الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِمَّةِ الله وَذِمَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم
•---------------------------------•
مقصود الترجمة: البعد والحذر من التعرض للأحوال التي يخشى منها نقض العهود والإخلال بها، بعدما يجعل للأعداء المعاهدين ذمة الله وذمة رسوله، فإنه متى وقع النقض في هذه الحال كان انتهاكًا من المسلمين لذمة الله وذمة نبيه، وتركًا لتعظيم الله، وارتكابًا لأكبر المفسدتين، كما نبه عليه صلى الله عليه وسلم.
وفي ذلك أيضًا تهوين للدين والإسلام وتزهيد للكفار به، فإن الوفاء بالعهود - خصوصًا المؤكدة بأغلظ المواثيق- من محاسن الإسلام الداعية للأعداء المنصفين إلى تفضيله واتباعه (1).
وقوله: (باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه): أي: باب ما جاء من تعظيمهما، والدليل على وجوب حفظهما والوفاء بهما، والتحذير من إخفارهما، والتحذير أيضًا من جعلهما للناس؛ لأن هذا وسيلة إلى إخفارهما (3).
(1) القول السديد شرح ص (184).
(2)
شرح كتاب التوحيد لابن باز ص (275).
(3)
ينظر: شرح كتاب التوحيد لابن باز ص (275)، وحاشية كتاب التوحيد ص (382).
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} الآية.
•---------------------------------•
وعلاقة هذا الباب بكتاب التوحيد: أن نقض العهود نقص في التوحيد، لأنه يدل على عدم احترام عهد الله، ومن لم يحترم عهد الله، فإن هذا يدل على نقص توحيده، ومن وفى بعهد الله وعَظَّم عهدَ الله فهذا يدل على كمال توحيده (1).
ومناسبة الباب للباب الذي قبله: أن الباب الذي قبله وهو (باب ما جاء في كثرة الحلف) متعلق بتعظيم الله جل وعلا حين التعامل مع الناس، و (باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه) متعلق بالتعامل مع الناس في الحالات العسرة الصعبة، وهي حال الجهاد، فنبه بذلك على أن تعظيم الرب جل وعلا يجب أن يكون في التعامل ولو في أعصب الحالات، وهي الجهاد، فإن العبد يكون موقرا لله تعالى مجلا له، معظمًا لأسمائه وصفاته، ومن ذاك أن يعظم ذمة الله وذمة نبيه (2).
«وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}» هذا أمر من الله سبحانه وتعالى بالوفاء بالعهود، والوفاء: ضد الغدر والخيانة.
{بِعَهْدِ اللَّهِ} : المراد به: الميثاق الذي يعقد بين الناس، وأضافه إلى نفسه إضافة تشريف؛ مما يدل على تعظيم العهد؛ لأن الشيء إذا أُضِيفَ إلى الله فهذا دليل على تعظيمه، مثل: بيت الله، وناقة الله، وعبد الله، فالإضافة هنا تقتضي تعظيم المضاف، فهي تدل على عظم العهد، ووجوب احترامه (3).
(1) إعانة المستفيد (2/ 285)، وينظر أيضًا: القول المفيد (2/ 477).
(2)
التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (569).
(3)
إعانة المستفيد (2/ 285).
{إِذَا عَاهَدتُّم} : أي: عاهدتم طرفًا آخر من الناس، وهذا يشمل الذي بين الله وبين خلقه والعهد الذي بين المسلمين وبين الكفار، ويشمل العهد الذي بين ولي أمر المسلمين وبين الرعية، ويشمل العهد الذي بين أفراد الناس بعضهم مع بعض (1).
{وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ} : «نقض الشيء هو حل إحكامه، وشبه العهد بالعقدة؛ لأنه عقد بين المتعاهدين» (2).
{بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} : «توكيد الشيء بمعنى تثبيته، والتوكيد مصدر وَكَّدَ، يقال: وَكَّدَ الأمر وأَكَّدَه تأكيدًا وتوكيدًا، والواو أفصح من الهمزة» (3).
أما علاقة الآية بالتوحيد: فقد دلت على تحريم نقض العهد؛ لأن نقض العهد دليل على عدم تعظيم الله، وذلك مناف للتوحيد قادح فيه.
(1) إعانة المستفيد (2/ 285).
(2)
القول المفيد (2/ 476).
(3)
القول المفيد (2/ 476).
(4)
الملخص في شرح كتاب التوحيد ص (413)، وأصله مأخوذ من حاشية كتاب التوحيد ص (382).
وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سريَّةِ أَوْصَاهُ بِتَقْوَى الله، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْرًا. فَقَالَ: «اغْزُوا بِاسْمِ الله فِي سَبِيلِ الله، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بالله. اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا.
•---------------------------------•
حديث بريدة عند مسلم (1)، وبريدة هو ابن الحصيب الأسلمي، الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه.
«كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سريَّةِ» : الجيش هو: العسكر العظيم الكثير، وأما السرية فهي القطعة من الجيش، تنطلق من الجيش وترجع إليه (2).
«اغْزُوا بِاسْمِ الله» : أي اشرعوا في الغزو مستعينين بالله مخلصين له (3).
«قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بالله» : (من) من ألفاظ العموم، وهذا العموم يشمل أهل الكفر المحاربين للمسلمين في الغزو من أهل الكتاب وغيرهم، واستثنى منهم النساء، والأطفال، والرهبان في صوامعهم، ونحوهم، فلا يقتلون.
«وَلَا تَغُلُّوا» : الغلول: الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها، وهو من كبائر الذنوب، قال تعالى:{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161]، أي معذبًا به، فهو يعذب بما غل يوم القيامة ويعزر في الدنيا، قال أهل العلم: يعزر الغال بإحراق رحله كله، إلا المصحف لحرمته، والسلاح لفائدته، وما فيه روح؛ لأنه لا يجوز تعذيبه بالنار.
(1) صحيح مسلم (3/ 1357) رقم (1731).
(2)
إعانة المستفيد (2/ 287).
(3)
قرة عيون الموحدين ص (253).
وقد امتنع الرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال كما في حديث زيد بن خالد الجهني: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، تُوُفِّيَ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيلِ الله. فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ لَا يُسَاوِى دِرْهَمَيْنِ» (1).
(وَلَا تَغْدِرُوا) الغدر: الخيانة، وهذا هو الشاهد من الحديث، وهذا إذا عاهدنا، فإنه يحرم الغدر، أما الغدر بلا عهد، فلنا ذلك؛ لأن الحرب خدعة، وقد ذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج إليه رجل من المشركين ليبارزه، فلما أقبل الرجل على علي صاح به علي: ما خرجت لأبارز رجلين، فالتفت المشرك يظن أنه جاء أحد من أصحابه ليساعده، فقتله علي رضي الله عنه.
وليعلم أن لنا مع المشركين في الحرب ثلاثة أحوال:
الحال الأول: أن لا يكون بيننا وبينهم عهد، وهم محاربون، فيجب قتالهم بعد دعوتهم إلى الإسلام وإبائهم عنه وعن بذل الجزية، بشرط قدرتنا على ذلك، فإن لم نقدر على ذلك وكان في المسلمين ضعف فهم معذورون لقول الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
(1) أخرجه أبو داود 2/ 75 رقم (2710)، والنسائي (4/ 64) رقم (1959)، وابن ماجه 2/ 950 رقم (2848) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أبي عمرة، عن زيد ابن خالد، وأبو عمرة مولى زيد بن خالد قال عنه ابن حجر:«مقبول» . تقريب التهذيب ص (661).
وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشركِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ (أَوْ: خِلَالٍ)، فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ.
•---------------------------------•
الحال الثانية: أن يكون بيننا وبينهم عهد محفوظ يستقيمون فيه، فهنا يجب الوفاء لهم بعهدهم، لقوله تعالى:{فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 7]، وقوله:{فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [الأنفال: 58].
الحال الثالثة: أن يكون بيننا وبينهم عهد نخاف خيانتهم فيه، فهنا يجب أن ننبذ إليهم العهد ونخبرهم أنه لا عهد بيننا، لقوله تعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58].
«وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» : أي: لا تقتلوا صغيرًا؛ لأنه لا يقاتل، ولأنه ربما يسلم (1).
«وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ» ، أي: قابلته أو وجدته.
«مِنَ المُشركِينَ» يدخل فيه كل الكفار، حتى اليهود والنصارى.
«ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ» فيه وجوب تقديم دعاء الكفار إلى الإسلام قبل المقاتلة، وهنا مسألة كبيرة وهي:
هل الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم السلم أو الحرب؟
اختلف العلماء في علاقة المسلمين بما لا عهد له من غير المسلمين على رأيين:
الرأي الأول: أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو الحرب، وبهذا قال كثير من علماء المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة (2)، ومن أبرز أدلتهم:
(1) القول المفيد (2/ 482).
(2)
ينظر: كشاف القناع (3/ 28، 32 - 36)، فتح القدير لابن الهمام (4/ 277 - 282)، البدائع للكاساني (7/ 100)، مغني المحتاج للشربيني (4/ 219)، اللباب في شرح الكتاب للميداني (4/ 115)، معاملة غير المسلمين في الإسلام (1/ 249).
قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191]، وقوله:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193]، وقوله:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، وغيرها من الآيات التي تأمر بقتال الكفار مطلقاً.
الرأي الثاني: أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم، وبهذا قال سفيان الثوري وسحنون من المالكية، ونسب لابن عمر رضي الله عنه، وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
واستدل أصحاب هذا القول بعدد من الأدلة من أبرزها:
قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61]، وقوله:{فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} [النساء: 90]، قوله تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].
والذي يظهر -والله أعلم- أنَّ الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو دعوتهم إلى دين الإسلام كمرحلة أولى لا يسبقها غيرها، بل هي البوابة لتحديد نوع العلاقة؛ لأن الأمة مخاطبة بنشر دينها وعقيدتها، ودعوة أمم الكفر لدين الإسلام (1).
(1) وقد توسعت في بحث هذه المسألة في كتابي (التعامل مع غير المسلمين في السنة) فارجع إليه إن رغبت المزيد.
ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ المُهَاجِرِينَ. وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى المُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ المُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الله تَعَالَى الذِي يَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الغَنِيمَةِ وَالفَيْءِ شيءٌ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمِينَ.
فِإنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلهمُ الجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بالله وَقَاتِلْهُمْ.
•---------------------------------•
«ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ» فيه ترغيب الكفار بعد إجابتهم وإسلامهم إلى الهجرة إلى ديار المسلمين؛ لأن الإقامة بالبادية ربما كان سببًا لعدم معرفة الشريعة لقلة من فيها من أهل العلم.
«فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى المُهَاجِرِينَ» : أي لهم ما لهم من الفيء والغنيمة ونحو ذلك، وعليهم ما عليهم من الجهاد وغيره (1).
«فِإنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلهمُ الجِزْيَةَ
…
إلخ» قال النووي رحمه الله: «هذا مما يستدل به مالك والأوزاعي وموافقوهما في جواز أخذ الجزية من كل كافر عربيًّا كان أو عجميًّا كتابيًّا أو مجوسيًّا أو غيرهما.
وقال الشافعي: لا يقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس عربًا كانوا أو عجمًا، ويحتج بمفهوم آية الجزية، وبحديث:«سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» (2)، (3).
(1) حاشية كتاب التوحيد ص (385).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ 1/ 278 رقم (616).
(3)
شرح مسلم 6/ 282.
وَإِذَا حَاصرتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ الله وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ الله وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِن اجْعَلْ لهمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ الله وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ.
وَإِذَا حَاصرتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ الله، فَلَا تُنْزِلهمْ وَلَكِنْ أَنْزِلهمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصيبُ فِيهِمْ حُكْمَ الله أَمْ لَا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
•---------------------------------•
قال شيخنا ابن باز رحمه الله: «أي: أبوا الدخول في الإسلام والهجرة فاسألهم الجزية واقبل منهم، وهذا في اليهود والنصارى والمجوس كما قال تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].
فالسنة أطلقت من يؤخذ منهم الجزية، والقرآن قيد بأهل الكتاب، وألحقت السنة بأهل الكتاب المجوس في أخذ الجزية لا في حل الطعام والنساء وغيره» (1).
«وَإِذَا حَاصرتَ أَهْلَ حِصْنٍ» : الحصن كل مكان محمي محرز، لا يوصل إلى جوفه، أو لا يقدر عليه لارتفاعه (2).
«أَنْ تُخْفِرُوا» : بضم التاء وكسر الفاء: من أخفر الرباعي؛ أي: غَدَر، وأما خَفَر يَخفِر الثلاثي فهو بمعنى أجار، والمتعين الأول (3).
(1) التعليق المفيد ص (272).
(2)
حاشية كتاب التوحيد ص (386).
(3)
القول المفيد (2/ 488).