الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَنْ هَزَلَ بِشيءٍ فِيهِ ذِكْرُ الله أَو القُرْآنِ أَو الرَّسُولِ
•---------------------------------•
مقصود الترجمة: بيان حكم من استهزأ بشيءٍ فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه يكفر بالله عز وجل بالإجماع، ولو كان مازحًا أو هازلًا؛ لاستخفافه بجناب الربوبية والرسالة (1).
قال ابن تيمية رحمه الله: «إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرًا وباطنًا، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلًا له أو كان ذاهلًا عن اعتقاده» (2).
وقال شيخنا ابن باز رحمه الله: «هذا الباب لبيان حكم المستهزئين بالله وبالقرآن وبالرسول صلى الله عليه وسلم وأن حكمهم أنهم مرتدون إذا كانوا مسلمين، وأن الاستهزاء ردة وكفر» (4).
(1) ينظر: تيسير العزيز الحميد ص (535، 536)، وفتح المجيد ص (433)، وقرة عيون الموحدين ص (217)، والقول السديد ص (154)، وحاشية كتاب التوحيد ص (319).
(2)
الصارم المسلول ص (513).
(3)
القول السديد ص (154).
(4)
شرح كتاب التوحيد ص (226).
وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66].
عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَقَتَادَةَ، .......................
•---------------------------------•
ومناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أَنَّ الاستهزاء بالله أو رسوله أو كتابه كفرٌ بالله منافٍ للتوحيدٍ جملةً وتفصيلًا.
«مَنْ هَزَلَ» : سخر واستهزأ ورآه لعبا ليس جدا.
«أَو الرَّسُولِ» : المراد بالرسول هنا: اسم الجنس، فيشمل جميع الرسل، وليس المراد محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ فـ (أل) للجنس وليست للعهد (1).
{لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} «هذه الآية نص في أن المستهزئ بالله، وبالرسول، وبآيات الله جل وعلا -والمقصود بها آيات الله جل وعلا الشرعية، يعني: القرآن- أن هذا المستهزئ كافر، وأنه لا ينفعه اعتذاره بأنه كان في هزل ولعب، بل هو كافر؛ لأن تعظيم الله جل وعلا وتوحيده يوجب عليه أن لا يستهزئ» (2).
«عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَقَتَادَةَ» (3).
(1) ينظر: الملخص في شرح كتاب التوحيد ص (348)، القول المفيد (2/ 267).
(2)
التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (483).
(3)
رواية ابن عمر: أخرجها الطبري في تفسيره (11/ 543)، وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1829) عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن هشام بن سعد، عن زيد ابن أسلم، عن ابن عمر.
ورواية محمد بن كعب: أخرجها الطبري في تفسيره (11/ 545) عن الحارث، عن عبد العزيز، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب.
دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ: أَنَّهُ قَالَ رَجُلٌ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قُرَّائِنَا هَؤُلَاءِ أَرْغَبَ بُطُونًا وَلَا أَكْذَبَ أَلْسُنًا وَلَا أَجْبَنَ عِنْدَ اللَّقَاءِ، يَعْنِي رَسُولَ الله? ، وَأَصْحَابَهُ القُرَّاءَ، فَقَالَ لَهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ، لأُخْبِرَنَّ رَسُولَ الله? ، فَذَهَبَ عَوْفٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لِيُخْبِرَهُ، فَوَجَدَ القُرْآنَ قَدْ سَبَقَهُ.
•---------------------------------•
ومعنى: «دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ» أن ألفاظهم متقاربة، والمعنى واحد؛ فَجُمِعَ الحديث من رواياتهم، وسيق سياقًا واحدًا؛ فدخل بعضه في بعض (1).
«أَنَّهُ قَالَ رَجُلٌ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ» : لم أقف على تسمية القائل؛ لذلك أبهم اسمه في جميع الروايات التي وقفت عليها.
«مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قُرَّائِنَا هَؤُلَاءِ» : القراء جمع قارئ، وهم عند السلف: الذين يقرؤون القرآن ويعرفون معانيه، أما قراءته من غير فهم لمعناه، فلا يوجد في ذلك العصر، وإنما حدث بعد ذلك من جملة البدع.
«أَرْغَبَ بُطُونًا» : أي: أوسع بطونًا. الرغب والرغيب: الواسع يقال: جوف رغيب وواد رغيب، يصفونهم بسعة البطون وكثرة الأكل (2).
ورواية زيد بن أسلم: أخرجها الطبري في تفسيره (11/ 543) من طريق الليث، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم. وإسنادها صحيح.
ورواية قتادة: أخرجها الطبري في تفسيره (11/ 543)، وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1830) رقم (10049)، من طريق يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة به.
(1)
تيسير العزيز الحميد ص (538)، وإعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 187).
(2)
تيسير العزيز الحميد ص (538، 539).
فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ الله? ، وَقَدِ ارْتَحَلَ وَرَكِبَ نَاقَتَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَتَحَدَّثُ حَدِيثَ الرَّكْبِ نَقْطَعُ بِهِ عَنَاءَ الطَّرِيقِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مُتَعَلِّقًا بِنِسْعَةِ نَاقَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ الحِجَارَةَ تَنْكُبُ رِجْلَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ الله? :{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} الآيَة، مَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَمَا يَزِيدُهُ عَلَيْهِ.
•---------------------------------•
من سب الله أو رسوله هل له توبة؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنها لا تقبل، وهو المشهور عن الحنابلة.
والقول الثاني: أنها تقبل إذا علمنا صدق توبته إلى الله، وأقر على نفسه بالخطأ، وهو اختيار ابن تيمية وشيخنا ابن عثيمين.
وهذا القول هو الأقرب؛ إلا أن ساب الرسول صلى الله عليه وسلم تقبل توبته ويجب قتله، بخلاف من سب الله، فإنها تقبل توبته ولا يقتل؛ لأن الله أخبرنا بعفوه عن حقه إذا تاب العبد إليه بأنه يغفر الذنوب جميعًا.
فإن قيل: أليس قد ثبت أن من الناس من سب الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل منه وأطلقه؟
أجيب: بلى، هذا صحيح لكن هذا في حياته صلى الله عليه وسلم، وقد أسقط حقه، أما بعد موته، فلا ندري يسقطه أم لا؟
وخلاصة المقصود من هذا الباب: أن المستهزئ بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول مستخف بجناب الربوبية والرسالة وذلك، قدح في أصل التوحيد، ولا يصدر مثل هذا ممن حقق التوحيد، فكان الواجب الحذر من ذلك في حال الجد والمزح؛ لأن حكمهما واحد في هذا الباب.