المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٣

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الوتر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب بالذكر عقب الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌باب قصر الصلاة في السفر

- ‌باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب العيدين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب صلة الخوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الجنائز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الصيام

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌[كتاب] الصوم في السفر وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب أفضل الصيام

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ

‌الحديث الثاني

عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي كِتَابٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ في دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ"، ثُمَّ وَفَدْتُ بَعْدُ عَلَى مُعَاوِيةَ، فَسَمِعْتُهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِذَلِكَ (1).

= من غير ضرورة؟! الجواب: أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: التسبيح والتكبير عقب الصلاة مستحب ليس بواجب، ومن أراد أن يقوم قبل ذلك، فله ذلك، ولا ينكر عليه، وليس لمن أراد فعل المستحب أن يتركه، ولكن ينبغي للمأموم ألّا يقوم حتى ينصرف الإمام، أي: ينتقل عن القبلة، ولا ينبغي للإمام أن يقعد بعد السلام مستقبل القبلة إلا مقدار ما استغفر ثلاثًا، ويقول، "اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والاكرام"، وإذا انتقل الإمام، فمن أراد أن يقوم قام، ومن أحب أن يقعد يذكر اللَّه فعل ذلك، انتهى. وانظر:"مجموع الفتاوى"(22/ 492) وما بعدها.

(1)

* تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (808)، كتاب: صفة الصلاة، باب: الذكر بعد الصلاة، و (5971)، كتاب: الدعوات، باب: الدعاء بعد الصلاة، و (6241)، كثاب: القدر، باب: لا مانع لما أعطى اللَّه، ومسلم (593/ 137 - 138)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته، وأبو داود (1505)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقول =

ص: 58

وفي لَفْظٍ: وكَانَ يَنْهَى عَنْ قِيل وَقَالٍ، وَإضَاعَةِ المَالِ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ البَنَاتِ، وَمَنعٍ وهَاتِ (1).

* * *

(عن) أبي سعيد (وراد) -بفتح الواو، وتشديد الراء، وآخره دال مهملة- الثقفي، من التابعين، وكان (مولى المغيرة بن شعبة) رضي الله عنه، وكاتبه، يروي عنه: الشعبي، ورجاء بن حيوة، وعبد الملك بن عمير، وغيرهم، وهو كوفي، أخرج له الجماعة (2).

= الرجل إذا سلم، والنسائي (1341، 1342)، كتاب: السهو، باب: عدد التهليل والذكر بعد التسليم.

(1)

رواه البخارى (6862)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما يكره من كثرة السؤال، وتكليف مالا يعنيه، ومسلم (593)، (3/ 1341)، كتاب: الأقضية، باب: النهى عن كثرة المسائل من غير حاجة. ورواه البخاري (1407)، كتاب: الزكاة، باب: قول اللَّه تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]، و (2277)، كتاب: الاستقراض وأداء الديون والتفليس، باب: ما ينهى عن إضاعة المال، و (5630)، كتاب: الأدب، باب: عقوق الوالدين من الكبائر، و (6108)، كتاب: الرقاق، باب: ما يكره من قيل وقال، بألفاظ مختلفة.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 543، 5/ 569)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 165)، و"شرح مسلم" للنووى (5/ 90، 12/ 10)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 90)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 644)، و"فتح الباري" لابن رجب (5/ 251)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 125). و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 331، 10/ 406)، و"عمدة القاري" للعيني (6/ 132، 12/ 247)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 197، 4/ 162)، و "نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 346).

(2)

وانظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (9/ 48)، و"الثقات" لابن =

ص: 59

(قال) ورَّاد -رحمه اللَّه تعالى-: (أملى)؛ أي: ألقى (عليَّ المغيرةُ) بأن كان يسمي له، ويكتب ما يسميه له (بنُ شعبة) وتقدمت ترجمة المغيرة رضي الله عنه، في باب: المسح على الخفين (في كتاب) كتبه (إلى معاوية) بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وكان المغيرة إذ ذاك أميرًا على الكوفة، من قبل معاوية، وسبب ذلك: أن معاوية كتب إليه: اكتب لي بحديث سمعته من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، يقوله خلف الصلاة (1)، فكتب:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة) قيدها بالمكتوبة؛ كما في بعض طرق البخاري (2).

وأما لفظ مسلم: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة، وسَلَّم (3)، كأنه لِمَا فهم من قرينة الحال في السؤال.

واستدل به على العمل بالمكاتبة، وإجرائها مجرى السماع في الرواية، ولو لم تقترن بالإجازة، وعلى الاعتماد على خبر الشخص الواحد (4).

(لا إله إلا اللَّه) لا معبود بحق في الوجود إلا اللَّه سبحانه وتعالى (وحده لا شريك له)، لا في ملكه، ولا في ذاته، ولا في صفاته، (له الملك) المطلق الحقيقي، وما سواه لا ملك له على الحقيقة، وإنما هو بتمليكه سبحانه، (وله الحمد) زاد الطبراني من طريق أخرى، عن المغيرة:

= حبان (5/ 498)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (62/ 427)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 441)، و"تهذيب الكمال" للمزي (30/ 431)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (11/ 100).

(1)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (6241).

(2)

تقدم تخريجه عنده برقم (808).

(3)

تقدم تخريجه عنده برقم (593/ 137).

(4)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 332).

ص: 60

يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وإليه المصير، (وهو على كل شيء قدير) ورواة الطبراني موثوقون (1)، وثبت مثله عند البزار، من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بسند ضعيف، لكن في القول: إذا أصبح، وإذا أمسى (2).

(اللهم) تقدم أن الميم عوض عن حرف النداء (لا مانع لما)؛ أي: الشيء الذي (أعطيت) من الخير، (ولا معطي لما منعت) من ذلك (ولا ينفع ذا الجد)، قال القاضي عياض في "المشارق": روي بفتح الجيم وكسرها، والمشهور فيه الفتح؛ أي: البخت، والحظ، والعظمة، والسلطان، وقيل: الغنى، والمال (3).

قال الخطابي: الجد: الغنى، ويقال: الحظ (4).

(منك) قال في "الفتح": "من" في قوله: "منك" بمعنى: البدل، قال الشاعر (5):[من البحر الطويل]

فليتَ لنا من ماءِ زمزَم شربةً

مبردَةً باتَتْ على الطَّهيان

(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(926). وانظر: "مجمع الزوائد" للهيثمي (10/ 103).

(2)

رواه البزار في "مسنده"(1051).

(3)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 142)، وقد أنكر أبو عبيد في "غريب الحديث"(1/ 257 - 258) رواية الكسر.

(4)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 332). وانظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/ 258).

(5)

هو الأحول الكندي، كما في "معجم البلدان" لياقوت (4/ 52)، و"لسان العرب" لابن منظور (15/ 17)، و"شرح الحماسة" للمرزوقي (1/ 300)، و"خزانة الأدب" للبغدادى (2/ 404). والطهيان: اسم قلة جبل بعينه.

ص: 61

يريد: ليت لنا بدل ماء زمزم (1).

وفي "الصحاح": معنى "منك" هنا: عندك؛ أي: لا ينفع ذا الغنى عندك غناه، إنما ينفعه العمل الصالح (2).

وقال ابن التين: الصحيح عندي: أنها ليست بمعنى البدل، ولا عند، بل هو كما تقول: لا ينفعك مني شيء إن أنا أردتك بسوء.

قال في "الفتح": ولم يظهر من كلامه معنى، ومقتضاه: أنها بمعنى عند، أو فيه حذف تقديره: من قضائي، أو سطوتي، أو عذابي (3).

واختار الشيخ جمال الدين في "المغني": أنها هنا بمعنى: البدل (4).

وقال ابن دقيق العيد: قوله: "منك" يجب أن يتعلق بـ "ينفع"، وينبغي أن يكون "ينفع" قد ضمن معنى: يمنع، وما قاربه، ولا يجوز أن يتعلق "منك" بالجد؛ كما يقال: حظي منك قليل، أو كثير، بمعنى: عنايتك بي، أو رعايتك لي؛ فإن ذلك نافع، انتهى (5).

(الجد) قال في "الفتح": مضبوط في جميع الروايات بفتح الجيم، ومعناه: الغنى؛ كما نقله البخاري، وعن الحسن: الحظ (6)، وحكى

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 332).

(2)

انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 452)، (مادة: جدد).

(3)

انظر: "فتح البارى" لابن حجر (2/ 332).

(4)

انظر: "مغني اللبيب" لابن هشام (ص: 422).

(5)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 91).

(6)

عبارة الحافظ ابن حجر في "الفتح"(2/ 332): مضبوط في جميع الروايات بفتح الجيم، ومعناه: الغنى، كما نقله المصنف -يعني: البخاري- عن الحسن، أو الحظ، وحكى الراغب

إلى آخر كلامه، وانظر:"صحيح البخاري"(1/ 289).

ص: 62

الراغب: أن المراد به هنا: أبو الأب؛ أي: لا ينفع أحدًا نسبه.

قال القرطبي: حكي عن أبي عمرو الشيباني: أنه رواه -بالكسر-، وقال: معناه: لا ينفع ذا الاجتهاد اجتهاده، وأنكره الطبري (1)؛ لأن الاجتهاد في العمل نافع؛ لأنه سبحانه دعا الخلق إلى ذلك، فكيف لا ينفع عنده؟ قاله القزاز.

وقال: ويحتمل أن يكون المراد: أنه لا ينفع الاجتهاد في طلب الدنيا، وتضييع أمر الآخرة.

وقال غيره: لعل المراد: لا ينفع بمجرده، ما لم يقارنه القبول، وذلك لا يكون إلا بفضل اللَّه سبحانه، ورحمته (2).

وقال النووي: الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور: أنه بالفتح، وهو الحظ في الدنيا بالمال، أو الولد، أو العظمة، أو السلطان، والمعنى: لا ينجيه حظه منك، وإنما ينجيه فضلك، ورحمتك (3).

فينبغي استعمال هذا الذكر بعد الصلاة؛ لما اشتمل عليه من التوحيد، ونسبة الأفعال إلى اللَّه سبحانه؛ من المنع، والإعطاء، وتمام القدرة.

قال وراد: (ثم وفدت)؛ أي: قدمت؛ كما في لفظ، يقال: وفد إليه، وعليه، يفد وفدًا، ووفودًا، ووفادة، وإفادة: قدم؛ كما في "القاموس"(4)(بعد) ذلك (على معاوية)؛ يعني: إلى الشام، (فسمعته)؛ أي: سمع ورادٌ معاويةَ (يأمر الناس بذلك)؛ أي: أمرَ ندب واستحباب.

(1) انظر: "المفهم" للقرطبي (2/ 84).

(2)

انظر: "فتح البارى" لابن حجر (2/ 332).

(3)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (4/ 196).

(4)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 417)، (مادة: وفد).

ص: 63

وفيه: المبادرة إلى امتثال السنن، وإشاعتها، والاعتناء بها (1).

وزعم بعضهم: أن معاوية رضي الله عنه كان قد سمع الحديث المذكور، وإنما أراد استثبات المغيرة، واحتج بما في "الموطأ"، من وجه آخر عن معاوية: أنه كان يقول على المنبر: أيها الناس! إنه لا مانع لما أعطى اللَّه، ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد، من يرد اللَّه به خيرًا يفقهه في الدين، ثم يقول: سمعته من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على هذه الأعواد (2).

فائدة: اشتهر على الألسنة في هذا الذكر المذكور زيادة: "ولا راد لما قضيت"، وهي في "مسند عبد بن حميد"، ولكن حذف قوله:"ولا معطي لما منعت"(3)، ووقع عند الطبراني تامًا من وجه (4).

ووقع عند الإمام أحمد، والنسائي، وابن خزيمة؛ من طريق هشيم، عن عبد الملك بالإسناد، أنه: كان يقول الذكر المذكور ثلاث مرات (5).

تتمة: روى الترمذي، وغيره، وقال: حسن صحيح، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، مرفوعًا: "من قال في دبر صلاة الفجر، وهو ثانٍ

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 333).

(2)

رواه الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 900)، وكذا الإمام أحمد في "المسند"(4/ 93).

(3)

رواه عبد بن حميد في "مسنده"(391)، من طريق عبد الرزاق في "المصنف"(19638).

(4)

الطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 133)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(4981).

(5)

الإمام أحمد في "المسند"(4/ 250)، والنسائي (1343)، كتاب: السهو، باب: كم مرة يقول ذلك، وابن خزيمة في "صحيحه"(742).

ص: 64

رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتب اللَّه له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، فكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه، وحرس من الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم، إلا الشرك باللَّه" (1).

قال في "المذهب"، وغيره: يستحب هذا في الفجر فقط، بناء على ما رواه من الخبر.

ورواه النسائي في "اليوم والليلة" كذلك (2).

ورواه أيضًا عن معاذ رضي الله عنه مرفوعًا (3). ورواه الإمام أحمد من حديث شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، وعبد الرحمن مختلف في صحبته، وقال فيه:"صلاة المغرب والصبح"(4).

قال في "الفروع": ولهذا مناسبة، ويكون الشارع شرعه أول النهار، وأول الليل؛ ليحترس به من الشيطان فيهما، قال: ويتوجه أن قوله: "قبل أن يتكلم"؛ أي: بالكلام الذي كان ممنوعًا منه في الصلاة، أو يكون المراد: قبل أن يتكلم مع غيره (5).

وروى أبو داود، من حديث عبد الرحمن بن حسان، عن مسلم بن الحارث التميمي، عن أبيه، وقيل: الحارث بن مسلم، عن أبيه: أن

(1) رواه الترمذي (3474)، كتاب: الدعوات، باب:(63).

(2)

رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(127).

(3)

رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(126).

(4)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 227).

(5)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 395).

ص: 65

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسر إليه، فقال:"إذا انصرفت من صلاة المغرب، فقل: اللهم أجرني من النار، سبع مرات"، وفي رواية:"قبل أن تكلم أحدًا؛ فإنك إذا قلت ذلك، ثم مت في ليلتك، كتب لك جوارٌ منها، وإذا صليت الصبح، فقل مثل ذلك، فإنك إن مت من يومك، كتب لك جوارٌ منها"، قال الحارث: أسرها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ونحن نخص بها إخواننا. وكذا رواه الإمام أحمد، وفي لفظه:"قبل أن تكلم أحدًا من الناس"(1).

وروى الترمذي، وقال: غريب، عن عمارة بن شبيب، مرفوعًا:"من قال: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات على إثر المغرب، بعث اللَّه له مسلحة يحفظونه [من الشيطان] حتى يصبح، وكتب له عشر حسنات موجبات، ومحي عنه عشر سيئات موبقات، وكانت له بعدل عشر رقاب مؤمنات". ورواه النسائي في "اليوم والليلة"(2).

ورواه أيضًا، فقال عمارة بن شبيب: إن رجلًا من الأنصار حدثه، فذكر نحوه (3).

قال في "الفروع": وإسنادهما جيد، وقيل: ابن شبيب لا صحبة له.

قال: ويتوجه إليه حيث ذكر العدد في ذلك، فإنما قصد ألا ينقص منه،

(1) رواه أبو داود (5079)، كتاب: الأدب، باب: ما يقول إذا أصبح، والإمام أحمد في "المسند"(4/ 234)، والنسائي في "السنن الكبرى"(9939)، وابن حبان في "صحيحه"(2022).

(2)

رواه الترمذي (3534)، كتاب: الدعوات، باب:(98)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(577)، وفي "السنن الكبرى"(10413)، وغيرهما.

(3)

رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(578).

ص: 66

أما الزيادة، فلا تضر، لا سيما عن غير قصد؛ إذ الذكر مشروع في الجملة، فهو يشبه المقدر في الزكاة إذا زا [د] عليه، واللَّه تعالى الموفق (1).

(وفي لفظ)، أي: وأملى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه على وراد، فيما كتبه لمعاوية رضي الله عنه:(وكان) رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (ينهى عن قيل وقال) -بفتح اللام من غير تنوين، على سبيل الحكاية-، قال الجوهري:"قيل وقال": اسمان، يقال: كَثُرَ القيلُ والقال (2). كذا جزم بأنهما اسمان، وأشار إلى الدليل على ذلك بدخول الألف واللام عليهما، ومثله في "القاموس"(3).

والمراد في الحديث: الإشارة إلى كراهة كثرة الكلام؛ لأنها تؤول إلى الخطأ، وإنما كرره للمبالغة في الزجر عنه، هذا على كونهما مصدرا: قال يقول.

وقيل: المراد: النهي عن حكاية أقاويل الناس، والبحث عنها ليخبر عنها، فيقول: قال فلان كذا، وقيل له كذا، والنهي عنه إما للزجر عن الاستكثار منه، أو لشيء مخصوص منه؛ وهو ما يكرهه المحكي عنه.

وقيل: إن المراد بذلك حكاية الاختلاف في أمور الدين؛ كقوله: قال فلان كذا، وقال فلان كذا، ومحل كراهة ذلك: أن يكثر من ذلك، بحيث لا يؤمن مع الإكثار من الزلل، أو هو مخصوص بمن ينقل ذلك من غير تثبت، ولكن يقلد من سمعه، ولا يحتاط له (4).

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 398).

(2)

انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 1806)، (مادة: قول).

(3)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1358)، (مادة: قول).

(4)

قاله المحب الطبري، كما نقله عنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(10/ 407).

ص: 67

ويؤيد ذلك الحديث الصحيح: "كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع" أخرجه مسلم (1)، وقال بعض السلف: لا يكون إمامًا من حدث بكل ما سمع (2).

(و) كان ينهى عليه الصلاة والسلام عن (إضاعة المال) قال ابن دقيق العيد: حقيقته المتفق عليها: بذله في غير مصلحة دينية أو دنيوية، وذلك ممنوع؛ لأن اللَّه تعالى جعل الأموال قيامًا لمصالح العباد، وفي تبذيرها تفويتٌ لتلك المصالح. وأما بذله وكثرة إنفاقه في تحصيل مصالح الآخرة، فلا يمنع منه، وقد قالوا: لا سرف في الخير، وأما إنفاقه في مصالح الدنيا، وملاذ النفس، على وجه لا يليق بحال المنفق، وقدر ماله؛ فهو إسراف على المشهور (3).

قال في "الفتح": حمله الأكثر على الإسراف في الإنفاق، وقيده بعضهم بالإنفاق في الحرام، والأقوى: أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعًا، سواء كانت دينية أو دنيوية.

والحاصل في كثرة الإنفاق، ثلاثة أوجه:

الأول: إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعًا: فلا شك في منعه.

الثاني: إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعًا، فلا شك في كونه مطلوبًا،

(1) رواه مسلم (5)، في المقدمة، باب: النهي عن الحديث بكل ما سمع، وأبو داود (4992)، كتاب: الأدب، باب: في التشديد في الكذب، عن حفص بن عاصم، وأبي هريرة رضي الله عنهما، وهذا لفظ أبي داود.

(2)

رواه الخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(2/ 109)، عن عبد الرحمن بن مهدي.

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 91).

ص: 68

اللهم إلا أن يفوت حقًا أخرويًا أهم منه، فلا ينبغي أن يشرع له حينئذ.

الثالث: إنفاقه في المباحات بالأصالة؛ كملاذ النفس، وشهواتها، فهذا ينقسم على قسمين:

أحدهما: أن يكون على وجه يليق بحال المنفق، وبقدر ماله، فهذا ليس بإسراف.

والثاني: ما لا يليق به عرفًا، وهو أيضًا ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: ما يكون لدفع مفسدة؛ إما ناجزة، أو متوقعة، فهذا ليس بإسراف -أيضًا-.

والثاني: ما لا يكون في شيء من ذلك، فالجمهور على أنه إسراف.

وقال الباجي من المالكية: يكره كثرة إنفاقه في مصالح الدنيا، ولا بأس به إذا وقع نادرًا لحادث يحدث؛ كضيف، أو عيد، أو وليمة، ومما لا خلاف في كراهته: مجاوزة الحد في الإنفاق على البناء زيادة على قدر الحاجة، ولا سيما إن أضاف إلى ذلك المبالغة في الزخرفة، ومنه احتمال الغبن الفاحش في البياعات بغير سبب.

ولا يختص منع إضاعة المال في المعاصي بارتكاب الفواحش، بل يدخل فيه سوء القيام على الرقيق والبهائم حتى يهلكوا، ودفع مال من لم يؤنس منه الرشد إليه، وقسمة ما لا ينتفع بجزئه، كالجوهرة [النفيسة](1).

وفي "الفروع" للإمام ابن مفلح: من أراد الصدقة بماله كله؛ فإن كان وحده، وعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة: جاز، قال:

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 408).

ص: 69

والدليل يقتضي الاستحباب، وجزم به في "منتهى الغاية"(1)، وغيرها؛ وفاقًا للشافعية.

وذكر القاضي عياض المالكي: أنه جوزه جمهور العلماء، وأئمة الأمصار.

وقال الطبري: المستحب الثلث.

قال في "الفروع": قال أصحابنا: وإن لم يعلم -يعني: من نفسه حسن التوكل والصبر-: لم يجز، ذكره أبو الخطاب، وغيره، ويمنع من ذلك، ويحجر عليه.

وقال الموفق: يكره؛ وفاقًا للشافعية، وإن كان له عائلة، ولهم كفاية، أو يكفيهم بمكسبه: جاز؛ لقصة الصديق رضي الله عنه، وإلا فلا.

وفي "السر المصون"(2) للحافظ ابن الجوزي: الإمساك في حق الكرام جهاد؛ كما أن إخراج ما في يد البخيل جهاد، والحاجة تحوج إلى كل محنة. وبعدُ فإذا صدقت نية العبد وقصده، رزقه اللَّه وحفظه من الذل، ودخل في قوله:{وَمَن يَتَّقِ اَللَّهَ} الآية [الطلاق: 2]، انتهى (3).

(و) كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن (كثرة السؤال). اختلف في المراد به؛ هل هو

(1) كتاب: "منتهى الغاية في شرح الهداية لأبي الخطاب" لأبي البركات عبد السلام بن عبد اللَّه مجد الدين ابن تيمية، المتوفى سنة (652 هـ). قال ابن رجب: بيض منه أربع مجلدات كبار إلى أوائل الحج، والباقي لم يبيضه. انظر:"ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب (2/ 252)، و"هدية العارفين" للبغدادي (1/ 570)، و"المدخل المفصل" لبكر أبو زيد (2/ 714، 982)، و"معجم مصنفات الحنابلة" للطريقي (3/ 177).

(2)

في مجلد، كما ذكر ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 417).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 490 - 491).

ص: 70

راجع إلى الأمور العلمية؟ فقد كانوا يكرهون تكلف المسائل التي لا تدعو الحاجة إليها، وفي الحديث:"أعظم الناس جرمًا عند اللَّه، من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين، فحرم عليهم من أجل مسألته"(1).

قال في "الفتح": حمله بعض العلماء إلى أن المراد به: كثر [ة] السؤال عن أخبار الناس، وأحداث الزمان، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله؛ فإن ذلك مما يكرهه المسؤول غالبًا.

وقد ثبت النهي عن الأغلوطات، أخرجه أبو داود من حديث معاوية (2)؛ وهي شداد المسائل وصعابها، وثبت عن جمعٍ من السلف: كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة، أو يندر جدًا، وإنما كرهوا ذلك؛ لما فيه من التنطع، والقول بالظن؛ إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ (3).

وأما كراهة النبي صلى الله عليه وسلم كثرة المسائل، وعيبه لها؛ وكذا قوله تعالى:{لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، فذلك خاص بزمان الوحي، ويشير إليه حديث:"أعظم الناس جرمًا عند اللَّه" الحديث (4).

أو هو راجع إلى سؤال المال، وقد وردت أحاديث تعظيم مسألة الناس، ولا شك أن بعض سؤال الناس أموالهم ممنوع، وذلك حيث يكون الإعطاء

(1) رواه مسلم (2358)، كتاب: الفضائل، باب: توقيره صلى الله عليه وسلم، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(2)

رواه أبو داود (3656)، كتاب: العلم، باب: التوقي في الفتيا، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 435)، والطبراني في "المعجم الكبير"(19/ 389)، وغيرهم.

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 407).

(4)

تقدم تخريجه قريبًا.

ص: 71

بناء على ظاهر الحال، ويكون الباطن خلافه، أو يكون السائل مخبرًا عن أمر هو كاذب فيه.

وقد جاء في السنة ما يدل على اعتبار ظاهر الحال في هذا، وهو ما روي: أنه مات رجل من أهل الصفة، وترك دينارين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كَيَّتان"(1)، وإنما كان ذلك -واللَّه أعلم-؛ لأنهم كانوا فقراء مجردين يأخذون، ويتصدقون عليهم بناء على الفقر والعدم، فلما ظهر معه هذان الديناران، على خلاف ظاهر حاله، أخبر المعصوم بماله، وحذر مثل حاله (2).

فقد روى البيهقي، من حديث مسعود بن عمرو رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أتي برجل يصلي عليه، فقال:"كم ترك؟ " قالوا: دينارين، أو ثلاثة، قال:"ترك كيتين، أو ثلاث كيات"، فلقيت عبد اللَّه بن القاسم مولى أبي بكر، فذكرت له ذلك، فقال: ذاك رجل كان يسأل الناس تكثرًا (3).

ومما ينبغي أن يعلم: أن السؤال لا يمنع مطلقًا، ولا يباح مطلقًا، بل يختلف الحكم بحسب الحال؛ فمن أبيح له أخذ شيء من الزكاة، أبيح له

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 405)، وأبو يعلى في "مسنده"(4997)، وابن حبان في "صحيحه"(3263)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(6962)، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه.

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 92).

(3)

كذا نسبه المنذري في "الترغيب والترهيب"(1/ 324)، من رواية البيهقي عن مسعود بن عمرو، وعنه نقل الشارح رحمه الله. والذي في "شعب الإيمان" للبيهقي (3515): أنه رواه من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني، به إلى أبي هريرة رضي الله عنه. وهي الطريق نفسها التي أشار إليها المنذري، واللَّه أعلم.

ص: 72

سؤاله، نص عليه الإمام أحمد، وفاقًا لمالك، والشافعي، فالغنى في باب الزكاة نوعان: نوع يوجبها، ونوع يمنعها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على السُّؤَّال إذا كانوا من أهلها.

وعن الإمام أحمد: يحرم السؤال لا الأخذ، على من له قوت يومه غداء وعشاء. ذكر ابن عقيل: أنه اختاره جماعة؛ وفاقًا لأبى حنيفة، فيكون قولًا ثالثًا: يمنع السُّؤَّال.

وذكر الحافظ ابن الجوزي في "المنهاج": إن علم أنه يجد من يسأله كل يوم: لم يجز إن يسأله أكثر من قوت يوم وليلة، وإن خاف ألا يجد من يعطيه، أو خاف أن يعجز عن السؤال أبيح له السؤال أكثر من ذلك، ولا يجوز له -في الجملة- أن يسأل فوق ما يكفيه لسنته، وعلى هذا ينزل الحديث:"في الغنى خمسين درهمًا"(1)، فإنها تكفي المنفرد المقتصد لسنة؛ كما في "الفروع"(2).

وقال ابن حزم: اتفقوا على أن المسألة حرام على كل قوي على الكسب، أو غني، إلا من تحمل حمالة، أو سأل سلطانًا، أو ما لا بد منه،

(1) رواه أبو داود (1626)، كتاب: الزكاة، باب: من يعطى من الصدقة، وحد الغنى، والنسائي (2592)، كتاب: الزكاة، باب: حد الغنى، والترمذي (650)، كتاب: الزكاة، باب: ما جاء من تحل له الزكاة، وابن ماجه (1840)، كتاب: الزكاة، باب: من سأل عن ظهر غنى، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا:"من سأل وله ما يغنيه، جاءت يوم القيامة خموش، أو خدوش، أو كدوح في وجهه"، فقيل: يا رسول اللَّه! وما الغنى؟ قال: "خمسون درهمًا، أو قيمتها من الذهب".

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 451).

ص: 73

واتفقوا أن ما كان أقل من مقدار قوت اليوم، فليس غنًى؛ كذا قال (1).

وروى أبو داود، من حديث سهل بن الحنظلية رضي الله عنه، قال: قدم عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس؛ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فسألاه، فأمر معاوية، فكتب لهما ما سألا، فأما الأقرع، فأخذ كتابه، فلفه في عمامته، وانطلق، وأما عيينة، فأخذ كتابه، وأتى به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد! أتراني حاملًا إلى قومي كتابًا لا أدري ما فيه، كصحيفة المتلمس؟! فأخبر معاوية بقوله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار".

قال النفيلي -وهو أحد رواته-: قالوا: وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: "قدر ما يغديه ويعشيه" هذا لفظ أبي داود (2).

ورواه ابن حبان في "صحيحه"، وقال فيه:"من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من جمر جهنم"، قالوا: يا رسول اللَّه! وما يغنيه؟ قال: "يغديه، أو يعشيه"(3) كذا عنده: أو يعشيه، بألف.

ورواه ابن خزيمة باختصار، إلا أنه قال: قيل: يا رسول اللَّه! وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: "أن يكون له شبع يوم وليلة، أو ليلة ويوم"(4).

قوله في الحديث: "كصحيفة المتلمس" هذا مثل تضربه العرب لمن

(1) انظر: "المحلى" لابن حزم (9/ 138، 158).

(2)

رواه أبو داود (1629)، كتاب: الزكاة، باب: من يعطى من الصدقة، وحد الغنى.

(3)

رواه ابن حبان في "صحيحه"(3394).

(4)

رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(2391).

ص: 74

حمل شيئًا لا يدري هل يعود عليه بنفع، أو ضر؟ وأصله: أن المتلمس -واسمه عبد المسيح- قدم هو وطرفة العبدي على الملك عمرو بن المنذر، فأقاما عنده، فنقم عليهما أمرًا، فكتب إلى بعض عماله يأمره بقتلهما، وقال لهما: إني قد كتبت لكما بِصِلة، فاجتازا بالحيرة، فأعطى المتلمسُ صحيفته صبيًا، فقرأها، فإذا فيها الأمر بقتله، فألقاها، وقال لطرفة: افعل مثل فعلي، فأبى، ومضى إلى عامل الملك، فقرأها وقتله (1).

قال الخطابي: اختلف الناس في تأويل هذا الحديث:

فقال بعضهم: من وجد غداء يومه وعشاءه، لم تحل له المسألة، على ظاهر الحديث.

وقال بعضهم: إنما هو فيمن وجد غداء وعشاء على دائم الأوقات، فإذا كان عنده ما يكفيه لقوته المدة الطويلة، حرمت عليه المسألة.

وقال آخرون: هذا منسوخ بالأحاديث التي فيها تقدير الغنى بملك خمسين درهمًا، أو قيمتها، أو بملك أوقية، أو قيمتها (2).

قال الحافظ المنذري: ادعاء النسخ مشترك بينهما، ولا أعلم مرجحًا لأحدهما على الآخر.

قال: وقد كان الشافعي رضي الله عنه يقول: قد يكون الرجل بالدرهم غنيًا مع كسبه، ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه، وكثرة عياله (3).

(1) انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (1/ 326).

(2)

انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 58).

(3)

انظر: "الأم" للإمام الشافعي (2/ 74).

ص: 75

قال: وقد ذهب سفيان الثوري، وابن المبارك، والحسن بن صالح، والإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه: إلى أن من له خمسون درهمًا، أو قيمتها من الذهب، لا يدفع إليه شيء من الزكاة.

وكان الحسن البصري، وأبو عبيد يقولان: من له أربعون درهمًا، فهو غني.

وقال أصحاب الرأي: يجوز دفعها إلى من يملك دون النصاب، وإن كان صحيحًا مكتسبًا، مع قولهم: من كان له قوت يومه، لا يحل له السؤال، استدلالًا بهذا الحديث، وغيره، انتهى (1).

قلت: معتمد المذهب للإمام أحمد: إناطة الحكم بالكفاية، هذا الذي استقر عليه المذهب؛ فمن ملك نقدًا، ولو خمسين درهمًا فأكثر، أو قيمتها من الذهب، أو غيره، ولو كثرت قيمته لا يقوم بكفايته: فليس بغني، فيأخذ تمام كفايته سنة، واللَّه أعلم (2).

قال العلامة ابن مفلح في "الفروع": كره صلى الله عليه وسلم كثرة المسألة مع إمكان الصبر والتعفف، فكان ذلك سببًا لعدم البركة (3). يشير لحديث معاوية، مرفوعًا:"إنما أنا خازن، فمن أعطيته عن طيب نفس، فيبارك له فيه، ومن أعطيته عن مسألة وشره، كان كالذي يأكل ولا يشبع"(4).

وفي لفظ: "لا تلحفوا في المسألة، فواللَّه! لا يسألني أحد منكم شيئًا،

(1) انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (1/ 326).

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 445).

(3)

المرجع السابق، (2/ 453).

(4)

رواه مسلم (1037)، كتاب: الزكاة، باب: النهي عن المسألة.

ص: 76

فتخرج له مسألته مني شيئًا، وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته" (1) رواهما مسلم (2).

وقد ذكر بعض العلماء هذا في المسألة المحرمة، وفي حديث أبي سعيد، مرفوعًا:"فمن يأخذ مالًا بحقه، فيبارك له فيه، ومن يأخذ مالًا بغير حقه، فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع" متفق عليه (3).

قال في "الفروع": ويتوجه عدول من أبيح له السؤال، إلى رفع قصة، أو مراسلة، قال مطرف بن الشِّخِّير فيمن له إليه حاجة: ليرفعها في رقعة، ولا يواجهني بها، فإني أكره أن أرى في وجه أحدكم ذل المسألة؛ وكذا روي عن يحيى بن خالد بن بَرْمَك (4)، وتمثل فقال:[من الكامل]

ما اعتاضَ باذلُ وجهه بسؤاله

عوضًا ولو نالَ الغِنى بسؤال

وإذا السؤال مع النوال وَزَنْتَه

رجحَ السؤال وخفَّ كلُّ نوال (5)

(1) جاء على هامش الأصل المخطوط: "هنا نقص، فليراجع الحديث". ا. هـ. قلت: لا نقص في الحديث الذي أورده الشارح رحمه الله، وهو كذلك في "صحيح مسلم".

(2)

رواه مسلم (1038)، كتاب: الزكاة، باب: النهي عن المسألة.

(3)

رواه البخاري (1396)، كتاب: الزكاة، باب: الصدقة على اليتامى، ومسلم (1052)، كتاب: الزكاة، باب: تخوف من زهرة الدنيا، واللفظ له.

(4)

هو أبو علي يحيى بن خالد بن بَرْمَك، وزير هارون الرشيد، ومؤدبه، كان المهدي قد ضمَّ هارون الرشيد إليه، وجعله في حجره، فلما استخلف هارون، عرف ليحيى حقه، وكان يعظمه، وإذا ذكره، قال: أبي، وجعل إصدار الأمور وإيرادها إليه، إلى أن نكب هارون البرامكة، فغضب عليه، وأدخله الحبس إلى أن مات سنة (190 هـ). انظر:"تاريخ بغداد" للخطيب (14/ 128).

(5)

البيتان منسوبان إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما في "ديوانه" (ص: 154). كما نسب إلى محمد بن عبد اللَّه المؤدب، كما ذكر ابن حبان في =

ص: 77

(وكان) صلى الله عليه وسلم (ينهى) نهي تحريم (عن عقوق)؛ أي: إيذاء (الأمهات)، يقال: عق والده يعقه عقوقًا، فهو عاق: إذا آذاه وعصاه، وخرج عليه، وهو ضد البرِّ به، وأصله من العق، وهو: الشق والقطع (1)، والأمهات: جمع أمهة (2)، وهي لمن يعقل، بخلاف لفظ أم، فإنه أعم (3).

وإنما خص الأمهات بالذكر، وإن كان عقوق الآباء، وغيرهم من ذوي الحقوق عظيمًا؛ فلمزية قبحه، وعظم جرمه (4)، وفي الحديث الصحيح:"عقوق الوالدين من الكبائر"(5).

وفي "الصحيحين"، وغيرهما، عن أبي بكرة رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " ثلاثًا، قلنا: بلى يا رسول اللَّه، قال:"الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين" وكان متكئًا فجلس، فقال:"ألا وقولُ الزور، وشهادة الزور"، فما زال يكررها، حتى قلنا: ليته سكت (6).

= "روضة العقلاء"(ص: 146). وانظر: "حلية الأولياء" لأبي نعيم (2/ 210)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (58/ 330) وانظر:"الفروع" لابن مفلح (2/ 453 - 454).

(1)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 277)، و"المحكم" لابن سيده (1/ 54).

(2)

قاله الجوهري، كما في "الصحاح" له (5/ 1863)، (مادة: أمم).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 406).

(4)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 92).

(5)

علقه البخاري في "صحيحه"(5/ 2229)، فقال: باب: "عقوق الوالدين من الكبائر" قاله عبد اللَّه بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وسيأتي تخريجه قريبًا.

(6)

رواه البخاري (5631)، كتاب: الأدب، باب: عقوق الوالدين من الكبائر، ومسلم (87)، كتاب: الإيمان، باب: بيان الكبائر، وأكبرها، واللفظ له.

ص: 78

وأخرج البخاري، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الكبائر: الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس"(1).

وأخرج البخاري، ومسلم، والترمذي، وغيرهم، عن أنس رضي الله عنه، قال: ذكر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الكبائر، فقال:"الشرك باللَّه، وعقوق الوالدين"، الحديث (2).

وأخرج النسائي، والبزار، واللفظ له، بإسنادين جيدين، والحاكم وصححه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال:"ثلاثة لا ينظر اللَّه إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، والرجلة من النساء"(3).

قال الحافظ المنذري: الديوث: بتشديد الياء، الذي يقر أهله على الزنا، مع علمه بهم، والرجلة -بفتح الراء، وكسر الجيم-: هي المترجلة؛ أي: المتشبهة بالرجال (4).

وفي حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، مرفوعًا: "ثلاثة حرم اللَّه-

(1) رواه البخاري (6289)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: اليمين الغموس.

(2)

رواه البخاري (2510)، كتاب: الشهادات، باب: ما قيل في شهادة الزور، ومسلم (88)، كتاب: الإيمان، باب: بيان الكبائر، وأكبرها، والترمذي (1207)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في التغليظ في الكذب والزور ونحوه.

(3)

رواه البزار في "مسنده"(8/ 147 - 148 - "مجمع الزوائد" للهيثمي)، والنسائي (2562)، كتاب: الزكاة، باب: المنان بما أعطى، والحاكم في "المستدرك"(244، 7235).

(4)

انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (3/ 223).

ص: 79

تبارك وتعالى- عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث الذي يقر الخبث في أهله" رواه الإمام أحمد، واللفظ له، والنسائي، والبزار، والحاكم وصححه (1).

وفي "الصحيحين"، وغيرهما، عنه مرفوعًا:"من الكبائر: شتمُ الرجل والديه"، قالوا: يا رسول اللَّه! وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: "نعم، يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه"(2).

فعلى الولد طاعة والديه، وأن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وأن يدعو لهما، ولا يصدر منه ما يتأذى به الوالد من قول، أو فعل، إلا في شرك، أو معصية، ما لم يتعنَّت الوالد.

وضبطه ابن عطية: بوجوب طاعتهما في المباحات فعلًا وتركًا، واستحبابها في المسنونات، وفروض الكفايات كذلك، ومنه: تقديمهما عند تعارض الأمرين، وهو كمن دعته أمه ليمرضها مثلًا، بحيث يفوت عليه فعل واجب إن استمر عندها، ويفوت ما قصدته من تأنيسه لها، وغير ذلك، أن لو تركها وفعله، وكان مما يمكن تداركه مع فوات الفضيلة؛ كالصلاة أول الوقت، أو في الجماعة (3).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 69)، لكن من حديث عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، بلفظ:"ثلاثة قد حرم اللَّه عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر أهله في الخبث". وقد تقدم قريبًا تخريجه عند النسائي والبزار والحاكم.

(2)

رواه البخاري (5628)، كتاب: الأدب، باب: لا يسب الرجل والديه، ومسلم (90)، كتاب: الإيمان، باب: بيان الكبائر، وأكبرها.

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 406).

ص: 80

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الذي ينتفع فيه الأبوان، ولا يتضرر هو بطاعتهما فيه قسمان:

قسم يضرهما تركه: فهذا لا يستراب في وجوب طاعتهما فيه، بل هذا يجب عنده للجار.

وقسم ينتفعان به، ولا يضره: فتجب طاعتهما فيه، لكن إن شق عليه، ولم يضره: وجب، وأما ما كان يضره طاعتهما فيه: فلا تجب طاعتهما في ذلك المضر له.

وإنما لم يقيده الإمام، بل قال: بر الوالدين واجب ما لم يكن معصية؛ لأن فرائض اللَّه تعالى من الطهارة، وأركان الصلاة، والصوم تسقط بالضرر، فبر الوالدين لا يتعدى ذلك.

وذكر أبو البركات ابن تيمية: أن الوالد لا يجوز له منع ولده من السنن الراتبة.

قال في "الآداب": كل ما تأكد شرعًا، لا يجوز له منع ولده؛ فلا يطيعه فيه، واللَّه الموفق (1).

(ووأد)؛ أي: دفن (البنات).

قال في "الفتح": الوأد -بسكون الهمزة-: هو دفن البنات بالحياة، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك؛ كراهة فيهن.

ويقال: إن أول من فعل ذلك: قيس بن عاصم التميمي، وكان بعض أعدائه أغار عليه، فأسر بنته، فاتخذها لنفسه، ثم حصل بينهم صلح، فخير

(1) انظر: "الآداب الشرعية" لابن مفلح (2/ 64 - 65)، وكذا ما نقله الشارح رحمه الله هنا عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وعن أبي البركات -رحمهما اللَّه-.

ص: 81

ابنته، فاختارت زوجها، فآلى قيس على نفسه ألا تولد له بنت إلا دفنها حية، فتبعه العرب على ذلك، وكان من العرب فريق ثان، يقتلون أولادهم مطلقًا، إما نفاسة منه على ما ينقصه من ماله، وإما من عدم ما ينفقه عليه.

وقد ذكر اللَّه تعالى أمرهم في عدة آيات؛ كقوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (1)[التكوير: 8، 9].

يقال: وأدها يئدها وأدًا: فهي موءودة، وفي الحديث:"الوئيد في الجنة"(2)؛ أي: الموءود، فعيل بمعنى مفعول (3).

قال في "الفتح": وكان صعصعة بن ناجية التميمي، وهو جد الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة: أولَ من فدى الموءودة، وذلك أنه كان يعمد إلى من يريد أن يفعل ذلك، فيفدي الولد منه بمال يتفقان عليه، وإلى ذلك أشار الفرزدق بقوله:[من المتقارب]

وجَدِّي الذي منعَ الوائداتِ

وأحيا الوئيدَ فلم يُوأَدِ (4)

قال: وهذا محمول على الفريق الثاني -يعني: الذي كان يفعل الوأد؛ لعدم ما ينفقه على الولد، أو لئلا ينقصه ماله-، وقد بقي كل واحد من

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 406).

(2)

رواه أبو داود (2521)، كتاب: الجهاد، باب: في فضل الشهادة، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 58)، وغيرهما، عن خنساء بنت معاوية الصريمية، عن عمها، به.

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 142).

(4)

انظر: "الآحاد والمثاني" لابن أبي عاصم (2/ 404)، و"المعجم الكبير" للطبراني (7412)، و"المستدرك" للحاكم (6562)، و"لسان العرب" لابن منظور (3/ 442)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (3/ 430).

ص: 82

قيس بن عاصم، وصعصعة بن ناجية التميميين، إلى أن أدرك الإسلام، ولهما صحبة.

وإنما خص البنات في الحديث بالذكر؛ لأنه كان الغالب من فعلهم؛ لأن الذكور مظنة القدرة على الاكتساب، وكانوا في صفة الوأد على طريقين:

أحدهما: أن يأمر امرأته إذا اقترب وضعها، أن تطلق بجانب حفيرة قد أعدتها؛ فإن وضعت ذكرًا، أبقته، وإن وضعت أنثى، طرحتها في الحفيرة، وهذا لائق بالفريق الأول.

ومنهم: من كان إذا صارت البنت سداسية، قال لأمها: طيبيها وزينيها، لأزور بها أقاربها، ثم يبعد بها في الصحراء حتى يأتي البئر، فيقول لها: انظري فيها، فيدفعها من خلفها، ويطمُّها.

قال في "الفتح": وهذا لائق بالفريق الثاني، كذا قال (1).

(و) كان عليه الصلاة والسلام نهى عن (منع وهات).

قال ابن دقيق العيد: هذا راجع إلى السؤال، مع ضميمة النهي عن المنع، وهو يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون النهي عن المنع حيث يؤمر بالإعطاء، وعن السؤال حيث يمنع منه؛ فيكون كل واحد مخصوصًا بصورة غير صورة الآخر.

والثاني: أن يجتمعا في صورة واحدة، ولا تعارض بينهما، فيكون وظيفة الطالب ألا يسأل، ووظيفة المسؤول ألا يمنع إن وقع السؤال، وهذا

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 406 - 407).

ص: 83

لابد أن يستثنى منه ما إذا كان المطلوب محرمًا على الطالب؛ فإنه يمتنع من إعطائه؛ لئلا يكون معينًا على الإثم.

ويحتمل: أن يكون الحديث محمولًا على الكثرة من السؤال (1).

وفي "النهاية": معناه: ينهى عن منع ما عليه إعطاؤه، وطلب ما ليس له (2).

وفي "الفتح": قوله: "ومنع وهات" -بسكون النون-: مصدر منع يمنع، وأما هات -فبكسر المثناة-: فعل أمر من الإيتاء، قال الخليل: أصل هات: آت، فقلبت الألف هاء (3).

والحاصل من النهي: منع ما أمر بإعطائه، وطلب ما لا يستحق أخذه، ويحتمل أن يكون النهي عن السؤال مطلقًا، واللَّه الموفق (4).

* * *

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 92 - 93).

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 365).

(3)

انظر: "العين" للخليل بن أحمد (8/ 146)، (مادة: أتو).

(4)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 406).

ص: 84