المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثالث عشر - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٣

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الوتر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب بالذكر عقب الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌باب قصر الصلاة في السفر

- ‌باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب العيدين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب صلة الخوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الجنائز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الصيام

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌[كتاب] الصوم في السفر وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب أفضل الصيام

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌الحديث الثالث عشر

‌الحديث الثالث عشر

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَيْسَ مِنَّا ضَرَبَ الخَدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، ودَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَةِ"(1).

* * *

(عن) أبي عبد الرحمن (عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه، عن

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (1232)، كتاب: الجنائز، باب: ليس منا من شق الجيوب، و (1235)، باب: ليس منا من ضرب الخدود، و (1236)، باب: ما ينهى من الويل ودعوى الجاهلية عند المصيبة، و (3331)، كتاب: المناقب، باب: ما ينهى من دعوى الجاهلية، ومسلم (103/ 165 - 166)، كتاب: الإيمان، باب: تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، والنسائي (1860)، كتاب: الجنائز، باب: دعوى الجاهلية، و (1862)، باب: ضرب الخدود، و (1864)، باب: شق الجيوب، والترمذي (999)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في النهي عن ضرب الخدود وشق الجيوب عند المصيبة، وابن ماجه (1584)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في النهي عن ضرب الخدود وشق الجيوب.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 376)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 174)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 789)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 163)، و"عمدة القاري" للعيني (8/ 87)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 155).

ص: 380

النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ليس منا)؛ أي: من أهل سنتنا، ولا من المهتدين بهدينا، وليس المراد خروجه عن الدين؛ لأن المعاصي لا يكفر بها عند أهل السنة، نعم يكفر باعتقاد حلها.

وعن سفيان: أنه كره الخوض في تأويله، وقال: ينبغي أن يمسك عنه؛ ليكون أوقع في النفوس، وأبلغ في الزجر (1).

(من ضرب الخدود)، وفي لفظ:"لطم"(2)، وفي آخر:"لكم"(3)، والخدود: جمع خد.

قال في "العدة": وإنما جمع، وإن كان ليس للإنسان إلا خدان فقط: باعتبار إرادة الجمع؛ ليكون من مقابلة الجمع بالجمع، أو على حد قوله تعالى:{وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} [طه: 130]، وقول العرب: شابت مفارقه، وليس إلا مفرق واحد، وإنما خص الخدود بذلك؛ لكونه الغالب في ذلك، وإلا فضرب بقية البدن داخل في ذلك.

(وشق الجيوب) -بضم الجيم- جمع جيب، وإنما جمعه، وليس للإنسان إلا جيب واحد؛ لما تقدم في الخدود، والجيب مشتق من جابه؛ أي: قطعه، قال تعالى:{وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} [الفجر: 9]، وهو ما يفتح من الثوب لتدخل فيه الرأس للبسه، والمراد بشقه: فتحه إلى آخره، وهو من علامات التسخط (4).

(ودعا بدعوى الجاهلية)، وفي رواية مسلم: "ضرب الخدود، أو شق

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (8/ 87).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1232).

(3)

لم أقف عليه بهذا اللفظ، واللَّه أعلم.

(4)

وانظر: "فيض القدير" للمناوي (5/ 387).

ص: 381

الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية" (1)، وهي زمان الفترة قبل الإسلام؛ بأن قال في بكائه ما كانوا يقولونه من النياحة والندبة، نحو: واجبلا! واعضداه! وكذا الدعاء بالويل والثبور (2)؛ لدلالة ذلك على عدم الرضا والتسليم للقضاء.

وهذا يدل على تحريم ما ذكر من شق الجيب، وغيره، فإن وقع التصريح باستحلاله مع العلم بتحريم التسخط مثلًا بما وقع، فلا مانع من حمل النفي حينئذ على الإخراج من الدين (3).

والحاصل: أن التبري يقع بكل واحد من الثلاثة، فلا يشترط وقوعها معًا، لا سيما، ورواية مسلم مصرحة بالعطف بـ "أو" -كما ذكرنا- واللَّه أعلم (4).

تنبيهان:

الأول: جاء في عدة أحاديث صحيحة، وأخبار صريحة: أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، ففي "الصحيحين" عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الميت يعذب في قبره بما نيح عليه"(5)، وفي لفظ:"يعذب بما نيح عليه"(6) ولم يذكر: "في قبره".

(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (103/ 165).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 164)، و"عمدة القاري" للعيني (8/ 88).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 164).

(4)

المرجع السابق، (3/ 163).

(5)

رواه البخاري (1230)، كتاب: الجنائز، باب: ما يكره من النياحة على الميت، ومسلم (927)، كتاب: الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه.

(6)

رواه ابن ماجه (1593)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في الميت يعذب بما نيح عليه.

ص: 382

وفيهما عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال:"بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: إنه من ينح عليه يعذب بما نيح عليه"(1)، وعنه: قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إن كذبًا علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار"، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: من نيح عليه يعذب بما نيح عليه" رواه البخاري، واللفظ له، ومسلم (2).

وفي "مسند الإمام أحمد" عن أسيد بن أبي أسيد، عن موسى بن أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الميت يعذب ببكاء الحي، إذا قالت النائحة: واعضداه! واناصراه! واكاسياه! جذب الميت، وقيل له: أنت عضدها؟! أنت ناصرها؟! أنمط كاسيها؟! "، فقلت: سبحان اللَّه! يقول اللَّه تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15]، فقال: أحدثك عن أبي موسى، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وتقول هذا، فأينا كذب؟! فواللَّه! ما كذب علي أبي موسى، ولا كذب أَبو موسى على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (3).

وفي "البخاري": عن النعمان بن بشير، قال: أغمي على عبد اللَّه بن رواحة، فجعلت أخته عَمْرَةُ تبكي، وتقول: واجبلاه! واكذا واكذا! تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئًا إلا وقد قيل لي: أنت كذلك؟! فلما مات، لم تبك عليه (4)، إلى غير ذلك من الأخبار والآثار.

الثاني: اختلف السلف والخلف في ذلك:

(1) انظر: تخريج الحديث الآتي.

(2)

رواه البخاري (1229)، كتاب: الجنائز، باب: ما يكره من النياحة على الميت، ومسلم (933)، كتاب: الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه.

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 414).

(4)

رواه البخاري (4019 - 4020)، كتاب: المغازي، باب: غزوة مؤتة.

ص: 383

فقالت طائفة: اللَّه يتصرف في خلقه بما يشاء، وأفعال اللَّه لا تعلل، ولا فرق بين التعذيب بالنوح عليه، والتعذيب بما هو منسوب إليه؛ لأن اللَّه تعالى خالق الجميع، واللَّه تعالى يؤلم الأطفال، والبهائم، والمجانين؛ بغير عمل عملوه.

وقالت أخرى: هذه الأحاديث غير صحيحة، وقد أنكرتها عائشة رضي الله عنها، واحتجت بقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 5]، وفي "الصحيحين" عن عروة، قال: ذكر عند عائشة؛ أن [ابن] عمر رضي الله عنهم يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله"، فقالت: وَهِلَ -أي: ذهب وهمه إلى ذلك-، إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه ليعذب بخطيئته، أو بذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن" (1).

وفيهما عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبي مليكة، قال: توفيت بنت لعثمان بمكة، وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم، وإني لجالس بينهما، أو جلست إلى أحدهما، ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي. زاد مسلم: فإذا صوت من الدار.

وعند الحميدي من رواية عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة: فبكى النساء، فقال عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء؟! فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه"؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما، قد كان عمر رضي الله عنه يقول بعض ذلك، ثم حدث -أي: ابن عباس-، قال: صدرت مع عمر رضي الله عنه من مكة، حتى إذا كنا بالبيداء، إذا هو بركب تحت ظل

(1) رواه البخاري (3759)، كتاب: المغازي، باب: قتل أبي جهل، ومسلم (932)، كتاب: الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه.

ص: 384

شجرة، فقال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب؟ قال: فنظرت، فإذا صهيب، فأخبرته، فقال: ادعه لي، فرجعت إلى صهيب، فقلت: ارتحل فالحقْ بأمير المؤمنين، فلما أُصيب عمر، دخل صهيب يقول: واأخاه! واصاحباه! فقال عمر رضي الله عنه: يا صهيب! أتبكي عليَّ، وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه"؟! قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما مات عمر رضي الله عنه، ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت: يرحم اللَّه عمر، واللَّه! ما حدث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أن اللَّه ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، لكن -وفي رواية بزيادة الواو- رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"إن اللَّه ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه"، وقالت: حسبكم القرآن: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15]. قال ابن عباس رضي الله عنهما عند ذلك: واللَّه هو أضحك وأبكى؛ تقريرًا لما ذهبت إليه عائشة قال ابن أبي مليكة: واللَّه ما قال ابن عمر رضي الله عنهما شيئًا (1).

قال ابن المنير: سكوت ابن عمر لا يدل على الإذعان، فكأنه كره المجادلة، إذ المجلس إذ ذاك لا يقبل المماراة (2).

قال الخطابي: الرواية إذا ثبتت، لم يكن في دفعها سبيل بالظن، وقد رواه عمر، وابنه، وكذلك المغيرة بن شعبة، وليس فيما حكت عائشة رضي الله عنها ما يدفع الرواية بجواز صحة الخبرين، إذ لا منافاة بينهما (3).

(1) رواه البخاري (1226)، كتاب: الجنائز، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه" إذا كان النوح من سنته، ومسلم (928)، كتاب: الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، والحميدي في "مسنده"(220).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 160).

(3)

انظر: "معالم السنن" للخطابي (1/ 303).

ص: 385

وقد حملت طائفة ذلك على من أوصى به، أو كانت عادتهم ذلك، ولم ينههم، يعني: يوصي قبل موته ألَّا يحدثوا قولًا ولا فعلًا منكرًا، وهذا كان مشهورًا عند العرب، وهو كثير في أشعارهم، كقول طرفة:[من الطويل]

إذا مِتُّ فانْعِيْني بما أنا أَهْلُه

وشُقِّي عليَّ الجَيْبَ يا بنةَ مَعْبَدِ (1)

وصحح هذا القول طوائف، منهم: أَبو البركات ابن تيمية؛ لأنه إذا غلب على ظنه فعلهم له، ولم يوصهم بتركه، فقد وصى به، وصار كمن ترك النهي عن المنكر مع القدرة عليه، فأما إذا أوصاهم بتركه، فخالفوه؛ فاللَّه أكرم من أن يعذبه بذلك.

قال الإمام ابن القيم: وقد حصل بهذا القول إجراء الخبر على عمومه في أكثر الموارد، قال: وإنكار عائشة رضي الله عنها لذلك بعد رواية الثقات لا يعول عليه؛ فإنهم قد يحضرون ما لا تحضره، ويشهدون ما تغيب عنه، واحتمال السهو والغلط بعيد جدًا، خصوصًا في حق خمسة من أكابر الصحابة، وهم: عمر، وابنه، وأبو موسى الأشعري، والمغيرة بن شعبة، والنعمان بن بشير في قصة عبد اللَّه بن رواحة -رضوان اللَّه عليهم أجمعين-.

ثم إن عائشة رضي الله عنها محجوجة بروايتها عنه: أنه قال عليه الصلاة والسلام: "إن اللَّه يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه"(2)، فإذا لم تمتنع زيادة الكافر عذابًا بفعل غيره، مع كونه مخالفًا لظاهر الآية، لم يمتنع ذلك في حق المسلم؛ فإن اللَّه تعالى كما لا يظلم عبده المسلم؛ لا يظلم الكافر، واللَّه أعلم.

(1) انظر: "ديوانه"(ص: 46)، (ق 1/ 93). ووقع في الديوان:"فإن مت".

(2)

تقدم تخريجه قريبًا.

ص: 386

وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس اللَّه روحه- مذهبًا حسنًا، وملخصه: بأن هذه الأحاديث لا تحتاج إلى شيء من هذه التعسفات، وليس فيها -بحمد اللَّه- إشكال، ولا مخالفة لظاهر القرآن، ولا لقاعدة من قواعد الشرع، ولا تتضمن عقوبة الإنسان بذنب غيره؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: إن الميت ليعاقب ببكاء أهله عليه، أو بنوح أهله عليه، وإنما قال: إنه ليعذب بذلك.

ولا ريب أن ذلك يؤلمه ويعذبه، والعذاب هو الألم الذي يحصل له، وهو أعم من العقاب، والأعم لا يستلزم الأخص، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"قطعة من العذاب"(1)، وهذا العذاب يحصل للمؤمن والكافر، ويحصل للميت الألم في قبره بمجاورة أهل البدع والفسق والعصيان، ويتأذى بذلك كما يتأذى الإنسان بما يشاهده من عقوبة جاره، ونص الإمام أحمد على أن الموتى يتأذون بفعل المعصية عندهم، فإذا بكى أهل الميت عليه البكاء المحرم؛ من لطم الخدود، وتمزيق الثياب، وخمش الوجوه، وتسويدها، وقطع الشعر ونتفه، ودعاء بدعوى الجاهلية، وكل هذا موجود في غالب جهال أهل زماننا، فإذا وجدت هذه الأفعال والأقوال على هذا الوجه، حصل للميت الألم في قبره بذلك، فهذا التألم هو عذابه بالبكاء عليه، انتهى (2).

ومثل هذا ما حكاه القبب القسطلاني بأن تعذيبه توبيخ الملائكة له بما

(1) رواه البخاري (1710)، كتاب: العمرة، باب: السفر قطعة من العذاب، ومسلم (1927)، كتاب: الإمارة، باب: السفر قطعة من العذاب، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

انظر: "عدة الصابرين" لابن القيم (ص: 86 - 88).

ص: 387

يندبه به أهله، وذكر حديث أبي موسى عند الإمام أحمد مرفوعًا: "الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة: واعضداه! واناصراه! واكاسياه! جبذ الميت، وقيل له: أنت عضدها؟!

" الحديث (1)، واللَّه أعلم.

* * *

(1) تقدم تخريجه. وأنظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (2/ 404).

ص: 388