الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: مَا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] إلَّا يَقُولُ فِيهَا: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبحَمْدِك، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي"(1). وفي لَفْظٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبنا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي"(2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (4683)، كتاب: التفسير، باب: تفسير سورة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} ، واللفظ له، ومسلم (484/ 218)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود.
(2)
رواه البخاري (761)، كتاب: صفة الصلاة، باب: الدعاء في الركوع، و (784)، باب: التسبيح والدعاء في السجود، و (4042)، كتاب: المغازي، باب: منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، و (4684)، كتاب: التفسير، باب: تفسير سورة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} ، ومسلم (484/ 217)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود، وأبو داود (877)، كتاب: الصلاة، باب: في الدعاء في الركوع والسجود، والنسائي (1047)، كتاب: التطبيق، باب: نوع آخر من الذكر في الركوع، و (1122)، باب: نوع آخر، و (1123)، باب: نوع آخر، وابن ماجه (889)، كتاب: الصلاة، باب: التسبيح في الركوع والسجود.
* مصادر ضرح الحديث: "معالم السنن" للخطابي (1/ 214)، و "إكمال المعلم" =
(عن) أم المؤمنين (عائشة) الصديقة (رضي الله عنها)، وعن أبيها (قالت: ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة) من الصلوات المكتوبات (بعد أن نزلت عليه:) سورة ({إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح})، وقد أخرج النسائي، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أنها آخر سورة أنزلت من القرآن (1)، وقد جاء: أن سورة براءة آخر سورة (2)، والجمع بينهما: أن آخرية "النصر" نزولها كاملة، بخلاف "براءة"، ويقال: إن {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} نزلت يوم النحر، وهو بمنى في حجة الوداع، وقيل: عاش بعدها إحدى (3) وثمانين يومًا.
وعند ابن أبي حاتم، من حديث ابن عباس: عاش بعدها تسع ليال (4)، وعن مقاتل: سبعًا، وعن بعضهم: ثلاثًا، وقيل: ثلاث ساعات، وهو باطل؛ كما في "الفتح"(5).
= للقاضي عياض (2/ 398)، و"المفهم " للقرطبي (2/ 87)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 201)، و "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 79)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 628)، و"فتح الباري" لابن رجب (5/ 60)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 281، 299)، و"عمدة القاري" للعيني (6/ 68)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 178)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 274).
(1)
رواه النسائي في "السنن الكبرى"(11713). والحديث رواه مسلم أيضًا (3024)، في أول كتاب التفسير.
(2)
رواه البخاري (4106)، كتاب: المغازي، باب: حج أبي بكر بالناس في سنة تسع، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
(3)
كذا في الأصل، والصواب: أحدًا، أو: واحدًا.
(4)
روى ابن أبي حاتم في "تفسيره"(2/ 554)، عن سعيد بن جبير: أن النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعد نزول آية: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] تسع ليال، ثم مات.
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (8/ 734).
وفي "تفسير مجير الدين الحنبلي"(1): قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما نزلت هذه السورة، علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد نُعيت إليه نفسه (2). وعند الكمال يُرتقب الزوال، قال: وكان صلى الله عليه وسلم بعد نزولها لم يُر ضاحكًا مستبشرًا، قال: وعاش بعدها سنتين (3)، وحج، فنزل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، فعاش أحدًا وثمانين يومًا، فنزل:{يسَتَفتُونَكَ} [النساء: 176]، فعاش خمسين يومًا، فنزل:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128]، فعاش خمسة وثلاثين يومًا، فنزل:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281]، فعاش أحدًا وعشرين يومًا، وتوفي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، وفرغ من جهازه يوم الثلاثاء، ودفن ليلة الأربعاء في سنة إحدى عشرة من الهجرة الشريفة صلى الله عليه وسلم، انتهى.
(إلا يقول فيها)؛ أي: الصلاة التي يصليها: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك)، قال في "الفتح": فسبح متلبسًا بالحمد؛ لأنه يحتمل أن يكون المراد: فسبح بنفس الحمد، فلا يتمثل حتى يجمعهما، وهو الظاهر، انتهى (4).
(1) ورقة (373 / ب) مخطوط بإستنبول، تحت رقم (143)، وهو كتاب:"فتح الرحمن بتفسير الفرقان" للشيخ مجير الدين العليمي عبد الرحمن بن محمد العمري. ونعمل على تحقيقه ونشره، وهو في مراحله الأخيرة الآن، نسأل اللَّه التوفيق والإعانة والسَّداد.
(2)
رواه البخاري (4685)، كتاب: التفسير، باب: قول: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2].
(3)
انظر: "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (4/ 319).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 300).
(اللهم اغفر لي) امتثالًا لقوله: {وَاستَغفِرهُ} [النصر: 3].
(وفي لفظ)، وفي نسخة: وفي رواية؛ أي: عندهما: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده)، قال في "الفتح": اختار صلى الله عليه وسلم الصلاة لهذا القول؛ لأن كمالها أفضل من غيرها، قال: وليس في الحديث أنه لم يكن يقول ذلك خارج الصلاة أيضًا، بل في بعض طرقه عند مسلم ما يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يواظب على ذلك داخل الصلاة وخارجها (1)، وفي هذه الرواية بيان المحل الذي كان يقوله صلى الله عليه وسلم فيه من الصلاة، وهو الركوع والسجود (2).
وقال ابن دقيق العيد: يؤخذ من هذا الحديث: إباحة الدعاء في الركوع، وإباحة التسبيح في السجود، ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم:"أما الركوع، فعظموا فيه الرب، وأما السجود، فاجتهدوا فيه من الدعاء"(3)، قال: ويمكن أن يحمل حديث الباب على الجواز، وغيره على الأولوية، ويحتمل أن يكون أمر في السجود بتكثير الدعاء؛ لإشارة قوله:"فاجتهدوا"، والذي وقع في الركوع من قوله:"اللهم اغفر لي" ليس كثيرًا، فلا يعارض ما أمر به في السجود، انتهى (4).
واعترضه الفاكهي: بأن قول عائشة رضي الله عنها: كان يكثر أن يقول، صريح في كون ذلك وقع منه كثيرًا؛ هكذا نقله ابن الملقن في "شرحه".
(1) تقدم تخريجه برقم (484/ 218) عنده.
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 299).
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 80).
وتعجب منه في "الفتح": بأن ابن دقيق العيد أراد بنفي الكثرة: عدمَ الزيادة على قوله: "اللهم اغفر لي" في الركوع الواحد؛ فهو قليل بالنسبة إلى السجود المأمور به بالاجتهاد في الدعاء المشعر بتكثيره، ما لم يرد أنه كان يقول ذلك في بعض الصلاة دون بعض، حتى يعترض عليه بقول عائشة رضي الله عنها: كان يكثر (1).
تنبيه:
الحديث الذي أشار إليه ابن دقيق العيد: "أما الركوع
…
" إلى آخره، أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وفيه بعد قوله: "فاجتهدوا فيه في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم" (2)، وقمن: بفتح القاف، والميم، وقد تكسر - معناه: حقيق (3).
وجاء الأمر بالإكثار من الدعاء في السجود، وهو أيضًا عند مسلم، وأبي داود، والنسائي، من حديث أبي هريرة، بلفظ:"أقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء"(4).
قال في "الفتح": والأمر بالإكثار في الدعاء، يشمل الحث على تكثير الطلب لكل حاجة؛ كما جاء في حديث أنس: "ليسأل أحدُكم حاجته ربه
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 300).
(2)
تقدم تخريجه عند مسلم. ورواه أبو داود (876)، كتاب: الصلاة، باب: في الدعاء في الركوع والسجود، والنسائي (1045)، كتاب: التطبيق، باب: تعظيم الرب في الركوع، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 111).
(4)
تقدم تخريجه عند مسلم. ورواه أبو داود (875)، كتاب: الصلاة، باب: في الدعاء في الركوع والسجود، والنسائي (1137)، كتاب: التطبيق، باب: أقرب ما يكون العبد من اللَّه عز وجل.
كلَّها، حتى شسع نعله" أخرجه الترمذي (1)، والمراد: التكرار للسؤال الواحد، والاستجابة تشمل استجابة الدعاء بإعطاء سؤله، واستجابة المثني بتعظيم ثوابه (2).
وفي "الفتاوى المصرية" لشيخ الإسلام ابن تيمية: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا وساجدًا؛ أما الركوع، فعظِّموا فيه الرب، وأما السجود، فاجتهدوا فيه في الدعاء، فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم"(3).
قال: وقد اتفق العلماء على كراهة القراءة في الركوع والسجود؛ تشريفًا للقرآن، وتعظيمًا له ألا يقرأ في حال الخضوع (4).
وقال في موضع آخر منها: قد تنازع العلماء في الدعاء في الركوع والسجود؛ فقيل: يكره فيهما؛ كقول أبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد، وقيل: يكره في الركوع دون السجود؛ كقول مالك، وقيل: لا بأس به في الركوع والسجود؛ كقول الشافعي، والقول الآخر في مذهب الإمام أحمد.
قال: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في "الصحيح": أنه كان يدعو في ركوعه وسجوده (5)، لكن عامة ذلك كان في النافلة (6)، انتهى.
(1) رواه الترمذي (3536)، كتاب: الدعوات، باب: ليسأل الحاجة مهما صغرت، وقال: حديث غريب.
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 300).
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
انظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 234).
(5)
كما تقدم تخريجه في حديث الباب.
(6)
لم أقف عليه في "الفتاوى المصرية".
(سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) هذا مقول "يقول"، فهو في محل نصب على أنه مفعول، زاد في رواية:"يتأول القرآن"(1)؛ أي: يجعل ما أمر به من التسبيح والتحميد والاستغفار في أشرف الأوقات والأحوال (2).
وقد أخرجه ابن مردويه، من طريق أخرى، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، فزاد فيه:"علامة في أمتي، أمرني ربي إذا رأيتها أكثر من قول: سبحان اللَّه وبحمده، وأستغفر اللَّه وأتوب إليه، فقد رأيت: {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] فتح مكة {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2] "(3).
قال الإمام ابن القيم في "الهدي": كأنه أخذه من قوله: {وَاسْتَغْفِرْهُ} ؛ لأنه كان يجعل الاستغفار في خواتيم الأمور، فيقول إذا سلم من الصلاة:"أستغفر اللَّه، ثلاثًا"(4)، وإذا خرج من الخلاء قال:"غفرانك"(5)، وورد الأمر بالاستغفار عند انتهاء المناسك:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (6) الآية [البقرة: 199].
(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (784، 4684)، وعند مسلم (484/ 217).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (8/ 734).
(3)
انظر: المرجع السابق، الموضع نفسه.
(4)
رواه مسلم (591)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، عن ثوبان رضي الله عنه.
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
لم أقف عليه في "زاد المعاد"، وقد نقله الشارح رحمه الله من "الفتح"(8/ 734). وقد ذكر ابن القيم رحمه الله نحوه في "مدارج السالكين"(1/ 176).
قال في "الفتح": ويؤخذ أيضًا من قوله تعالى-: {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3]، فقد كان يقول عند انقضاء الوضوء:"اللهم اجعلني من التوابين"(1)، انتهى (2).
* * *
(1) تقدم تخريجه.
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (8/ 734).