الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العاشر
عَنْ أَبِي مُوسَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه: أَنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بَرِىءَ مِنَ الصَّالِقَةِ والحَالِقَةِ والشَّافَّةِ (1).
[الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة].
* * *
(عن أبي موسى عبد اللَّه بن قيس) الأشعري (رضي الله عنه) تقدمت
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1234)، كتاب: الجنائز، باب: ما ينهى من الحلق عند المصيبة، معلقًا، ومسلم (104/ 167)، كتاب: الإيمان، باب: تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب، والدعاء بدعوى الجاهلية، وأبو داود (3130)، كتاب: الجنائز، باب: في النوح، والنسائي (1863)، كتاب: الجنائز، باب: الحلق، و (1865 - 1867)، باب: شق الجيوب، وابن ماجه (1586)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في النهي عن ضرب الخدود وشق الجيوب.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 376)، و"شرح مسلم" للنووي (2/ 110)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 171)، و"العدة في شرح لعمدة" لابن العطار (2/ 781)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 165)، و"عمدة القاري" للعيني (8/ 92)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 155).
ترجمته في باب: السواك: (أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برىء) -بفتح الموحدة، وكسر الراء، وبالهمز- (من الصالقة) -بالصاد المهملة، والقاف-: الرافعة صوتها في المصيبة، قال ابن دقيق العيد: والأصل: السالقة -بالسين-، وهو: رفع الصوت بالعويل والندب، وقريب منه قوله تعالى:{سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: 19]، والصاد قد تبدل من السين، انتهى (1).
وفي "النهاية": الصلق: الصوت الشديد، والمراد: رفعه في المصائب، وعند الفجيعة بالموت، ويدخل فيه النوح، ويقال بالسين (2)، (و) من (الحالقة) التي تحلق شعرها للمصيبة، (و) من (الشاقة) لثوبها لأجل المصيبة.
وسبب إيراد أبي موسى لهذا الحديث: ما في "الصحيحين": أنه وجع وجعًا شديدًا، فغشي عليه، ورأسه في حجر امرأة من أهله -أي: حضنها، وهو - بتثليث الحاء المهملة-. زاد مسلم: فصاحت.
وله من وجه آخر: أغمي على أبي موسى، فأقبلت امرأته أم عبد اللَّه تصيح برنة" (3).
وفي "النسائي": هي أم عبد اللَّه بنت أبي دومة (4).
وفي "تاريخ البصرة" لعمر بن شَبَّة: أن اسمها صفية بنت دمون، وأن
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 171).
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 48).
(3)
وتقدم تخريجه عندهما في حديث الباب.
(4)
تقدم تخريجه عند النسائي برقم (1866)، ولم يزد النسائي على قوله:"عن أم عبد اللَّه امرأة أبي موسى". وقد سماها الطبراني في "المعجم الأوسط"(1310).
ذلك وقع حين كان أَبو موسى أميرًا على البصرة، من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلم يستطع أَبو موسى أن يرد عليها شيئًا، فلما أفاق، قال: أنا، وفي لفظ: إني بريء ممن برىء منه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برىء من الصالقة، فذكره (1).
قال القاضي: برىء من فعلهن، أو مما يستوجبن من العقوبة، أو من عهدة ما لزمني بيانه، وأصل البراءة: الانفصال، وليس المراد التبري من الدين، والخروج منه (2).
قال النووي: ويحتمل أن يراد به ظاهره؛ وهو البراءة من فاعل هذه الأمور (3).
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا:"ثلاثة من الكفر باللَّه: شق الجيب، والنياحة، والطعن في النسب" رواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم، وقال: صحيح الإسناد (4)، وفي رواية لابن حبان:"ثلاث هي الكفر"(5).
وفي "ابن ماجه"، و"صحيح ابن حبان"، عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور (6).
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 165).
(2)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 377).
(3)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (2/ 111).
(4)
رواه ابن حبان في "صحيحه"(1465)، والحاكم في "المستدرك"(1415).
(5)
رواه ابن حبان في "صحيحه"(3161).
(6)
رواه ابن ماجه (1585)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في النهي عن ضرب الخدود وشق الجيوب، وابن حبان في "صحيحه"(3156).
وفي "سنن أبي داود" عن أسيد بن أبي أسيد التابعي، عن امرأة من المبايعات، قالت: كان فيما أخذ علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المعروف الذي أخذ علينا: ألا نخمش وجهًا، ولا ندعو ويلًا، ولا نشق جيبًا، ولا ننشر شعرًا (1).
تنبيه: معتمد المذهب: عدم جواز الندب، والنياحة، وشق الثياب، ولطم الخدود، وما أشبه ذلك من الصراخ، وخمش الوجه، ونتف الشعر ونشره وحلقه.
وفي "الفصول" للإمام ابن عقيل: يحرم النحيب، والتعداد، وإظهار الجزع؛ لأن ذلك يشبه التظلم من الظالم، وهو عدل من اللَّه تعالى.
نعم، يباح يسير الندبة الصدق، إذا لم يخرج مخرج النوح، ولا قصد نظمه (2)؛ كقول سيدة نساء العالمين: يا أبتاه! أجاب ربًا دعاه (3)، ونحو ذلك.
قال في "شرح المقنع": وقال بعض أصحابنا: هو مكروه، ونقل حرب عن الإمام أحمد كلامًا يحتمل إباحة النوح والندب، واختاره الخلال وصاحبه؛ لأن واثلة بن الأسقع، وأبا وائل: كانا يستمعان النوح ويبكيان.
وقال الإمام أحمد: إذا ذكرت المرأة مثل ما حكي عن فاطمة، في مثل الدعاء، لا يكون مثل النوح، يعني: لا بأس به، وحكى ما روي عنها؛ من قولها: يا أبتاه! من ربه ما أدناه، إلى جبريل أنعاه، يا أبتاه! أجاب ربًا
(1) رواه أَبو داود (3131)، كتاب: الجنائز، باب: في النوح.
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 226 - 227).
(3)
رواه البخاري (4193)، كتاب: المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
دعاه (1). قال: وروي عن علي، عن فاطمة رضي الله عنهما: أنها أخذت قبضة من تراب قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوضعتها على عينيها، ثم قالت:[من الكامل]
ماذا على مَنْ شَمَّ تربةَ أحمدٍ
…
ألا يشمَّ مدى الزمانِ غَواليا
صُبَّتْ عليَّ مصائبٌ لو أَنَّها
…
صُبت على الأيام صِرْنَ لياليا (2)
والمذهب: التحريم؛ للأحاديث الصحيحة الصريحة (3).
وفي "الفروع": يحرم الندب والنياحة -نص عليهما، والصراخ، وخمش الوجه، ونتف الشعر ونشره، وشق الثوب، ولطم الخدود، ونحوه؛ اتفاقًا، زاد جماعة: والتحفي، وذكره ابن عبد البر في النياحة إجماعًا (4)، ويأتي له تتمة في الثالث عشر، واللَّه أعلم.
* * *
(1) تقدم تخريجه آنفًا.
(2)
قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(2/ 134): ومما ينسب إلى فاطمة رضي الله عنها، ولا يصح، فذكر هذين البيتين.
(3)
انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (2/ 430).
(4)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 226).