الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ رضي الله عنهما، قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَقُولُ: واللَّهِ! لأَصُومَنَّ النَّهَارَ، ولأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فقلتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قَالَ:"فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنَّ الحَسَنَةَ بَعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ"، فَقُلْتُ: إنِّي أُطِيقُ أَفْضلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:"فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ"، قُلْتُ: إِنَّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:"فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيامُ دَاوُدَ عليه السلام، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ"، فَقُلْتُ: إِنَّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1875)، كتاب: الصوم، باب: صوم الدهر، واللفظ له، و (1102)، باب: ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه، و (1878)، كتاب: الصوم، باب: صوم داود عليه السلام، و (1873)، باب: حق الضيف في الصوم، و (1874)، باب: حق الجسم في الصوم، و (1876)، باب: حق الأهل في الصوم، و (1877)، باب: صوم يوم وإفطار يوم، و (3236 - 3237)، كتاب: الأنبياء، باب: قول اللَّه تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 63]، و (4765)، كتاب: فضائل القرآن، باب: في كم يقرأ القرآن، و (4903)، كتاب: النكاح، باب:"لزوجك عليك حق"، و (5783)، كتاب: الأدب، باب: حق الضيف. ورواه مسلم (1159/ 181 - 188، 192 - 193)، كتاب: الصوم، باب: النهي عن صوم =
وفي رواية قال: "لا صَومَ فَوقَ صَومِ دَاودَ -شَطْرُ الدَّهْرِ- صُمْ يومًا، وأَفطِرْ يَومًا"(1).
(عن) أبي عبدِ الرحمن (عبدِ اللَّه بنِ عمرِو بنِ العاص) السهميِّ القرشيِّ (رضي الله عنهما قال) عبد اللَّه رضي الله عنه: (أُخبر) -بضم الهمزة وسكون الخاء المعجمة وكسر الموحدة مبنيًا للمفعول- (رسولُ اللَّه) -بالرفع- نائب الفاعل (أَني أقولُ)؛ أي: أُخبر من قولي: (واللَّه! لأَصومَنَّ النهارَ، ولأَقومَنَّ الليلَ ما عِشْتُ)؛ أي: مدة حياتي، (فقلت له) في هذا
= الدهر لمن تضرر به، أو فوَّت به حقًا، وأبو داود (2427)، كتاب: الصوم، باب: في صوم الدهر تطوعًا، والنسائي (1630)، كتاب: قيام الليل، باب: ذكر صلاة نبي اللَّه داود عليه السلام بالليل، و (2388 - 2393)، كتاب: الصوم، باب: صوم يوم وإفطار يوم، و (2394 - 2396)، باب: ذكر الزيادة في الصوم والنقصان، و (2397 - 2401)، باب: صوم عشرة أيام من الشهر، و (2403)، باب: صيام أربعة أيام من الشهر، والترمذي (770)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في سرد الصوم، وابن ماجه (1712)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في صيام داود عليه السلام.
(1)
رواه البخاري (1879)، كتاب: الصوم، باب: صوم داود عليه السلام، و (5921)، كتاب: الاستئذان، باب: من ألقي له وسادة، ومسلم (1159/ 191)، كتاب: الصيام، باب: النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، أو فوَّت به حقًا، والنسائي (2402)، كتاب: الصيام، باب: صيام خمسة أيام من الشهر.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 129)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (3/ 297)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 123)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 224)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 40)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 236)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 890)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 220)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 90)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 405)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 172)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 342).
طَيٌّ تقديره: فقال لي صلى الله عليه وسلم: "أنت الذي تقول: واللَّهِ لأصومنَّ النهار" إلخ (1)؟
ولمسلم: "آنت الذي تقولُ ذلك؟ "(2)، فقلت له:(قد قلتُه بأبي أنت وأمي)؛ أي: أفديك بهما، (قال: فإنَّكَ لا تستطيعُ ذلك) الذي قلتهَ من صيام النهار وقيام الليل؛ لحصول المشقة، وإن لم يتعذر الفعل، أو إنك تبلغ من العمر ما يتعذر معه ذلك، وعلِمه صلى الله عليه وسلم بطريق ما، أو أن المراد: لا تستطيع ذلك مع القيام ببقية الحقوق والمصالح الشرعية شرعًا (3)، (فصم وأفطر) -بهمزة قطع- أمرُ إرشاد، (ونم) من الليل، (وقم) منه، ثم بين ما أجمل، فقال:(وصُمْ من الشهر) الهلالي (ثلاثةَ أيام)، لم يعينها، ثم علل وجه كونها ثلاثة بقوله:(فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك)؛ أي: حيث كانت الحسنة بعشر أمثالها (مثلُ صيام الدهر)؛ أي: مثلُ صيام الدهر من غير تضعيف الحسنات؛ فإن ذلك التضعيف مرتب على الفعل الحسي الواقع في الخارج، والحامل على هذا التأويل: أن القواعد تقتضي أن المقدَّر لا يكون كالمحقَّق، وأن الأجور تتفاوت بحسب تفاوت المصالح، أو المشقة في الفعل، فكيف يستوي مَنْ فعلَ الشيء بمن قدر فعله له؟ فلأجل ذلك قيل: إن المراد: أصلُ الفعل في التقدير، لا الفعلُ المرتَّب عليه التضعيفُ في التحقيق، وهذا لا يختص بهذا الفعل، بل بغيره، بل هو أنه أخذ صيام بعض الأيام المفضلة، وقيام بعض الليالي مما جاء:"من صامَ يومَ كذا، كان كمن صام شهرًا، ومن قام ليلة كذا، فكأنه قام سنة"، أو نحو ذلك (4).
(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 405).
(2)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1159/ 181).
(3)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 405)، نقلًا عن "شرح العمدة" لابن دقيق (2/ 238).
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 238).
تنبيه:
ربما استُدل بظاهر هذا الحديث على كراهة صيام الدهر، وربما استُدل [به] على عدم الكراهة، ومعتمد المذهب: جوازه، ولم يكره إذا لم يترك به حقًا، ولا خاف منه ضررًا، ولم يصم الأيامَ المنهيَّ عن صيامها؛ يعني: العيدين، وأيام التشريق، فإن أدخل فيه يومي العيدين، وأيام التشريق، أو يومًا منها، حَرُم، وإن أفطر أيام النهي، جاز؛ خلافًا للظاهرية.
نقل حنبل عن الإمام أحمد رضي الله عنه: إذا أفطر أيامَ النهي، فليس ذلك صومَ الدهر.
ونقل صالح: إذا أفطرها، رجوتُ أن لا بأس به، وهذا اختيار القاضي وأصحابه، وصاحب "المحرر"، والأكثر؛ وفاقًا لمالك، والشافعي.
وذكر الإمام مالك: أنه سمع أهل العلم يقولونه؛ لقول حمزة بن عمرو: يا رسول اللَّه! إني أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال:"إنْ شئتَ فصمْ" متفق عليه، وتقدم (1)، ولأن أبا طلحة وغيره من الصحابة وغيرهم فعلوه، وأجابوا عن حديث عبد اللَّه بن عمرو، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صامَ مَنْ صامَ الدهرَ" رواه البخاري (2)؛ بأنه خشيَ عليه ما سبق.
وقال صاحب "المغني" من أئمة علمائنا: يكره صيام الدهر (3)، وهو ظاهر رواية الأثرم عن الإمام أحمد، وللحنفية قولان (4).
(1) وتقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه برقم (1878) عند البخاري.
(3)
انظر: "المغني" لابن قدامة (3/ 56).
(4)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 85 - 86).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصواب قولُ من جعله تركًا للأَوْلى، أو كرهَه، وفصَّل بعضهم بأنه إن خاف ضررًا، أو فواتَ حق، إن كان الحقُّ الذي يفوت به واجبًا، حَرُم، وإن كان مندوبًا أولى من الصيام، كُرِه، وإن كان يقوم مقامه، فلا كراهة، وحيث جاز بلا كراهة، فصومُ يومٍ وفطرُ يومٍ أفضلُ منه؛ خلافًا لطائفة من الفقهاء والعباد، ذكره شيخ الإسلام (1)، وهو ظاهرُ حال من سرده، ومنهم أَبو بكر النجَّاد أحد أعلام علمائنا؛ حملًا لخبر عبد اللَّه بن عمرو عليه، وعلى من في معناه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرشد حمزةَ بنَ عمرو إلى يوم ويوم.
قال الإمام أحمد: ويعجبني أن يفطر منه أيامًا؛ يعني: أنه أولى؛ للخروج من الخلاف، وجزم به جماعة، وقاله إسحاق، وليس المراد كراهة، فلا تعارض، واللَّه أعلم (2).
قال عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (فقلت): يا رسول اللَّه! (إني أُطيق أفضلَ من ذلك)؛ أي: أكثر من صوم ثلاثة أيام من كل شهر، (قال صلى الله عليه وسلم: فصم يومًا، وأفطر يومين) -بالإفراد في الأول، والتثنية في الآخر-، وفي رواية حسين المعلم في: الأدب من "الصحيح": "فصم من كل جمعة ثلاثة أيام"(3).
وفي "الصحيحين" من حديث ابن عمرو: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال له: "صمْ يومًا، ولك أجرُ ما بقي"، قال: إني أطيق أكثرَ من ذلك، قال:"فصم يومين، ولك أجر ما بقي"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: "صُم ثلاثةَ
(1) انظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (22/ 302، 305).
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 86).
(3)
تقدم تخريجه برقم (5783).
أيام ولك أجرُ ما بقي"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك (1)، قال: "صمْ أربعةَ أيام، ولك أجرُ ما بقي"، قال: إني أطيقُ أكثر من ذلك.
وفي رواية: "أما يكفيك من كل شهر ثلاثةُ أيام؟ "، قال: قلت: يا رسول اللَّه! قال: "خمسًا"، قلت: يا رسول اللَّه! قال: "سبعًا"، قلت: يا رسول اللَّه! قال: "تسعًا"، قلت: يا رسول اللَّه! قال: "إحدى عشرة"(2)، (قلت: إني أطيق أفضل)؛ أي: أكثر (من ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: فصمْ يومًا وأفطِرْ يومًا، فذلك صيامُ داودَ عليه السلام).
ولفظ داودَ أعجميُّ، قال ابنُ عباس وغيره: عبراني، ومعناه: القصيرُ العمر، وهو داود بن إيشا -بكسر الهمزة وسكون الياء المثناة تحت وبالشين المعجمة- من سبط يهوذا -بفتح المثناة تحت وضم الهاء وبالذال المعجمة- بنِ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بن إبراهيم -عليهم الصلاة والسلام-، وهو أَبو سليمان النبيِّ عليه السلام، جمعَ اللَّه له بين النبوة والملك، وقد كان راعيًا، فآتاه اللَّه الملك بعد قتله جالوتَ بسبع سنين، وذلك لما استُشهد طالوتُ، أعطى بنو إسرائيل داودَ خزائنَ طالوت، وملَّكوه على أنفسهم، ولم يجتمع بنو إسرائيل على ملك إلا على داود، وفضلُ داود ومعجزاته وكراماته مشهورة في الكتاب والسنة، ذكرها اللَّه تعالى في القرآن العظيم في اثني عشر موضعًا من كتابه العزيز (3).
وفي "البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خُفِّفَ على داودَ القرآنُ -يعني: الزبور-، فهو يأمر بدابته تُسْرَج، فيقرؤه
(1) تقدم تخريجه، وهذا لفظ مسلم.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (1/ 169).
قبل أن تُسْرَج، وكان لا يأكل إلا من عمل يده" (1).
وفي الترمذي: "كان من دعاء داود عليه السلام: اللهمَّ إني أسألُكَ حُبَّكَ، وحُبَّ مَنْ يحبُّكَ، والعملَ الذي يُبلغني حُبَّكَ، اللهمَّ اجعلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إليّ من نفسي وأهلي ومنَ الماءِ البارد". وقال صلى الله عليه وسلم: "كان داودُ أعبدَ البشر"(2).
وأوصى ابنَه سليمانَ عليه السلام. ففي "حلية الأولياء" لأبي نعيم عن الفضيل، قال: قال داود: إلهي! كُنْ لابني سليمانَ كما كُنْتَ لي، فأوحى اللَّه تعالى إليه: يا داودُ! قل لابنك سليمانَ يكنْ لي كما كنتَ لي حتى أكونَ له كما كنتُ لكَ (3).
قال كعبُ الأحبار، ووهبُ بن منبه -رحمهما اللَّه تعالى-: كان داود عليه السلام أحمرَ الوجه، أبيضَ الجسم، طويلَ اللحية فيها جُعودة، حسنَ الصوت والخلق، طاهرَ القلب، بينه وبين موسى خمس مئة وسبعٌ وسبعون سنة.
ويزعم أهل الكتاب أن عمره تسع وتسعون سنة، ومدة ملكه أربعون سنة.
قال كعب: والنصارى تزعم أن قبره في الكنيسة الحسمانية ببيت القدس
(1) رواه البخاري (3235)، كتاب: الأنبياء، باب: قول اللَّه تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163].
(2)
رواه الترمذي (3490)، كتاب: الدعوات، باب:(73)، عن أبي الدرداء رضي الله عنه.
(3)
لم أقف عليه في "حلية الأولياء". وقد رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(22/ 238).
- صلوات اللَّه وسلامه على نبينا وعليه، وعلى سائر أنبياء اللَّه ووسله أجمعين (1).
(وهو)؛ أي: صيامُ داود عليه السلام (أفضلُ الصيام).
وفي "الصحيحين" من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحبَّ الصيامِ إلى اللَّه صيامُ داودَ"(2)، وهذا يدل على أفضلية هذا الصيام على صوم الدهر، ويترجَّح من حيث المعنى بأن صيام الدهر قد يفوِّتُ بعضَ الحقوق، وبأن من اعتاده لا يكاد يشقُّ عليه، بل تضعف شهوتُه عن الأكل، وتقلُّ حاجته إلى الطعام والشراب نهارًا، ويألف تناوله في الليل؛ بحيث يتجدد له طبع زائد، بخلاف من يصوم يومًا؛ ويفطر يومًا؛ فإنه لا يزال ينتقل من فطر إلى صوم، ومن صوم إلى فطر.
وقد نقل الترمذي عن بعض أهل العلم: أنه أشقُّ الصوم (3)، ويأمن مع ذلك من تفويت الحقوق (4).
وفي "فتاوى ابن عبد السلام" من الشافعية: أن صوم الدهر أفضلُ من صيام داود -يعني: صوم يوم؛ وفطر يوم-؛ لأنه أكثر عملًا، فيكون أكثر ثوابًا (5)، وبذلك جزم الغزالي منهم، بشرط أَلَّا يصوم الأيام المنهيَّ عنها، وأَلَّا يرغب عن السنة بأن يجعل الصوم حجرًا على نفسه (6).
(1) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 180 - 181).
(2)
سيأتي تخريجه قريبًا.
(3)
انظر: "سنن الترمذي"(3/ 140).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 223).
(5)
لم أقف على كلامه هذا رحمه الله فيما طبع من "فتاواه".
(6)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 223)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 406).
قال عبد اللَّه: (فقلت: إني أطيقُ أكثرَ من ذلك) يا رسول اللَّه، (فقال صلى الله عليه وسلم: لا أفضلَ من ذلك).
قال في "الفروع": أفضل صوم التطوع (1)، نص الإمام أحمد عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد اللَّه بن عمرو:"صمْ يومًا وأفطرْ يوما، فذلك صيامُ داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام"(2). فأجراه الإمام أحمد على ظاهره، وأيده بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا أفضل من ذلك"، ومن فضل صيام الدهر حُمِلَ قوله عليه السلام:"لا أفضل من ذلك"؛ أي: بالنسبة إلى مَنْ حالُه مثلُ حالك؛ يعني: من يتعذر عليه الجمعُ بين الصوم الأكثرِ والقيامِ بالحقوق (3).
قال ابن دقيق العيد: والأقرب: أن يجري على ظاهر الحديث في تفضيل صيام داود عليه السلام؛ لأن الأفعال متعارضة المصالح والمفاسد، وليس كل ذلك معلومًا لنا، ولا مستحضرًا، وإذا تعارضت المصالح والمفاسد، فمقدار تأثير كل واحدة منهما في الحث أو المنع غيرُ متحقق لنا، فالطريق حينئذ أن يفوَّضَ الحكمُ إلى صاحب الشرع، ويُجرى على ما دل عليه ظاهر اللفظ، مع قول الظاهر هاهنا، وأما زيادة العمل، واقتضاء القاعدة لزيادة الأجر بسببه، فيعارضه اقتضاء العادة والجبلة للتقصير في حقوق يعارضها الصوم الدائم، ومقادير ذلك الفائت مع مقادير ذلك الحاصل من الصوم غير معلومة لنا، انتهى (4).
(وفي رواية) في "الصحيحين" من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -
(1) يعني: إن صيام داود عليه السلام هو من أفضل صوم التطوع.
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 79).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 239).
(4)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
رضي اللَّه عنهما-، (قال): إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذُكر له صومي، فدخل عليَّ، فألقيت له وسادة من أَدَم حشوُها ليفٌ، فجلس على الأرض، وصارت الوسادةُ بيني وبينه، فقال:"وما يكفيكَ من كلِّ شهرٍ ثلاثةُ أيام؟ "، وذكر الحديث الذي ذكرناه سابقًا إلى أحدَ عشرَ يومًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الصوم؛ أي: لا فضل و (لا) كمال في (صوم) التطوع (فوق صوم داود) عليه السلام، فهذا يؤيد كونَه أفضلَ من صيام الدهر، ومن أَبى ذلك، حَمَلَه على [مَنْ] حاله كمثلِ حال ابن عمرو ممن يضعفه عن الفرائض والحقوق.
(شطر الدهر)؛ أي: نصفه، وهو بالرفع خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو شطر الدهر، ويجوز بالجر بدل من قوله:"صومِ داود"، وهذان الوجهان رواية أبي ذرّ، وروي بالنصب على أنه مفعول فعل مقدر؛ أي: هاكَ، أو خُذ، ونحوه (1)(صم يومًا وأفطر يومًا)، وفي رواية:"صيام يوم وإفطار يوم"(2)، وفيه الثلاثة أوجه السابقة، واللَّه أعلم.
* * *
(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 409).
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5921)، وعند مسلم برقم (1159/ 191).