الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذا نعلم أن
الاسترقاء والكي ليسا بمذمومين
، وإنما تركهما من كمال التوكل على الله، وقد ثبت في صحيح البخاري، عن أنس:«أَنَّهُ كُوِيَ مِنْ ذَات الْجَنْب، وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَيّ» (1).
وروى الترمذي وابن حبان عن أنس: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَوَى أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِن الشَّوْكَةِ» (2).
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس مرفوعًا: «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ، وَأَنا أَنْهَى أُمَّتِي عَن الْكَيِّ» (3).
وفي حديث جابر: «وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ» (4).
وقد اختلف أهل العلم في الكي، فمنهم من حرمه وجعل الأحاديث التي فيها الإذن بالكي متقدمة، وأحاديث النهي متأخرة، ومنهم من حمل النهي على كراهية التنزيه، وأحسن من تكلم في ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله حيث قال: «تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع:
أحدها: فعله.
والثاني: عدم محبته له.
والثالث: الثناء على من تركه.
(1) صحيح البخاري (5/ 2162) رقم (5389).
(2)
جامع الترمذي 4/ 390، وصحيح ابن حبان (13/ 443) رقم (6080).
(3)
صحيح البخاري (5/ 2152) رقم (5359).
(4)
أخرجه البخاري (7/ 125) رقم (5702).
والرابع: النهي عنه، ولا تعارض بينها بحمد الله، فإن فعله له يدل على جوازه، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه، وأما الثناء على تاركيه فيدل على أن تركه أولى وأفضل، وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار والكراهية» (1)، فمن ترك هذه الأمور توكلًا لا تجلدًا ولا تصبرًا فهو من كمال تحقيق التوحيد.
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: «الأقرب أن يقال ما يلي:
1) أن ما علم أو غلب على الظن نفعه مع احتمال الهلاك بعدمه؛ فهو واجب.
2) ما غلب على الظن نفعه، لكن ليس هناك هلاك محقق بتركه؛ فهو أفضل.
3) ما تساوى فيه الأمران؛ فتركه أفضل» (2).
وأما التطير فإنه لا يجوز مطلقًا؛ لأنه من أفعال الجاهلية وليس له حقيقة أصلًا، وقد عقد المؤلف له بابًا خاصًا سيأتي.
«فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ» عُكَّاشة - بضم العين وتشديد الكاف ويجوز تخفيفه - ابن محصن بن حُرْثَان الأسدي، كان من السابقين إلى الإسلام، ومن أجمل الرجال، هاجر وشهد بدرًا وقاتل فيها واستشهد في قتال الردة مع خالد بن الوليد سنة (12 هـ)(3).
«أَنْتَ مِنْهُمْ» قيل: هو خبر بمعنى الدعاء؛ لأنه جاء في بعض الروايات: «اللهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ» ، ويؤكده قول عكاشة في الحديث:«ادْعُ اللهَ» .
(1) زاد المعاد (4/ 58).
(2)
الشرح الممتع (5/ 234).
(3)
ينظر في ترجمته: الطبقات الكبرى (3/ 67)، والاستيعاب (3/ 1080)، وأسد الغابة (4/ 64).
وقيل: قوله: «أَنْتَ مِنْهُمْ» جملة خبرية على بابها، وقد وقع كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث سار عكاشة ببقية حياته على الجادة حتى قتل شهيدًا، وفي هذا عَلَم من أعلام النبوة كما ذكر المصنف في مسائل هذا الباب.
ويمكن الجمع بين القولين بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد يكون دعا له أولًا، ثم جاءه الوحي بدخوله الجنة؛ فأخبره بذلك.
ومناسبة الحديث للباب: أن هؤلاء المؤمنين الموصوفين بتلك الصفات دخلوا الجنة بغير حساب؛ لقوة توحيدهم وتوكلهم وإخلاصهم واعتمادهم على الله وحده.