ قال: «قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ، مِنَ المؤْمِنِينَ وَالمسْلِمِينَ» (4).
(1) تقدم تخريجه.
(2)
ينظر: الإنصاف للمرداوي (2/ 562).
(3)
أخرجه البخاري (6/ 2615) رقم (6735)، ومسلم (2/ 637) رقم (926).
(4)
صحيح مسلم 2/ 669 رقم (974).
قالوا: فعلَّمها النبي صلى الله عليه وسلم دعاء زيارة القبور، وتعليمه هذا دليل على الجواز.
القول الرابع: أن زيارة النساء للقبور سنة كالرجال:
لقوله صلى الله عليه وسلم: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُم الْآخِرَةَ» (1)، وهذا عام للرجال والنساء، ولأن عائشة رضي الله عنها زارت قبر أخيها، فقال لها عبد الله بن أبي مليكة: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن زيارة القبور؟ قالت: إنَّه أمر بها بعد ذلك (2). وهذا دليل على أنَّه منسوخ.
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: «والصحيح القول الأول، ويجاب عن أدلة الأقوال الأخرى: بأن الصريح منها غير صحيح، والصحيح غير صريح» (3).
قوله: «وَالمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا المَسَاجِدَ» : هذا هو الشاهد من الحديث، وقد مر معنا شرح ذلك مستوفيًا فيما سبق.
«وَالسُّرُجَ» : جمع سراج، وفي ذلك كراهة اتخاذ السرج في القبور، ونُهِيَ عن اتخاذ السرج؛ لأنها تضييع المال، ولا فائدة من ورائها، ولا سيما وهي من آثار جهنم، وأشد من ذلك أنها نوع من تعظيم القبور، ووسيلة للغلو فيها وعبادتها واتخاذها مساجد (4).
(1) أخرجه مسلم (2/ 1023) رقم (1406).
(2)
أخرجه أبو يعلى في مسنده (8/ 284) رقم (4871)، الحاكم (1/ 532) رقم (1392)، والبيهقي في الكبرى (4/ 78) رقم (6999)، وقال:«تفرد به بسطام بن مسلم البصري» .
(3)
القول المفيد (1/ 431).
(4)
ينظر: شرح أبي داود للعيني (6/ 193)، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 619).
(1) تيسير العزيز الحميد ص (292)، وانظر أيضًا: القول المفيد (1/ 428).