الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ لا يُسْتَشْفَعُ بِاللهِ عَلَى خَلْقِهِ
•---------------------------------•
مقصود الترجمة: بيان النهي عن الاستشفاع بالله على خلقه، ومعنى الاستشفاع بالله على خلقه: أن يجعل الله واسطة يتوسط بها العبد على أحد من الخلق عند طلب شيء منه؛ وذلك أمرٌ محرمٌ يجعل الله في مرتبةٍ أدنى من مرتبة المشفوع إليه، وهذا تنقصٌ لحق الربوبية (1).
وقوله: (بَابٌ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللهِ عَلَى خَلْقِهِ) أي أن ذلك حرام، وهضم للربوبية، وقدح في توحيد العبد، فالله سبحانه هو الكبير المتعال، والاستشفاع طلب الشفاعة، وهي لا تطلب إلا من العلي الأعلى جل وعلا، فلا يجوز للعبد أن يطلب من الله الشفاعة إلى أحد من خلقه.
معنى الشفاعة
واستشفع بالشيء؛ أي: جعله شافعًا له، والشفاعة في الأصل: جعل الفرد شفعًا، وهي التوسط للغير بجلب منفعة له أو دفع مضرة عنه (2).
وعلاقة الباب بما قبله: أن الإقسام على الله على جهة التألي والاستشفاع بالله على أحدٍ من خلقه من بابٍ واحدٍ وهو سوء الأدب مع الله، وسوء الظن به، والاستنقاص لمقام الربوبية.
قال السعدي: «(باب الإقسام على الله)، و (باب لا يستشفع بالله على خلقه) وهذان الأمران من سوء الأدب في حق الله، وهو مناف للتوحيد.
أما الإقسام على الله فهو في الغالب من باب العجب بالنفس والإدلال على الله، وسوء الأدب معه، ولا يتم الإيمان حتى يسلم من ذلك كله.
(1) ينظر: فتح الله الحميد ص (473)، وحاشية كتاب التوحيد ص (390).
(2)
القول المفيد (2/ 506).
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، نُهِكَتِ الأَنْفُسُ، وَجَاعَ العِيَالُ وَهَلَكَتِ الأَمْوَالُ، فَاسْتَسْقِ لَنَا رَبَّكَ، فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بالله عَلَيْكَ وَبِكَ عَلَى الله، فَقَالَ النَّبِيُّ? :«سُبْحَانَ الله، سُبْحَانَ الله! فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ! أَتَدْرِي مَا اللهُ؟ إِنَّ شَأْنَ الله أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بالله عَلَى أَحَدٍ» وَذَكَرَ الحَدِيثَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
•---------------------------------•
وأما الاستشفاع بالله على خلقه فهو تعالى أعظم شأنًا من أن يتوسل به إلى خلقه؛ لأن رتبة المتوسل به غالبًا دون رتبة المتوسل إليه، وذلك من سوء الأدب مع الله، فيتعين تركه، فإن الشفعاء لا يشفعون عنده إلا بإذنه، وكلهم يخافونه، فكيف يعكس الأمر فيُجْعَل هو الشافع، وهو الكبير العظيم الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الكائنات بأسرها» (1).
«عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه
…
» الحديث عند أبي داود وغيره (2)، وإسناده ضعيف.
(1) القول السديد ص (187).
(2)
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 224) من طريق عبد الله بن محمد،
وأبو داود في سننه (4/ 232) رقم (4726)، من طريق أحمد بن سعيد الرباطي،
والبخاري في الموضع نفسه، وأبو داود في الموضع السابق، والدارمي في الرد على الجهمية ص (49)، والرد على المريسي (1/ 468)، و (1/ 518)، وابن خزيمة في التوحيد (1/ 239)، وابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2515) من طريق محمد بن بشار،
والبخاري في الموضع السابق، والطبراني في الموضع السابق، والدارقطني في الموضع السابق، والمزي في تهذيب الكمال (4/ 505) من طريق علي بن المديني،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وابن أبي خيثمة في تاريخه (2/ 684)، والطبراني في المعجم الكبير (2/ 128) رقم (1547)، والدارقطني في الصفات ص (31) رقم (39)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 141)، والمزي في تهذيب الكمال (4/ 505) من طريق يحيى بن معين،
وأبو داود في الموضع السابق، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 252) رقم (575)، ومحمد بن أبي شيبة في العرش ص (327) والطبراني في الموضع السابق، والمزي في الموضع السابق، من طريق عبد الأعلى بن حماد،
وأبو داود في الموضع السابق، وابن أبي عاصم في السنة الموضع السابق، وأبو الشيخ في العظمة (2/ 554) من طريق محمد بن المثنى،
والبزار في مسنده (8/ 354) رقم (3432) من طريق سلمة بن شبيب، ومحمد بن علي بن الوضاح،
وأبو عوانة في مستخرجه (2/ 120) رقم (2517)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (3/ 437)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 317) رقم (883)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (5/ 66)، والبغوي في شرح السنة (1/ 175)، والذهبي في العلو ص (43) من طريق أبي الأزهر أحمد بن الأزهر،
والدارقطني في الصفات ص (31) رقم (38)، والذهبي في العلو ص (44) من طريق محمد ابن يزيد الواسطي،
كلهم عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده، به، مطولًا ومختصرًا.
إلا أن عبد الأعلى وابن المثنى، وابن بشار، قالوا: عن يعقوب بن عتبة، وجبير بن محمد بن جبير، عن أبيه، عن جده.
والإسناد الأول صححه أبو داود، والدارقطني في العلل (13/ 424)، وقال في الصفات ص (31):«ومن قال فيه عن يعقوب بن عتبة، وجبير بن محمد فقد وهم، والصواب عن جبير بن محمد» .
وتابع وهب بن جرير: حفص بن عبد الرحمن، أخرجه الآجري في الشريعة (3/ 1091)، من طريق سلمة بن شبيب عن حفص بن عبد الرحمن، عن محمد بن إسحاق، به.
والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده محمد بن إسحاق، وهو مدلس ولم يصرح بالتحديث، وقد تفرد وهو ممن لا يحتمل تفرده في هذه الحال، وفي إسناده أيضًا جبير بن محمد، وهو مقبول.
«جَاءَ أَعْرَابِيٌّ» : (أعرابي): واحد الأعراب، وهم سكان البادية، والغالب على الأعراب الجفاء؛ لأنهم أحرى أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله (1).
«نُهِكَتِ الأَنْفُسُ» : (نُهِكَت) بضم النون أي جهدت، كما في بعض الألفاظ (2).
وفي رواية البخاري عن أنس: «هَلَكَتْ الْمَوَاشِي وَانْقَطَعَت السُّبُلُ» (3) وفي لفظ له: «هَلَكَ الْكُرَاعُ» (4) أي: الخيل، وله أيضًا:«هَلَكَتْ الْمَاشِيَةُ هَلَكَ الْعِيَالُ هَلَكَ النَّاسُ» (5).
«فَاسْتَسْقِ لَنَا رَبَّكَ» : أي: اطلب من الله أن يسقينا، وهذا لا بأس به؛ لأن طلب الدعاء ممن ترجى إجابته من وسائل إجابة الدعاء.
«فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بالله عَلَيْكَ» : أي: نجعله واسطة بيننا وبينك لتدعو الله لنا، وهذا يقتضي أنه جعل مرتبة الله في مرتبة أدنى من مرتبة الرسول صلى الله عليه وسلم (6).
«وَبِكَ عَلَى الله» : أي: نطلب منك أن تكون شافعًا لنا عند الله، فتدعو الله لنا، وهذا صحيح (7).
(1) القول المفيد (2/ 506).
(2)
حاشية كتاب التوحيد ص (390).
(3)
أخرجه البخاري 1/ 343 رقم (967).
(4)
أخرجه البخاري 1/ 315 رقم (890).
(5)
أخرجه البخاري 1/ 348 رقم (983).
(6)
القول المفيد (2/ 507).
(7)
القول المفيد (2/ 507).