الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:
{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}
الآية.
•---------------------------------•
مقصود الترجمة: الحث على التأدب مع جناب الربوبية وذلك بالاعتراف بنعم الله وشكره على ذلك، والبعد عن الألفاظ الشركية، كنسبة النعم إلى غير الله؛ فإن ذلك من الشرك بالله تعالى، ووجه كونه من الشرك: أنه نوعٌ من الكفر بنعم الله؛ بإضافتها إلى غيره، وإشراكه فيها (1).
والكفر بنعم الله ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يضيف النعم إلى غير الله لفظًا بلسانه مع اعتقاده بقلبه أنها من الله، وهذا هو المعهود في ذلك، فهذا من الشرك الأصغر.
الثاني: أن ينسب النعم إلى غير الله اعتقادًا منه بأنها من عند غيره تعالى، فهذا من الشرك الأكبر والعياذ بالله.
ومناسبة الباب لكتاب التوحيد: أن من أضاف النعم إلى غير الله فقد جعله شريكًا في الربوبية؛ لأنه جعل السبب كأنه فاعل، ومن جهةٍ أخرى: فإن هذا العبد لم يقم بفريضة الشكر الذي هو عبادة من العبادات وتَرْكُ ذلك منافٍ للتوحيد، فمن الوجه الأول يتعلق الباب بالربوبية، ومن الوجه الثاني يتعلق بالألوهية (2).
(1) ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (505)، وحاشية كتاب التوحيد ص (297)، وشرح كتاب التوحيد لابن باز ص (203)، والقول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 202).
(2)
القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 202)، والملخص في شرح كتاب التوحيد ص (320).
ولما ذكر المصنف رحمه الله في الباب الآنف ما يتعلق بجحد الأسماء والصفات، ناسب أن يذكر هنا ما يتعلق بجحد الربوبية، وكلٌّ من توحيد الأسماء والصفات والربوبية مستلزمٌ لتوحيد الألوهية (1).
{يَعْرِفُونَ} : أي: يدركون بحواسهم أن النعمة من عند الله.
{نِعْمَتَ اللَّهِ} : واحدة والمراد بها الجمع؛ فهي ليست واحدة، بل هي لا تحصى، قال تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} ، [إبراهيم: من الآية 34].
{ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} : أي: ينكرون إضافتها إلى الله لكونهم يضيفونها إلى السبب متناسين المسبِّب الذي هو الله سبحانه، وليس المعنى أنهم ينكرون هذه النعمة، مثل أن يقولوا: ما جاءنا مطر أو ولد أو صحة، ولكن ينكرونها بإضافتها إلى غير الله، متناسين الذي خلق السبب فوُجِد به المسبَّب.
{وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} : أي أكثر العارفين بأن النعمة من الله يكفرونها ويجحدون كونها من الله رغم يقينهم بأنها منه سبحانه ويكفرون بالله عز وجل رغم معرفتهم نعم الله الوافرة التي أنعم بها عليهم.
(1) إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 147).
قَالَ مُجَاهِدٌ مَا مَعْنَاهُ: «هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ: هَذَا مَالِي وَرِثْتُهُ عَنْ آبَائِي» .
وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ الله: يَقُولُونَ: لَوْلَا فُلَانٌ لَمْ يَكُنْ كَذَا.
•---------------------------------•
أثر مجاهد رواه الطبري وابن أبي حاتم وغيرهما، ولفظه عن مجاهد في قوله تعالى:{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} ، قال:«هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها، والسرابيل من الحديد والثياب، تعرف هذا كفار قريش، ثم تنكره بأن تقول: هذا كان لآبائنا، فورَّثونا إياها» (1).
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: ظاهر هذه الكلمة أنه لا شيء فيها؛ لأنه خبر محض، لكن مراد مجاهد: أن يضيفَ القائلُ تملُّكه للمال إلى السبب الذي هو الإرث، متناسيًا المسبِّب الذي هو الله؛ فمن هنا صار هذا القول نوعًا من كفر النعمة. أما إذا كان قصد الإنسان مجرد الخبر؛ فلا شيء في ذلك (2).
والمقصود هنا أن مجاهدًا يرى أن من نسب النعمة إلى غير الله فقد كفر بها.
أثر عون أخرجه ابن جرير في تفسيره (3).
(1) رواه الطبري في تفسيره (14/ 325)، وابن أبي حاتم (7/ 2296) رقم (12621) كما في الدر المنثور في التفسير بالمأثور (5/ 155)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور أيضًا (5/ 155) لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر.
(2)
القول المفيد (2/ 202، 203) بتصرف.
(3)
(14/ 325)، وفي إسناده ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف، ولفظ الأثر: عن عون بن عبد الله بن عتبة في قوله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} قال: «إنكارهم إياها: أن يقول الرجل: لولا فلان ما كان كذا وكذا، ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا» .