المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرق بين الوثن والصنم: - غاية المريد شرح كتاب التوحيد

[عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌منهجية التميز

- ‌ترجمة موجزةللإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده ونشأته وطلبه للعلم:

- ‌ حال الناس قبل دعوته:

- ‌ ظهور دعوته:

- ‌ الافتراءات والشبهات حول دعوته:

- ‌ شيوخه:

- ‌ تلاميذه:

- ‌ مؤلفاته وآثاره العلمية:

- ‌ مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه:

- ‌ عقيدته ومذهبه:

- ‌ وفاته:

- ‌نبذة تعريفيةبكتاب التوحيد

- ‌ اسم الكتاب:

- ‌ نسبة الكتاب إلى مؤلفه:

- ‌ تاريخ تأليفه ومكانه:

- ‌ سبب تأليفه:

- ‌ أهميته:

- ‌ ثناء العلماء على الكتاب:

- ‌ موضوع الكتاب:

- ‌ منهج المؤلف في كتابه:

- ‌ عناية العلماء بالكتاب:

- ‌أولًا: الشروح والتعليقات والحواشي:

- ‌ثانيًا: الكتب التي خدمت الكتاب:

- ‌ثالثًا: مختصرات كتاب التوحيد:

- ‌كتاب التوحيد

- ‌ العلاقة بين أقسام التوحيد

- ‌بابُ فَضْلِ التَّوْحِيدِ وَمَا يُكفِّرُ مِنَ الذُّنُوبِ

- ‌ شروط (لا إله إلا الله)

- ‌بابُ مَنْ حَقَّقَ التَّوْحِيدَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ

- ‌ الاسترقاء والكي ليسا بمذمومين

- ‌بَابُ الخَوْفِ مِنَ الشركِ

- ‌بَابُ الدُّعَاءِ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ

- ‌بَابُ تَفْسيرِ التَّوْحِيدِ وَشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ لُبْسُ الحَلْقَةِ وَالخَيْطِ وَنَحْوِهِمَالِرَفْعِ البَلاءِ أَوْ دَفْعِهِ

- ‌ أحكام الأسباب

- ‌ حكم لبس الحلقة والخيط ونحوهما

- ‌ تغيير المنكر باليد

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّقَى وَالتَّمَائِمِ

- ‌الفرق بين الرقى والتمائم

- ‌ سبب النَّهي عن الاستنجاء برجيع الدابة أو العظم

- ‌بَابُ مَنْ تَبَرَّكَ بِشَجَرَةٍ أَوْ حَجَرٍ وَنَحْوِهِمَا

- ‌ حكم التبرك بالأحجار والأشجار ونحوها

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الذَّبْحِ لِغَيْرِ الله

- ‌«الذبح لغير الله ينقسم إلى قسمين:

- ‌بَابٌ لا يُذبَحُ للهِ بمكانٍ يُذبَح فيه لغير الله

- ‌بابٌ مِنَ الشركِ النَّذْرُ لِغَيْرِ الله

- ‌ هل ينعقد نذر المعصية

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ الاسْتِعَاذَةُ بِغَيْرِ الله

- ‌ حكم الاستعاذة بالمخلوق

- ‌ الفرق بين العياذ واللياذ

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِغَيْرِ الله أَوْ يَدْعُوَ غَيْرَهُ

- ‌بابقول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}

- ‌السر في الأمر بإنذار الأقربين أولًا

- ‌باب قول الله تعالى:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ

- ‌ أنواع العلو

- ‌بَابُ الشَّفَاعَةِ

- ‌أقسام الناس في الشفاعة:

- ‌الشفاعة الوارة في القرآن والسنة من حيث الإثبات والنفي نوعان:

- ‌القسم الأول: الشفاعة الخاصة

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية

- ‌بَابُ مَا جَاء أَنَّ سَبَبَ كُفْرِ بَنِي آدَمَوَتَرْكِهِمْ دِينَهُمْ هُوَ الغُلُوُّ فِي الصَّالِحِينَ

- ‌الناس في معاملة الصالحين ثلاثة أقسام:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّغْلِيظِ فِيمَنْ عَبَدَ اللهَعِنْدَ قَبْرِ رَجُلٍ صَالِحٍ فَكَيْفَ إِذَا عَبَدَهُ

- ‌اتخاذ القبور مساجد، يشمل ثلاثة معان:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الغُلُوَّ فِي قُبُورِ الصَّالِحِينَيُصيرُهَا أَوْثَانًا تُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله

- ‌ حكم زيارة النساء للقبور

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي حِمَايِةِ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم جَنَابَ التَّوْحِيدِوَسَدهِ كُلَّ طَرِيقٍ يُوصِلُ إِلَى الشركِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأُمَّةِ يَعْبُدُ الأَوْثَانَ

- ‌الفرق بين الوثن والصنم:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي السِّحْرِ

- ‌هل للسحر حقيقة

- ‌ حكم تعلم السحر:

- ‌بَابُ بَيَانِ شيءٍ مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ

- ‌«ووجه كون العيافة من السحر:

- ‌حكم تعلم النجوم:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الكُهَّانِ وَنَحْوِهِمْ

- ‌سؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:

- ‌كتابة أبي جاد على قسمين:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي النُّشرةِ

- ‌ حل السحر بالسحر

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَيُّرِ

- ‌ الجمع بين حديث: «لَا عَدْوَى» وحديث: «فِرَّ مِن الْمَجْذُومِ»

- ‌الفرق بين الطيرة والفأل:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّنْجِيمِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الاسْتِسْقَاءِ بِالأَنْوَاءِ

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

- ‌أقسام المحبة:

- ‌ بواعث حب الله

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌الخوف من غير الله ينقسم إلى أربعة أقسام:

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [

- ‌بَابٌ مِنَ الإِيمَانِ باللهِ الصَّبْرُ عَلَى أَقْدَارِ الله

- ‌الصبر ثلاثة أنواع:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّيَاءِ

- ‌ حكم العبادة إذا خالطها الرياء

- ‌ الشركُ الخَفِيُّ

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ إِرَادَةُ الإِنْسَانِ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا

- ‌ فعل الإنسان للعمل الصالح بقصد الدنيا هو من الشرك الأصغر

- ‌بَابُ مَنْ أَطَاعَ العُلَمَاءَ وَالأُمَرَاءَ فِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهأَوْ تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَه فَقَدْ اتَّخَذَهُمْ أَرْبَابًا

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ

- ‌بَابُ مَنْ جَحَدَ شيئًا مِنَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ

- ‌ حكم من جحد شيئًا من الأسماء والصفات

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}

- ‌ حكم قول القائل: (لولا فلان لم يكن كذا):

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌ الحلف بصفات الله

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ لَمْ يَقنَعْ بِالْحَلِفِ بالله

- ‌بَابُ قَوْلِ: «مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ»

- ‌بَابُ مَنْ سَبَّ الدَّهْرَ فَقَدْ آذَى اللهَ

- ‌بَابُ التَّسَمِّي بِقَاضي القُضَاةِ وَنَحْوِهِ

- ‌بَابُ احْتِرَامِ أَسْمَاءِ الله تَعَالَى وَتَغْيِيِرِ الاسْمِ لأَجْلِ ذَلِكَ

- ‌بَابُ مَنْ هَزَلَ بِشيءٍ فِيهِ ذِكْرُ الله أَو القُرْآنِ أَو الرَّسُولِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌بَابٌ لا يُقَالُ السَّلامُ عَلَى الله

- ‌بَابُ قَوْلِ: «اللهمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ»

- ‌بَابٌ لا يَقُولُ: «عَبْدِي وَأَمَتِي»

- ‌بَابٌ لا يُرَدُّ مَنْ سَأَلَ باللهِ

- ‌بَابٌ لا يُسْأَلُ بِوَجْهِ الله إِلَاّ الجَنَّةُ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي اللَوْ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الرِّيحِ

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي مُنْكِري القَدَرِ

- ‌تعريف القدر:

- ‌مراتب القدر:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي المُصَوِّرِينَ

- ‌ اقتناء الصور على أقسام:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي كَثْرَةِ الحَلِفِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِمَّةِ الله وَذِمَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الإِقْسَامِ عَلَى الله

- ‌بَابٌ لا يُسْتَشْفَعُ بِاللهِ عَلَى خَلْقِهِ

- ‌ تحريم الاستشفاع بالله على خلقه

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي حِمَايَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَى التَّوْحِيدِوَسَدِّهِ طُرُقَ الشركِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الفصل: ‌الفرق بين الوثن والصنم:

‌بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأُمَّةِ يَعْبُدُ الأَوْثَانَ

---------------------------------•

مقصود المصنف بهذه الترجمة: إثبات أَنَّ الشرك سيقع في هذه الأمة لا محالة، والرد على من ينكر ذلك مِن أهل البدع والضلال مِن عُبَّاد القبور الذين يقولون: عبادة القبور والأولياء ليست من الشرك بالله؛ لأن الأمة معصومة منه، والمصنف إذ يقول هذا الكلام يحذر الناس مِن أن يقعوا في براثن الشرك، ولا يفيدهم استبعاد ذلك في حقهم؛ لأنه واقعٌ في هذه الأمة لا محالة، بدلالة النصوص الشرعية، والواقع المشاهد (1).

وعلاقة الترجمة بما قبلها من الأبواب: هو أن المصنف لَمَّا تكلم عن التوحيد ووجوبه، والشرك والحذر منه، وذَكَرَ ما ينافي كمال التوحيد، وما هو ذريعةٌ إليه، أراد أن يُبَيِّنَ أن الشرك لا بد أن يقع في هذه الأمة بعبادتها لغير الله تعالى (2).

و‌

‌الفرق بين الوثن والصنم:

هو أن الصنم: كل ما عُبِدَ من دون الله تعالى على صورة إنسانٍ أو حيوانٍ، وهو التمثال والصورة، وأما الوثن: فهو ما عُبِدَ من دون الله من غير صورةٍ كقبرٍ أو شجرٍ أو حجر أو بقعةٍ أو غير ذلك. وعليه فالوثن أعم من الصنم، فبين الوثن والصنم عمومٌ وخصوصٌ؛ إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا (3).

(1) ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (306)، والقول السديد ص (91)، والقول المفيد (1/ 454).

(2)

ينظر: الملخص في شرح كتاب التوحيد ص (188).

(3)

قال بهذا الفرق: أبو هلال العسكري في الفروق ص (323)، وابن عرفة كما في لسان العرب (12/ 349)، وعَكَسَ المعنى صاحب النهاية (5/ 151)، وتبعه جمع غفير، فلم يصيبوا في ذلك!

ص: 238

وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} .

---------------------------------•

وقول المصنف: «أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأُمَّةِ» : «أي لا كلها؛ لأن في هذه الأمة طائفة لا تزال منصورة على الحق إلى قيام الساعة، لكنه سيأتي في آخر الزمان ريح تقبض روح كل مسلم، فلا يبقى إلَّا شرار الناس» (1)، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:«لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ الله، قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا كَرِيحِ الْمِسْكِ مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ، فَلَا تَتْرُكُ نَفْسًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ إِلا قَبَضَتْهُ، ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ» (2).

وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ} : «الاستفهام هنا للتقرير والتعجيب، والرؤية بصرية بدليل أنها عديت بإلى، وإذا عديت بإلى صارت بمعنى النظر. والخطاب إما للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصح توجيه الخطاب إليه؛ أي: ألم تر أيها المخاطب؟ » (3).

{أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ} : وهم اليهود يعني أعطوا حظًّا مِن علم كتابهم، وهو التوراة، فعلموه، ثم خالفوه بأن آمنوا {بِالْجِبْتِ}: والجبت: كل ما عُبِدَ من دون الله من صنمٍ وغيره (4)؛ ولذلك كل ما قيل في تفسيره صحيح، فقيل: هي الأصنام، وقيل الكهان، وقيل: غير ذلك (5).

(1) القول المفيد (1/ 454).

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (3/ 1524) رقم (1924) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.

(3)

القول المفيد (1/ 455).

(4)

ينظر: جمهرة اللغة لابن دريد (1/ 252).

(5)

ينظر هذه الأقوال في النكت والعيون للماوردي (1/ 495)، وزاد المسير لابن الجوزي (1/ 419).

ص: 239

وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «الجبت: رسم الشيطان بالحبشية» (1).

قال سعيد بن جبير في هذه الآية: «(الجبت) الساحر بلسان الحبشة» (2).

{وَالطَّاغُوتِ} : الطَّاغُوت: يذكر ويؤنث، مفرد طواغيت، وهو على وزن (لاهوت)، ولكنه مقلوب؛ لأنه مأخوذ من (طغا) يطغى طغيانًا، والتاء زائدة (3).

و«الطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حَدَّهُ من معبودٍ، أو متبوعٍ، أو مطاعٍ» (4).

ومناسبة هذه الآية للترجمة: أنه إذا كان أهل الكتاب من اليهود النصارى- الذين أوتوا التوراة والإنجيل-قد وقعوا في الشرك بالله من الإيمان بالجبت والطاغوت؛ فيمكن أن تقع هذه الأمة في ذلك تشبهًا بهؤلاء؛ لأن النصوص الشرعية دلت على أن هذه الأمة ستحذو حذو اليهود والنصارى، وتتبع سننهم حذو القذة بالقذة، كما سيأتي في الحديث التالي (5).

(1) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 974) رقم (5444).

(2)

أخرجه الطبري في تفسيره (7/ 137).

(3)

ينظر: تهذيب اللغة (8/ 153)، والصحاح للجوهري (6/ 2413).

(4)

إعلام الموقعين لابن القيم (1/ 40).

(5)

ينظر: حاشية كتاب التوحيد ص (176)، وفتح الله الحميد ص (306)، والقول المفيد (1/ 456).

ص: 240

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} .

---------------------------------•

{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ} : هذا خطاب من الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أن يقول لليهود ردًّا على قولهم: ما نعرف دينًا شرًّا من دينكم: هل لي أن أخبركم بشر مما نقمتم من إيماننا ثوابًا؟ (1).

{مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} وهم اليهود والنصارى، واللعن هو الطرد والإبعاد، والمراد بذلك العذاب والطرد عن رحمة الله ومنها الجنة، وأما الغضب: فهو أشد من اللعنة وأبقى، فخص باليهود؛ لأنهم أشد عداوة لأهل الحق (2).

{وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} : يعني بالذين جعلهم قردة: أصحاب السبت من اليهود، وبالخنازير: كفار مائدة عيسى من النصارى (3). ومَسْخُ أصحاب السبت قردةً جاء في آيةٍ صريحة، وهي قوله تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65].

{وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} : مَرَّ معنا شرح معنى الطاغوت مستوفى في الأبواب السابقة.

الشاهد من هذه الآية لموضوع الترجمة هو قوله تعالى: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} ، ومناسبة ذلك للباب هو نظير مناسبة الآية السابقة التي مرت معنا آنفًا.

(1) ينظر: تأويلات أهل السنة للماتريدي (3/ 548)، وبحر العلوم للسمرقندي (1/ 402)، والتفسير البسيط للواحدي (7/ 444).

(2)

ينظر: مجمع بحار الأنوار (4/ 491)، وتفسير ابن كثير (3/ 130).

(3)

ينظر: التفسير الوسيط للواحدي (2/ 204)، وتفسير السمعاني (2/ 49).

ص: 241

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} .

---------------------------------•

فمطابقة هذه الآية للترجمة: أنه إذا كان اليهود والنصارى ممن عبد الطاغوت، فكذلك يكون في هذه الأمة من يفعل ذلك.

ففي الآية السابقة أن أهل الكتاب آمنوا بالجبت والطاغوت، وفي هذه الآية: أن فيهم من عَبَد الطاغوت؛ فلا بد أن يكون من هذه الأمة من يتشبه بهم في ذلك (1).

وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} : الظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب السلطان والنفوذ من الرؤساء والحكام (2).

{لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا} : أي لنبنين على باب كهفهم مسجدًا نعبد الله تعالى فيه، ونتذكر به أحوالهم، وما جرى لهم، ونتبرك بمكانهم (3).

ومناسبة الآية للباب وللتوحيد: أنها دلت على أن الأمم السابقة قد بنت المساجد على القبور، فجرَّهم ذلك إلى الشرك بالله تعالى، وقد ثبت أن هذه الأمة ستتبع طريق من كان قبلها، وعليه فلا بد أن يقع في هذه الأمة ما وقع في الأمم السالفة من البناء على القبور، فدل ذلك على وقوع الشرك في هذه الأمة، كما وقع في الأمم السابقة عن طريق التشبه بهم واتباع سبيلهم (4).

(1) ينظر: حاشية كتاب التوحيد ص (177)، وإعانة المستفيد (1/ 327).

(2)

ينظر: تفسير يحيى بن سلام (1/ 177)، وتفسير ابن أبي حاتم (7/ 2354).

(3)

ينظر: روح البيان للبروسوي (5/ 232)، وتفسير السعدي ص (473).

(4)

ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (310)، وحاشية كتاب التوحيد ص (177).

ص: 242

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَذْوَ القُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟ » . أَخْرَجَاهُ.

---------------------------------•

حديث أبي سعيد رضي الله عنه في الصحيحين، كما أشار المؤلف بقوله:«أَخْرَجَاهُ» ، عدا قوله:«حَذْوَ القُذَّةِ بِالْقُذَّةِ» فهي ليست في الصحيحين، والذي فيهما:«شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ» (1).

«لَتَتَّبِعُنَّ» : بضم العين وتشديد النون، واللام للتأكيد، وأصلها (تَتَّبِعُونن)(2).

«سَنَنَ» : فيها وجهان:

الوجه الأول: فتح السين (سَنَنَ) مفرد ومعناه السبيل والطريق.

الوجه الثاني: ضم السين (سُنَن) جمع سنة وهي الطريقة.

وبعض الشُّرَّاح رجح الضم (3)، ولكن الفتح هو الأصوب والأشهر (4).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (9/ 103) رقم (7320)، من طريق أبي عمر الصنعاني،

ومسلم في صحيحه (4/ 2054) رقم (2669) من طريق حفص بن ميسرة،

كلاهما (أبو عمر الصنعاني، وحفص بن ميسرة) عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(تنبيه): أسقط المصنف جملة «شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ» الموجودة في الحديث في الصحيحين، وأتى بجملة أخرى:«حَذْوَ القُذَّةِ بِالْقُذَّةِ» وهي غير موجودة في رواية البخاري ومسلم، بل لا توجد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وإنما هي في بعض الأحاديث الأخرى.

(2)

ينظر: فتح الباري (6/ 498)، و (13/ 300)، وإرشاد الساري (10/ 328).

(3)

ينظر: حاشية كتاب التوحيد ص (95).

(4)

ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (311)، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (290).

ص: 243

وقال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله شارحًا هذا الكلام ومفصلًا له: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» ليس على ظاهره، بل هو عام مخصوص؛ لأننا لو أخذنا بظاهره كانت جميع هذه الأمة تتبع سنن من كان قبلها، لكننا نقول: إنه عام مخصوص؛ لأن في هذه الأمة من لا يتبع كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق. وقد يقال: إن الحديث على عمومه وأنه لا يلزم أن تتبع هذه الأمة الأمم السابقة في جميع سننها، بل بعض الأمة يتبعها في شيء، وبعض الأمة يتبعها في شيء آخر، وحينئذ لا يقتضى خروج هذه الأمة من الإسلام، وهذا أولى لبقاء الحديث على عمومه» (1).

«حَذْوَ القُذَّةِ بِالْقُذَّةِ» : أي: مثلًا بمثل، وهو مثل للشيئين يستويان، ولا يتفاوتان، والقُذَّة-بضم القاف- واحدة القُذَذ وهي ريش السهم، وله قذتان متساويتان، أي: لتفعلن أفعالهم، ولتتبعن طرائقهم حتى تشبهوهم وتحاذوهم مثلًا بمثل، كما تشبه قذة السهم القذة الأخرى، وهذا مَثَل يُضْرَب للشيئين يستويان، ولا يتفاوتان (2).

«حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ» : «الجحر- بالضم- هو: السرب الذي يكون في الأرض، ومنه جحر الضب، لأنه يحفر جحرًا من أعسر الجحور، ومع هذا لو دخله اليهود والنصارى لكان في هذه الأمة من يفعل ذلك تقليدًا لهم! » (3).

(1) القول المفيد (1/ 464).

(2)

ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (311)، وفتح المجيد ص (267).

(3)

إعانة المستفيد (1/ 328).

ص: 244

وَلِمُسْلِمٍ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سيبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِيَ مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمِ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضيتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَلَو اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا» .

---------------------------------•

ووجه مطابقة الحديث للترجمة: هو إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستقع فيما وقع فيه أهل الكتاب من اليهود والنصارى من ضلال وانحراف؛ ومن ذلك الوقوع في الشرك والكفر الصراح الذي وُجد عند الكتابيين، وسيقع في هذه الأمة أيضًا، وهذا الحديث يُعَدُّ عمدة هذا الباب (1).

«وَلِمُسْلِمٍ» : في صحيحه (2).

«إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ» : معناه قبضها وجمعها، ويقال انزوى الشيء: إذا انقبض وتجمع، وانزوى القوم: تدانوا وتضاموا (3).

(1) ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (313)، وفتح المجيد ص (267)، وقرة عيون الموحدين ص (123)، والقول المفيد (1/ 467)، وإعانة المستفيد (1/ 329).

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2215) رقم (2889) عن أبي الربيع العتكي، وقتيبة بن سعيد، كلاهما عن حماد بن زيد، واللفظ لقتيبة عن حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان رضي الله عنه.

(3)

ينظر: معالم السنن (4/ 339)، وإكمال المعلم (8/ 425).

ص: 245

«فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سيبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِيَ مِنْهَا» : هذا الحديث من أعلام نبوته؛ فإن ملك هذه الأمة كان معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب، وأما في جهتي الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب (1).

«وَأُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ» : هما الذهب والفضة، والمراد بذلك الإشارة إلى كنوز كسرى وقيصر؛ فغالب نقود كسرى الذهب، وغالب نقود قيصر الفضة (2).

وفي حديث أبي هريرة في الصحيحين: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ الله» (3). وقد ظهر ذلك ووجد في زمان الفتوح في إمارة عمر رضي الله عنه فإنه سيق إليه تاج كسرى وحليته، وما كان في بيوت أمواله وجميع ما حوته مملكته على سعتها وعظمتها، وكذلك فعل الله بقيصر لما فتحت بلاده.

وهل أُعْطِيَ النبي صلى الله عليه وسلم هذا في حياته كما يفهم من قوله: «وَأُعْطِيتُ» ؟

الجواب: بعد موته أعطيت أمته ذلك، لكن ما أعطيت أمته؛ فهو عطاء له؛ لأنَّ أمته تابعة له وامتداد ملك الأمة هو امتداد لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم (4).

(1) ينظر: إكمال المعلم (8/ 425)، وكشف المشكل (4/ 218)، وشرح مسلم للنووي (18/ 13).

(2)

ينظر: إكمال المعلم (8/ 425)، وشرح مسلم للنووي (18/ 13).

(3)

صحيح البخاري (3/ 1135) رقم (2952)، وصحيح مسلم (4/ 2236) رقم (2918).

(4)

ينظر: القول المفيد (1/ 473).

ص: 246

وَرَوَاهُ البَرْقَانِي فِي صَحِيحِهِ، وَزَادَ: «وَإِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةَ المُضِلِّينَ،

---------------------------------•

«فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ» : أي جماعتهم وأصلهم، وبيضة الدار: معظمها ووسطها، أراد عدوًّا يستأصلهم ويهلكهم جميعهم (1).

«لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ» : السنة هي القحط والجدب، وتُجمع على سنين، قال تعالى:{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} [الأعراف: 130]، والمقصود بقوله:«لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ» أي: بالدعوة: أَلا تصيبهم سنة وشدة تجتاحهم وتعمهم بالهلاك، وأما أن يحصل القحط في قوم دون قوم فهذا خارج عنها، وهو يقع كثيرًا (2).

«وَلَو اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا» : (بأقطارها) أي: بأطرافها، جمع قُطْر، وهو الجانب والناحية، والمعنى: فلا يستطيع عدو من الكفار استئصالهم أو إهلاكهم جميعًا، ولو حاصرهم واجتمع على محاربتهم من كل ناحيةٍ من نواحي بلادهم (3).

«وَرَوَاهُ البَرْقَانِي فِي صَحِيحِهِ، وَزَادَ

» لم أقف على صحيح البرقاني، ولكن وقفت على الزيادة في كتب أشهر منه، كابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجه (4).

(1) ينظر: تفسير غريب ما في الصحيحين ص (484)، وشرح المشكاة للطيبي (11/ 3637).

(2)

ينظر: معالم السنن (4/ 340)، وإكمال المعلم (8/ 427).

(3)

مرقاة المفاتيح (9/ 3677) بتصرف.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 311) رقم (31694) على الرواية الثانية، وأحمد في المسند (37/ 87، 79) رقم (22395) كاملًا، و (37/ 117) رقم (22452) مقتصرًا على الجزء الثاني فقط، وأبو داود في سننه (4/ 97، 98) رقم (4252)، وإسماعيل القاضي في أحاديث أيوب =

ص: 247

وَإِذَا وَقَعَ عَلَيْهِم السيفُ لَمْ يُرْفَعْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، ........................

---------------------------------•

«الأَئِمَّةَ المُضِلِّينَ» : الأئمة: جمع إمام، وهو رئيس القوم الذي يدعوهم إلى قول أو فعل أو اعتقاد، ويتبعونه في ذلك ضالًّا كان أو مهتديًا (1)، والمقصود بهم: الأمراء والعلماء والعُبَّاد الداعون إلى البدع والضلالات، والفسق والفجور (2).

«وَإِذَا وَقَعَ عَلَيْهِم السيفُ لَمْ يُرْفَعْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» : أي: إذا ظهرت الحرب والفتن والاقتتال فيهم تبقى إلى يوم القيامة، وقد وضع السيف بقتل عثمان، فلم يزل إلى الآن، ولم يرتفع (3).

= السختيانى ص (46، 47) رقم (19)، وإبراهيم الحربي في غريب الحديث (3/ 956)، وابن أبي عاصم في كتاب السنة (1/ 125) رقم (287) والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 526، 527)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 198)، من طريق أيوب،

وابن ماجه في سننه (2/ 1304) رقم (3952)، والروياني في مسنده (1/ 410) رقم (629)، وابن حبان في صحيحه (15/ 109، 110) رقم (6714)، والطبراني في المعجم الأوسط (8/ 200، 201) رقم (8397) وفي مسند الشاميين (4/ 45، 46) رقم (2690)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 305) رقم (18617)، من طريق قتادة،

والروياني في مسنده (1/ 313، 414) رقم (635) من طريق عَبَّاد بن منصور،

والحاكم في المستدرك (4/ 496) رقم (8390)، من طريق يحيى بن أبي كثير،

أربعتهم (أيوب، وقتادة، وعَبَّاد بن منصور، ويحيى بن أبي كثير) عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان رضي الله عنه.

قال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين» ، ووافقه الذهبي، وقال شعيب الأرناؤوط ومجموعته في تحقيق مسند أحمد (37/ 79):«إسناده صحيح على شرط مسلم» .

(1)

ينظر: مرقاة المفاتيح (8/ 3389)، والتنوير شرح الجامع الصغير (4/ 174).

(2)

ينظر: حاشية السندي على ابن ماجه (2/ 465)، تحفة الأحوذي (6/ 401).

(3)

ينظر: حاشية السندي على ابن ماجه (2/ 465)، وتيسير العزيز الحميد ص (319).

ص: 248

وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ حَيٌّ مِنْ أُمَّتِي بِالمشركِينَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ فِئَامٌ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ،

---------------------------------•

«وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ حَيٌّ مِنْ أُمَّتِي بِالمشركِينَ» : الحي مفرد أحياء، والمقصود بها القبائل (1).

وهل المراد باللحوق هنا اللحوق البدني أو الحكمي؟

الجواب: كلا المعنيين مرادان، فاللحوق البدني بمعنى أنه يذهب هذا الحي إلى المشركين ويدخلون فيهم، واللحوق الحكمي، بمعنى أن يعملوا بعمل المشركين، وقد كان هذا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حينما ارتدت قبائل من العرب فحاربهم أبو بكر رضي الله عنه.

«وَحَتَّى تَعْبُدَ فِئَامٌ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ» وهذا هو شاهد الترجمة، ففيه الرد على من قال بخلافه من عُبَّاد القبور الذين ينكرون وقوع الشرك، وعبادة الأوثان في هذه الأمة.

وفي معنى هذا ما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعًا: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ» وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (2). وأليات أي: أعجاز النساء.

وفي صحيح مسلم عن عائشة مرفوعًا: «لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى» (3).

(1) ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (319)، وفتح المجيد ص (273).

(2)

صحيح البخاري (6/ 2604) رقم (6699)، وصحيح مسلم (4/ 2230) رقم (2906).

(3)

صحيح مسلم (4/ 2230) رقم (2907).

ص: 249

وَإِنَّهُ سيكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، لَا نَبِي بَعْدِي، وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ مَنْصُورَةً، لَا يَضرهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يِأْتِيَ أَمْرُ الله تبارك وتعالى».

---------------------------------•

«وَإِنَّهُ سيكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ» قال ابن حجر: قد ظهر مصداق ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج مسيلمة الكذاب باليمامة، والأسود العنسي باليمن، ثم خرج في خلافة أبي بكر طليحةُ بن خويلد في بني أسد بن خزيمة، وسجاح التميمية في بني تميم، ثم خرج المختار بن أبي عبيد الثقفي وغلب على الكوفة في أول خلافة ابن الزبير، وزين له الشيطان أن يدعي النبوة، وزعم أن جبريل عليه السلام يأتيه. ومنهم الحارث الكذاب خرج في خلافة عبد الملك بن مروان.

وليس المراد بالحديث من ادعى النبوة مطلقًا فإنهم لا يحصون كثرةً لكون غالبهم ينشأ عن جنون أو سوداء، وإنما المراد من قامت له شوكة، وبدت له شبهة (1).

فمن زعم أنه نبي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كاذب كافر حلال الدم والمال، ومن صدَّقه في ذلك، فهو كافر حلال الدم والمال، وليس من المسلمين ولا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

«لَا نَبِي بَعْدِي» أي: بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ما الجواب عما ثبت في نزول عيسى بن مريم في آخر الزمان، مع أنه نبي ويضع الجزية ولا يقبل إلَّا الإسلام؟

(1) فتح الباري (6/ 617) -بتصرف-.

ص: 250

الجواب: أَنَّ نبوة عيسى عليه السلام سابقةٌ لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وحينما ينزل في آخر الزمان- كما تواترت بذلك النصوص- لا ينزل على أنَّه نبِيٌّ متبعٌ، بل على أنَّه أحدُ أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك عَدَّه بعض العلماء من الصحابة. وهو حينما يحكم ويُشَرِّع لا يحكم بالإنجيل، وإنما يحكم بشريعة الإسلام، وأمَّا كونه يضع الجزية ولا يقبل إلَّا الإسلام؛ فليس تشريعًا جديدًا ينسخ قبول الجزية، بل هو تشريع من محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر به مُقِرًّا له.

قوله: «وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ مَنْصُورَةً، لَا يَضرهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ» :

هذه الجملة من حديث ثوبان رواها مسلم (1).

والطائفة: الجماعة، من هذه الطائفة؟ هذه هي (الطائفة المنصورة)، وقد تكاثرت أقوال العلماء في نعت هذه الطائفة:

قال يزيد بن هارون: «إن لم يكونوا أصحاب الحديث، فلا أدري من هم؟ » (2)، وكذا قال أحمد بن حنبل (3).

وقال علي بن المديني: «هم أصحاب الحديث» (4).

وقال البخاري: «هم أهل العلم» (5).

(1) صحيح مسلم (3/ 1523) رقم (1920).

(2)

أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص (178)، والخطيب في شرف أصحاب الحديث ص (26).

(3)

أخرجه الحاكم في علوم الحديث ص (2)، والخطيب في شرف أصحاب الحديث ص (27).

(4)

سنن الترمذي (4/ 485).

(5)

صحيح البخاري (9/ 101).

ص: 251

وقال القاضي عياض: «وإنما أراد أهل السنة والجماعة، ومَن يعتقد مذهب أهل الحديث» (1).

ولعل أقوى الأقوال ما اختاره النووي رحمه الله حيث قال: «ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض» (2).

وهم منصورون إما بسيف العلم والحجة والبرهان على الكفار والمشركين والملحدين والمنافقين والمبتدعين، أو منصورون بالسيف والسلطان على عدوهم من اليهود الحاقدين، والنصارى الصليبيين، ولا منافاة بين هذا وذاك؛ لأن اللفظ يحتمل كلا المعنيين، وهما صحيحان (3).

وقوله: «عَلَى الحَقِّ» : أي ثابتين على الحق علمًا وعملًا، و (ظاهرين): هذا مرتبط بمفهوم كونهم منصورين، وفيه وجهان: أولهما: أنهم غالبون على الباطل بالحجة والبرهان، والثاني: بالسيف والسِّنَان في زمن التمكين، وكلا الوجهين صحيح (4).

(1) إكمال المعلم (6/ 350).

(2)

شرح مسلم للنووي (13/ 67).

(3)

ينظر: شرح المشكاة للطيبي (12/ 3972)، وحاشية السندي على ابن ماجه (1/ 7).

(4)

ينظر: إرشاد الساري للقسطلاني (10/ 324)، وتحفة الأحوذي (6/ 401).

ص: 252

«لَا يَضرهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ» : أي لا يضيرهم خذلان مَن خذلهم من المسلمين، وترك التعاون معهم، بل وحاربهم وناصبهم العداء؛ لثباتهم على دينهم، ولنصرة الله لهم (1).

وقد جاء في حديثٍ آخر: «لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ» (2).

«حَتَّى يِأْتِيَ أَمْرُ الله تبارك وتعالى» : أي: حكمه وقضاؤه، وذلك إما بقيام الساعة، أو بالريح التي تقبض نفس كل مؤمن ومؤمنة؛ فيموتون منها (3).

والخلاصة من هذا الحديث: أنه دَلَّ على وقوع الشرك في هذه الأمة، وأن قبائلَ وفئامًا منها يعبدون الأوثان، وفي ذلك الرد على من قال بخلافه من عُبَّاد القبور الذين ينكرون وقوع الشرك، وعبادة الأوثان في هذه الأمة.

فهذا الحديث وغيره مما جاء في الباب يدل على أن الشرك يقع في هذه الأمة، فالواجب الاحتراز من الشرك والحذر من الوقوع في أسبابه ووسائله كي لا يكون المرء من هؤلاء الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم.

(1) ينظر: شرح المشكاة للطيبي (12/ 3972)، وتحفة الأحوذي (6/ 401).

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 207) رقم (3641)، ومسلم (3/ 1524) رقم (1037) من حديث معاوية رضي الله عنه.

(3)

ينظر: تحفة الأحوذي (6/ 401)، وحاشية السندي على ابن ماجه (2/ 465).

ص: 253