المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌منهجية التميز

- ‌ترجمة موجزةللإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده ونشأته وطلبه للعلم:

- ‌ حال الناس قبل دعوته:

- ‌ ظهور دعوته:

- ‌ الافتراءات والشبهات حول دعوته:

- ‌ شيوخه:

- ‌ تلاميذه:

- ‌ مؤلفاته وآثاره العلمية:

- ‌ مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه:

- ‌ عقيدته ومذهبه:

- ‌ وفاته:

- ‌نبذة تعريفيةبكتاب التوحيد

- ‌ اسم الكتاب:

- ‌ نسبة الكتاب إلى مؤلفه:

- ‌ تاريخ تأليفه ومكانه:

- ‌ سبب تأليفه:

- ‌ أهميته:

- ‌ ثناء العلماء على الكتاب:

- ‌ موضوع الكتاب:

- ‌ منهج المؤلف في كتابه:

- ‌ عناية العلماء بالكتاب:

- ‌أولًا: الشروح والتعليقات والحواشي:

- ‌ثانيًا: الكتب التي خدمت الكتاب:

- ‌ثالثًا: مختصرات كتاب التوحيد:

- ‌كتاب التوحيد

- ‌ العلاقة بين أقسام التوحيد

- ‌بابُ فَضْلِ التَّوْحِيدِ وَمَا يُكفِّرُ مِنَ الذُّنُوبِ

- ‌ شروط (لا إله إلا الله)

- ‌بابُ مَنْ حَقَّقَ التَّوْحِيدَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ

- ‌ الاسترقاء والكي ليسا بمذمومين

- ‌بَابُ الخَوْفِ مِنَ الشركِ

- ‌بَابُ الدُّعَاءِ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ

- ‌بَابُ تَفْسيرِ التَّوْحِيدِ وَشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ لُبْسُ الحَلْقَةِ وَالخَيْطِ وَنَحْوِهِمَالِرَفْعِ البَلاءِ أَوْ دَفْعِهِ

- ‌ أحكام الأسباب

- ‌ حكم لبس الحلقة والخيط ونحوهما

- ‌ تغيير المنكر باليد

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّقَى وَالتَّمَائِمِ

- ‌الفرق بين الرقى والتمائم

- ‌ سبب النَّهي عن الاستنجاء برجيع الدابة أو العظم

- ‌بَابُ مَنْ تَبَرَّكَ بِشَجَرَةٍ أَوْ حَجَرٍ وَنَحْوِهِمَا

- ‌ حكم التبرك بالأحجار والأشجار ونحوها

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الذَّبْحِ لِغَيْرِ الله

- ‌«الذبح لغير الله ينقسم إلى قسمين:

- ‌بَابٌ لا يُذبَحُ للهِ بمكانٍ يُذبَح فيه لغير الله

- ‌بابٌ مِنَ الشركِ النَّذْرُ لِغَيْرِ الله

- ‌ هل ينعقد نذر المعصية

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ الاسْتِعَاذَةُ بِغَيْرِ الله

- ‌ حكم الاستعاذة بالمخلوق

- ‌ الفرق بين العياذ واللياذ

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِغَيْرِ الله أَوْ يَدْعُوَ غَيْرَهُ

- ‌بابقول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}

- ‌السر في الأمر بإنذار الأقربين أولًا

- ‌باب قول الله تعالى:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ

- ‌ أنواع العلو

- ‌بَابُ الشَّفَاعَةِ

- ‌أقسام الناس في الشفاعة:

- ‌الشفاعة الوارة في القرآن والسنة من حيث الإثبات والنفي نوعان:

- ‌القسم الأول: الشفاعة الخاصة

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية

- ‌بَابُ مَا جَاء أَنَّ سَبَبَ كُفْرِ بَنِي آدَمَوَتَرْكِهِمْ دِينَهُمْ هُوَ الغُلُوُّ فِي الصَّالِحِينَ

- ‌الناس في معاملة الصالحين ثلاثة أقسام:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّغْلِيظِ فِيمَنْ عَبَدَ اللهَعِنْدَ قَبْرِ رَجُلٍ صَالِحٍ فَكَيْفَ إِذَا عَبَدَهُ

- ‌اتخاذ القبور مساجد، يشمل ثلاثة معان:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الغُلُوَّ فِي قُبُورِ الصَّالِحِينَيُصيرُهَا أَوْثَانًا تُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله

- ‌ حكم زيارة النساء للقبور

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي حِمَايِةِ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم جَنَابَ التَّوْحِيدِوَسَدهِ كُلَّ طَرِيقٍ يُوصِلُ إِلَى الشركِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأُمَّةِ يَعْبُدُ الأَوْثَانَ

- ‌الفرق بين الوثن والصنم:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي السِّحْرِ

- ‌هل للسحر حقيقة

- ‌ حكم تعلم السحر:

- ‌بَابُ بَيَانِ شيءٍ مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ

- ‌«ووجه كون العيافة من السحر:

- ‌حكم تعلم النجوم:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الكُهَّانِ وَنَحْوِهِمْ

- ‌سؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:

- ‌كتابة أبي جاد على قسمين:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي النُّشرةِ

- ‌ حل السحر بالسحر

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَيُّرِ

- ‌ الجمع بين حديث: «لَا عَدْوَى» وحديث: «فِرَّ مِن الْمَجْذُومِ»

- ‌الفرق بين الطيرة والفأل:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّنْجِيمِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الاسْتِسْقَاءِ بِالأَنْوَاءِ

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

- ‌أقسام المحبة:

- ‌ بواعث حب الله

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌الخوف من غير الله ينقسم إلى أربعة أقسام:

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [

- ‌بَابٌ مِنَ الإِيمَانِ باللهِ الصَّبْرُ عَلَى أَقْدَارِ الله

- ‌الصبر ثلاثة أنواع:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّيَاءِ

- ‌ حكم العبادة إذا خالطها الرياء

- ‌ الشركُ الخَفِيُّ

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ إِرَادَةُ الإِنْسَانِ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا

- ‌ فعل الإنسان للعمل الصالح بقصد الدنيا هو من الشرك الأصغر

- ‌بَابُ مَنْ أَطَاعَ العُلَمَاءَ وَالأُمَرَاءَ فِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهأَوْ تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَه فَقَدْ اتَّخَذَهُمْ أَرْبَابًا

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ

- ‌بَابُ مَنْ جَحَدَ شيئًا مِنَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ

- ‌ حكم من جحد شيئًا من الأسماء والصفات

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}

- ‌ حكم قول القائل: (لولا فلان لم يكن كذا):

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌ الحلف بصفات الله

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ لَمْ يَقنَعْ بِالْحَلِفِ بالله

- ‌بَابُ قَوْلِ: «مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ»

- ‌بَابُ مَنْ سَبَّ الدَّهْرَ فَقَدْ آذَى اللهَ

- ‌بَابُ التَّسَمِّي بِقَاضي القُضَاةِ وَنَحْوِهِ

- ‌بَابُ احْتِرَامِ أَسْمَاءِ الله تَعَالَى وَتَغْيِيِرِ الاسْمِ لأَجْلِ ذَلِكَ

- ‌بَابُ مَنْ هَزَلَ بِشيءٍ فِيهِ ذِكْرُ الله أَو القُرْآنِ أَو الرَّسُولِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌بَابٌ لا يُقَالُ السَّلامُ عَلَى الله

- ‌بَابُ قَوْلِ: «اللهمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ»

- ‌بَابٌ لا يَقُولُ: «عَبْدِي وَأَمَتِي»

- ‌بَابٌ لا يُرَدُّ مَنْ سَأَلَ باللهِ

- ‌بَابٌ لا يُسْأَلُ بِوَجْهِ الله إِلَاّ الجَنَّةُ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي اللَوْ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الرِّيحِ

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي مُنْكِري القَدَرِ

- ‌تعريف القدر:

- ‌مراتب القدر:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي المُصَوِّرِينَ

- ‌ اقتناء الصور على أقسام:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي كَثْرَةِ الحَلِفِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِمَّةِ الله وَذِمَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الإِقْسَامِ عَلَى الله

- ‌بَابٌ لا يُسْتَشْفَعُ بِاللهِ عَلَى خَلْقِهِ

- ‌ تحريم الاستشفاع بالله على خلقه

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي حِمَايَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَى التَّوْحِيدِوَسَدِّهِ طُرُقَ الشركِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الفصل: ‌باب ما جاء في اللو

‌بَابُ مَا جَاءَ فِي اللَوْ

---------------------------------•

مقصود الترجمة: بيان ما جاء في قول (لو) - على سبيل التندم والتحسر على ما فات- من الوعيد، والنهي عن ذلك، والذم لمن عارض به عند الأمور المكروهة: كالمصائب إذا جرى بها القدر؛ لما فيه من الإشعار بعدم الصبر، والأسى على ما فات مما لا يمكن استدراكه (1).

وعلاقة الباب بكتاب التوحيد: أَنَّ قول (لو) على سبيل التحسر والندم على ما فات ينافي كمال الاستسلام للقضاء والقدر الإلهيين، والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة، وهو جزء من التوحيد. وعدم الإيمان بالقدر يتنافى مع التوحيد ويتنافى مع الإيمان، فمن كفر بالقدر فإنه كافر بالله عز وجل ولا توحيد له ولا دين له، لأنه جحد القدر (2).

ومناسبة هذا الباب للذي قبله: أن هذا الباب عقد أيضًا للنهي عن الألفاظ التي قد تقع في الربوبية أو الأسماء والصفات، ومن كمال التوحيد الاستسلام للقضاء والقدر، والعبد مأمور عند المصائب بالصبر والاسترجاع والتوبة. وقول (لو) لا يجدي عليه إلا الحزن والتحسر مع ما يخاف على توحيده من نوع المعاندة للقدر (3).

واعلم أن استعمال العبد للفظة: (لو) تقع على قسمين: مذموم ومحمود.

(1) ينظر: فتح المجيد ص (460)، وقرة عيون الموحدين ص (236)، وحاشية كتاب التوحيد ص (352).

(2)

إعانة المستفيد (2/ 229، 230).

(3)

تيسير العزيز الحميد ص (574، 575).

ص: 477

فأما المذموم فأن يقع منه أو عليه أمر لا يحبه فيقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا، فهذا من عمل الشيطان؛ لأنه يتضمن محذورين:

أحدهما: أنها تفتح عليه باب الندم والسخط والحزن الذي ينبغي له إغلاقه، وليس فيه نفع.

الثاني: أن في ذلك سوء أدب مع الله، فإن الأمور كلها والحوادث دقيقها وجليلها بقضاء الله وقدره، وما وقع من الأمور فلا بد من وقوعه، ولا يمكن رده، فكان في قوله: لو كان كذا أو لو فعلت كذا كان كذا، نوع اعتراض، وفيه ضعف بالإيمان بقضاء الله وقدره، ولا ريب أن هذين الأمرين المحذورين لا يتم للعبد إيمان ولا توحيد إلا بتركهما.

و(لو) بالمعنى المذموم تأتي على عدة أوجه:

الوجه الأول: أن تستعمل في الاعتراض على الشرع، وهذا محرم، قال الله تعالى:{لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: 168] نزلت في غزوة أحد حينما تخلف في أثناء الطريق عبد الله بن أبي في نحو ثلث الجيش، فلما استشهد من المسلمين سبعون رجلًا اعترض المنافقون على تشريع الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: لو أطاعونا ورجعوا كما رجعنا ما قتلوا، وهذا محرم وقد يصل إلى الكفر.

الثاني: أن تستعمل في الاعتراض على القدر، وهذا محرم أيضًا، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} [آل عمران: 156]، أي: لو أنهم بقوا ما قتلوا، فهم يعترضون على قدر الله.

ص: 478

الثالث: أن تستعمل للندم والتحسر، وهذا محرم أيضًا؛ لأن كل شيء يفتح الندم عليك فإنه منهي عنه؛ لأن الندم يكسب النفس حزنًا وانقباضًا، والله يريد منا أن نكون في انشراح وانبساط، قال صلى الله عليه وسلم:«احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِالله وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ الله وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» (1).

الرابع: أن تستعمل في الاحتجاج بالقدر على المعصية، كقول المشركين:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام: 148]، وقولهم:{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف: 20]، وهذا باطل.

الخامس: أن تستعمل في تمني الشر، وسيأتي دليله.

وأما القسم المحمود من استعمالات (لو)، فيأتي على أوجه كذلك، ومنها:

الوجه الأول: أن تستعمل في التمني، وحكمه حسب التمني: إن كان خيرًا فخير، وإن كان شرًّا فشر، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة النفر الأربعة قال أحدهم:«لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ» ، فهذا تمنى خيرًا، وقال الثاني:«لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ» فهذا تمنى شرًّا فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الأول: «فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ» ، وقال في الثاني:«فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ» (2).

الوجه الثاني: أن تستعمل في الخير المحض، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:«لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ» (3).

(1) أخرجه مسلم 4/ 2052 رقم (2664).

(2)

أخرجه أحمد 4/ 231 رقم (18060)، والترمذي 4/ 562 رقم (2325).

(3)

أخرجه البخاري (2/ 159) رقم (1651).

ص: 479

وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} ، وَقَوْلِهِ:{الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} الآية.

فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ،

---------------------------------•

وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} تمام الآية: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 154].

وبهذا يتبين وجه إيراد المصنف الآية على الترجمة، لأن قول (لو) في الأمور المقدرة من كلام المنافقين؛ ولهذا رد الله عليهم ذلك بأن هذا قُدِّر، فمن كتب عليه شيء فلا بد أن يناله، فماذا يغني عنكم قول (لو) و (ليت) إلا الحسرة والندامة؟ ! فالواجب عليكم في هذه الحال الإيمان بالله والتعزي بقدره مع ما ترجون من حسن ثوابه، وفي ذلك عين الفلاح لكم في الدنيا والآخرة (1).

قوله: «فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

» الحديث في صحيح مسلم (2).

(1) تيسير العزيز الحميد ص (575).

(2)

صحيح مسلم (4/ 2052) رقم (2664).

ص: 480

وَاسْتَعِنْ بالله، وَلَا تَعْجِزَنَّ، وَإِنْ أَصَابَكَ شيءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ لَكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشيطَانِ».

---------------------------------•

وساقه المصنف هنا مختصرًا، ولفظه بتمامه:«الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» .

«احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ» : أي في دنياك وأخراك. و (احرَِص): بكسر الراء وفتحها، والكسر أشهر، والحرص: هو بذل الجهد واستفراغ الوسع.

قال ابن القيم رحمه الله: «سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع، فإذا صادف ما ينتفع به الحريص كان حرصه محمودًا، وكماله كله في مجموع هذين الأمرين أن يكون حريصًا وأن يكون حرصه على ما ينتفع به» (1).

«وَاسْتَعِنْ بالله» : الواو تقتضي الجمع؛ فتكون الاستعانة مقرونة بالحرص، والحرص سابق على الفعل؛ فلا بد أن تكون الاستعانة مقارنة للفعل من أوله (2).

وهذا يعني: أن لا تعتمد على الحرص فقط ولكن مع الحرص استعن بالله سبحانه وتعالى، لأنه لا غنى لك عن الله، ومهما بذلت من الأسباب فإنها لا تنفع إلا بإذن الله سبحانه وتعالى، فلذلك جمع بين الأمرين: فعل السبب مع الاستعانة بالله عز وجل (3).

(1) شفاء العليل ص (19).

(2)

القول المفيد (2/ 368).

(3)

إعانة المستفيد (2/ 233).

ص: 481

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته ويعلِّم أصحابه أن يقولوا: «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ» (1).

وأمر معاذ بن جبل أن لا يدع في دبر كل صلاة أن يقول: «اللهمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» (2).

والاستعانة: طلب العون بلسان المقال؛ كقولك: «اللهم أعني» ، أو:«لا حول ولا قوة إلا بالله» عند شروعك بالفعل أو بلسان الحال، وهي أن تشعر بقلبك أنك محتاج إلى ربك عز وجل أن يعينك على هذا الفعل، وأنه إن وَكَلَك إلى نفسك وَكَلَك إلى ضعف وعجز وعورة. أو طلب العون بهما جميعا، والغالب أن من استعان بلسان المقال؛ فقد استعان بلسان الحال (3).

«وَلَا تَعْجِزَنَّ» : بالنون، وهي نون التوكيد الثقيلة (4). والموجود في صحيح مسلم (وَلَا تَعْجِزَ) بدون نون التوكيد، والمعنى: لا تفعل فعل العاجز من التكاسل وعدم الحزم والعزيمة، وليس المعنى: لا يصيبك عجز؛ لأن العجز عن الشيء غير التعاجز، فالعجز بغير اختيار الإنسان، ولا طاقة له به، فلا يتوجه عليه نهي.

(1) أخرجه مسلم 2/ 593 رقم (868).

(2)

أخرجه أبو داود 1/ 475 رقم (1522)، والنسائي 3/ 53 رقم (1303)، وأحمد 5/ 244 رقم (22172).

(3)

القول المفيد (2/ 368، 369).

(4)

فتح المجيد ص (462)، وحاشية كتاب التوحيد ص (354).

ص: 482

قوله: (وَإِنْ أَصَابَكَ شيءٌ

إلخ) العبد إذا فاته ما لم يُقدَّر له فله حالتان:

الحال الأولى: حالة عجز، وهي مفتاح عمل الشيطان فيلقيه العجز إلى (لو) ولا فائدة في (لو) ههنا، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والحزن، وذلك كله من عمل الشيطان، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح.

الحال الثانية: النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قدر له لم يفته، ولم يغلبه عليه أحد فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر، ومشيئة الرب النافذة، والتسليم لذلك والرضا به.

قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: «قوله: (إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا) هذه هي المرتبة الرابعة مما ذكر في هذا الحديث، فالمراتب أربع:

فالمرتبة الأولى: الحرص على ما ينفع.

والمرتبة الثانية: الاستعانة بالله.

والمرتبة الثالثة: المضي في الأمر والاستمرار فيه وعدم التعاجز.

المرتبة الرابعة: إذا حصل خلاف المقصود، فهذه ليست إليك، وإنما هي بقدر الله، ولهذا قال:(وإن أصابك)، ففوض الأمر إلى الله تعالى» (1).

قوله: (وَإِنْ أَصَابَكَ شيءٌ) أي: مما لا تحبه ولا تريده ومما يعوقك عن الوصول إلى مرامك فيما شرعت فيه من نفع.

فمن خالفه القدر ولم يأت على مطلوبه لا يخلو من حالين:

(1) القول المفيد 3/ 163، 164.

ص: 483

الأول: أن يقول: لو لم أفعل ما حصل كذا.

الثاني: أن يقول: لو فعلت كذا لأمر لم يفعله لكان كذا، بل المشروع أن يقول كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم:«وَلَكِنْ قُلْ: قَدَر اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ» .

قوله: (ولكن قل: قَدَرُ الله) خبر لمبتدأ محذوف، أي: هذا قدر الله.

وقدر بمعنى مقدور؛ لأن قدر الله يطلق على التقدير الذي هو فعل الله.

قال شيخ الإسلام - بعد أن ذكر حديث الباب بتمامه -: «لا تعجز عن مأمور، ولا تجزع من مقدور، ومن الناس من يجمع كلا الشرين، فأمر النبي بالحرص على النافع، والاستعانة بالله

ولهذا قال بعض العقلاء: الأمر أمران أمر فيه حيلة فلا تعجز عنه، وأمر لا حيلة فيه فلا تجزع منه» (1).

وقال شيخنا ابن باز رحمه الله: «فإذا أصابك شيء فقل: قَدَرُ الله وما شاء فعل، وبعضهم ضبطها بقَدَّر الله وما شاء فعل، أي: قدر هذا الواقع، والمعنى الأول أظهر، أي: أن هذا الواقع هو قدر الله، أي: مقدور الله وما شاء الله فعل» (2).

«فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشيطَانِ» : وعمل الشيطان: هو ما يلقيه في قلب الإنسان من التأسف على ما فات والتحسر ولوم القدر والندم والحزن، والشيطان يحب ذلك، قال تعالى:{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة: 10](3).

(1) مجموع الفتاوى 16/ 38، 39.

(2)

التعليق المفيد ص (245).

(3)

ينظر: فتح المجيد ص (463)، والقول المفيد (2/ 372).

ص: 484

والخلاصة: أن قول (لو) على وجه التحسر والندم على ما فات ينافي الصبر والرضى والتسليم لأقدار الله، وهذا كله مما ينافي التوحيد.

ص: 485