الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ». قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ ، قَالَ:«الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ» .
•---------------------------------•
«وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ» : الفأل مهموز، وقد لا يهمز، وهو: الاستبشار بحصول الخير عند سماع ما يسر، ويكون فيما يحسن وفيما يسوء، وقيل: فيما يحسن خاصة، بينما الطيرة فيما يسوء فقط (1).
«الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ» : هذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم لمعنى الفأل.
هل في الإعجاب بالفأل شيء من الشرك؟
قال ابن القيم رحمه الله: «ليس في الإعجاب بالفأل ومحبته شيء من الشرك، بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة، ومن حب الفطرة الإنسانية التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها، كما أخبرهم صلى الله عليه وسلم: أنه حبب إليه من الدنيا النساء والطيب» (2)، وكان يحب الحلوى، والعسل (3)، ويحب حسن الصوت بالقرآن والأذان، ويستمع إليه، ويحب معالي الأخلاق، ومكارم الشيم.
الفرق بين الطيرة والفأل:
الفرق بينهما: أن الفأل الحسن لا يدخل بعقيدة الإنسان ولا بعقله، وليس فيه تعليق القلب بغير الله بل فيه من المصلحة النشاط والسرور وتقوية النفوس على المطالب النافعة.
وأمَّا الطيرة: فإنه إذا عزم على فعل شيء من الأمور النافعة في الدين أو في الدنيا، فيرى أو يسمع ما يكره أثر في قلبه أحد أمرين:
(1) ينظر: فتح الباري لابن حجر (1/ 165)، والتوضيح الرشيد ص (253).
(2)
مفتاح دار السعادة (2/ 244).
(3)
أخرجه البخاري (7/ 44) رقم (5268)، ومسلم (2/ 1101) رقم (1474).
وَلأَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: ...............
•---------------------------------•
أحدهما: أن يستجيب لذلك الداعي فيترك ما كان عازمًا على فعله أو بالعكس. وهذا من ضعف التوحيد والتوكل، ومن طرق الشرك ووسائله.
الأمر الثاني: أن لا يستجيب لذلك الداعي ولكنه يؤثر في قلبه حزنًا وغمًّا.
ومناسبة الحديث للباب: أن فيه نفيًا للطيرة وإبطالًا لها؛ لأنها من التعلق بغير الله المؤدي إلى الشرك، وفيه بيان أن الفأل ليس من الطيرة المنهي عنها.
«وَلأَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِر» هذا وهم من المصنف، بل هو من حديث عروة بن عامر رواه أبو داود وغيره، وفيه انقطاع (1).
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 310) رقم (26392)، وأبو داود في السنن (4/ 19) رقم (3919)، وأبو بكر الخلال في كتاب السنة (4/ 155) رقم (1405) من طريق وكيع،
والخرائطي في مساوئ الأخلاق ص (355) رقم (752) من طريق القاسم بن يزيد الجرمي،
وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 262) من طريق أبي حذيفة،
والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 240) رقم (16521)، وفي الدعوات الكبير (2/ 205) رقم (568) من طريق يعلى بن عبيد،
أربعتهم: (وكيع، والقاسم بن يزيد الجرمي، وأبي حذيفة، ويعلى بن عبيد) عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة بن عامر.
والحديث فيه ثلاث علل:
الأولى: حبيب بن أبي ثابت مدلس وقد عنعنه.
والثانية: حبيب لم يدرك عروة، كما في تهذيب التهذيب (7/ 185).
والثالثة: عروة بن عامر مختلف في صحبته: ولذلك أعله بالإرسال البيهقي في الدعوات (2/ 205)، ومغلطاي في إكمال تهذيب الكمال (9/ 227)، ومع هذا فقد صححه النووي في شرح مسلم (14/ 224).
ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَحْسَنُهَا الفَأْلُ، وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمًا، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السيئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ» .
•---------------------------------•
قال صاحب التيسير: «هكذا وقع في نسخ التوحيد، وصوابه عروة بن عامر» (1).
«أَحْسَنُهَا الفَأْلُ» : مر معنا شرح معنى الفأل، ومدح الفأل لما فيه من حسن الظن بالله عز وجل، ومع ذلك لا يرُّد ذلك المسلمَ عن المضي في قضاء حاجته.
«فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ» : «أي: إذا رأى من الطيرة شيئًا يكرهه» (2).
«فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ
…
»: الحسنات هنا هي كل أمرٍ مستحسن، أي: لا يقدر على إيجاد الأمور الحسنة الشاملة للنعم والخيرات والطاعات إلا أنت.
«وَلَا يَدْفَعُ السيئَاتِ إِلَّا أَنْتَ» : أي: لا يدفع الأمور المكروهة للنفوس إلا أنت.
«وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ» : وهذه استعانة بالله تعالى على فعل التوكل، وعدم الالتفات إلى الطيرة، و (الحول): التحول والانتقال من حال إلى حال، والمعنى:(لا حول) على دفع السيئة، (ولا قوة) على تحصيل الحسنة إلا بك (3).
(1) تيسير العزيز الحميد ص (373).
(2)
مرقاة المفاتيح (7/ 2902).
(3)
ينظر: مرقاة المفاتيح (7/ 2902)، وتيسير العزيز الحميد ص (374).
وَعَن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: «الطِّيَرَةُ شركٌ، الطِّيَرَةُ شركٌ، وَمَا مِنَّا إِلَّا؛ وَلَكِنَّ الله يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَجَعَل آخِرَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
•---------------------------------•
حديث ابن مسعود: رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وهو صحيح (1)، دون آخره فهو من قول ابن مسعود.
هل الطيرة شرك أكبر؟
«الطِّيَرَةُ شركٌ، الطِّيَرَةُ شركٌ» : أي نوع من أنواع الشرك، وهذا صريح في تحريم الطيرة، وبيان أنها من الشرك؛ لما فيها من تعلق القلب بغير الله (2).
ولكنها ليست من الشرك الأكبر المخرج من الملة، وإنما هي من الشرك الأصغر (3).
(1) أخرجه الطيالسي في مسنده (1/ 278) رقم (354)، وابن الجعد في مسنده ص (86) رقم (488)، وعبد الله بن أحمد في كتاب السنة (1/ 360) رقم (775)، والطَّحَاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 299) رقم (828، 829)، وفي شرح معاني الآثار (4/ 312) رقم (7079)، والحاكم في المستدرك (1/ 64) رقم (43) من طريق شعبة بن الحجاج،
وابن أبي شيبة في المصنف (5/ 310) رقم (26391)، وأحمد في المسند (6/ 213) رقم (3687)، و (7/ 250) رقم (44)، والبخاري في الأدب المفرد ص (313) رقم (909)، وابن ماجه (2/ 1170) رقم (3538)، وأبو داود (4/ 17) رقم (3910)، والترمذي (4/ 160، 161) رقم (1614) في سننهم، والبزار في مسنده- البحر الزخار (5/ 230) رقم (1840)، وأبو يعلى في مسنده (9/ 140) رقم (5219)، وابن حبان في صحيحه (13/ 491) رقم (6122)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 239) رقم (16517)، وفي شعب الإيمان (2/ 397) رقم (1124) من طريق سفيان الثوري،
وأبو يعلى في مسنده أيضًا (9/ 26) رقم (5092) من طريق منصور.
ثلاثتهم (شعبة، وسفيان الثوري، ومنصور) عن سلمة بن كهيل، عن عيسى بن عاصم، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
قال الترمذي (4/ 161): (حديث حسن صحيح).
(2)
يراجع: تيسير العزيز الحميد ص (375).
(3)
ينظر: القول المفيد (1/ 574، 575).
«وَمَا مِنَّا إِلَّا» : أي: ما مِنَّا مِن أحدٍ إلا ويعتريه شيء من الطيرة في بادئ الأمر قبل النظر والتأمل، ولم يتم كلامه؛ كراهة أن يتفوه به؛ لما يتضمنه من الحال المكروهة (1).
والكلام من قوله «وَمَا مِنَّا إِلَّا» إلى آخر الحديث هو موقوف من قول عبد الله بن مسعود، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من قبيل المدرج في الحديث، وقد نص على ذلك علماء الحديث (2).
«وَلَكِنَّ الله يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ» : (يُذْهِبُهُ) بضم الياء، من الإذهاب، أي يزيل تلك الأوهام المكروهة التي تخطر في قلب المؤمن، (بالتوكل): أي بسبب الاعتماد على الله، وإسناد الأمور إليه سبحانه. وفي هذا إشارة إلى أن ما يقع في قلب المسلم من ذلك إذا دفعه بالتسليم لله، وعدم الاهتمام بالطيرة؛ فإنه لا يؤاخذ بما عرض له من ذلك (3)، وفيه أيضًا أنَّ المؤمن مهما بلغ من الإيمان والعلم ليس معصومًا، وقد يقع له من الخواطر ما يقع لغيره.
مناسبة الحديث للباب: الحديث واضح الدلالة على مقصود الترجمة؛ لأنه نَصَّ على أن الطيرة من الشرك بالله تعالى (4).
(1) ينظر: حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 363)، وشرح المشكاة للطيبي (9/ 2983).
(2)
ينظر: سنن الترمذي (4/ 161)، وشعب الإيمان للبيهقي (2/ 398).
(3)
ينظر: شرح المشكاة للطيبي (9/ 2983)، والتوضيح لشرح الجامع الصحيح (27/ 511)، وفتح الباري لابن حجر (10/ 213)، ومرقاة المفاتيح (7/ 2897).
(4)
ينظر: الملخص في شرح كتاب التوحيد ص (233).
وَلأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: «مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَنْ حَاجَتِهِ فَقَدْ أَشركَ» . قَالُوا: فَمَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ ، قَالَ:«أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» .
•---------------------------------•
حديث ابن عمرو: فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف مطلقًا على الراجح عند الأئمة (1).
«مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَنْ حَاجَتِهِ فَقَدْ أَشركَ» : «هذا هو ضابط الطيرة التي تكون شركًا، وهو أن ترد المتطير عن حاجته، فإذا لم ترده عن حاجته، ولم يستجب لها، فلا حرج عليه» (2).
«فَمَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ » : أي: ما كفارة هذا الشرك، وما الدواء الذي يزيله؟ فالكفارة تطلق على كفارة الشيء بعد فعله، وقبل فعله؛ فكفارة ذلك إن وقع، وكفارة ذلك إن لم يقع (3).
«وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ» : «يحتمل أوجهًا- وكلها صحيحة قريبة -:
أ- أنه لا يحدث إلا قضاؤك الذي قضيته، فعلم المغيبات إنما هو لله عز وجل، وهذا الدعاء كفارة لمن وقع في الطيرة.
(1) أخرجه أحمد في مسنده (11/ 623) رقم (7045) من طريق حسن،
والطبراني المعجم الكبير (13/ 22) رقم (38) من طريق أسد بن موسى،
كلاهما (حسن، وأسد بن موسى) عن ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
والحديث فيه ابن لهيعة: وهو ضعيف، وقد قال أحمد شاكر في شرح المسند (6/ 471):(إسناده صحيح)، وهذا مبني على مذهبه في تصحيح حديث ابن لهيعة مطلقًا.
(2)
التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (342).
(3)
القول المفيد (1/ 577) -بتصرف-.
ب- أن المراد بالطير هنا ما يتشاءم به الإنسان، فكل ما يحدث للإنسان من التشاؤم والحوادث المكروهة؛ فإنه من الله تعالى، كما أن الخير منه أيضا سبحانه، قال تعالى:{أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ} [الأعراف: 131].
ج- أن الطيور كلها ملكك، فهي لا تفعل شيئًا، وإنما هي مسخرة، قال تعالى:{أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَأيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 79].
فالطير مسخرة بإذن الله، والله تعالى هو الذي يدبرها ويصرفها ويسخرها تذهب يمينا وشمالا، ولا علاقة لها بالحوادث» (1).
«لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ» : النفي والاستثناء في الجملة يفيدان الحصر؛ فالخير كله من الله تعالى، سواء كان بسبب معلوم أو غير معلوم، والمعنى: لا أحد يأتي بالخير، ويُرْجَى منه الخير غيرك، و «فيه تفويض الأمور إلى الله تقديرًا وتدبيرًا وخلقًا، والبراءة مِمَّا فيه تعلقٌ بغير الله تعالى كائنًا مَن كان» (2).
«وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» : هذه واضحة؛ وهي معنى كلمة لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا أنت، وهذا اعتراف بالتوحيد ونفي للشرك (3).
ومناسبة الحديث للباب وللتوحيد: أَنَّ فيه تبيينًا لحقيقة الطيرة الشركية المحرمة، وهي الطيرة التي ترد صاحبها عن حاجته (4).
(1) التوضيح الرشيد ص (255).
(2)
قرة عيون الموحدين ص (152).
(3)
ينظر: قرة عيون الموحدين ص (152)، وحاشية كتاب التوحيد ص (221).
(4)
ينظر: الملخص في شرح كتاب التوحيد ص (235).
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ الفَضْلِ بْنِ العَبَّاسِ رضي الله عنه: «إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ أَوْ رَدَّكَ» .
•---------------------------------•
«وَلَهُ» : أي أحمد بن حنبل رحمه الله، والأثر ضعيف (1).
«إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ أَوْ رَدَّكَ» : هذا حد للطيرة المنهي عنها، وهي أنها ما يحمل الإنسان على المضي فيما أراده، ويمنعه من المضي فيه كذلك.
«مناسبة الحديث للباب: حيث دل الحديث على تحريم الطيرة إذا دفعت صاحبها أو منعته.
مناسبة الحديث للتوحيد: حيث أنكر الحديث الطيرة؛ لأنها تعليق القلب بغير الله وذلك شرك به» (2).
(1) أخرجه أحمد في مسنده (3/ 327) رقم (1824) عن حماد بن خالد، عن ابن عُلَاثة، عن مسلمة الجهني، عن الفضل بن عباس رضي الله عنه.
والحديث ضعيف؛ لأن فيه ابن عُلَاثة وهو محمد بن عبد الله، وجمهور المحدثين على تضعيفه وتوهينه. وقد وثقه ابن معين، ولكن ضعفه ابن حبان، والبخاري، والحاكم، والدارقطني، وغيرهم. وأقل ما قيل فيه:(في حفظه نظر)، قاله البخاري في التاريخ الكبير (1/ 132).
ولذلك ضعف الحديث أحمد شاكر في شرح المسند (2/ 412).
(2)
الجديد في شرح كتاب التوحيد ص (263).