الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:
{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}
الآية.
•---------------------------------•
مقصود المصنف من هذه الترجمة أمران:
الأول: بيان وجوب إثبات أسماء الله وصفاته، والتدليل على منافاة الإلحاد في أسماء الله تعالى للتوحيد الخالص، وأنه كفرٌ بالله تعالى؛ لأن هذا الكتاب جامع لأنواع التوحيد الثلاثة: توحيد العبادة، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.
الثاني: الرد على من يتوسل إلى الله بالأموات، وبيان أن التوسل المشروع هو التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا (1).
وعلاقة الباب بكتاب التوحيد: أنه يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات الذي هو أحد أقسام التوحيد الثلاثة: توحيد العبادة، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذا الكتاب جامعٌ لهذه الأنواع كلها.
ووجهٌ آخر: وهو تعلق هذا الباب بتوحيد الألوهية؛ إذ إنه يمكن حمل الباب على أن المصنف أراد به الرد على من يتوسل بذوات الأموات، فنبه على التوسل المشروع وهو التوسل بأسماء الله وصفاته، فتكون هذه مناسبة الباب لكتاب التوحيد من وجهٍ آخر.
{فَادْعُوهُ بِهَا} «هذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة، فيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب.
(1) ينظر: قرة عيون الموحدين ص (225)، القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 313).
فيقول الداعي مثلًا: اللهم اغفر لي وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، وتب عَلَيَّ يا تواب، وارزقني يا رزاق، والطف بي يا لطيف ونحو ذلك» (1).
قال القرطبي: «قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}: أمرٌ بإخلاص العبادة لله، ومجانبة المشركين والملحدين» (2).
«قوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} ، ليس بأمر من الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم بترك المشركين أن يقولوا ذلك
…
، وإنما هو تهديدٌ من الله للملحدين في أسمائه، ووعيدٌ منه لهم، كما قال في موضع آخر:{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [سورة الحجر: 3] الآية،
…
وهو كلام خرج مخرج الأمر بمعنى الوعيد والتهديد، ومعناه: أنْ مَهِّل الذين يلحدون، يا محمد، في أسماء الله إلى أجل هم بالغوه، فسوف يجزون، إذا جاءهم أجل الله الذي أجلهم إليه، جزاءَ أعمالهم التي كانوا يعملونها قبل ذلك من الكفر بالله، والإلحاد في أسمائه، وتكذيب رسوله» (3).
والإلحاد لغةً: هو الميل، ومنه سمي اللحد لحدًا؛ لأنه مائل.
وشرعًا: الإلحاد في أسماء الله وصفاته هو الميل بها عما يجب فيها، وهو أربعة أنواع:
الأول: أن ينكر شيئا منها أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام، كما فعل أهل التعطيل من الجهمية وغيرهم.
(1) تفسير السعدي ص (310).
(2)
تفسير القرطبي (7/ 325).
(3)
تفسير الطبري (13/ 285).
ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ {يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} يُشركُونَ. وَعَنْهُ: سَمَّوا اللَّاتَ مِنَ الإِلَهِ، وَالعُزَّى مِنَ العَزِيزِ. وَعَن الأَعْمَشِ: يُدْخِلُونَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا.
•---------------------------------•
الثاني: أن يجعلها دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين، كما فعل أهل التشبيه.
الثالث: أن يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفسه، كتسمية النصارى له:(الأب)، وتسمية الفلاسفة إياه (العلة الفاعلة).
الرابع: أن يشتق من أسمائه أسماء للأصنام، كما فعل المشركون في اشتقاق العزى من العزيز، واشتقاق اللات من الإله على أحد القولين (1).
ومناسبة الآية للباب وللتوحيد: أنها دلت على تحريم الإلحاد في أسماء الله وصفاته، ومن الإلحاد تسمية المخلوق بأسماء الله، وتسمية الله بأسماء المخلوقين، وهذا شرك في أسماء الله وصفاته (2).
«ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ» هذا وهم من المصنف رحمه الله، والصحيح أنه عن قتادة (3).
(1) راجع: القواعد المثلى لابن عثيمين ص (16، 17).
(2)
ينظر: الجديد في شرح كتاب التوحيد ص (405).
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1623) رقم (8586)، والطبري (10/ 598) في تفسيره: عن معمر، عن قتادة:(يلحدون) قال: يشركون.
«وَعَنْهُ: سَمَّوا اللَّاتَ مِنَ الإِلَهِ، وَالعُزَّى مِنَ العَزِيزِ» : هذا الأثر بهذا السياق هو من قول مجاهد وليس من قول ابن عباس، وقد رواه عنه الطبري في تفسيره (1)، ولم أقف عليه عند ابن أبي حاتم.
«وَعَن الأَعْمَشِ: يُدْخِلُونَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا» : هذا عند ابن أبي حاتم كما ذكر المصنف (2).
وكما جاء الوعيد على الإلحاد في أسمائه سبحانه فقد جاءت النصوص بالوعيد على الإلحاد في آيات الله كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فصلت: 40]، فقوله:{لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} فيها تهديد؛ لأن المعنى سنعاقبهم، والجملة قبلها مؤكدة بـ (إنَّ).
والإلحاد يكون في الآيات الكونية والآيات الشرعية.
الإلحاد في الآيات الكونية ثلاثة أنواع:
1 -
اعتقاد أن أحدًا سوى الله منفرد بها أو ببعضها.
2 -
اعتقاد أن أحدًا مشارك لله فيها.
3 -
اعتقاد أن لله فيها معينًا في إيجادها وخلقها وتدبيرها.
وكل ما يخل بتوحيد الربوبية، فإنه داخل في الإلحاد في الآيات الكونية.
والإلحاد في الآيات الشرعية ثلاثة أنواع:
1 -
تكذيبها فيما يتعلق بالأخبار.
2 -
مخالفتها فيما يتعلق بالأحكام.
(1)(10/ 597).
(2)
تفسير ابن أبي حاتم (5/ 1623) رقم (8587).
3 -
التحريف في الأخبار والأحكام.
والآيات الشرعية: هي ما جاء به الرسل من الوحي كالقرآن، قال تعالى:{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49].
وخلاصة المقصود من هذا الباب: وجوب إثبات أسماء الله وصفاته، وتحريم الإلحاد فيها، وأن ذلك مناف للتوحيد وكفر بالله تعالى.