المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخوف من غير الله ينقسم إلى أربعة أقسام: - غاية المريد شرح كتاب التوحيد

[عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌منهجية التميز

- ‌ترجمة موجزةللإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده ونشأته وطلبه للعلم:

- ‌ حال الناس قبل دعوته:

- ‌ ظهور دعوته:

- ‌ الافتراءات والشبهات حول دعوته:

- ‌ شيوخه:

- ‌ تلاميذه:

- ‌ مؤلفاته وآثاره العلمية:

- ‌ مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه:

- ‌ عقيدته ومذهبه:

- ‌ وفاته:

- ‌نبذة تعريفيةبكتاب التوحيد

- ‌ اسم الكتاب:

- ‌ نسبة الكتاب إلى مؤلفه:

- ‌ تاريخ تأليفه ومكانه:

- ‌ سبب تأليفه:

- ‌ أهميته:

- ‌ ثناء العلماء على الكتاب:

- ‌ موضوع الكتاب:

- ‌ منهج المؤلف في كتابه:

- ‌ عناية العلماء بالكتاب:

- ‌أولًا: الشروح والتعليقات والحواشي:

- ‌ثانيًا: الكتب التي خدمت الكتاب:

- ‌ثالثًا: مختصرات كتاب التوحيد:

- ‌كتاب التوحيد

- ‌ العلاقة بين أقسام التوحيد

- ‌بابُ فَضْلِ التَّوْحِيدِ وَمَا يُكفِّرُ مِنَ الذُّنُوبِ

- ‌ شروط (لا إله إلا الله)

- ‌بابُ مَنْ حَقَّقَ التَّوْحِيدَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ

- ‌ الاسترقاء والكي ليسا بمذمومين

- ‌بَابُ الخَوْفِ مِنَ الشركِ

- ‌بَابُ الدُّعَاءِ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ

- ‌بَابُ تَفْسيرِ التَّوْحِيدِ وَشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ لُبْسُ الحَلْقَةِ وَالخَيْطِ وَنَحْوِهِمَالِرَفْعِ البَلاءِ أَوْ دَفْعِهِ

- ‌ أحكام الأسباب

- ‌ حكم لبس الحلقة والخيط ونحوهما

- ‌ تغيير المنكر باليد

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّقَى وَالتَّمَائِمِ

- ‌الفرق بين الرقى والتمائم

- ‌ سبب النَّهي عن الاستنجاء برجيع الدابة أو العظم

- ‌بَابُ مَنْ تَبَرَّكَ بِشَجَرَةٍ أَوْ حَجَرٍ وَنَحْوِهِمَا

- ‌ حكم التبرك بالأحجار والأشجار ونحوها

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الذَّبْحِ لِغَيْرِ الله

- ‌«الذبح لغير الله ينقسم إلى قسمين:

- ‌بَابٌ لا يُذبَحُ للهِ بمكانٍ يُذبَح فيه لغير الله

- ‌بابٌ مِنَ الشركِ النَّذْرُ لِغَيْرِ الله

- ‌ هل ينعقد نذر المعصية

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ الاسْتِعَاذَةُ بِغَيْرِ الله

- ‌ حكم الاستعاذة بالمخلوق

- ‌ الفرق بين العياذ واللياذ

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِغَيْرِ الله أَوْ يَدْعُوَ غَيْرَهُ

- ‌بابقول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}

- ‌السر في الأمر بإنذار الأقربين أولًا

- ‌باب قول الله تعالى:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ

- ‌ أنواع العلو

- ‌بَابُ الشَّفَاعَةِ

- ‌أقسام الناس في الشفاعة:

- ‌الشفاعة الوارة في القرآن والسنة من حيث الإثبات والنفي نوعان:

- ‌القسم الأول: الشفاعة الخاصة

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية

- ‌بَابُ مَا جَاء أَنَّ سَبَبَ كُفْرِ بَنِي آدَمَوَتَرْكِهِمْ دِينَهُمْ هُوَ الغُلُوُّ فِي الصَّالِحِينَ

- ‌الناس في معاملة الصالحين ثلاثة أقسام:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّغْلِيظِ فِيمَنْ عَبَدَ اللهَعِنْدَ قَبْرِ رَجُلٍ صَالِحٍ فَكَيْفَ إِذَا عَبَدَهُ

- ‌اتخاذ القبور مساجد، يشمل ثلاثة معان:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الغُلُوَّ فِي قُبُورِ الصَّالِحِينَيُصيرُهَا أَوْثَانًا تُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله

- ‌ حكم زيارة النساء للقبور

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي حِمَايِةِ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم جَنَابَ التَّوْحِيدِوَسَدهِ كُلَّ طَرِيقٍ يُوصِلُ إِلَى الشركِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأُمَّةِ يَعْبُدُ الأَوْثَانَ

- ‌الفرق بين الوثن والصنم:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي السِّحْرِ

- ‌هل للسحر حقيقة

- ‌ حكم تعلم السحر:

- ‌بَابُ بَيَانِ شيءٍ مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ

- ‌«ووجه كون العيافة من السحر:

- ‌حكم تعلم النجوم:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الكُهَّانِ وَنَحْوِهِمْ

- ‌سؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:

- ‌كتابة أبي جاد على قسمين:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي النُّشرةِ

- ‌ حل السحر بالسحر

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَيُّرِ

- ‌ الجمع بين حديث: «لَا عَدْوَى» وحديث: «فِرَّ مِن الْمَجْذُومِ»

- ‌الفرق بين الطيرة والفأل:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّنْجِيمِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الاسْتِسْقَاءِ بِالأَنْوَاءِ

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

- ‌أقسام المحبة:

- ‌ بواعث حب الله

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌الخوف من غير الله ينقسم إلى أربعة أقسام:

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [

- ‌بَابٌ مِنَ الإِيمَانِ باللهِ الصَّبْرُ عَلَى أَقْدَارِ الله

- ‌الصبر ثلاثة أنواع:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّيَاءِ

- ‌ حكم العبادة إذا خالطها الرياء

- ‌ الشركُ الخَفِيُّ

- ‌بَابٌ مِنَ الشركِ إِرَادَةُ الإِنْسَانِ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا

- ‌ فعل الإنسان للعمل الصالح بقصد الدنيا هو من الشرك الأصغر

- ‌بَابُ مَنْ أَطَاعَ العُلَمَاءَ وَالأُمَرَاءَ فِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهأَوْ تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَه فَقَدْ اتَّخَذَهُمْ أَرْبَابًا

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ

- ‌بَابُ مَنْ جَحَدَ شيئًا مِنَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ

- ‌ حكم من جحد شيئًا من الأسماء والصفات

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}

- ‌ حكم قول القائل: (لولا فلان لم يكن كذا):

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌ الحلف بصفات الله

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ لَمْ يَقنَعْ بِالْحَلِفِ بالله

- ‌بَابُ قَوْلِ: «مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ»

- ‌بَابُ مَنْ سَبَّ الدَّهْرَ فَقَدْ آذَى اللهَ

- ‌بَابُ التَّسَمِّي بِقَاضي القُضَاةِ وَنَحْوِهِ

- ‌بَابُ احْتِرَامِ أَسْمَاءِ الله تَعَالَى وَتَغْيِيِرِ الاسْمِ لأَجْلِ ذَلِكَ

- ‌بَابُ مَنْ هَزَلَ بِشيءٍ فِيهِ ذِكْرُ الله أَو القُرْآنِ أَو الرَّسُولِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌بَابٌ لا يُقَالُ السَّلامُ عَلَى الله

- ‌بَابُ قَوْلِ: «اللهمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ»

- ‌بَابٌ لا يَقُولُ: «عَبْدِي وَأَمَتِي»

- ‌بَابٌ لا يُرَدُّ مَنْ سَأَلَ باللهِ

- ‌بَابٌ لا يُسْأَلُ بِوَجْهِ الله إِلَاّ الجَنَّةُ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي اللَوْ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الرِّيحِ

- ‌بَابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي مُنْكِري القَدَرِ

- ‌تعريف القدر:

- ‌مراتب القدر:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي المُصَوِّرِينَ

- ‌ اقتناء الصور على أقسام:

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي كَثْرَةِ الحَلِفِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِمَّةِ الله وَذِمَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الإِقْسَامِ عَلَى الله

- ‌بَابٌ لا يُسْتَشْفَعُ بِاللهِ عَلَى خَلْقِهِ

- ‌ تحريم الاستشفاع بالله على خلقه

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي حِمَايَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَى التَّوْحِيدِوَسَدِّهِ طُرُقَ الشركِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الفصل: ‌الخوف من غير الله ينقسم إلى أربعة أقسام:

والنهي يقتضي التحريم، والأمر يقتضي الوجوب.

قال ابن القيم رحمه الله: «ومن كيد عدو الله تعالى: أنه يخوِّف المؤمنين من جنده وأوليائه، فلا يجاهدونهم ولا يأمرونهم بالمعروف، ولا ينهونهم عن المنكر، وهذا من أعظم كيده بأهل الإيمان» (1).

وقوله: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} جعل الخوف منه شرطًا في الإيمان؛ لأن الإيمان يقتضي أن تؤثروا خوف الله على خوف الناس، ولأن من عرف أن الخوف عبادة، وصرفه لغير الله شرك، لم يصرفه لغيره (2)؛ «فكلما قوى إيمان العبد زال من قلبه خوف أولياء الشيطان، وكلما ضعف إيمان العبد قوى خوفه منهم» (3).

ومناسبة الآية للتوحيد: أنها دلت على وجوب إخلاص الخوف لله؛ لذا يكون الخوف نوعًا من العبادة، وصرف العبادة لغير الله شرك (4).

أقسام الخوف:

و‌

‌الخوف من غير الله ينقسم إلى أربعة أقسام:

أحدها: خوف السر: وهو أن يخاف من غير الله أن يصيبه بما يشاء، فهذا الخوف لا يجوز تعليقه بغير الله أصلًا؛ لأن هذا من لوازم الإلهية، فمن اتخذ مع الله ندًّا يخافه هذا الخوف فهو مشرك.

(1) إغاثة اللهفان (1/ 110).

(2)

حاشية كتاب التوحيد ص (244).

(3)

إغاثة اللهفان (1/ 110).

(4)

الجديد في شرح كتاب التوحيد ص (287).

ص: 344

وَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} الآية [التوبة: 18].

---------------------------------•

وهذا هو الذي كان المشركون يعتقدونه في أصنامهم وآلهتهم، ولهذا يخوفون بها أولياء الرحمن كما خوفوا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فقال لهم:{وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} [الأنعام: 80، 81].

الثاني: أن يترك الإنسان ما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغير عذر إلَّا لخوف من الناس، فهذا محرم.

الثالث: وهو الخوف الطبيعي، كالخوف من عدو، وسبع، وهدم، وغرق، ونحو ذلك، فهذا لا يذم وهو الذي ذكره الله عن موسى عليه الصلاة والسلام في قوله:{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} [القصص: 21].

الرابع: خوفُ وعيد الله الذي توعد به العصاة، وهو الذي قال الله فيه:{ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: 14]، وقال:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7]، وهو من أعلى مراتب الإيمان.

قوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الشاهد من هذه الآية هو قوله: {وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} يعني: ولم يخف في الدين غير الله، ولم يترك أمرًا لخشية الناس (1).

(1) تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد (2/ 346).

ص: 345

وَقَوْلِهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} الآية [العنكبوت: 10].

---------------------------------•

فهنا نفي وإثبات، وهما يدلان على الحصر والقصر والاختصاص (1)، وهذا يدل على أن الخشية يجب أن تكون لله خالصة.

والمراد بالخشية في الآية خشية المحبة والتعظيم والعبادة والطاعة، ولا محالة أن الإنسان يخشى غيره ويخشى المحاذير الدنياوية، وينبغي أن يخشى في ذلك كله قضاء الله وتصريفه.

«والخشية نوع من الخوف، لكنها أخص منه، والفرق بينهما:

1) أن الخشية تكون مع العلم بالمخشي وحاله؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، والخوف قد يكون من الجاهل.

2) أن الخشية تكون بسبب عظمة المخشي، بخلاف الخوف؛ فقد يكون من ضعف الخائف لا من قوة المخوف» (2).

ودلالة الآية على مقصود الترجمة: هو أن الخشية خوفٌ مقرونٌ بعلم، وجعلها الله عز وجل من وصف عامري مساجد الله مدحًا لهم بعد أن نفاها عن المشركين، فهي من عبادات المؤمنين التي يتقربون بها إلى الله، وصرف العبادة لغير الله شرك.

وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} الآية، دلالة الآية على مقصود الترجمة: أنها تتضمن ذمَّ من جعل فتنة الناس كعذاب الله؛ فيترك الواجب عليه لخوفه منهم أن ينالوه بما يكره، وذلك من جملة الخوف من غير الله (3).

(1) القول المفيد (2/ 72، 73).

(2)

القول المفيد (2/ 73).

(3)

القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 74، 75)، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (371).

ص: 346

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: ...........................................

---------------------------------•

{فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} أي: أصابه بلاء من الناس بسبب إيمانه فافتتن، {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} أي: جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة.

«عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا

» الحديث عزاه المصنف لابن حبان، وهو عند غيره، وهو مرفوعًا ضعيف جدًّا (1)، وصح موقوفًا على ابن مسعود.

(1) أخرجه أبو الفرج النهرواني في الجليس الصالح ص (45)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (5/ 106)، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 382) رقم (203) من طريق علي بن محمد السدي،

والسلمي في طبقات الصوفية ص (68)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 41) من طريق أبي يزيد البسطامي،

والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 382) رقم (203)، وأبو طاهر السِّلَفي في الطيوريات (3/ 1217) من طريق موسى بن هلال،

ثلاثتهم (علي بن محمد السدي، وأبو يزيد البسطامي، وموسى بن هلال) عن عمرو بن قيس الملائي، عن عطية بن سعد العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

الحديث.

وتحرَّف في المطبوع من شعب الإيمان (موسى بن هلال) إلى (موسى بن بلال).

والحديث في إسناده علتان:

الأولى: محمد بن مروان السدي، وهو متهم بالكذب. ينظر: تقريب التهذيب ص (506).

والثانية: عطية بن سعد العوفي، وهو ضعيف. ينظر: الكاشف (2/ 27).

والحديث روي عن ابن مسعود مرفوعًا وموقوفًا:

فالمرفوع: أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 215) رقم (10514)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (4/ 121)، و (7/ 130)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 91) رقم (947)، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 383) رقم (204)، والأربعون الصغرى ص (98) رقم (50) من طريق خيثمة، عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا. وإسناده ضعيف.

وأما الموقوف: فأخرجه هنادُ بنُ السري في الزهد (1/ 304) رقم (535)، وابن أبي الدنيا في اليقين ص (47) رقم (31)، وابن الأعرابي في معجمه (2/ 735) رقم (1491)، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 384) رقم (205) من طريق موسى بن أبي عيسى، عن ابن مسعود موقوفًا. وإسناده حسن.

ص: 347

«إِنَّ مِنْ ضَعْفِ اليَقِينِ أَنْ تُرْضيَ النَّاسَ بِسَخَطِ الله، وَأَنْ تَحْمَدَهُمْ عَلَى رِزْقِ الله، وَأَنْ تَذُمَّهُمْ عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ الله، إِنَّ رِزْقَ الله لَا يَجُرُّهُ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلَا يَرُدُّهُ كَرَاهِيَةُ كَارِهٍ» . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.

---------------------------------•

ودلالة الحديث على مقصود الترجمة أن ضعف اليقين يكون بضعف الإيمان، والإيمان يضعف إما بترك واجب أو فعل مُحَرَّم، فدل على أن إرضاء الناس بسخط الله معصية وذنب ومحرم، ولأن هؤلاء آثروا رضا المخلوقين على رضا الله، بسبب خوف أو رجاء، فيكون نوعًا من شرك الخوف.

«إِنَّ مِنْ ضَعْفِ اليَقِينِ» واليقين المراد به: الإيمان كله.

«تُرْضيَ النَّاسَ بِسَخَطِ الله» أي: تؤثر رضاهم على رضى الله، فتوافقهم على ترك المأمور، أو فعل المحظور استجلابًا لرضاهم (1)، وذلك بأن تترك شيئًا أوجبه الله عليك، أو تفعل شيئا حرمه الله عليك خوفا أو رجاء لغير الله تعالى، وتؤثر رضا المخلوق بما يسخط الخالق (2).

ما نوع الباء في قوله: «بِسَخَطِ الله» ؟

الباء للعوض، يعني: أي تجعل عوض إرضاء الناس سخط الله، فتستبدل هذا بهذا؛ فهذا من ضعف اليقين.

«وَأَنْ تَحْمَدَهُمْ عَلَى رِزْقِ الله» أي: تحمدهم وتشكرهم على ما وصل إليك على أيديهم من رزق، بأن تضيفه إليهم وتنسى المنعم المتفضل على الحقيقة وهو الله رب العالمين الذي قدر هذا الرزق لك، وأوصله إليك. قال سبحانه:{مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2].

(1) تيسير العزيز الحميد ص (423).

(2)

تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد (2/ 347).

ص: 348

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:

---------------------------------•

«وَأَنْ تَذُمَّهُمْ عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ الله» أي: إذا طلبتهم شيئًا فمنعوك ذممتهم على ذلك.

قوله: «إِنَّ رِزْقَ الله لَا يَجُرُّهُ حِرْصُ حَرِيصٍ» فالذي يرزق هو الله تعالى، وكم من إنسان يفعل أسبابًا كثيرة للرزق ولا يرزق، وكم من إنسان يفعل أسبابًا قليلة فيرزق، وكم من إنسان يأتيه الرزق بلا سعي.

وقوله: «وَلَا يَرُدُّهُ كَرَاهِيَةُ كَارِهٍ» أي: أن رزق الله إذا قدر للعبد، فلن يمنعه كراهية كاره؛ فكم من إنسان حسده الناس، وحاولوا منع رزق الله، فلم يستطيعوا إلى ذلك سبيلًا.

«وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ

» الحديث رواه ابن حبان وغيره، وهو حسن (1).

(1) أخرجه ابن المبارك في الزهد (1/ 66) رقم (199)، ومن طريقه إسحاق بن راهويه في مسنده (2/ 600) رقم (1175)، والترمذي في جامعه (4/ 609) رقم (2414)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (8/ 1533) رقم (2788)، والبغوي في شرح السنة (14/ 410، 411) عن عبد الوهاب بن الورد، عن رجل من أهل المدينة، قال: كتب معاوية إلى عائشة: أن اكتبي إلي بكتاب توصيني فيه، ولا تكثري علي، فكتبت: من عائشة إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«مَنِ الْتَمَسَ رِضَا الله بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ الله مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ الله عز وجل وَكَلَهُ الله عز وجل إِلَى النَّاسِ» .

والحديث إسناده ضعيف لجهالة الرجل الذي لم يسم.

وأخرجه ابن الجعد في مسنده ص (241) رقم (1593)، وأحمد في الزهد ص (135) رقم (910)، وعبد بن حميد في مسنده (المنتخب) ص (440) رقم (1524)، وأبو داود في الزهد ص (277) رقم (315)، والترمذي في العلل ص (332) رقم (616)، وابن حبان في صحيحه (1/ 511) رقم (277)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 301) رقم (501)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 474) رقم (1059)، وفي الزهد ص (332) رقم (890) من طريق =

ص: 349

«مَنِ الْتَمَسَ رِضَا الله بِسَخَطِ النَّاسِ رضي الله عنه وَأَرْضى عَنْهُ النَّاسَ، وَمَنِ التَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ الله سَخِطَ الله عَلَيْهِ وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ» . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.

---------------------------------•

«مَنِ الْتَمَسَ رِضَا الله بِسَخَطِ النَّاسِ» أي: طلب أسباب رضاه (1)، ولو سخط منه الناس، وهذا شرط.

«رضي الله عنه وَأَرْضى عَنْهُ النَّاسَ» وهذا ظاهر، فإذا التمس العبد رضا ربه بنية صادقة رضي الله عنه؛ لأنه أكرَمُ مِنْ عَبْدِه، وأرضى عنه الناس، وذلك بما يلقي في قلوبهم من الرضا عنه ومحبته (2). وهذا جواب الشرط.

«وَمَنِ التَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ الله» أي: طلب ما يرضي الناس، ولو كان يسخط الله.

= القاسم بن محمد، عن عائشة قالت:«مَنْ أَرْضَى النَّاسَ بِسَخَطِ الله، وَكَلَهُ الله إِلَى النَّاسِ، وَمَنْ أَسْخَطَ النَّاسَ بِرَضَا الله كَفَاهُ الله النَّاسَ» . وهو موقوف على عائشة، وإسناده صحيح.

وأخرجه الترمذي في جامعه (4/ 609)، وابن حبان في صحيحه (1/ 510) رقم (276)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (8/ 188)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 300) رقم (499)، و (1/ 301) رقم (500) وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 20) رقم (6568) من طريق عروة بن الزبير، عن عائشة، مرفوعًا باللفظ الذي ذكره المصنف. وإسناده حسن، وعند الترمذي موقوف على عائشة وإسناده صحيح.

وأخرجه القضاعي في مسند الشهاب (1/ 275) رقم (447)، والبيهقي في الزهد ص (332) رقم (889) من طريق أبي مالك، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ آثَرَ مَحَبَّةَ الله عَلَى مَحَبَّةِ النَّاسِ كَفَاهُ الله مُؤْنَةَ النَّاسِ» ، وعند البيهقي:«مَنْ آثَرَ مَحَامِدَ الله عَلَى مَحَامِدِ النَّاسِ كَفَاهُ مَئُونَةَ النَّاسِ» .

(1)

تيسير العزيز الحميد ص (425).

(2)

القول المفيد (2/ 81).

ص: 350

فنتيجة ذلك أن يعامل بنقيض قصده، لهذا قال:(سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)؛ فألقى في قلوبهم سخطه وكراهيته.

مناسبة الحديث للترجمة: قوله: «ومن التمس رضا الناس بسخط الله» ؛ أي: خوفًا منهم حتى يرضوا عنه، فقدم خوفهم على مخافة الله تعالى (1).

(1) القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 82).

ص: 351