الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما
سبب النَّهي عن الاستنجاء برجيع الدابة أو العظم
؟
اختلف في ذلك، فقيل: لأنَّ رجيع الدواب والعظام جُعلا رزقًا للجن، والاستنجاء بهما يفسده عليهم، ولهذا جاء النهي عن ذلك (1).
ودليل هذا القول: حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ، وَلَا بِالْعِظَامِ، فَإِنَّهُ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ» (2).
وقيل: إنَّ رجيع الدواب والعظام لا ينقيان محل النجاسة؛ لهذا جاء النهي عن الاستنجاء بهما (3).
ودليل هذا القول: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ أَوْ عَظْمٍ، وَقَالَ: إِنَّهُمَا لَا تُطَهِّرَانِ» (4).
ويمكن الجمع بين القولين، فيقال: إنَّ النهي يشمل الأمرين جميعًا، وإن كان القول الأول أظهر وأشهر، والله أعلم.
«فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَرِيءٌ مِنْهُ» «أي: بريءٌ من فعله، وقاله بهذه الصيغة ليكون أبلغ في الزجر» (5).
واعترض بعضهم على هذا التأويل، بأنه بعيد، وخلاف ظاهر الحديث؛ لأن الضمير في:«مِنْهُ» يعود إلى (مَنْ) في قوله: «مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ» (6).
(1) ينظر: معالم السنن (1/ 27)، وشرح سنن أبي داود للنووي ص (189).
(2)
أخرجه مسلم (1/ 332) رقم (450)، والترمذي في جامعه (1/ 30) رقم (18) واللفظ له.
(3)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (139).
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه (1/ 88) رقم (152)، وقال:«إسناد صحيح» .
(5)
شرح سنن أبي داود للنووي ص (192).
(6)
ينظر: فتح المجيد ص (132)، وقرة عيون الموحدين ص (61).
وقد ذكر شيخنا عبد الله الغنيمان في هذه المسألة كلامًا جيدًا، فقال: «للعلماء في هذا مذهبان مشهوران:
المذهب الأول: أنه لا بد من تأويل ذلك؛ لأن الفاعل لهذه الأمور لا يكون كافرًا، فقالوا في مثل قوله صلى الله عليه وسلم:(إن محمدًا بريء منه) يعني: بريء من فعله، أو أنه برئ منه في هذه الحال، فإذا راجع ربه، وتاب، وأقلع عن ذلك الذنب، فإنه لا يكون بريئًا منه
…
المذهب الثاني: مذهب كثير من المحققين، يقولون: هذا التأويل خطأ، وإنما الواجب أن تبقى هذه النصوص كما جاءت، مع اعتقاد أن الفاعل لها لا يكون كافرًا، ولا يكون خارجًا من الملة، ولكن لا يجوز لنا أن نتأولها؛ لأن تأويلها يكون فيه محذوران:
الأول: الخطر في ذلك، لأننا لا ندري مراد الله ومراد الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا، فإذا عينا شيئًا فإننا نكون على خطر، فقد يكون هذا الشيء الذي عيناه ليس هو مراد الله ولا مراد رسوله عليه الصلاة والسلام.
الثاني: أن هذه النصوص إذا تركت كما جاءت فإن هذا يكون أدعى للانزجار والابتعاد عن اقتراف مثل هذه الذنوب، وهذا هو الراجح» (1).
والشاهد الذي من أجله أورد المصنف هذا الحديث في الباب: قوله: «تَقَلَّدَ وَتَرًا» ؛ لأن ذلك يُعد نوعًا من أنواع التمائم المنهي عنها.
(1) شرح فتح المجيد دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «مَنْ قَطَعَ تَمِيمَةً مِنْ إِنْسَانٍ كَانَ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ» رَوَاهُ وَكِيعٌ. وَلَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «كَانُوا يَكْرَهُونَ التَّمَائِمَ كُلَّهَا مِنَ القُرْآنِ وَغَيْرِ القُرْآنِ» .
•---------------------------------•
«وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:
…
» هذا الأثر أخرجه ابن أبي شيبة (1).
«مَنْ قَطَعَ تَمِيمَةً مِنْ إِنْسَانٍ كَانَ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ» «هذا عند أهل العلم له حكم الرفع؛ لأن مثل ذلك لا يقال بالرأي فيكون على هذا مرسلًا، لأن سعيدًا تابعي» (2).
وقوله: «مَنْ قَطَعَ تَمِيمَةً مِنْ إِنْسَانٍ» هذا من باب الإنكار باليد، ولا يكون ذلك إلا ممن يقدر عليه، مع مراعاة المصلحة والمفسدة.
والأثر يشمل من تسبب في قطع التميمة بأي صورة من الصور، ولو كان القاطع الحقيقي للتميمة صاحب التميمة نفسه.
وقوله: «كَعَدْلِ رَقَبَةٍ» أي: ما يعدل عتق رقبة، ولعل وجه ربط قطع التميمة بعتق الرقبة هو أنَّ الذي يقطع التميمة تسبب في عتق صاحبها من العبودية لغير الله، ومن ثَمَّ عتقه من النار، والله أعلم.
«وَلَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ» (وله): أي: وكيع، وإبراهيم هو: ابن يزيد النخعي، التابعي المشهور.
«كَانُوا يَكْرَهُونَ» هذه الصيغة يستخدمها النخعي في حكاية أقوال أصحاب ابن مسعود، كالأسود، وعلقمة، ومسروق، وغيرهم.
(1) في مصنفه (5/ 36) رقم (23473) عن حفص، عن ليث، عن سعيد بن جبير.
(2)
تيسير العزيز ص (139).
والكراهة عند المتقدمين المقصود بها التحريم، قال شيخ الإسلام رحمه الله:«والكراهية في كلام السلف كثيرًا وغالبًا يراد بها التحريم» (1).
وقال ابن القيم رحمه الله: «فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، ولكن المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم» (2).
والكلام عن التمائم وتعليقها سبق الحديث عنه بما فيه الكفاية.
(1) مجموع الفتاوى (32/ 241).
(2)
إعلام الموقعين (1/ 34).