المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الخامس عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٣

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الوتر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب بالذكر عقب الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌باب قصر الصلاة في السفر

- ‌باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب العيدين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب صلة الخوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الجنائز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الصيام

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌[كتاب] الصوم في السفر وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب أفضل الصيام

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الخامس عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ

‌الحديث الخامس

عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ، فَقَالَ:"اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأيتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، واجْعَلْنَ في الأَخِيرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإذَا فَرَغْتُنَّ، فآذِنَّنِي"، فَلمَّا فَرَغنَا، آذَنَّاهُ، فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ، فَقَالَ:"أَشْعِرْنَهَا بِهِ"؛ تَعْنِي: إِزَارَه (1).

وَفي رِوَايَةٍ: "أَوْ سَبْعًا"(2).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (1195)، كتاب: الجنائز، باب: غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر، ومسلم (939/ 36)، كتاب: الجنائز، باب: في غسل الميت، وأبو داود (3142)، كتاب: الجنائز، باب: كيف غسل الميت؟ والنسائي (1881)، كتاب: الجنائز، باب: غسل الميت بالماء والسدر، و (1866)، باب: غسل الميت أكثر من خمس، و (1887)، باب: غسل الميت أكثر من سبعة، و (1893 - 1894)، باب: الإشعار، والترمذي (990)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في غسل الميت، وابن ماجه (1458)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في غسل الميت.

(2)

رواه البخاري (1196)، كتاب: الجنائز، باب: ما يستحب أن يغسل وترًا، و (1200)، باب: يجعل الكافور في آخره، ومسلم (939/ 39)، كتاب: الجنائز، باب: في غسل الميت، وأبو داود (3146)، كتاب: الجنائز، باب: كيف غسل الميت؟ والنسائي (1885)، كتاب: الجنائز، باب: غسل الميت =

ص: 327

وَقَالَ: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا". (1)

وإِنَّ أُمَّ عَطِيْةَ قَالَتْ: وجَعَلْنَا رَأْسَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ (2).

= وترًا، و (1888 - 1889)، باب: غسل الميت أكثر من سبعة، و (1890)، باب: الكافور في غسل الميت.

(1)

رواه البخاري (165)، كتاب: الوضوء، باب: التيمن في الوضوء والغسل، و (1197)، كتاب: الجنائز، باب: يبدأ بميامن الميت، و (1198)، باب: مواضع الوضوء من الميت، ومسلم (939/ 42 - 43)، كتاب: الجنائز، باب: في غسل الميت، وأبو داود (3145)، كتاب: الجنائز، باب: كيف غسل الميت؟ والنسائي (1884)، كتاب: الجنائز، باب: ميامن الميت ومواضع الوضوء منه، والترمذي (990)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في غسل الميت، وابن ماجه (1459)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في غسل الميت.

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري في حديث (1196، 1200)، ورواه أيضًا:(1201)، كتاب: الجنائز، باب: نقض شعر المرأة، و (1203)، باب: هل يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون؟ ومسلم (939/ 39)، كتاب: الجنائز، باب: في غسل الميت، وأبو داود (3143 - 1344)، كتاب: الجنائز، باب: كيف غسل الميت، والنسائي (1883)، كتاب: الجنائز، باب: نقض رأس الميت، و (1890 - 1892)، كتاب: الجنائز، باب: الكافور في غسل الميت، والترمذي (990)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في غسل الميت، وابن ماجه (1459)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في غسل الميت.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (1/ 305)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 5)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 209)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 383)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 592)، و"شرح مسلم" للنووي (7/ 2)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 163)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 770)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 159)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 127)، و"عمدة القاري" للعيني (8/ 38)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 93)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 62).

ص: 328

(عن أم عطية) نسيبة (الأنصارية) رضي الله عنها، تقدمت ترجمتها في العيدين، (قالت: دخل علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته)؛ يعني: زينب؛ كما قاله الخطيب، والنووي (1)، وغيرهما، وهي أكبر بناته، ونقله ابن بشكوال عن مسلم (2)، قال: وقيل: إنها أم كلثوم (3)، وكانت قد توفيت في التاسعة، وقد روى أبو داود بسند ليس بذاك، وكذا ابن ماجه، عن أم عطية، قالت: دخل علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ونحن نغسل ابنته أم كلثوم

، الحديث (4).

وبهذا قال الطحاوي، ونقله القاضي عن بعض أهل السير (5)، وصرح ابن عبد البر في ترجمة أم كلثوم: أنها توفيت في سنة تسع، وصلى عليها أبوها صلى الله عليه وسلم، قال: وهي التي شهدت أمُّ عطية غسلَها (6).

وأما قول الحافظ المنذري: في كونها أم كلثوم نظر؛ فإن أم كلثوم توفيت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب ببدر (7).

معترض: بأن أم كلثوم لا خلاف في أنها توفيت سنة تسع، وإنما رقية هي التي توفيت، والنبي صلى الله عليه وسلم غائب ببدر، وتخلف عثمان عن بدر بسببها،

(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (7/ 3).

(2)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (939/ 40).

(3)

انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال (1/ 71 - 72).

(4)

أبو داود (3157)، كتاب: الجنائز، باب: في كفن المرأة، وابن ماجه (1458)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في غسل الميت.

(5)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 388).

(6)

انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1952).

(7)

انظر: "مختصر السنن" للمنذري (4/ 300)، قال: والصحيح أنها زينب زوج أبي العاص بن الربيع؛ لأن أم كلثوم توفيت ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غائب ببدر.

ص: 329

وجاءه زيد بن حارثة بشيرًا بأمر بدر، وهو على قبر رقية (1).

قال البرماوي: ولا مانع من كون أم عطية روت غسل زينب، وغسل أم كلثوم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كلتيهما ذلك؛ ويكون جمعًا بين الأحاديث.

وتقدم أن زينب توفيت سنة ثمان من الهجرة.

(فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسلنها) وجوبًا مرة واحدة عامة لبدنها؛ أي: بعد إزالة نجس إن كان.

قال في "شرح المقنع": الواجب غسل الميت غسلة واحدة؛ لأنه غسل واجب من غير نجاسة أصابته، فكان مرة واحدة كغسل الجنابة، قال عطاء: يجزيه غسلة واحدة إن أنقوه (2).

وقد روي عن الإمام أحمد: أنه قال: لا يعجبني إن غسل واحدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اغسلنها (ثلاثًا)(3)؛ أي: ندبًا على معتمد المذهب.

فالأمر للوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل، وللندب بالنسبة إلى الإيتار (4).

نعم، يكره الاقتصار على الواحدة؛ وفاقًا للثلاثة، ولا يجب فعل الغسل، فلو ترك تحت ميزاب ونحوه، وحضر أهل لغسله، ونوى، ومضى زمن يمكن غسله فيه، صح (5).

(أو خمسًا)، وفي رواية هشام بن حسان، عن حفصة: "اغسلنها وترًا:

(1) انظر: "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 649).

(2)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(6075).

(3)

انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (2/ 322).

(4)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 164).

(5)

انظر: "كشاف القناع" للبهوتي (2/ 93).

ص: 330

ثلاثًا، أو خمسًا" (1)، (أو أكثر من ذلك)، وفي رواية أيوب، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية: "ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا" (2).

قال في "الفتح": ولم أر في شيء من الروايات التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية لأبي داود (3)، وأما سواها؛ فإما "أو سبعًا" وإما "أو أكثر من ذلك"(4)، فيحتمل تفسير قوله:"أو أكثر من ذلك" بالسبع؛ وبه قال الإمام أحمد، فكره الزيادة على السبع.

وقال الماوردي: الزيادة على السبع سرف، انتهى (5).

قلت: تحرير مذهب الإمام أحمد على المعتمد: يسن التثليث في غسل الميت، فإن لم ينق بثلاث، زاد إلى سبع، فإن لم ينق بسبع، فالأولى غسله حتى يُنَقَّى، ويقطع على وتر من غير إعادة وضوء.

وإن خرج منه شيء بعد الثلاث، أُعيد وضوءه، ووجب غسلُه كلما خرج، إلى سبع.

وإن خرج منه شيء من السبيلين أو غيرهما بعد السبع، غسلت النجاسة، ووضىء، ولا غسل، لكن يُحشى بالقطن، أو يُلَجَّم به؛ كما

(1) تقدم تخريجه عند مسلم برقم (939/ 41).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1200)، وعند مسلم برقم (939/ 39).

(3)

تقدم تخريجه عند أبي داود برقم (3146).

(4)

قلت: وهو ذهول عجيب من الحافظ رحمه الله؛ إذ قد رواه البخاري في "صحيحه"(1200)، من حديث أيوب، عن حفصة، عن أم عطية رضي الله عنها بلفظ قال فيه: "أغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن

"، الحديث، وهو الإسناد واللفظ نفسه الذي رواه أَبو داود، وأشار إليه الحافظ ابن حجر، والعصمة للَّه وحده.

(5)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 129).

ص: 331

تفعل المستحاضة، فإن لم يمسكه ذلك، حُشي بالطين الحُرِّ الذي له قوة تمسك المحل، ولا يكره حشو المحل إن لم يستمسك (1).

قال في "الفروع": فإن لم ينق بثلاث، زاد حتى ينقي اتفاقًا؛ يعني: من الأئمة الأربعة، ويقطع على وتر، ونقل الجماعة: لا يزاد على سبع، وجزم به جماعة، انتهى (2).

وقال الإمام أَبو حنيفة: لا يزاد على الثلاث -يعني: إن حصل بها الإنقاء-.

(إن رأيتن ذلك) -بكسر الكاف-؛ لأنه خطاب لمؤنثة (3)؛ أي: أَدَّاكنَّ اجتهادكنَّ إلى ذلك، بحسب الحاجة إلى الإنقاء، لا التشهي، فإن حصل الإنقاء بالثلاث، لم يزد عليها، وإلا، زيد وترًا حتى يحصل الإنقاء، وهذا بخلاف طهارة الحي؛ فإنه لا يزاد على الثلاث، والفرق: أن طهارة الحي محض تعبد، وهذا لمقصود النظافة.

قال في "شرح المقنع": فإن خرج من الميت نجاسة بعد الثلاث، وهو على مغتسله من قُبله أو دُبره، غسله إلى خمس، فإن خرج بعد الخمس، غسله إلى سبع، ويوضئه في الغسلة التي تلي خروج النجاسة، قال صالح: قال أبي: يوضأ الميت مرة واحدة، إلا أن يخرج منه شيء، فيعاد عليه الوضوء، وهذا قول ابن سيرين، وإسحاق.

واختار أَبو الخطاب: أنه يغسل موضع النجاسة، ويوضَّى، ولا تجب إعادة غسله، وهو قول الثوري، ومالك، وأبي حنيفة؛ لأن خروج النجاسة

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 337 - 338).

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 161).

(3)

انظر: "النكت على العمدة" للزركشي (ص: 159)

ص: 332

من الحي بعد غسله لا تبطله، فكذلك الميت.

وللشافعي قولان: كالمذهبين.

ولنا: أن القصد من غسل الميت: أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة، ألا ترى أن الموت جرى مجرى زوال العقل (1).

(بماء وسدر)، وتعلق بقوله:"اغسلنها"، ويقوم نحو السدر -كالخطمي- مقامه، قال القسطلاني: بل هو أولى في التنظيف، نعم السدر أولى؛ للنص عليه، ولأنه أمسك للبدن (2).

قال في "شرح المقنع": فإن لم يوجد السدر، غسله بما يقوم مقامه، ويقرب منه الخطمي، ونحوه؛ لحصول المقصود به، وإن غسله بذلك مع وجود السدر، جاز؛ لأن الشرع ورد بهذا لمعنى معقول، وهو التنظيف، فتعدى إلى كل ما وجد فيه المعنى (3).

تنبيه: ظاهر الحديث: أن المطلوب تكرير الغسلات به إلى أن يحصل الإنقاء.

قال في "شرح المقنع": المنصوص عن الإمام أحمد رضي الله عنه: أنه يستحب أن يغسل ثلاثًا بماء وسدر، قال صالح: قال أبي: الميت يغسل بماء وسدر الثلاث غسلات، قلت: فيبقى عليه؛ قال: أي شيء يكون هو أنقى له.

وذكر عن عطاء: أن ابن جريج قال له: إنه يبقى عليه السدر إذا غسله به كل مرة، قال عطاء: هو طهور.

(1) انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (2/ 323).

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (2/ 384).

(3)

انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (2/ 321).

ص: 333

واحتج الإمام أحمد: بحديث أم عطية هذا، وقال صلى الله عليه وسلم في المحرم:"اغسلوه بماء وسدر" متفق عليه (1).

قال: وذهب كثير من أصحابنا المتأخرين إلى أنه لا يترك في الماء سدر يغيره، ثم اختلفوا؛ فقال ابن حامد: يطرح في كل المياه شيء يسير من السدر لا يغيره؛ ليجمع بين العمل بالحديث، ويكون الماء ثابتًا على إطلاقه -يعني: لم يتغير بما يسلبه الطهورية-.

وقال القاضي، وأبو الخطاب: يغسل أول مرة بالسدر، ثم يغسل بعد ذلك بالماء القراح؛ فيكون الجميع غسلة واحدة، ويكون الاعتداد بالآخر دون الأول؛ لأن الإمام أحمد شبه غسله بغسل الجنابة، ولأن السدر إن غير الماء، سلبه الطهورية، وإن لم يغيره، فلا فائدة في ترك يسير -يعني: في الماء- لا يؤثر.

قال في "شرح المقنع": والأول ظاهر كلام الإمام، ويكون ذلك دالًا على أن تغيير الماء بالسدر لا يخرجه عن طهوريته (2).

قلت: الذي استقر عليه مذهبه: الثاني.

قال في "الإقناع"، وغيره: ويسن ضرب سدر ونحوه، فيغسل برغوته رأسه، ولحيته فقط، وبدنه بالثُّفْل (3)، ويكون السدر في كل غسلة، ثم يفيض الماء القَرَاح -أي: الخالص من السدر- على جميع بدنه، فيكون

(1) سيأتي تخريجه.

(2)

انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (2/ 321).

(3)

الثُّفل -بضم الثاء-: ما استقر تحت الشيء من كدرة. انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1256)، (مادة: ثفل).

ص: 334

ذلك غسلة واحدة، يجمع فيها بين السدر والماء القراح، يفعل ذلك ثلاثًا، إلا أن الوضوء في الأولى فقط (1).

وأما ظاهر رواية حنبل: فإنه إنما يجعل السدر في أول غسلة، واختاره جماعة؛ وفاقًا للشافعي، ونقل حنبل أيضًا: ثلاثًا بسدر، وآخرها بماء.

واختلف الحنفية: هل السدر في الثانية، أو في الثالثة (2)؟

ومذهب الشافعي -على ما نقله القسطلاني- كمعتمد ما استقر عليه مذهبنا (3).

وقال صلى الله عليه وسلم لأم عطية: (واجعلْنَ في) الغسلة (الأخيرة كافورًا)، وهو الطيب المعروف من شجر بجبال الهند والصين، يظل خَلْقًا كثيرًا، وتألفه النمورة، وخشبه أبيض هش، ويوجد في أجوافه الكافور، وهو أنواع، ولونه أحمر، وإنما يتبيض بالتصعيد؛ كما في "القاموس"(4).

وفي "تذكرة داود الأنطاكي" ما ملخصه: الكافور: اسم لِصمْغِ شجرة هندية، تكون بتخوم سرنديب وما يلي المحيط، وتعظم حتى تظل مئة فارس، خشبها سبط شديد البياض خفيف ذكي الرائحة، وليس لها زهر ولا حمل.

والكافور: إما متصاعدًا منها إلى خارج، وهو الرياحي.

وإما: موجود في داخل العود يتساقط إذا نشرت، وهو القيصوري -بالقاف والتحتية-، ويقال: بالفاء والنون-، ويصعد هذا فيلحق بالأول.

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 337).

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 162).

(3)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (2/ 386).

(4)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 606)، (مادة: كفر).

ص: 335

وإما: مختلط بالخشب غليظ خشن اللمس، فيه زرقة، ويسمى: الإزدار، والإذار، وهو أن يرض الخشب، ويعرى بالطبخ، ثم يصفى، وهذا هو كافور الموتى، ويسمى: أرغول (1).

(أو) قال عليه السلام: "اجعلن في الغسلة الأخيرة (شيئًا من كافور) "، شكٌّ من الراوي أيَّ اللفظين قال. والأولُ محمول على الثاني؛ لأنه نكرة في سياق الإثبات، فيصدق بكل شيء منه.

وحكمة جعله في الأخيرة من الغسلات: للطيب، ولتقوية بدن الميت وحفظه، إذ لو كان في غير الأخيرة، أذهبه الغسل بعدها، فلا يحصل الغرض من حفظه بدنَ الميت (2).

قال في "الفروع": ويَجعل في الأخيرة كافورًا، خلافًا لأبي حنيفة، قال: وفي مذهبه خلاف، ومن العجب أن بعض أصحابه خطَّأ من نقل عنه: لا يستحب (3).

ويجعل مع الكافور سدرًا؛ لأن في حديث أم سلمة: "إذا كان في آخر غسلة من الثالثة، أو غيرها، فاجعلْنَ ماء فيه شيء من كافور، وشيء من سدر، ثم اجعلي ذلك في خرقة جديدة، ثم أفرغيه عليها، وابدئي برأسها، حتى يبلغ رجليها"(4).

(1) انظر: "تذكرة أولي الألباب في الجامع للعجب العجاب" لداود بن عمر الأنطاكي (2/ 72).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 129).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 162).

(4)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(25/ 124)، و"البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 4)، لكن من حديث أم سليم رضي الله عنها.

ص: 336

والذي أفصح به كلام علمائنا، وغيرهم: أن يجعل ذلك في ماء، ويصب على الميت في آخر غسلة، وهذا ظاهر ما في "الصحيحين".

وقيل: إذا كمل غسله، طُيِّبَ بالكافور قبل التكفين (1). ويكره تركه؛ كما في "الأم" للإمام الشافعي (2)، وليكن بحيث لا يفحش التغير به إن لم يكن صلبًا (3).

والحكمة فيه: التطيب للمصلين، والملائكة، مع تقوية البدن، كما تقدم آنفًا، ودفعه الهوام، وردع ما يتحلل من الفضلات، ومنع إسراع الفساد إلى الميت، لشدة برده (4).

(فإذا فرغتن) من غسلها، (فآذننِي) -بمد الهمزة، وكسر المعجمة، وتشديد النون الأولى المفتوحة، وكسر الثانية-؛ أي: أعلمنني (5).

قالت أم عطية رضي الله عنها: (فلما فرغنا) -بصيغة الماضي لجماعة المتكلمين-، وللأصيلي: فرغن -بصيغة الماضي لجمع المؤنث الغائب- (6).

(آذناه)؛ أي: أعلمناه صلى الله عليه وسلم بفراغنا من غسلها، (فأعطانا حَقْوه) -بفتح الحاء المهملة، وقد تكسر، وهي لغة هذيل، بعدها قاف ساكنة-؛ أي:

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 132).

(2)

انظر: "الأم" للإمام الشافعي (1/ 265).

(3)

انظر: "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (1/ 334).

(4)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 129).

(5)

انظر: "النكت على العمدة" للزركشي (ص: 160)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 129).

(6)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 129).

ص: 337

إزاره، والحقو في الأصل: معقد الإزار -كما تقدم-، فسمي به ما يشد عليه توسعًا (1)، (فقال: أَشْعِرْنَها)؛ أي: بقطع همزة "أشعرنها"؛ أي: ابنته زينب، أو أم كلثوم -على الخلاف الذي تقدم- (به)؛ أي: حقوه صلى الله عليه وسلم؛ أي: اجعلنه شعارها؛ أي: ثوبها الذي يلي جسدها.

(تعني) أم عطية بقولها: "حقوه": (إزاره) عليه الصلاة والسلام، وإنما فعل ذلك: لينالها بركة ثوبه، وأَخَّره، ولم يناولهن إياه أولًا؛ ليكون قريبَ العهد من جسده الشريف، حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل، لا سيما مع قرب عهده بعرقه الكريم (2).

(وفي رواية) حفصة بنت سيرين، عن أم عطية بعد قوله:"أو خمسًا، (أو سبعًا) " بدل "أو أكثر من ذلك"؛ كما أشرنا إليه سابقًا، إذ لم تجتمع اللفظتان إلا عند أبي داود، كما مر آنفًا (3).

(وقال) عليه الصلاة والسلام، في هذه الرواية:(ابدأن) في غسلها (بميامنها) جمع ميمنة؛ لأنه كان يحب التيمن في شأنه كله (4)، (و) ابدأن أيضًا بـ (مواضع الوضوء منها)؛ لأن الحي يبدأ بالوضوء في غسله، ولشرف هذه الأعضاء.

(قالت أم عطية) رضي الله عنها: (ومشطناها) -بالتخفيف-؛ أي: سرحنا شعرها، (وجعلنا رأسها)؛ أي: شعر رأسها (ثلاثة قرون)؛ أي: ثلاثة ضفائر بعد أن حللناه بالمشط.

(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 210).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 129).

(3)

بل قد اجتمع اللفظان في رواية البخاري -كما تقدم-.

(4)

تقدم تخريجه.

ص: 338

وفي لفظ: فضفرنا ناصيتها، وقرنيها ثلاثة قرون، وألقيناها خلفها (1)، وهذا مذهب الإمام أحمد، والشافعية، وقال الحنفية: يُجعل ضفيرتان على صدرها.

قال في "الفروع": ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرون، ويسدل خلفها، وقال أَبو بكر: أمامها، لا أنه يضفر ضفرتين على صدرها، خلافًا لأبي حنيفة (2).

وذكر غير واحد من الحنفية: لا يضفر، ولكن يرسل مع خديها من بين يديها من الجانبين، ثم يرسل عليه الخمار؛ لأن ضفره يحتاج إلى تسريح، فيقطع وينتف.

وما في الحديث أصح وأثبت؛ وبه قال الشافعي، وإسحاق، وابن المنذر (3).

نعم، الإمام أحمد يكره تمشيط الشعر؛ لكونه يقطع الشعر وينتفه، وأنكر المشط، وتأول قول أم عطية:"مشطناها" على إرادة: "ضفرناها"، واللَّه أعلم (4).

* * *

(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 5).

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 163).

(3)

انظر: "الشرح الكبير" لابن أبي عمر (2/ 327).

(4)

انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 173).

ص: 339