الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ:«لَعْنَةُ الله عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ، يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا، وَلَوْلَا ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خُشي أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا. أَخْرَجَاهُ.
•---------------------------------•
«خَمِيصَةً» : الخميصةُ-بفتح الخاء وكسر الميم-كساء أسود معلمٌ من الصوف أو الخز ونحوهما (1).
«فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا» : اغتم افتعل من الغم، وهو: التغطية والستر، أي: إذا احتبس نفسه عن الخروج (2).
«اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» : هذه الجملة تعليل لقوله: «لَعْنَةُ الله عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى» ، كأن قائلًا يقول: ولماذا لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم؟ فكان الجواب: أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، أي: أمكِنة للسجود، سواءٌ بنوا مسجدًا أم لا. يصلون ويعبدون الله تعالى فيها مع أنها مبنية على القبور (3).
ما معنى اتخاذ القبور مساجد؟
اتخاذ القبور مساجد، يشمل ثلاثة معان:
الأول: الصلاة على القبور، بمعنى السجود عليها.
الثاني: السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء.
الثالث: بناء المساجد عليها، وقصد الصلاة فيها (4).
(1) ينظر: كتاب العين (4/ 191)، ومشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 240).
(2)
ينظر: النهاية في غريب الحديث (3/ 388)، ولسان العرب (12/ 443).
(3)
القول المفيد (1/ 396).
(4)
تحذير الساجد للألباني ص (28، 29) بتصرف.
فإذا قال قائل: أليس قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده؟ كان الجواب على هذه الشبهة من عدة وجوه:
الوجه الأول: أنَّ المسجد لم يبن على القبر، بل بُني المسجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والقبر بعد ذلك.
الوجه الثاني: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد، حتى يقال: إن هذا من دفن الصالحين في المسجد، بل دفن في بيته.
الوجه الثالث: أنَّ إدخال بيوت الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها بيت عائشة مع المسجد ليس باتفاق من الصحابة، بل بعد أن انقرض أكثرهم ولم يبق منهم إلَّا القليل. وذلك عام (94 هـ) تقريبًا، فليس مما أجازه الصحابة أو أجمعوا عليه، مع أنَّ بعضهم خالف في ذلك، وممَّن خالف أيضًا سعيد بن المسيب من التابعين.
الوجه الرابع: أنَّ القبر ليس في المسجد، حتى بعد إدخاله؛ لأنَّه في حجرة مستقلَّة عن المسجد؛ فليس المسجد مبنيًّا عليه، ولهذا جُعل هذا المكان محفوظًا ومحوطًا بثلاثة جدران.
(1) زاد المعاد (3/ 501).
«وَلَوْلَا ذَلِكَ» : أي: لولا تحذير النبي صلى الله عليه وسلم مما صنعوا، وخشية أن يتخذ قبره مسجدًا، «أُبْرِزَ قَبْرُهُ»: يعني: لأظهر وأخرج قبره، ودفن مع سائر القبور في البقيع أو غيرها (1).
«غَيْرَ أَنَّهُ خُشي أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا» : (خُشِيَ) بضم الخاء على المبني للمجهول، ورُوِيَ (خَشِيَ) بفتح الخاء بالبناء للمعلوم، ورجح بعضهم رواية الضم (2)، ولكن الروايتان صحيحتان (3)؛ فعلى رواية الضم يكون الذين خشوا هم الصحابة الكرام، وعلى رواية الفتح يكون الذي خشي هو النبي صلى الله عليه وسلم، وفي واقع الأمر: كلا الأمرين صحيح (4).
«يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا» : من اتخاذهم القبور مساجد، والبناء عليها (5). وهذه جملة أخرى مستأنفة، هي من كلام الراوي، كأنه سُئِلَ عن حكمة ذكر ذلك في ذلك الوقت؛ فأجاب بهذا الجواب (6).
خلاصة المقصود: أن الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على القبور، وعبادة الله عندها؛ لما في ذلك من تعظيم أصحابها، والتعظيمُ عبادة، وصرفُ العبادة لغير الله شرك، فإذا كان ذلك كذلك فكيف بعبادة أصحاب القبور؟ ! (7).
(1) ينظر: القول المفيد (1/ 397)، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (259).
(2)
ينظر: مطالع الأنوار على صحاح الآثار (2/ 479، 480).
(3)
ينظر: شرح مسلم للنووي (5/ 12).
(4)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (271)، وفتح المجيد ص (234)، والقول المفيد (1/ 397).
(5)
ينظر: إرشاد الساري للقسطلاني (6/ 467).
(6)
ينظر: الكواكب الدراري (4/ 97)، وفتح الباري (1/ 532)، وعمدة القاري (4/ 194).
(7)
ينظر: الجديد في شرح كتاب التوحيد ص (187).
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ، وَهُوَ يَقُولُ:«إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى الله أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللهَ قَد اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» .
•---------------------------------•
«وَلِمُسْلِمٍ» : في صحيحه (1).
«إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى الله» : أي أبعد عن هذا، وأمتنع وأنقطع عنه، وأنكره ولا أتصل به (2).
«أَنْ يَكُونُ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ» : (الخليل): هو المختص بشيء دون غيره؛ ولا يجوز أن يختص رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا بشيء من أمور الديانة دون غيره، وقيل: هو المنقطع إليه، وقيل: من (الْخُلَّة) بضم الخاء وهي تخلل المودة في القلب؛ فنفى صلى الله عليه وسلم أن تكون حاجته وانقطاعه إلى غير الله تعالى (3).
«لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» : يدل على أن مقام الخلة أعلى من مقام المحبة (4)، وفيه فضيلة ظاهرة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه (5).
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 377) رقم (532) عن أبي بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم، عن زكريا بن عدي، عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث النجراني، عن جندب.
(2)
ينظر: إكمال المعلم (2/ 452)، وشرح مسلم للنووي (5/ 13).
(3)
ينظر: إكمال المعلم (2/ 452، 453)، وشرح مسلم للنووي (5/ 13).
(4)
ينظر: فتح الباري لابن رجب (3/ 381).
(5)
ينظر: الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 126)، وشرح مسلم للنووي (15/ 151، 152).
فَقَدْ نَهَى عَنْهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَعَنَ -وَهُوَ فِي السياقِ- مَنْ فَعَلَهُ، وَالصَّلَاةُ عِنْدَهَا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُبْنَ مَسْجِدٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهَا:«خُشي أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا» ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا لِيَبْنُوا حَوْلَ قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُصِدَتِ الصَّلَاةُ فِيهِ فَقَدِ اتُّخِذَ مَسْجِدًا، بَلْ كُلُّ مَوْضِعٍ يُصَلَّى فِيهِ يُسَمَّى مَسْجِدًا، كَمَا قَالَ? :«جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» . متفق عليه.
•---------------------------------•
«كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» : «إنكار النبي صلى الله عليه وسلم صنيعهم هذا يخرج على وجهين، أحدهما: أنهم يسجدون لقبور الأنبياء تعظيمًا لهم، والثاني: أنهم يجوزون الصلاة في مدافن الأنبياء والسجود في مقابرهم، والتوجه إليها حالة الصلاة نظرًا منهم بذلك إلى عبادة الله، والمبالغة في تعظيم الأنبياء. والأول هو الشرك الجلي، والثاني الخفي، فلذلك استحقوا اللعن» (1).
وعلاقة الحديث بالباب ظاهرة، وهي: أنه حرم اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، مع أنه قد يكون العابد لا يعبد إلا الله؛ لأنها وسيلة من وسائل الشرك الأكبر، والوسائل تفضي إلى ما بعدها، وقد تقرر في القواعد الشرعية، وأجمع عليه المحققون: أن سد الذرائع الموصلة إلى الشرك، وإلى المحرمات، أمر واجب (2).
قوله: «فَقَدْ نَهَى عَنْهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ» : هذا مِن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (3)، وقد جعله المصنف كالتعليق على الحديثين السابقين.
(1) تيسير العزيز الحميد ص (273).
(2)
التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (264، 265).
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 189).
والناهي: هو النبي صلى الله عليه وسلم، والمنهي عنه: هو اتخاذ القبور مساجد، كما في حديث جندب الآنف الذكر (1).
«ثُمَّ إِنَّهُ لَعَنَ» : كما في حديث عائشة السابق: «لَعْنَةُ الله عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» .
«وَالصَّلَاةُ عِنْدَهَا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُبْنَ مَسْجِدٌ» : يعني أن الصلاة عند القبور هي نوعٌ من أنواع اتخاذ القبور مساجد، وإن لم يكن هنالك مسجد، ولذلك قال العلماء: لا تجوز الصلاة إلى القبور (2). ومصداق ذلك ما جاء في الحديث: «لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ، وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا» (3).
«وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهَا - أي: عائشة - «خُشي أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا» : هذا استدلال من شيخ الإسلام للمسألة السابقة التي مرت معنا، وهي أن الصلاة إلى القبور هي من اتخاذ القبور مساجد، وإن لم يُبْنَ عليها مسجد.
«فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا لِيَبْنُوا حَوْلَ قَبْرِهِ مَسْجِدًا» : «قد يقال: «خُشي أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا» معناه: خشي أن يبنى عليه مسجد، لكن يبعده أن الصحابة لا يمكن أن يبنوا حول قبره مسجدًا؛ لأن مسجده مجاور لبيته؛ فكيف يبنون مسجدا آخر؟ ! هذا شيء مستحيل بحسب العادة؛ فيكون معنى قولها:«خُشي أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا» ؛ أي: مكانًا يصلى فيه، وإن لم يبن المسجد» (4).
(1) ينظر: القول المفيد (1/ 402).
(2)
ينظر: القول المفيد (1/ 402)، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (265).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (2/ 668) رقم (972) من حديث أبي مَرْثَد الغَنَوِي.
(4)
القول المفيد (1/ 403).
«وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُصِدَتِ الصَّلَاةُ فِيهِ فَقَدِ اتُّخِذَ مَسْجِدًا» : هذا دليل تأكيدي على إثبات أن مجرد الصلاة إلى القبور يعني اتخاذها مساجد، وإن لم يكن هنالك مساجد مبنية على القبور، أو قبور مبنية على المساجد.
وماذا يُعمل بالمساجد المبنية على قبور الصالحين؟ وهل تصح الصلاة فيها؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يتعين إزالتها بهدم أو بغيره، هذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء المعروفين، وتُكْرَه الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب؛ لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك» (1).
وهنا تنبيه مهم:
وهو أن من لم يستطع الإنكار أو ترتب على إنكاره مفاسد كبيرة، فهو معذور بذلك ولا يلزمه إنكار ولا يلحقه إثم لقول الله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
وحينئذ عليه أن يعلم الناس العقيدة الصحيحة ويأمرهم بالتوحيد وينهاهم عن ما يضاده، بالرفق واللين والحجاج المقنع والبرهان الساطع، وما يدري لعل الله بذلك يفتح قلوبًا عميًا وآذانًا صمًّا.
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 187).
وَلأَحْمَدَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: «إِنَّ مِنْ شرارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ القُبُورَ مَسَاجِدَ» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ.
•---------------------------------•
«وَلأَحْمَدَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ» حديث ابن مسعود عند أحمد وابن أبي حاتم وغيرهما، وإسناده صحيح (1).
«إِنَّ مِنْ شرارِ النَّاسِ» : (مِن): للتبعيض، وشرار: بكسر الشين جمع شر، أي مِن أسوأ الناس عقيدة وعملًا، وقد قال بعض العلماء: إن الحديث من العام الذي أُرِيدَ به الخصوص.
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (3/ 30) رقم (11816)، وفي المسند (1/ 186) رقم (272)، والبزار في مسنده- البحر الزخار (5/ 136) رقم (1724) من طريق أبي داود،
وأحمد في مسنده (7/ 209) رقم (4143) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد البصرى،
وأحمد في مسنده (6/ 394) رقم (3844)، والطبراني في المعجم الكبير (10/ 188) رقم (10413) من طريق معاوية بن عمرو،
ومحمد بن عاصم الثقفي في جزئه ص (90) رقم (14)، وابن خزيمة في صحيحه (2/ 6) رقم (789)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 178) من طريق الحسين بن علي الجعفي،
وأبو يعلى في مسنده (9/ 216) رقم (5316) من طريق عثمان بن عمر،
والجرجاني في معجم أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي (3/ 799) رقم (402)، وأبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين ص (88) رقم (77)، من طريق عمرو بن مرزوق،
ستتهم (أبو داود، وعبد الرحمن بن عبد الله، ومعاوية بن عمرو، والحسين بن علي الجعفي، وعثمان بن عمر، وعمرو بن مرزوق) عن زائدة، عن عاصم بن أبي النجود، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
والحديث عند البخاري في صحيحه (9/ 49) رقم (7067) معلقًا مختصرًا من غير موضع الشاهد. والحديث ليس بالقوي؛ لأجل عاصم بن أبي النجود فإنه صدوق له أوهام.
ومعناه: أن الساعة تقوم في الأكثر والأغلب على شرار الناس، ولكن يعكر على ذلك ما جاء بصيغة التعميم، كقوله عليه الصلاة والسلام:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ (1)» (2).
«مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ» : أي: الذين يعيشون في آخر الزمان، من الكفار والمشركين والمنافقين، وتقوم عليهم الساعة بحيث ينفخ في الصور وهم أحياء (3).
«وَالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ القُبُورَ مَسَاجِدَ» : هذا موضع الشاهد من الحديث، يعني: أنهم من شرار الناس، فالذين يتخذون القبور مساجد هم من شرار الناس وإن لم يشركوا؛ وذلك لأنهم فعلوا وسيلة من وسائل الشرك، والوسائل لها أحكام المقاصد، وإن كانت دون مرتبتها، لكنها تعطى حكمها بالمعنى العام (4).
«وقوله: «وَالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ القُبُورَ مَسَاجِدَ» : هذا يعم كل اتخاذ للقبر مسجدًا، سواء اتخذه بالصلاة عليه، أو بالصلاة إليه، أو بالصلاة عنده، فذلك القصد» (5).
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2268) رقم (2949) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2)
ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (10/ 14)، والكواكب الدراري (24/ 152)، وفتح الباري لابن حجر (13/ 19)، ومنار القاري شرح مختصر البخاري (5/ 354).
(3)
ينظر: منار القاري شرح مختصر البخاري (5/ 354)، وتيسير العزيز الحميد ص (277).
(4)
ينظر: القول المفيد (1/ 406)، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (266).
(5)
التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (266).
ومناسبة هذا الحديث للباب ظاهرة: فإنه ذكر أن من شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد، والقصد من ذلك: أن يعبد الله عند قبر ذلك الرجل الصالح، فكيف الحال إذا توجه إليه بالعبادة؟ ! (1).
(1) ينظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (267).