الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالقسم الأول في هذا التقسيم اشتمل على توحيد الربوبية والأسماء والصفات، والقسم الثاني: هو توحيد الألوهية؛ وبهذا نعلم أنه لا تعارض بين هذين التقسمين، فالأول مفصل، والثاني مجمل، وذاك باعتبار، وهذا باعتبار آخر.
وما
العلاقة بين أقسام التوحيد
؟
جميع أقسام التوحيد متلازمة ومتكاملة، ولا غنى لأحدها عن الآخر، ومن القواعد المقررة عند أهل السنة والجماعة:«أن توحيد الألوهية متضمَّن لتوحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية» .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وتوحيد الإلهية يتضمن توحيد الربوبية فإنه من لم يعبد إلا الله يندرج في ذلك أنه لم يقر بربوبية غيره، بخلاف توحيد الربوبية فإنه قد أقر به عامة المشركين» (1).
وقال ابن كثير في (تفسيره)(2): «وكثيرًا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية» .
وخلاصة المقصود أن التوحيد المطلوب هو توحيد الألوهية، الذي يتضمن توحيد الربوبية.
(1) بيان تلبيس الجهمية (4/ 533).
(2)
تفسير ابن كثير (6/ 294).
وقولِ الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
•---------------------------------•
في هذه الآية جاء الاستثناء بعد النفي؛ وذلك يفيد القصر والحصر، واللام في قوله:{لِيَعْبُدُونِ} هي لام التعليل وتسمى (لام الحكمة)، والمعنى: أن الحكمة من خلق الله للجن والإنس، هي عبادته سبحانه، وليست الحكمة من خلقهم نفع الله؛ ولهذا قال سبحانه في الآية التي بعدها:{مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات: 57].
وقد ذكر المفسرون في معنى هذه الآية تسعة أقوال، أصحها ما ذكره الشنقيطي رحمه الله بقوله:«التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية الكريمة {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، أي: إلا لآمرهم بعبادتي وأبتليهم أي أختبرهم بالتكاليف ثم أجازيهم على أعمالهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرٌّ» - وذكر الآيات الدالة على ذلك، ومنها قوله تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]- ثم قال: «فتصريحه جل وعلا في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق، هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملًا، يفسر قوله: {لِيَعْبُدُونِ} وخير ما يفسر به القرآن: القرآن» (1).
والعبادة لغة: الطاعة مع الخضوع والتَّذلُّل، ومنه طريق مُعَبَّدٌ أي: مذلل بالأقدام (2).
وقد عرف العلماء العبادة في الشرع بتعريفات كثيرة، من أحسنها وأشملها، تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية لها، حيث قال:«العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال، الباطنة والظاهرة» (3).
(1) أضواء البيان (7/ 445 و 446).
(2)
ينظر: الصحاح للجوهري (2/ 503)، ومجمل اللغة ص (642)، ولسان العرب (3/ 273).
(3)
العبودية لابن تيمية ص (3).
وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} الآية [النحل: 36].
•---------------------------------•
وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} «دلت هذه الآية على أنَّ الحكمة في إرسال الرسل: دعوتهم أممهم إلى عبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سواه، وأن هذا هو دين الأنبياء والمرسلين، وإن اختلفت شرائعهم، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]» (2).
ومن الحكم في إرسال الرسل أيضًا:
2 -
إقامة الحجة: قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165].
3 -
الرحمة: لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
4 -
بيان الطريق الموصل إلى الله تعالى؛ لأن الإنسان لا يعرف ما يجب لله على وجه التفصيل إلَّا عن طريق الرسل.
(1) مدارج السالكين لابن القيم (1/ 129).
(2)
فتح المجيد ص (17).
وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} الآية [الإسراء: 23].
•---------------------------------•
وقد دلت الآية أيضًا على وجوب الكفر بما يعبد من دون الله، وهو الشرط الثاني من شروط كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، وقد سبق الحديث عن هذه الشروط في شروح سابقة (1).
والطاغوت في قوله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} مشتق من الطغيان، وهو: مجاوزة الحَدِّ في كل شيء.
وقد عرفه ابن القيم رحمه الله بقوله: «الطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع؛ فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله؛ فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم عدلوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت» (2).
والآية دالة على إجماع الرسل عليهم الصلاة والسلام على الدعوة إلى التوحيد، وأنهم أرسلوا به (3).
وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} الآية، أي: أَمَر وألزم وأوجب أن يفرد سبحانه وتعالى وحده بالعبادة.
وهذه الآية أفادت حصر العبادة لله وحده بطريق النفي والإثبات، مقررةً بذلك معنى (لا إله إلا الله)، فقوله:{أَلَّا تَعْبُدُوا} في معنى (لا إله)، وقوله:{إِلَّا إِيَّاهُ} في معنى (إلا الله).
(1) ينظر: التحفة الندية شرح العقيدة الواسطية ص (26).
(2)
إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 40).
(3)
القول المفيد (1/ 31 و 32).
وقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} الآية [النساء: 36].
•---------------------------------•
والقضاء: في قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ} قضاء شرعي؛ لأن «قضاء الله عز وجل ينقسم إلى قسمين:
1 -
قضاء شرعي. 2 - قضاء كوني.
فالقضاء الشرعي: يجوز وقوعه، وقد يقع وقد لا يقع، ولا يكون إلَّا فيما يحبه الله، مثال ذلك: هذه الآية {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]؛ فتكون قضى بمعنى شرع.
والقضاء الكوني: لا بدَّ من وقوعه، ويكون فيما يحبه الله، وفيما لا يحبه، مثال ذلك قوله تعالى:{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4]» (2).
وقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} الآية، يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية:«يأمر تبارك وتعالى بعبادته وحده لا شريك له؛ فإنه هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الآنات (3) والحالات، فهو المستحق منهم أن يوحدوه، ولا يشركوا به شيئًا من مخلوقاته» (4).
(1) بدائع الفوائد (1/ 134).
(2)
القول المفيد (1/ 30).
(3)
الآنات: جمع (آن) يعني الزمن.
(4)
تفسير ابن كثير ت سلامة (2/ 297).
وقوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: 151].
•---------------------------------•
وقد اشتملت الآية السابقة على نفي، وإثبات: فقوله: {وَلَا تُشْرِكُوا} نفي في معنى (لا إله)، وقوله:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ} إثبات في معنى (إلا الله).
والأمر بعبادة الله في قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ} يفيد النهي عن عبادة غيره؛ لأن من المقرر في علم الأصول: أن الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده، ثم جاء النهي الصريح بعده بقوله:{وَلَا تُشْرِكُوا} من باب التأكيد.
وقوله: {شَيْئًا} نكرة في سياق النهي، فتعم الشرك جميعه قليله وكثيره، صغيره وكبيره.
وهذه الآية تسمى (آية الحقوق العشرة)؛ وذلك لأنها تضمنت عشرة حقوق {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} .
وقد ذكر الله تعالى جميع الحقوق في هذه الآية بمفردها، ما عدا حقه سبحانه، فإنه أمر به ونهى عن ضده، وبدأ به الآية؛ لأنه أحق الحقوق، وما بعده مَبْنِيٌّ عليه.
وقوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} تسمى هذه الآية: آية الوصايا العشر.
وفي هذه الآية الكريمة يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، الزاعمين أن الله حرم عليهم ما هم محرِّموه من حروثهم وأنعامهم، على ما ذكرت لك في تنزيلي عليك: تعالوا، أيها القوم، أقرأ عليكم ما حرم ربكم حقًّا يقينًا، لا الباطل تخرُّصًا، تخرُّصَكم =
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَصيةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُهُ فَلْيَقْرَأْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} ، إِلى قَوْلِهِ:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} الآية.
•---------------------------------•
= على الله الكذبَ والفريةَ ظنًّا، ولكن وحيًا من الله أوحاه إليَّ، وتنزيلا أنزله عليَّ: أن لا تشركوا بالله شيئًا من خلقه، ولا تعدلوا به الأوثان والأصنام، ولا تعبدوا شيئًا سواه (1).
لماذا قال في الآية: {مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} ولم يقل: ما حرم الله؟
الجواب: أن اسم الرب هنا أنسب؛ لأن المقام مقام حجة وبيان، فكأنه يقول لهم: إذا كان الله هو الذي رباكم بالنعم فلماذا تعبدون غيره؟
«قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَصيةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم
…
إلخ» هذا الأثر عند الترمذي، والطبراني والبيهقي (2)، وفيه مقال (3).
(1) جامع البيان (9/ 656).
(2)
أخرجه الترمذي في جامعه (5/ 264) رقم (3070)، والطبراني في الكبير (10/ 93) رقم (10060)، وفي الأوسط (2/ 43) رقم (1186)، وابن عرفة في جزئه ص (79) رقم (65) ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان (10/ 308) رقم (7540)، والحنائي في فوائده (2/ 1330)، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1414) من طريق محمد بن فضيل، عن داود الأودي، عن عامر الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(3)
اختلف العلماء في الحكم على هذا الأثر، ما بين مضعف ومصحح، والسبب في ذلك أن الحكم مبني على من هو (داود الأودي) هل هو داود بن يزيد الأودي، أو هو داود بن عبد الله الأودي؛ لأن كليهما يروي عن الشعبي، ويروي عنهما محمد بن فضيل، وداود بن يزيد ضعيف، والثاني ثقة، فمن رجح أنه ابن يزيد ضعف الأثر، ومن رجح أنه ابن عبد الله صحح الأثر.
والصواب: أنه داود بن يزيد الأودي، وإسناد الحديث ضعيف لعلتين:
العلة الأولى: ضعف داود بن يزيد الأودي =
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ لِي: «يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ الله عَلَى العِبَادِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى الله؟ » ، قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ؛ قَالَ: «حَقُّ الله عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشركُوا بِهِ شيئًا، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى الله أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشركُ بِهِ شيئًا» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَفَلَا أُبَشر النَّاسَ؟ قَالَ:«لَا تُبَشرهُمْ فَيَتَّكِلُوا» . أخرجاه في الصحيحين.
•---------------------------------•
«وَصيةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُهُ» ليس المراد بها وصية مكتوبة مختومًا عليها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه ترك وصية بهذه الصورة، ولكن مراد ابن مسعود رضي الله عنه أنه لو قُدِّر أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك وصية مختومًا عليها بعد وفاته لكانت هذه الآيات، وهذا يدل على أهمية هذه الآيات وعظم شأنها؛ وذلك لأنها حوت وصايا قيمة ومهمة أولها النهي عن الشرك، هذه الآيات الكريمة جاءت جامعة شاملة لمقاصد الشريعة ولب الإسلام.
«عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ
…
إلخ». الحديث متفق عليه، كما صرح المصنف بقوله:«أخرجاه في الصحيحين» (1).
وقد أورد المصنف رحمه الله هذا الحديث لمناسبة اسم الكتاب (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) فناسب أن يذكر من النصوص ما يبين بيانًا واضحًا حق الله على العبيد؛ فذكر هذا الحديث.
= العلة الثانية: تفرده بهذا الحديث.
قال الترمذي: «حسن غريب» . وقال الطبراني في الأوسط: «لم يرو هذا الحديث عن الشعبي إلا داود، تفرد به: محمد بن فضيل» . وقال الدارقطني (كما في أطراف الغرائب والأفراد)(4/ 118): «تفرد به داود بن يزيد الأودي عن الشعبي، وتفرد به محمد بن فضيل عنه» .
(1)
صحيح البخاري (4/ 29) رقم (2856)، وصحيح مسلم (1/ 58) رقم (30).
«مَا حَقُّ الله عَلَى العِبَادِ» أي: ما أوجبه وجعله محتمًا عليهم.
«مَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى الله» أي: ما أوجبه على نفسه، تكرمًا وتفضلًا، لا على سبيل المعاوضة بين الخالق والمخلوق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «أوجب على نفسه حقًّا لعباده المؤمنين كما حرم الظلم على نفسه، لم يوجب ذلك مخلوق عليه
…
وقال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]» (2).
«حَقُّ الله عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشركُوا بِهِ شيئًا» هذا هو توحيد الألوهية، وهو يقرر معنى (لا إله إلا الله) وأن ذلك مشتمل على إثبات ونفي، فقوله:«أَنْ يَعْبُدُوهُ» في معنى (إلا الله)، وقوله:«وَلَا يُشركُوا بِهِ شيئًا» في معنى (لا إله).
«قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَفَلَا أُبَشر النَّاسَ؟ » البشارة هي الإخبار بما يسر، وقد تستعمل في الإخبار بما يضر، ومنه قوله تعالى:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] لكن الأكثر الأول، وهو المراد هنا، كما أن الثاني لا يأتي مطلقًا بل مقيدًا.
(1) تيسير العزيز الحميد ص (45).
(2)
مجموع الفتاوى (1/ 213).
«لَا تُبَشرهُمْ فَيَتَّكِلُوا» هنا لطيفة مستوحاة من هذه الجملة، وهي: أنه لا ينبغي تحديث الناس بالرخص التي لا تبلغها عقولهم.
ولذا قال العلماء: يؤخذ من منع معاذ من تبشير الناس لئلا يتكِلُوا، أن أحاديث الرخص لا تشاع في عموم الناس؛ لئلا يقصر فهمهم عن المراد بها، وقد سمعها معاذ فلم يزدد إلا اجتهادًا في العمل وخشيةً لله عز وجل، فأما من لم يبلغ منزلته فلا يأمن أن يقصر اتكالًا على ظاهر هذا الخبر (1).
وهل نهي النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ في قوله: «لَا تُبَشرهُمْ فَيَتَّكِلُوا» للتحريم؟
الذي يظهر، والله أعلم أن هذا النهي ليس للتحريم، بل هو أمر اقتضته المصلحة؛ ولذلك علل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«فَيَتَّكِلُوا» لأن الاتكال على رحمة الله وحدها دون العمل، يسبب مفسدة عظيمة هي الأمن من مكر الله.
وكذلك القنوط من رحمة الله يبعد الإنسان من التوبة، ويسبب اليأس من رحمة الله؛ ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله:«ينبغي أن يكون -أي العبد- سائرًا إلى الله بين الخوف والرجاء؛ فأيهما غلب هلك صاحبه» (2).
لذا ينبغي أن يسير المسلم بين الخوف والرجاء دون تغليبٍ لأحدهما على الآخر، إلا عند الموت فيُشْرَع تغليب جانب الرجاء على جانب الخوف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِالله عز وجل» (3).
•••
(1) فتح الباري (11/ 340).
(2)
ينظر: الفتاوى الكبرى (5/ 359).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2206) رقم (2877) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.